في خطوة تعكس تحولات تدريجية في العلاقات الاقتصادية بين أنقرة ودمشق، افتُتح في العاصمة السورية المعرض التركي الأول لآلات ومستلزمات النسيج، بمشاركة عشرات الشركات التركية المتخصّصة، في حدث هو الأول من نوعه منذ أكثر من 15 عاماً. الفعالية، التي احتضنتها مدينة المعارض الدولية، جاءت بتنظيم من شركة “مريديان” التركية، وبدعم من مؤسّسات سورية رسمية، وسط حضور لافت من رجال أعمال وصناعيين من كلا البلدين.
المعرض بداية لمسار طويل من التعاون
قال السفير التركي في دمشق برهان كور أوغلو في حديث خاص مع “العربي الجديد” إنّ المعرض يمثل أكثر من مجرد فعالية تجارية، بل هو خطوة استراتيجية نحو تكامل اقتصادي بين البلدَين، وانفتاح متبادل على الأسواق الإقليمية والدولية، وأضاف أنه من خلال سورية سيكون لتركيا انفتاح أوسع على العالم العربي، ومن خلال تركيا ستكون لسورية بوابة نحو الأسواق الأوروبية. هذا المعرض ليس نهاية المطاف، بل بداية لمسار طويل من التعاون، وسيتبعه العديد من الاتفاقيات والمعاهدات التي تهدف إلى تعزيز هذا الانفتاح الاقتصادي وتطوير الصناعات المشتركة.
وأشار كور أوغلو إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين شهد ارتفاعاً بنسبة 60% مقارنة بالعام الماضي، متوقعاً أن يتضاعف هذا الرقم خلال الفترة المقبلة مع دخول التسهيلات الجديدة حيّز التنفيذ، وأوضح أن تركيا بدأت بالفعل بتقديم تسهيلات ملموسة للمستثمرين والصناعيين السوريين، أبرزها اتفاقية فتح المعابر، التي سمحت بعبور الشاحنات السورية إلى تركيا والعكس، ما يسهل حركة البضائع ويخفض التكاليف.
كما أعلن عن إجراءات جديدة في ملف التأشيرات، قائلاً: “نقدم الآن تأشيرات تجارية متعدّدة الدخول للتجار السوريين، تتيح لهم دخول تركيا طوال العام بأسعار رمزية، في خطوة تهدف إلى تشجيع التبادل التجاري والاستثماري”، وتابع أن تركيا تتطلع إلى أن تكون سورية الجديدة أكثر قوة واستقراراً، هذا المعرض يشكل فرصة حقيقية للتجار السوريين للتواصل مع نظرائهم الأتراك، ويتيح للعاملين في قطاع النسيج الاطلاع على أحدث الابتكارات التقنية، وبحث فرص الشراكة والتوريد، ونناقش يومياً سبل تطوير العلاقة، وسنرفع مقترحات للوزارات المعنية في أنقرة ودمشق لدراستها بما يخدم مصلحة الطرفين.
عودة حقيقية للشراكة السورية – التركية
من جهته، قال مدير عام المؤسّسة السورية للمعارض والأسواق الدولية محمد حمزة، إنّ المعرض يشكل عودة حقيقية للشراكة السورية–التركية بعد انقطاع دام أكثر من 15 عاماً، مؤكداً أنه يمثل “منصة محورية لتعزيز التبادل التجاري والاقتصادي بين البلدين. وأضاف حمزة أن قطاع النسيج في سورية يُعد من أهم دعائم الاقتصاد الوطني، وقد أصابه الكثير من الضرر خلال السنوات الماضية، لكنّنا على ثقة بأنه سيعود إلى ألقه قريباً، من خلال المنافسة في المحافل الدولية، والاعتماد على الجودة والخبرة السورية.
الحدود السورية التركية قرب قرية جنديرس في عفرين، 18 ديسمبر 2021 (رامي السيد/فرانس برس)
اقتصاد عربي
تفاهم بين سورية وتركيا لتفعيل النقل الطرقي والعبور
وأشار إلى أن المؤسّسة تعمل على توفير بيئة ملائمة لاحتضان أي فعالية اقتصادية تهدف إلى دعم الصناعة السورية وتطويرها، مضيفاً: “نحن ملتزمون بتسهيل مشاركة الشركات المحلية والدولية، ونتمنى أن يثمر هذا المعرض عن شراكات حقيقية تخدم مصالح أهلنا السوريين، وتدعم الاقتصاد في كلا البلدين”، وكشف حمزة عن خطة لتوسيع مدينة المعارض الحالية في دمشق، إلى جانب العمل على افتتاح مدن معارض جديدة في بعض المحافظات، بهدف استيعاب جميع الاختصاصات الصناعية والتجارية التي لم تجد حيزاً لها في المساحات المتوفرة حالياً.
منصة نوعية للتواصل الصناعي
بدوره، قال مدير عام شركة “مريديان” التركية لتنظيم المعارض في حديث خاص مع “العربي الجديد”، إن المعرض يشكل منصة نوعية للتواصل المباشر بين نخبة من شركات الأقمشة التركية ورجال الأعمال السوريين العاملين في قطاع النسيج، وأضاف: “نحن فخورون بتنظيم هذا الحدث الأول من نوعه منذ أكثر من 14 عاماً، بمشاركة نخبة من أبرز الشركات التركية المتخصّصة في صناعة الأقمشة والآلات.
ودعا جميع الصناعيين السوريين لزيارة المعرض والتعرّف على أحدث التقنيات والفرص المتاحة للتعاون”، وأكد أن المعرض لا يقتصر على عرض المنتجات، بل يمثل خطوة عملية لتعزيز التجارة والتكامل الصناعي بين البلدَين، وفتح آفاق جديدة للشراكة في مجال النسيج، الذي يُعد من أكثر القطاعات حيوية في الاقتصادين التركي والسوري.
أرقام تكشف عمق التأثير
يُعد قطاع النسيج والغزل في تركيا من أبرز أعمدة الاقتصاد الوطني، إذ يضم أكثر من 40 ألف شركة تتوزع بين مصانع كبرى وورشات متوسطة وصغيرة، ويوفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة لنحو 3 ملايين شخص، وتُقدّر مساهمة هذا القطاع الحيوي بنحو 10% من الناتج القومي الإجمالي، ويشكل ما يقارب 40% من إجمالي الإنتاج الصناعي، و35% من عائدات الصادرات الصناعية. وتُصنّف تركيا ضمن أكبر خمس دول في العالم في إنتاج وتصدير المنسوجات، وتأتي في المرتبة الثالثة أوروبياً، وقد بلغت قيمة صادرات قطاع الغزل والنسيج التركي نحو 11 مليار دولار سنوياً، وهو رقم مرشح للارتفاع في ظل التوسع المستمر في الأسواق الإقليمية.
معبر باب الهوى بين سورية وتركيا
اقتصاد الناس
عودة النقل البري المباشر بين تركيا وسورية دون توقف في المعابر
في هذا السياق، تبرز سورية بصفتها سوق متنامية لصادرات النسيج التركي، فقد بلغت قيمة الصادرات التركية إلى سورية خلال عام 2024 نحو 594.5 مليون دولار، يشكل قطاع النسيج جزءاً معتبراً منها، إلى جانب المواد الخام والمنتجات الغذائية. وتشير بيانات اتحادات مصدّري جنوب شرق الأناضول إلى أن الصادرات التركية إلى سورية خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2025 بلغت 669.6 مليون دولار، بزيادة قدرها 36.7% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.
ويرى مراقبون أن هذا النمو يعكس تحسناً تدريجياً في العلاقات الاقتصادية، مدفوعاً بتخفيف القيود على المعابر الحدودية، وتزايد الطلب السوري على المعدات الصناعية ومستلزمات الإنتاج، لا سيّما في قطاع النسيج، الذي يسعى إلى استعادة مكانته بعد سنوات من التراجع.