في ظل التحوّلات الجيوسياسية المتسارعة في المنطقة، ولا سيّما بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على إيران، يبرز تساؤل حاسم بشأن الآثار المحتملة لأيّ شكل من أشكال التطبيع بين إسرائيل وسوريا، خاصة على نفوذ القوى الإقليمية الفاعلة، وفي مقدّمها تركيا.
ولطالما شكّلت سوريا مسرحاً لتنافس محتدم بين هذه القوى، حيث تسعى كلّ منها لتأمين مصالحها الاستراتيجية وتوسيع دائرة نفوذها.
في هذا السياق، تكتسب دراسة السيناريوات المحتملة للتطبيع السوري-الإسرائيلي أهمية قصوى، لفهم كيفية إعادة تشكيل موازين القوى في دمشق، وتحديد مدى تأثير ذلك على الأوراق الرابحة التي تمتلكها أنقرة في الساحة السورية. فهل يمكن لمسار التطبيع هذا أن يقلص من الحضور التركي في دمشق؟
هل يؤثر على الوجود العسكري التركي؟
يؤكد الأكاديمي والكاتب الدكتور أحمد الكناني أن أي تطبيع محتمل بين سوريا وإسرائيل “لن يكون له تأثير على الوجود العسكري التركي في شمالي سوريا”، موضحاً أن القوات التركية تعمل في الأراضي السورية بالتنسيق مع حكومة دمشق، وأن التصريحات الإسرائيلية بخصوص ذلك “كانت تتخوف من تمدّدها نحو المناطق الجنوبية أو القريبة من الحدود الإسرائيلية”.
ويشدّد على أن “لا علاقة للتطبيع المحتمل بين سوريا وإسرائيل بالوجود التركي”، بل على العكس، هناك تحضير لاتفاقية دفاع مشترك بين سوريا وتركيا، إضافة إلى اتفاقية سابقة للتنسيق العسكري، مستبعداً أيّ طلب بانسحاب الجيش التركي من سوريا في سياق أيّ مباحثات تطبيع.
ويضيف الكناني أن إسرائيل لا تهتم بما يجري في الشمال السوري أو بالنفوذ التركي هناك، بقدر اهتمامها بإبعاد هذا النفوذ عن أراضيها، مذكراً بأن المباحثات الإسرائيلية-السورية جرت في أذربيجان بتنسيق تركيّ، وأن تركيا طرف أساسيّ في هذه المحادثات والمفاوضات، ما يعني أن “لا شيء يتمّ بمعزل عن الحضور التركي”.
دمشق ترسم تحالفاتها
وفي سياق متّصل، يشير الكناني إلى أن التصريحات الإسرائيلية الداعمة للموقف الكردي والاستقلالية الكردية في الفترة السابقة كانت تأتي من باب الضغط على حكومة دمشق خلال المباحثات الإسرائيلية-السورية، إلا أنه أكد أن “القرار بخصوص هذه القوات هو قرار أميركي بامتياز”، خاصة مع تخفيف القوات الأميركية انتشارها في المنطقة ومنح صلاحيات أكبر لدمشق لاستلام زمام الأمور بدلاً من دعم القوات الكردية.
ويشير إلى أن “الاتفاق الواضح في العاشر من آذار/مارس بين الشرع وقائد قوات سوريا الديموقراطية كان بخصوص عملية اندماج المؤسسات وليست قضية الدعم”، معتبراً أيضاً أن “اندماج دمشق وقدرتها على ضبط الأمور في منطقة شمال شرقي سوريا يمثل رسائل طمأنة إلى تركيا”.
وبخصوص التحالفات السورية، يوضح أن “دمشق لا تسعى إلى التحالفات بل نفّذتها فعلياً؛ وأبرز هذه التحالفات، التحالفات السورية-الخليجية، وتحديداً مع قطر والسعودية”، معتبراً أن هذه المسارات متوازية مع المسار التركيّ وليست متناقضة معه.
ويبيّن الكناني أن السعودية تدعم سوريا بالمشاريع والقضايا المالية، بينما تركيا لديها الدعم اللوجستي والعسكري على الأرض. ويخلص إلى أن سياقات الاتفاق والتشارك مع هذه الدول مختلفة، حيث تتشارك تركيا جغرافياً وعسكرياً مع سوريا، بينما لدى الخليج أجندة إقليمية ودعم اقتصادي.
رجب طيب أردوغان وأحمد الشرع. (وكالات)
رجب طيب أردوغان وأحمد الشرع. (وكالات)
غير ممكن الآن
بدوره، يرى الكاتب والمحلّل التركي آيدن سزر أن الحكومة السورية “لن تطالب أنقرة بسحب قواتها من الشمال قريباً”، بحال التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل، و”لا يمكنها ذلك حالياً”، معتبراً أن “هذا الأمر قد يُصبح مطروحاً للمناقشة فقط إذا بقي النظام في سوريا، وتحقق الاستقرار، وتمّ دمج الأكراد في النظام بطريقة ما”.
وبشأن كيفية تأثير التطبيع على الوضع في إدلب، وما إذا كان سيقلل من قدرة تركيا على استخدام نفوذها على الفصائل المحلية كورقة ضغط في أي مفاوضات مستقبلية مع سوريا، يؤكد سزر أن هذه المسألة بانتظار وضوح تعقيدات المشهد.