يحذّر نشطاء محليون وخبراء في مدينة الطبقة غرب محافظة الرقة، شمال غربي سورية، من مخاطر جسيمة تهدد المدينة نتيجة استمرار “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في تكثيف عمليات حفر الأنفاق تحت الأحياء السكنية، حتى عبر استخدام تفجيرات صخرية قد تؤدي إلى عواقب كارثية. تقع مدينة الطبقة ضمن حوض رسوبي يتميز بتربة رخوة وهشة تحتوي على طبقات قابلة للذوبان، ما يجعلها بيئة ذات قابلية شديدة للانهيار. ويبدي نشطاء تخوفهم من حصول انهيارات أرضية مفاجئة وتصدعات في المباني، إضافة إلى احتمال تعرض شبكات البنى التحتية إلى أضرار جسيمة، كما يتحدثون عن أن استمرار هذه العمليات يهدد استقرار سد الفرات القريب من المدينة، ما ينذر بكارثة بيئية وإنسانية. ووجّه النشطاء مناشدات عاجلة إلى الرئيس السوري أحمد الشرع والمجتمع الدولي والمنظمات الدولية للتدخل فوراً لوقف هذه الأنشطة والعمل لإجراء دراسة جيولوجية وهندسية شاملة لتقييم مخاطر الأنفاق التي حفرتها “قسد” تحت الأحياء السكنية في المدينة.
يقول الناشط عبود حمام لـ”العربي الجديد”: “تستمر قسد في حفر الأنفاق، سواء في الرقة أو الطبقة القريبة من سد الفرات، ما يشكل تهديداً كبيراً للبنى التحتية والمباني وسكان المنطقة، وهذا أمر مفاجئ لا يتناسب مع أجواء التهدئة والتفاهمات المعلنة بين قسد والحكومة السورية”. وفي سياق أوسع، يعود الملف الجيولوجي والهندسي في مدينة الطبقة إلى الواجهة، إذ إن أي نشاط حفر غير مدروس في هذه البيئة الهشة قد يقود إلى انهيارات كارثية تشبه ما حدث في مدن أخرى حول العالم. ويقول المهندس الخبير في السدود والموارد المائية عبد الرزاق العليوي، في حديثه لـ”العربي الجديد”، إلى أن “مدينة الرقة تقع في وادي الفرات الذي يُعد من الأحواض الساكبة، حيث تتجه المياه السطحية والجوفية لتجري في النهر باعتبارها النقطة الأكثر انخفاضاً في المنطقة”.
ويوضح أن الرقة محاطة بمشاريع زراعية تعتمد على الري المستدام من خلال الشبكات والصرف الزراعي التي تصب في نهر الفرات. وبسبب كثافة الري حول محافظة الرقة، ارتفعت نسبة المياه الجوفية بشكل ملحوظ، حيث يحدث تسرّب مستمر من النهر، لا سيما في الجزء الجنوبي من المدينة القريب من النهر، بينما يتلقى الجزء الشمالي والوسط مياه متسربة من مشاريع حوض الفرات”. ويذكر أن “التربة في محافظة الرقة ذات طبيعة رخوة وتعمل مثل إسفنجة تمتص المياه بشكل كبير، ما يرفع دائماً منسوب المياه الجوفية تحت المدينة”.
وفي شأن التوسع العمراني يلفت العليوي إلى أن اللجنة الإقليمية المسؤولة عن تنظيم التوسع العمراني في سورية كانت تفرض على مدينة الرقة التوسع العمودي فقط، وتمنع التوسع الأفقي لأسباب سياسية وأمنية تشبه ما كان معتمداً في بغداد والرياض، حيث يسهل استهداف المدن ذات الامتداد الأفقي في حالة الحرب. ويقول: “منعت اللجنة الإقليمية خلال أيام نظام الأسد المخلوع بناء أكثر من أربعة طوابق، ثم سمحت بخمسة طوابق مع ملحق رغم أن طبيعة التربة لا تحتمل الحمل الكبير. وشهدت المدينة حتى عام 2011 كثافة سكانية بلغت أكثر من 250 ألف نسمة ما فاقم الكارثة العمرانية لاحقاً. تعاني الأساسات في الرقة من ارتفاع منسوب المياه الجوفية التي تظهر المياه على عمق يتراوح بين مترين وثلاثة أمتار في بعض المناطق مثل حي السباهية والادخار والدرعية وشارع النور، وتصل إلى متر أو متر ونصف في المناطق الشمالية”.
ويحذّر العليوي من خطر شبكة الأنفاق التي حُفرت تحت مدينة الرقة خلال سنوات الحرب. ويقول: “تمتد الأنفاق من منطقة البانوراما باتجاه الفروسية، وتحت مستشفى التوليد، والمستشفى الوطني، ومدارس عدة، وصولاً إلى دوار النعيم، وهي متصلة ببعضها ما يشكل شبكة تحت المدينة”. يضيف: “بسبب ارتفاع منسوب المياه الجوفية في الرقة تطل حفر هذه الأنفاق استخدام تقنيات متقدمة لعزل الجدران بالخرسانة وسحب المياه المتسربة باستمرار، لكن هذه الأنفاق تركت خلفها فجوات تحت أساسات المباني، ما يجعلها عرضة للانهيار في حال تعرضها لأي قصف أو تفجير، ما قد يؤدي إلى سقوط عشرات وربما مئات المباني على سكانها”.
ويشير العليوي إلى أن الأنفاق تشكل خطراً في حال حدوث هزات أرضية بسيطة لا تتجاوز 3 أو 4 درجات على مقياس ريختر، بسبب رخاوة الأرض وتفريغها أسفل المباني. ويحذّر من احتمال تسرب المياه إلى هذه الأنفاق، ما قد يؤدي إلى تسريع انهيار المباني فوقها.
ويؤكد العليوي أن الحل الجذري يكمن في الكشف بدقة عن مواقع شبكة الأنفاق، وإعداد مخططات كاملة لها، والعمل لحقنها بالخرسانة الهيدروليكية من أجل تقويتها ومنع الانهيارات المحتملة، رغم أن هذا الإجراء قد يكلف أكثر من 65 مليون دولار. ويختم بالقول: “نحن أمام ثلاثة مخاطر رئيسية، الأول تفجير الأنفاق الذي سيؤدي إلى انهيار المباني، والثاني حصول هزات أرضية قد تُسقط المباني بسبب رخاوة الأرض، والثالث تسرب المياه إلى الأنفاق ما يسرّع عملية الانهيار. وعملية حفر أنفاق عسكرية في مناطق سكنية تُعدّ جريمة حرب يعاقب عليها القانون الدولي”.
ويقول أحد سكان مدينة الرقة لـ “العربي الجديد”، والذي رفض كشف اسمه لدواعٍ أمنية: “نعيش قلقاً يومياً بسبب هذه الأنفاق. نخشى أن نستيقظ في أي لحظة على مشهد انهيار مبنى أو شارع كامل. لا أحد يعرف حجم الكارثة التي قد تقع، ولا توجد أي جهة تحمينا أو تستمع إلى مخاوفنا. نشعر بأن حياتنا مهددة فوق هذه الأرض التي قد تنخسف تحت أقدامنا”.