ملخص
كل التجارة المخالفة للعقوبات الأميركية والأوروبية يسيطر عليها الحرس الثوري ويحقق من ورائها مليارات الدولارات سنوياً. أي اتفاق مع الولايات المتحدة وأوروبا يعني عودة التجارة الطبيعية وهذا يهدد المليارات التي يجنيها رجال الحرس الثوري، لذلك سيحاولون عرقلة أي اتفاق، ورأينا ذلك مرات عدة في الماضي.
هذا الموضوع متكرر لكن الأسئلة حوله لا تتوقف، لا يمكن لإيران أن تغلق مضيق هرمز، وليس من صالحها أن تغلقه أو أن تسبب أية مشكلات فيه، لكن بعض الفئات الإيرانية أو عملاء إيران من مناطق مختلفة يمكنهم التسبب في بعض المشكلات كالهجوم على بعض السفن أو وضع ألغام بحرية.
وبفرض أن الحكومة الإيرانية قررت عرقلة الملاحة في المضيق، فإنها تستطيع ذلك فترة قصيرة جداً فقط، وذلك بسبب وجود قطع بحرية عسكرية أميركية وأوروبية وهندية وخليجية في المنطقة ستجبر القوات الإيرانية على الانسحاب وعلى تحييد أية مصادر على الأرض تضرب السفن، لكن الواقع أن مجرد الهجوم الإسرائيلي على إيران ورد إيران يزيد من أخطار الملاحة في الخليج ويرفع رسوم التأمين للسفن الخارجة من كل موانئ المنطقة، ويرفع أسعار النفط.
أهمية مضيق هرمز
يمر في المضيق أكثر من 20 مليون برميل يومياً من النفط، وهي كميات تمثل نحو 30 في المئة من تجارة النفط العالمية البحرية وخُمس الاستهلاك العالمي من النفط، كذلك يمر منه نحو 85 مليون طن من الغاز المسال سنوياً، التي تمثل نحو 21 في المئة من تجارة الغاز المسال العالمية.
يمر في المضيق ما بين 1000 و1200 سفينة شهرياً، وجزء كبير من واردات دول المنطقة من الحبوب والمواد الغذائية والإلكترونيات والسيارات والأدوات المنزلية والآلات والأسلحة والمعادن ومواد البناء، وأيضاً بعض الصادرات غير النفطية من المنطقة، والتي تشمل صادرات إيران من المنتجات الزراعية، وأغلب واردات إيران البحرية تأتي عبر المضيق.
لا يمكن إغلاق مضيق هرمز للأسباب التالية:
المضيق واسع ولا يمكن لإيران إغلاقه، بخاصة أن ممرات السفن تقع في الجزء العماني من المضيق بسبب عمقه مقارنة بالجانب الإيراني. تمر السفن الداخلة للخليج في ممر عرضه ميلان، وتخرج من ممر آخر عرضه ميلان، وبين الممرين مسافة ميلين، وحتى في حال غرق سفينة في هذه الممرات فإن ذلك لا يعرقل الملاحة لأن البحر في تلك المنطقة عميق بما فيه الكفاية.
المضيق محمي بقطع بحرية من دول عدة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والهند، وموجود أغلبها في المياه الدولية، كذلك فإن هناك تحالفاً دولياً من 34 دولة له مركز في البحرين لحماية الملاحة في الخليج والمضيق. وتشير الدراسات العسكرية التي ركزت على المضيق إلى أنه يمكن للبحرية الإيرانية أن تغلق المضيق لبضع ساعات بعدها ستنسحب بسبب القوات الدولية وقد يؤدي ذلك إلى تدمير البحرية الإيرانية بالكامل.
ماذا تعني زيارة الرئيس ترمب دولا خليجية لأسواق الطاقة؟
ليس من صالح إيران إغلاق المضيق لأن أغلب صادراتها ووارداتها تمرّ في المضيق، وهذا يتضمن مواد غذائية من التي يستخدمها الإيرانيون بصورة يومية. بعبارة أخرى، يمكن خنق إيران من طريق إغلاق المضيق ولكن لا يمكن لإيران أن تخنق الآخرين إذا أغلقت المضيق.
أكبر الخاسرين من غلق المضيق بعد إيران هم حلفاء إيران، بخاصة الصين. أغلب النفط والغاز الخارج من الخليج يذهب إلى آسيا وليس إلى الولايات المتحدة أو بريطانيا. وتشير البيانات إلى أن نحو 83 في المئة من النفط الخارج من مضيق هرمز يذهب إلى آسيا بينما يذهب نحو 7.5 في المئة إلى أوروبا، أما بالنسبة إلى الغاز المسال فنحو 87 في المئة يذهب إلى آسيا، بعبارة أخرى، ستخسر إيران أصدقاءها إذا عرقلت الملاحة في المضيق.
نظراً إلى العقوبات الاقتصادية فإن النظام الإيراني بحاجة ماسة إلى المال، ومن ثم فإن وقف صادرات النفط والمواد البتروكيماوية يهدد وجود النظام، لهذا لن يلجأ إلى تبني سياسات تهدد وجوده.
لا يتوقع أن تلجأ الحكومة الإيرانية إلى أي فعل يسيء إلى العلاقة مع دول الخليج ودول آسيا التي تتعامل معها، أو أي فعل يسيء إلى سمعتها، لكن لاحظ عزيزي القارئ أني قلت “الحكومة” ولم أذكر “النظام”. مشكلة إيران أن هناك حكومة رسمية تغلفها مجموعات قوية من المؤسسات غير الرسمية، والمجموع يشكل النظام. هذه الفِرق لها مصالح مختلفة وأحياناً تتعارض مع بعضها بعضاً، والتعارض بين مصالح الحرس الثوري مثلاً، والحكومة، أو إيران كدولة، واضحة تماماً. هذه المجموعات غير الرسمية تسيطر على تجارة النفط الدولية، وعلى تجارة إيران غير النفطية بما فيها كل شيء تستورده طهران.
كل التجارة المخالفة للعقوبات الأميركية والأوروبية يسيطر عليها الحرس الثوري ويحقق من ورائها مليارات الدولارات سنوياً. أي اتفاق مع الولايات المتحدة وأوروبا يعني عودة التجارة الطبيعية وهذا يهدد المليارات التي يجنيها رجال الحرس الثوري، لذلك سيحاولون عرقلة أي اتفاق، ورأينا ذلك مرات عدة في الماضي. هذه العرقلة تتضمن تفجير سفن في الخليج أو المضيق، كما حصل في الماضي، وقد يسببون مشكلات تؤدي إلى عرقلة الملاحة، كذلك قد يقوم أعوان النظام الإيراني في المنطقة بأعمال تخريبية تعرقل الملاحة في الخليج والمضيق، لكن هذه العمليات لن توقف مرور السفن، بل ستؤخرها. أية عمليات تخريبية من هذا النوع تؤدي عادة إلى رفع كلف التأمين، ومن ثم تزيد من كلف النفط الخليجي أو من كلف البضائع القادمة إلى الخليج.
خلاصة الأمر أن إيران لا تستطيع إغلاق مضيق هرمز، وليس من صالحها أصلاً إغلاق المضيق، ولا يتوقع أن تقوم الحكومة الإيرانية بأي فعل يؤثر سلباً في الملاحة بالخليج، لكن قد تقوم فئات تابعة للنظام الإيراني وليس للحكومة بأعمال تخريبية تؤدي إلى عرقلة الملاحة في الخليج والمضيق. أما بالنسبة إلى أسعار النفط، فقد انخفضت اليوم كما توقع كاتب هذا المقال منذ الجمعة الماضي، لكن استمرار الحرب يعني مزيداً من الذبذبة في الأسعار.