يُعتبر مشروع “بوابة دمشق” أول مدينة إنتاج متكاملة في سوريا. فقد كانت تتوزع في ريف دمشق مجموعة من المدن الصغيرة، كمدينة حاتم علي، ومدينة هيثم حقي في الدير علي، ومدينة الفيصل في يعفور، وغيرها.
ووقّعت وزارة الإعلام السورية، الاثنين الماضي، مذكرة تفاهم مع شركة “المها الدولية” القطرية لإنشاء مدينة للإنتاج الإعلامي، في مشروع تقدّر قيمته بأكثر من 1.5 مليار دولار، يعزز صناعة الإعلام ويدعم اقتصاد البلاد بعد سنوات من النزاع.
وجرت مراسم التوقيع في قصر الشعب بدمشق بحضور الرئيس السوري، أحمد الشرع، وعدد من الوزراء والمسؤولين والفنانين، في ظل جهود الحكومة الجديدة لإطلاق مسار التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار.
وقال وزير الإعلام السوري، حمزة المصطفى، إن المشروع “يشكّل أول مدينة إنتاج إعلامي وسينمائي وسياحي متكاملة في سوريا”، وفق وكالة “فرانس برس”.
ولكن “بوابة دمشق”، التي أُعلن عن إنشائها بموجب مذكرة تفاهم بين وزارة الإعلام السورية وشركة “المها الدولية للإنتاج الفني” لصاحبها محمد العنزي، وبكلفة تُقدّر بأكثر من 1.5 مليار دولار، وعلى مساحة تصل إلى مليوني متر مربع، ستوفّر 4 آلاف فرصة عمل دائمة و9 آلاف فرصة عمل موسمية، ما يُرجّح انتعاشًا استثنائيًا في قطاع الإنتاج التلفزيوني السوري.
اقرأ أيضاً: في برزخ ثقافي بين هويتين – 963+
وأضاف المصطفى: “بوابة دمشق ستساعد الدراما السورية على تحقيق قفزة نوعية.. ونطمح لإنتاج 25 عملًا هذا العام لإثبات أن سوريا الجديدة ستكون تربة خصبة للإبداع”.
وقال رئيس مجلس إدارة شركة “المها الدولية”، محمد العنزي، إن “المشروع يحتاج ما بين خمس إلى سبع سنوات لإنجازه بالكامل”.
وأضاف العنزي: على بعد كيلومترات من هذا القصر ولدت أول أبجدية عرفتها البشرية، وعلى هذه الأرض خط الإنسان أول الحروف التي تحولت لاحقاً إلى حضارات وإلى تراث إنساني، لا يزال نوره يهدي العقول والأمم ومن دمشق الفيحاء أقدم عاصمة مأهولة على وجه الأرض انطلقت جحافل النور فصنعت المعرفة ونشرت الثقافة، وأنتجت ما لا يحصى من العلماء والأدباء والمفكرين، فكانت دمشق بوابة حضارية لا تغلق ومركزاً مؤثراً لا يغيب.
وبين العنزي أنه في ظل هذا التحول الوطني والتاريخي، ووسط عودة الروح إلى مؤسسات الدولة والمجتمع، فإن شركة المها تطرح مشروع بوابة مدينة دمشق الإعلامية لا كمجرد استثمار عقاري أو سياحي، بل كمشروع ثقافي يستمد من هوية سوريا الجديدة معانيه ومن إرادة الشعب السوري طريقه، موضحاً أن الشركة تريد لهذه المدينة أن تكون حاضنة للإبداع ومنصة تصدر منها سوريا فنها وصورتها الحضارية إلى العالم، وأن تفتح أبوابها أمام كل من يؤمن بأن الفن رسالة والثقافة قوة وأن الاستثمار في الإنسان هو أعظم الاستثمار.
وأعرب العنزي عن الطموح بأن تسهم بوابة دمشق بترسيخ مكانة سوريا الثقافية والفنية في محيطها العربي والدولي، وأن تكون مرآة لوجه سوريا المتجدد المبدع الأنيق المشع بالأمل، وقال: أتقدم بجزيل الشكر والامتنان لفخامة الرئيس أحمد الشرع على رعايته لهذا المشروع، وإلى معالي وزير الإعلام الدكتور حمزة المصطفى وكل من يساهم في تحويل هذه الرؤية إلى واقع حي، حفظ الله سوريا وشعبها ووفقنا جميعا لما فيه خيرها وازدهارها.
وكان هذا القطاع قد مرّ بمرحلة نجاح كبير في بداية التسعينيات، على يد مخرجين كهيثم حقي في “سيرة آل الجلالي”، والراحل حاتم علي في “الفصول الأربعة”، وأيضًا الراحل هشام شربتجي في “عيلة خمس نجوم”.
إلا أن هذا النجاح، الذي استمر سنوات ووضع الدراما السورية في مرتبة متقدمة عربياً، ما لبث أن تلاشى مع بداية الثورة السورية عام 2011، فتراجع الإنتاج الدرامي من نحو 60 مسلسلًا في الموسم إلى 10 أو أقل في بعض الأعوام.
فهل يستطيع مشروع “بوابة دمشق” إعادة الألق للدراما السورية، أم أن تأثيره سيكون سلبيًا على الشركات الصغيرة؟
اقرأ أيضاً: وزارة الثقافة تطلق الدورة الخامسة من مسابقة النصوص المسرحية للشباب السوري – 963+
هل هي قفزة نوعية؟
يرى الناقد سامر منصور أن الإعلان عن هذا المشروع هو خبر مفرح، وسيُسهم في رفد العجلة الاقتصادية.
ويقول لـ”963+”: “السؤال الذي يتبادر إلى الذهن بقوة عند سماع هكذا خبر هو: هل هذه العودة للبنية التحتية ستشكّل عودة لإنتاج الأعمال الدرامية؟ وهل ستكون عودة قوية وضخمة، قادرة على تحقيق قفزة نوعية تقودنا إلى الريادة؟ بمعنى: هل ستوازي هذه البنية التحتية الضخمة الفكرَ والرسالةَ والتصوّرَ والمنظورَ الذي يتمتع به صُنّاع الفن التقدميون من الفنانين السوريين؟”.
ويضيف: “لا نستطيع أن نجزم، ولكن مجرد وجود هذه البنية الضخمة في سوريا سيجعل المشتغلين في الفن، وخاصة أصحاب الرسالة والرؤية، يكثّفون من جهودهم ويحاولون التوجه بزخم. وحتى إن كانت شركة “المها” لديها أجندات خاصة، إلا أنها ستُضطر إلى إبداء مرونة يفرضها الإبداع السوري الذي أثبت جدارته، وسيتمكن من فتح أي أجندة منغلقة شيئاً فشيئاً”.
خطوة مهمة، ولكن…
أما الناقد والباحث في علم الجمال، شادي العمر، فيرى أن الخطوة مهمة جداً وكانت منتظرة منذ سنوات، مؤكداً أن “سوريا تمتلك كل أسباب وعوامل الجذب الاستثماري في مجال الإعلام والإنتاج الفني، لكن حالت دون تحقق ذلك أسباب معروفة، بعضها يتعلق بالاحتكار، وبعضها الآخر بالظروف السياسية والأمنية التي شهدتها سوريا خلال العقد الأخير”.
ويقول العمر لـ”963+”: “رغم أهمية هذه الخطوة، ثمة ملاحظات تُثير بعض التساؤل، منها ارتباط هذه الاتفاقية بشركة واحدة فقط، بينما تستوعب الفرص والاحتياجات شراكة موسعة من عدة شركات ومؤسسات إعلامية، ورغم قوة وعراقة شركة “المها”، إلا أنها مشتهرة بالإنتاج الفني الذي يغلب عليه الطابع التاريخي الإسلامي، فهل هذه مجرد صدفة؟ أم أن اختيار (المها) يتوافق مع الاعتقاد بتوجه ديني في الدولة السورية الجديدة يشمل الفن والإعلام أيضًا؟”.
ويعبّر العمر عن مخاوف من ناحية أخرى تتعلق بحجم الاستثمار الكبير: “حين يبلغ حجم الاستثمار في هذه الشراكة قرابة مليار ونصف، فإن هذا الرقم الكبير يفيض عن الإمكانات السورية الحالية. فهل انطوى الأمر على مبالغة في تقدير حجم الاستثمار لأسباب سياسية بالدرجة الأولى؟ وهل البنية التحتية، باختلاف أنواعها، قادرة على نقل هذا الطموح إلى الواقع الميداني؟”.
مشروع سيُغري المنصات
من جهته، يرى الكاتب والسيناريست عثمان جحا أن تنفيذ المشروع كما هو مطروح سيجعل منه مشروعاً متميزاً وفريداً في المنطقة، مؤكداً أنه سينظّم عملية الإنتاج الدرامي، ويساعد على تطويرها وإطلاقها بشكل احترافي.
ويقول لـ”963+”: “هذا المشروع سيكون له تأثير إيجابي على الشركات، حيث سيوفر لها التقنيات الحديثة والأماكن المناسبة للتصوير، وسيستقطب خبرات تُسهم في العملية الإنتاجية.
ومجرد وجود مدينة سينمائية بهذا الحجم، وبهذه المساحة، والتقنيات المطروحة في أجندة البناء، سيسهم في جعل الدراما السورية في مصافّ الدراما العالمية التي نشاهدها، وسيُغري المنصات والقنوات بالاستثمار في هذه الدراما، خاصة مع وجود كوادر قوية ونشيطة وخبرات سورية مشهود لها”.
وعند سؤاله عمّا إذا كانت شركة “غولدن لاين” للإنتاج الفني قد عادت عن قرار نقل نشاطها إلى دولة الإمارات بسبب الإعلان عن “بوابة دمشق”، خاصة أنه لعب دور الوسيط بين إدارة الشركة واللجنة الوطنية للدراما السورية، قال جحا: “كان قرار انتقال (غولدن لاين) من دمشق إلى الإمارات العربية المتحدة نابعاً من مجموعة عوائق وصعوبات كانت تُعرقل عملية الإنتاج الفني، ولكن عندما اجتمعتُ مع رئيس اللجنة الوطنية للدراما، وتم الاتفاق على تذليل الصعوبات وتقديم التسهيلات الممكنة لمساعدة الشركة في إنجاز أعمالها، تم العدول عن قرار الانتقال”.
ولم يكن لتوقيع مذكرة التفاهم لإنشاء “بوابة دمشق” أي علاقة بهذا القرار، فهو تفاهم خاص بين الشركة واللجنة الوطنية للدراما، خاصة أن “غولدن لاين” لديها تاريخ طويل في الإنتاجات المحلية والعربية، وهي شركة موجودة بقوة في الوطن العربي.
تصفح أيضاً