–
ما كانت العملية العسكرية، التي أطلقتها إسرائيل ضدّ إيران فجر يوم الجمعة الفائت، لتحصل لولا موافقة الولايات المتحدة. لكنّ الدور الأميركي، كما يتضح يوماً بعد يوم، لم يقتصر فقط على إعطاء ضوْء أخضر لإسرائيل لضرب إيران، بل يتجاوز ذلك إلى التنسيق الكامل معها، وصولاً إلى أبسط التفاصيل، بما في ذلك عملية التضليل الاستراتيجي التي وقعت إيران ضحيّة لها. ويتبين اليوم أن الاجتماع في البيت الأبيض، في 7 إبريل/ نيسان الماضي، بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب، كان مفصلياً في هذا الإطار. في ذلك الوقت، قرأت وسائل الإعلام إعلان ترامب ذهابه إلى مفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي بأنه نكسة لنتنياهو، الذي بدا وكأنّه تفاجأ به، فيما كان يحاول تسويق فكرة ضرب إيران. وقد طغت أخبار ما اعتُبر اجتماعاً سيئاً لنتنياهو في واشنطن على الإنذار الذي كان ترامب قد وجهه (قبل ذلك بثلاثة أسابيع) في صيغة رسالة مباشرة (نقلتها الإمارات) إلى المرشد الإيراني، علي خامنئي، يمهله فيها 60 يوماً للتوصل إلى اتفاق “وإلا سيواجه الأسوأ”. في الأثناء، كانت الولايات المتحدة تشنّ حملة جوّية كبيرة لتحييد القدرات الصاروخية لجماعة الحوثي في اليمن، قال البنتاغون، في نهايتها، إنه قضى على جزءٍ معتبر منها. في هذه الفترة تحديداً ضجّت وسائل الإعلام بأخبار وجود خلافات عميقة بين ترامب ونتنياهو بشأن غزّة وإيران واليمن، إذ دخلت واشنطن في مفاوضات مع حركة حماس لإطلاق سراح محتجز إسرائيلي يحمل الجنسية الأميركية، وتوصّلت إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار مع جماعة الحوثي، من دون إعلام إسرائيل في الحالتَين. وتولّى ترامب نفسه تغذية الانطباع بوجود خلافاتٍ عميقةٍ مع نتنياهو حول إيران، فحذّره مراراً (وعلناً) من اتخاذ أي خطوةٍ تخرّب مفاوضاته معها. وفوق ذلك، سوّقت فكرة أن ترامب طرد مستشاره للأمن القومي، مايك وولتز، لأنه كان ينسّق مع إسرائيل بخصوص ضرب إيران، ولا يلتزم بسياسة رئيسه الذي يفضّل الحلّ الدبلوماسي.
التفصيل المهم بعد ذلك الاجتماع في واشنطن في 9 الشهر الماضي (مايو/ أيار)، بين الرئيس ترامب ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، وأقرب ثقات نتنياهو، رون ديرمر. أثار الاجتماع اهتماماً في ذلك الوقت، لأن من غير المعتاد أن يجتمع رئيس أميركي مع وزير أجنبي. نقل ديرمر لترامب ما يقال إنها دلائل قاطعة على أن إيران اتخذت قراراً بتصنيع سلاح نووي، وأنها تستخدم المفاوضات غطاءً لكسب الوقت، ريثما تعلن نفسها قوة نووية. وكان لافتاً أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أعلنت عشيّة الضربة الإسرائيلية (12 يونيو/ حزيران الجاري) أنه ما عاد بإمكانها تأكيد الطبيعة السلمية للبرنامج النووي الإيراني. ودخل المدير العام للوكالة، روفائيل غروسي، على الخطّ ليتهم إيران بأنها تخصّب اليورانيوم في ثلاثة مواقع غير معلنة، وأنها باتت في خرقٍ لالتزاماتها بعدم الانتشار النووي. وكان هذا الإعلان بمثابة العلم الأحمر الذي ارتفع في وجه ترامب. ويبدو أن إيران، التي هالها انهيار استراتيجيتها الدفاعية في مواجهة إسرائيل بعد الضربة التي تلقّاها حزب الله في سبتمبر/ أيلول 2024، وسقوط النظام السوري بعد شهرين، قد قرّرت بالفعل الذهاب باتجاه امتلاك سلاح نووي، خياراً وحيداً متبقّياً أمامها للدفاع عن نفسها.
أبلغ ترامب ديرمر أنه ما زال يريد اتفاقاً مع إيران، لكنّه سيعطي إسرائيل حرّية التحرّك ضدّها، في حال انتهاء مهلة الستّين يوماً دون ذلك. في الأثناء، كانت إدارة ترامب تسرّع عملية تسليم إسرائيل طائرات التزود بالوقود في الجو، وتملأ مخازنها بالأسلحة تمهيداً لضرب إيران، في حال فشلت المفاوضات. ساعدت واشنطن في تحقيق عنصر المفاجأة عندما أعلنت جولة سادسة من المفاوضات في مسقط (15 يونيو الجاري)، لكن قرار الضربة كان قد اتُّخذ بالفعل، عشية انتهاء مهلة الستّين يوماً. وفيما يعتقد ترامب أنه يستخدم نتنياهو أداة للضغط على إيران لدفعها للقبول بشروطه والحصول على اتفاقه، يحاول نتنياهو توريط ترامب في الحرب، ليس لتدمير برنامجَي إيران النووي والصاروخي فقط، وهو ما يعني إسرائيل، بل ليسوّق لترامب فكرة أنه يستطيع حتى تغيير التوجّهات الاستراتيجية للنظام الإيراني، وربّما إسقاطه، بما يؤدّي إلى طرد الصين من إيران، والقضاء على مشروع الحزام والطريق، وفتح إيران أمام الشركات الأميركية. هل يقتنع ترامب ويدخل الحرب؟ هذا سؤال تجيب عنه الأيام المقبلة.
google newsتابع آخر أخبار العربي الجديد عبر Google News