ملخص
هل تم اتفاق ما بين إيران وترمب قبيل ضرب فوردو بشأن اليورانيوم المخصب، فأعطت إيران ترمب ما احتاج إليه من استعراض قوة؟ هل أخبر ترمب إيران بضرورة نقل اليورانيوم تحت حماية طرف ثالث مثل روسيا أو باكستان؟ هل أخفت إيران اليورانيوم بذاتها؟
بعد إعلان ترمب وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل بعد 12 يوماً من المواجهات التي اندلعت بينهما منذ 13 يونيو (حزيران) الجاري، من السابق لأونه تحديد الفائز والخاسر في تلك المواجهات، سواء من واشنطن أو إسرائيل أو إيران.
لكن يمكن تحديد بعض التداعيات الواضحة في الأجل القصير على إيران، ومن ذلك التداعيات على علاقة قدرات طهران النووية والصاروخية وخططها الدفاعية في المجال العسكرى والأمني، وكذلك علاقة النظام بالمجتمع وعلاقة البلد بحلفائها.
على مستوى القدرات العسكرية ربما تعمل إيران على إعادة رسم خططها العسكرية والدفاعية، فمن جهة أثبتت منظومة الدفاع الجوى “أس-300” عدم جدواها وتحصل عليها إيران من روسيا، لذا ربما تعيد طهران النظر في جدوى تعاونها العسكرى مع روسيا، هذا فضلاً عن إعادة النظر في العلاقة بين موسكو وطهران كصديق.
أظهرت روسيا تراجعاً واضحاً في دعمها لإيران، منذ الهجوم الإسرائيلي وحتى وقف إطلاق النار، حتى إن روسيا حينما حذرت من دخول طرف ثالث ويقصد هنا التدخل الأميركي لم تفعل شيئاً بعد الضربة الأميركية لفوردو، ومن ثم من المتوقع أن تتعالى الأصوات في داخل إيران لإعادة تقييم العلاقة مع روسيا كحليف موثوق.
من جهة أخرى قد نجحت إسرائيل في تدمير مئات المنصات ومنشآت إنتاج الصواريخ، بما في ذلك معدات حيوية أساسية، لذا ستعمل إيران على إعادة تصنيع قدراتها الصاروخية لا سيما وأن الصواريخ الباليستية هي الأهم لدى طهران في ظل تقادم قدراتها العسكرية التقليدية.
القضية الأهم والتي ستتضح مع بدء المحادثات بين إيران وواشنطن، هي القدرات النووية، ومن ثم القضايا محل التباحث ومنها مخزون اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة وتم الإعلان عن نقله من المنشآت النووية الإيرانية قبل الضربة الإسرائيلية والضربة الأميركية بعدها.
ربما منح ترمب إيران الفرصة لنقل اليورانيوم، والذى يعني تدميره في تلك الضربة حصول أخطار بيئية وإشعاعية بالمنطقة، وهنا يثار التساؤل هل تم اتفاق ما بين إيران وترمب قبيل ضرب فوردو بشأن اليورانيوم المخصب، فأعطت إيران ترمب ما احتاج إليه من استعراض قوة؟ هل أخبر ترمب إيران بضرورة نقل اليورانيوم تحت حماية طرف ثالث مثل روسيا أو باكستان؟ هل أخفت إيران اليورانيوم بذاتها؟
لقد صرح رفائيل غروسى مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن إيران لديها منشآت لم تهاجم من قبل إسرائيل وواشنطن، كما نتذكر حينما أعلنت إيران في أعقاب قرار الوكالة الدولية بإدانتها من قبل مجلس محافظي الوكالة أعلنت أنها أنشأت منشأة أخرى للتخصيب في مكان آمن، فضلاً أن هناك ثلاثة مواقع نووية تم العثور على آثار يورانيوم مخصب بها وهذه الأماكن سرية ولم تقدم إيران حتى الآن إجابة للوكالة الدولية حول هذه المواقع.
بالطبع نقلت إيران بعض موادها المخصبة وأجهزة الطرد المركزي المتطورة إلى منشآت أخرى تحت الأرض قادرة على مواصلة تخصيب اليورانيوم. ومن المؤكد أنها ستحاول سراً بناء برنامج نووي عسكري واستئناف تطوير الصواريخ الباليستية، لا سيما وأن هذا النظام أدرك من مواجهاته مع إسرائيل وواشنطن أن تلك القدرات هي أهم أدواته العسكرية في الوقت الحالي.
ومن ثم إذا بدأت المحادثات بين إيران وواشنطن متوقع أن تكون حول اليورانيوم المخصب بنسب عالية، وحول منظومة الصواريخ الباليستية التي عطلت إسرائيل جزءاً كبيراً منها عبر تدمير منصات إطلاق الصواريخ، ولكن هذه المرة من المحادثات دخلت إيران مرحلة الغموض النووي لا سيما مع ضرب المنشآت النووية ونقل اليورانيوم وقرار البرلمان الإيراني وقف التعاون مع الوكالة الدولية فطهران تعتبر أن قرار الإدانة للوكالة الدولية مهد للضربات الإسرائيلية لها كما أن الوكالة لم تدن إسرائيل.
اقرأ المزيد
لغط حول اليورانيوم الإيراني: هيغسيث لا علم له وترمب ينفي نقل أي شيء
“أين خامنئي؟”… غيابه يربك الداخل الإيراني ويشعل التكهنات
هل يمكن الحديث عن “عقيدة ترمب” بعد وقف الحرب بين إيران وإسرائيل؟
في إيران يعتبر البعض أن وقف إطلاق النار مؤشر نصر لهم، لكن مع ذلك يسود نهج متشكك في أن يكون وقف إطلاق النار هو مهلة محددة حتى تتمكن إسرائيل من إعادة إمداد القوات، أو لإحداث فوضى داخلية، أو لتحديد مواقع القادة العسكريين، أو لاكتشاف الوكالة مواقع اليورانيوم المخصب.
لن تتعافى إيران سريعاً مما لحق بقدراتها الصاروخية والنووية بل حتى فشلها الاستخباراتي والأمني، فقد هيمنت إسرائيل على الأجواء الإيرانية.
الجانب الآخر لتداعيات المواجهات بين إيران وإسرائيل هو تأثير ما حدث على الداخل الإيرانى والعلاقة بين مؤسسات النظام وبعضها وبين النظام والمواطنين. ففي حين سجلت الهجمات الإسرائيلية منذ بدايتها أكبر اختراق أمني واستخباراتي لإيران من قبل إسرائيل، وهذه ليست المرة الأولى، فقد اغتيل إسماعيل هنية العام الماضى حينما كان ضيفاً على الأراضي الإيرانية ويقيم في إحدى الأماكن التي تحت حراسة الحرس الثورى.
ومن ثم فلا بد من أن إجراءات خاصة بتعيين القيادات وعمليات المراقبة سيتم تطبيقها، فضلاً عن اتساع دائرة الشك في المواطنين الإيرانيين، وقد وافق أخيراً البرلمان الإيراني بالإجماع على قانون طوارئ لتشديد العقوبات وصولاً إلى الإعدام على التجسس والتعاون مع ما وصفه النواب بالحكومات المعادية وبخاصة إسرائيل والولايات المتحدة. تمت الموافقة على القانون بغالبية 248 صوتاً من دون امتناع أو معارضة.
نصت المادة الأولى من القانون على أن “أي نشاط استخباراتي أو تجسس لمصلحة النظام الصهيوني أو الدول المعادية، بما في ذلك حكومة الولايات المتحدة، بما يتعارض مع أمن البلاد أو مصالحها الوطنية، يعتبر فساداً في الأرض” ويعاقب عليه بالإعدام بموجب قوانين العقوبات الإسلامية السارية، وشمل القانون كذلك أحكاماً إضافية للصحافيين والناشطين الذين يتشاركون المحتوى مع وسائل الإعلام الأجنبية، وتفرض عليهم عقوبات بالسجن ومنع دائم من العمل الحكومي.
ومنذ المواجهات بين إيران وإسرائيل بدأت موجة من الاعتقالات طاولت موجة نشطاء المجتمع المدني وأفراد عائلات المتظاهرين الذين قتلوا خلال تظاهرات مهسا أمينى عام 2022.
ستنعكس تأثيرات الهجمات الإسرائيلية على العلاقة بين الدولة والنظام فسيصبح القانون الجديد أداة لملاحقة عامة المواطنين والتي ستسوء إلى جانب أسباب أخرى عاشتها إيران في السنوات الأخيرة.