مضيق هرمز الذي لم تغلقه إيران يوماً جيرار ديب…المصدر :العربي الجديد

في تهديد واضح، في خضمّ المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، قال القيادي في الحرس الثوري الإيراني، البرلماني إسماعيل كوثري (14 يونيو/ حزيران الجاري)، إن سلطات بلاده تضع “إغلاق مضيق هرمز قيد الدراسة”، مضيفاً أن بلاده “ستتخذ أفضل قرار بهذا الشأن بكلّ حزم”. ويقع المضيق في الجزء الشرقي لمياه الخليج العربي والجزء الشمالي الغربي لخليج عُمان، اللذين يشكّلان لسانَين بحريَّين متّصلَين بالمحيط الهندي. ويحدّ المضيق من الشمال والشرق إيران، ومن الجنوب سلطنة عُمان، التي تشرف على حركة الملاحة البحرية فيه، لأن ممرّ السفن يأتي ضمن مياهها الإقليمية. ويتّفق الخبراء على أهمية المضيق التي ازدادت بشكل ملحوظ، مع اكتشاف النفط في إيران والجزيرة العربية بداية القرن الماضي. وجوهر أهميته في أنه ممرّ ضروري لتجارة النفط والغاز العالمية. لذلك، يعرّفه خبراء الطاقة وشركات الملاحة بأنه “العنق الرئيس للعالم”، و”نقطة الاختناق”، التي تأتي في مقدّمة ثماني نقاط رئيسة في العالم، تُعدّ معبراً لنحو 20 مليون برميل من النفط يومياً. ليست المرّة الأولى التي تطلق القيادة في إيران تصريحات كهذه. ففي عام 2011، هدّد النظام في إيران بإغلاق المضيق بعد أن فرضت واشنطن عقوبات على طهران. كذلك فعل الرئيس حسن روحاني عام 2018، ردّاً على تهديدات الرئيس دونالد ترامب بقطع العلاقات الاقتصادية مع إيران. كما رفعت القيادة في إيران التهديد بإغلاقه عام 2024، مع بداية الهجوم الإيراني الأول على إسرائيل، بعد استهداف الأخيرة القنصلية الإيرانية في سورية، ومقتل عدد من مسؤوليها. يبقى “عدم التنفيذ” الرابط بين سلسلة التهديدات بإغلاق هذا المضيق من الحرس الثوري الإيراني، فهل ستنفّذ إيران عام 2025 تهديداتها وتتّجه لإغلاقه؟

قد يشكّل قرار إغلاق مضيق هرمز حافزاً إضافياً للولايات المتحدة بالتدخّل لضرب إيران ومساندة إسرائيل

ليس اتخاذ الحرس الثوري الإيراني قراراً كهذا أمراً سهلاً، لاعتبارات كثيرة، قد تبدأ بمصير تصدير النفط الإيراني، ولا تنتهي بالتهديد الجدّي للاقتصاد العالمي ولحركة التجارة الدولية. تدرك إيران أن الإقدام على تنفيذ تصريحاتها سيؤثّر حتماً في الاقتصاد الإيراني قبل غيره، الذي، رغم فرض العقوبات عليه، استفاد من شبكة علاقاته الدولية لـ”يتحايل” على تلك العقوبات عبر أساطيل الظلّ، التي نسّقها مع روسيا والصين لتسهيل حركة التصدير. تحتاج إيران، في هذا الوقت بالذات، للاستمرار في ضخّ نفطها إلى الدول الحليفة، لتمويل حربها مع الإسرائيلي، فإيران اليوم أكثر من أيّ وقت تحتاج إلى تعزيز أمنها الاقتصادي، وسط تصعيد الضربات الإسرائيلية، التي يبدو أنها ستطاول الأسس التي يستند إليها الاقتصاد الإيراني، وفي مقدّمها الطاقة. وكما إيران، سيتأثر حلفاء طهران، وفي مقدّمهم الصين وروسيا، مباشرة بتعطيل حركة الملاحة في المضيق، فنقل عن رئيسة شركة ترانسفيرسال كونسلتينغ، ألين والد، قولها إنه “لا توجد فائدة صافية” تعود على عرقلة مرور النفط عبر مضيق هرمز، خصوصاً أن أيَّ عملٍ من هذا النوع قد يؤدّي على الأرجح إلى “انتقام إضافي”. الملفت أن الانتقام قد لا يأتي من العدو، بل من الصديق الصيني، الذي سيكون أوّل المتأثرين السالبين من قرار الإغلاق، ما قد يثير ردّة فعل سالبة من أكثر مستهلك للنفط الإيراني. فلا تريد الصين تعطيل تدفّق النفط من الخليج بأيّ شكل، كما أنها لا تريد أن ترتفع أسعار النفط، لذا فإنها ستستخدم كلّ قوتها الاقتصادية ضدّ إيران. تُعدّ الصين المستورد الأول للنفط الإيراني، وتفيد التقارير بأنها تشتري أكثر من ثلاثة أرباع صادرات إيران النفطية، فثاني أكبر اقتصاد هو أيضاً الشريك التجاري الأكبر لإيران.
لا يتوقّف الأمر عند ردّة فعل الصينيّ، بل الأميركيّ، الذي يجد في هذه التصريحات تداعياتٍ على اقتصاده بسبب تأثيرها الكبير في رفع أسعار الطاقة. قد يشكّل قرار إغلاق المضيق حافزاً إضافياً للولايات المتحدة بالتدخّل لضرب إيران، ومساندة إسرائيل، التي تحتاج إلى قاذفات أميركا الاستراتيجية، وقنابلها الخارقة للتحصينات، لضرب منشأة فوردو النووية لتخصيب اليورانيوم. فالمنشأة المحصّنة المبنية في عمق جبل وتحت الأرض، تمثّل تحدّياً عسكرياً كبيراً يتطلّب تدميرها، إمّا براعة تكتيكية استثنائية أو دعماً أميركياً مباشراً، فهل ستعطي طهران الذريعة التي يحتاجها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإشراك واشنطن مع تنفيذ قرار الإغلاق؟

تنفيذ إيران تهديداتها بإغلاق مضيق هرمز يكسر الروتين في المشهد الحالي، ويفتح المجال أمام حرب كبرى

قد يفاجأ بعضهم من الموقف السعودي تجاه الحرب على إيران، لا سيّما بعد الاتصال الذي أجراه ولي العهد محمّد بن سلمان بالرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، فلم يكتفِ بن سلمان بإدانة الهجوم الإسرائيلي، بل ذهب بعيداً في وقوف بلاده إلى جانب إيران بشكل قاطع وحاسم. هذا الموقف يحتاج فعلاً إلى قراءة هادئة، لا سيّما أنه لم يمضِ وقت على تطبيع العلاقات بين البلدَين، بعد قطيعة دامت سنوات مع دعم إيران لحركات في المنطقة، ما اعتبرته الرياض تهديداً وجودياً لها، وفي مقدمها الحوثيون في اليمن. وهناك جوانب كثيرة دفعت الرياض إلى اتخاذ موقف كهذا، في مقدّمتها ممارسة الضغط على تل أبيب للذهاب نحو الاعتراف بإقامة دولة فلسطينية، وهو المطلب الذي تريده للاستمرار في عملية التطبيع معها. ويجد المتابع أيضاً أن الموقف السعودي قد يصبّ في خانة مطالبة إيران بعدم تنفيذ تهديداتها بشأن المضيق، خصوصاً أن المضيق يعتبر الممرّ الرئيس لصادراتها النفطية إلى العالم، وهذا حتماً سيؤثّر في حركة الملاحة لديها، ما ينعكس سلباً على اقتصادها.
مع استمرار الحرب وطول مدّتها (يؤكّد أكثر من مسؤول إسرائيلي أنها ستطول أسابيع) تجد طهران أن ضرب حركة الملاحة وتعطيلها يبقى الخيار الأخير لديها، لا سيّما إذا نفّذ الإسرائيلي تهديداته، وذهب بخيارات ضرب المنشآت النفطية والطاقة في إيران. إذ أفاد مصدر إسرائيلي لـ”إيران أنترناشيونال”، أن الحكومة الإسرائيلية تدرس الردّ على الهجمات الصاروخية التي تشنّها إيران على مناطق مدنية في إسرائيل، من خلال استهداف منشآت النفط والغاز الإيرانية. جميع الاحتمالات مطروحة على الطاولة، وسط تصعيد القتال، وتوسيع دائرة الاستهدافات، فالمشهد أصبح روتينياً بين القصف الإسرائيلي والردّ الإيراني، لكنّ ما سيخرج عنه تنفيذ إيران تهديداتها تجاه المضيق، ما قد يغيّر في كثير من الخيارات والأهداف، الأمر الذي يفتح المجال أمام حرب كبرى، مع الاصطفاف الجديد لباكستان، وانحيازها كلّياً إلى جانب إيران، وتهديدها بالردّ النووي، في حال استخدمت إسرائيل النووي ضدّ إيران.