نظم كل من البيت العربي في مدريد والمنتدى الثقافي النمساوي حفلتين موسيقيتين للفنانة السورية بسمة جبر، التي قدمت ألبومها الأخير “فرات”، في كل من مدن مدريد وقرطبة وإشبيلية الإسبانية. حيث رافقها في جولتها عازف العود السوري الفنان مهند ناصر، وعازف آلات النفخ الإسباني الفنان أوسكار أنتولي. وذلك في أيام 20 و21 و29 أيار/ مايو 2025م، حيث تعاون البيت العربي في مدريد والمنتدى الثقافي النمساوي مرة أخرى من أجل تسليط الضوء على ما كان قد تم إنجازه وتقديمه للمرة الأولى في فيينا، وجاب المدن الإسبانية الثلاث في هذه الجولة الإسبانية.
و”فرات” هو مشروع موسيقي يعيد إحياء الأغاني القديمة للمغنيات السوريات اللاتي عشن بين عامي 1920 و1960 بالقرب من نهر الفرات وقدمن روائع غنائية بأسلوب فريد ومعاصر لعصرهن. وقد اجتمعت المغنية بسمة جبر مع المنتج وعازف العود مهند ناصر في مغامرة زمنية لإصدار وإنتاج هذا الألبوم حيث أنجزت بسمة ألبومها المنفرد الأول هذا في عام 2023، والذي يُعدّ شهادةً على مسيرتها الموسيقية الواسعة والاستثنائية، مُبرزةً ببراعةٍ فنيةٍ استثنائية، وكما قد صرحت: “فرات هو مشروعي المحبوب الذي كرّستُ له قلبي وروحي لفترةٍ طويلة”.
إن صوت المغنية السورية بسمة جبر الرقيق والقوي، إلى جانب روحانية الفنان السوري مهند ناصر الفريدة، يُشكلان ثنائيًا ساحرًا ومتناغمًا، يأخذ المستمعين في رحلة عاطفية وموسيقية عبر عوالم مختلفة، بين الموسيقى العربية والجاز والفلامنكو. ومع الكلارينيت الذي يُكمل اللحن بقوة عاطفية، مع نغمات الباس الدافئة، كي ينجز مزيجًا نابضًا ومتناغمًا، يُعزز الإيقاع الموسيقي، ويرتقي بها إلى مستوى جديد. حيث تسعى بسمة، تلك المرأة السورية الشرقية، إلى مواصلة مسيرة هؤلاء المطربات العظيمات. تحترم موسيقاهن وتراثهن الغني وتُحافظ عليه، بينما تُناسب جمهورًا مُعاصرًا. مؤكدة على أنها رحلة موسيقية غنية تمزج بين الأصالة والحداثة. حيث يكتمل التشكيل بأوسكار أنتولي على الكلارينيت والكافال، وهما آلتا النفخ اللتان تضيفان كثافة نابضة بالحياة إلى اللحن.
يمتاز صوت المغنية السورية بسمة جبر بالقوة والرقة
إن مشروع “فرات” الذي قدمته بسمة في إسبانيا هو خليط من أغانٍ قديمة، جولة من الماضي والحاضر، ومن سنوات رحلة بسمة المشابهة لرحلة معظم السوريين والفلسطينيين، ورحلة موسيقاها بين سورية ثم تركيا ثم مدينة فيينا في النمسا بتوزيع يلعب بين الماضي والحاضر وتأثر غني لا بد منه بتيارات موسيقية جديدة بسبب الهجرة، حيث دمجت موسيقى المشروع الموزعة بين الفلامنكو والمقامات العربية بين آلة العود العربية مع آلات الإيقاع والكلارينيت والكافال الغربية.
قدمت بسمة في حفلاتها الثلاث في المدن الإسبانية الثلاث أغاني ألبوم “فرات” التي شملت كلًا من أغنية “أسمر” وهي تراث سوري للمغنية سحر المقلي، والأغنية المعروفة والتي تفاعل معها الجمهور وغناها “شباكك مطفي” من كلمات الشاعر السوري عدنان عودة وألحان الموسيقي السوري إياد ريماوي، ثم الأغنية القادمة من التراث العراقي “تجفي” وهي من كلمات الشاعر عبد الكريم العواف وتلحين عزوري هارون، وأغنية “سليمى” القديمة والمعروفة جدًا في الوجدان السوري والعربي، من كلمات نوفل إياس وموسيقى خالد أبو النصر، كما احتوى الألبوم أيضًا على أغنية “هذي الروح” المشهورة في كل أرجاء الوطن العربي لأنها كانت شارة مسلسل “مطلوب رجال” من إخراج سامي الجنادي وسامر البرقاوي.
“تقديم الألبوم في المدن الإسبانية ذات الثقافة العربية الأندلسية شكل تجربة فريدة، حيث تحس الفنانة وكأن الأماكن هنا تردد صوتها وتعيده وتعرفه”
بالإضافة إلى ذلك، فقد أشرف المخرج حاتم علي على المسلسل، حيث غناها معها الجمهور، بكل شغف وهي من كلمات أدهم مرشد والموسيقى أيضًا لإياد ريماوي، كما قدمت أغنية “في حال” من كلمات وألحان عبد الله غباش، ثم جاءت الأغنية الفلسطينية اللبنانية المعروفة والرائعة “على طريق عيتيت”، من كلمات وألحان وليم نصار، وقد صرحت بسمة: “إنه لا يمكن أن يكون لها مشروع مثل مشروع فرات وألا يحمل في روحه ما تحمله هي في روحها دائمًا عن فلسطين، ففلسطين هي جرح كل عربي، وهي دواؤه”. كما احتوى الألبوم على مقطوعة “شهر الفراق” الموسيقية للموسيقي مهند ناصر التي تضج بالحنين وبألم النفي القسري الذي عاشه السوريون والفلسطينيون، والتي انتهت بأغنية تعود للتراث الشعبي في الجنوب السوري غنتها بسمة وهي “ومنين أبدى يا قلبي لو قلت فنون”، لتأتي بعدها أغنية “في الظلمة” وهي من كتابة وتلحين الفنان فريد عصفن، لينتهي الألبوم بأغنية “محرمة” وهي أغنية شعبية من تراث منطقة السويداء في الجنوب السوري.
وحول ما شكلته هذه الجولة الإسبانية لها، صرحت الفنانة السورية بسمة جبر بأن تقديمها لهذا الألبوم في المدن الإسبانية ذات الثقافة العربية الأندلسية الواضحة بكل تفاصيلها، شكل بالنسبة لها تجربة فريدة جدًا مختلفة عن كل تجارب تقديمها في المدن الأوروبية الأخرى، إذ تحس وكأن الأماكن هنا تردّد صوتها وتعيده وتعرفه، مضيفة أن الحضور متنوع الجنسيات كان جميلًا جدًا ويعطي الثقة بأن ما نحاول تقديمه هنا في أوروبا مع كل ما نحمل من إرثنا الحضاري والموسيقي، قادر على الوصول إلى الآخرين المختلفين بما يحمل من قدرة حية على التواصل، على الرغم من عدم فهم معظم الحضور للكلمات العربية.
أما عن الحضور السوري في هذه الفعاليات الثلاث، فقد أكدت بسمة على أنه كان مذهلًا ودافئًا وأعطاها الكثير من الألفة، والدعم، فليس أجمل للفنان من أن يسمع جمهوره يغني معه أغانيه بكل تلك الحماسة وبكل ذلك الحب.
بسمة جبر مغنية سورية مقيمة في النمسا
وقد جاء في بروشور الدعوة لهذه الفعاليات الثلاث على صفحة البيت العربي في مدريد:
بسمة جبر: مغنية سورية مقيمة في النمسا، تأثرت تجربتها الموسيقية وتطورت بتوجهات وألوان موسيقية متنوعة. إلى جانب عملها كمغنية في فرق موسيقية متنوعة، ساهمت جبر أيضًا في أعمال مسرحية وأفلام عالمية. على مر السنين، طورت جبر أسلوبًا مميزًا يقدم الموسيقى العربية التقليدية بطريقة جديدة وآسرة، مستكشفةً المقام ودامجة عناصر موسيقى الجاز مع التأثيرات المعاصرة. ولطالما سعت إلى تبادل الخبرات والمعارف مع موسيقيين من خلفيات موسيقية مختلفة، وهو ما يميز إبداعها حتى اليوم.
مهند ناصر: عازف عود وملحن سوري. أثبت نفسه كموسيقي مبتكر ومبدع، ويتمتع بخبرة سنوات في المشهد الموسيقي الشرق أوسطي وخبرة واسعة في تدريس الموسيقى الشرقية. دفعته رغبته العميقة في مشاركة مفهومه الموسيقي إلى تطوير مشروعه التعليمي “اليوم معاصر، اليوم تراث الغد”، والذي حصل من خلاله على درجة الماجستير من كلية بيركلي للموسيقى المرموقة. في بيركلي، عزف مقطوعة “ساندانس البحر الأبيض المتوسط” مع عازف الجيتار العالمي الشهير آل دي ميولا. وبعد حصوله على تعليم جيد في المعهد العالي للموسيقى بدمشق، طور مهاراته في العزف على العود، حيث قام بتكييفه مع مختلف الأنواع الموسيقية، بما في ذلك الكلاسيكية والجاز والموسيقى البرازيلية والفلامنكو.
أوسكار أنتولي: عازف إسباني تخرج من قسم دراسات الجاز والموسيقى الحديثة من المدرسة العليا للموسيقى في كاتالونيا (ESMUC)، وحصل على ماجستير في الموسيقى التركية من جامعة كودارتس للفنون في روتردام. يتأرجح عزفه بين هذين الأسلوبين الموسيقيين، حيث يكتب ويؤدي مؤلفات موسيقية مستوحاة من الثقافات الموسيقية المتوسطية. وُلد في طرطوشة (شبه الجزيرة الأيبيرية)، وهو فنان مقيم في فيينا، وقد أتيحت له فرصة العزف في مهرجانات جاز مثل طوكيو، وأثينا، وبيرغن، وطنجة، وآرهوس، وماستريخت، وجنوب تيرول، وسكاربورو، وغيرها.
شارك هذا المقال