بعد اجتماعاته في لبنان وتصريحاته التي حثّت المسؤولين اللبنانيّين على اقتناص الفرصة وحسم أمرهم واتّخاذ القرار في شأن تسليم سلاح “الحزب”، غادر المبعوث الأميركي توم بارّاك إلى سوريا “التي تتغيّر”، حيث شارك في اجتماع جمع الرئيس أحمد الشرع وقائد قوّات سوريا الديمقراطيّة مظلوم عبدي.
الاجتماع الثّالث
الاجتماع هو الثّالث بين السلطة في دمشق و”الإدارة الذاتيّة”. عُقد الأوّل على عجل بين الرئيس الشرع ومظلوم عبدي في آذار الماضي بعد أيّام قليلة على “مجازر” الساحل، تخلّله توقيع الرجلين على اتّفاق تضمّن بنوداً عامّة عن “المشاركة في العمليّة السياسيّة… ودمج كلّ المؤسّسات المدنيّة والعسكريّة في شمال – شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السوريّة… وضمان عودة المهجّرين… ورفض خطاب التقسيم”.
عُقد الاجتماع الثاني بين وفد من “الإدارة الذاتيّة” رأسته فوزه يوسف، القياديّة في “حزب الاتّحاد الديمقراطي” الكرديّ، ووفد من الحكومة السوريّة. وكان اجتماعاً للتعارف أكثر ممّا هو اجتماع لبحث الملفّات العالقة بين الطرفين. كان الاجتماع الثالث مقرّراً في 13 تمّوز الجاري، كما تقول مصادر لـ”أساس” كانت مشاركة فيه. ولكن تمّ تقريب موعده إلى التاسع من الجاري، ربّما انسجاماً مع أجندة المبعوث الأميركيّ بارّاك، خاصّة أنّ قضيّة شرق سوريا بند أساسيّ على الأجندة الأميركيّة في سوريا.
يدلّ مستوى الاجتماع والمشاركين فيه على جدّية أكبر في حلّ القضيّة. فقد شارك عن السلطة في دمشق إلى جانب الرئيس أحمد الشرع وزراء الخارجيّة والداخليّة والدفاع والاستخبارات في الحكومة السوريّة. وعن الجانب الكرديّ شارك إلى جانب مظلوم عبديّ وفد ضمّ أربعة أعضاء من الإدارة الذاتيّة. وشارك في الاجتماع المبعوث الأميركي توم بارّاك والقائم بأعمال السفارة الفرنسيّة في دمشق جان – باتيست فيفر (تمّ التعريف عنه بأنّه سفير فرنسا!).
مصادر “أساس”: الاجتماع لم يتطرّق إلى المسائل الأساسيّة العالقة بين الطرفين، إنّما شدّد على ضرورة الحوار بين الطرفين لتقريب وجهات النظر، خاصّة أنّ هناك قضايا عالقة، البعض منها عمره 100 عام
اتّفاق على الحوار
أكّدت المصادر لـ”أساس” أنّ الاجتماع لم يتطرّق إلى المسائل الأساسيّة العالقة بين الطرفين، إنّما شدّد على “ضرورة الحوار بين الطرفين لتقريب وجهات النظر، خاصّة أنّ هناك قضايا عالقة، البعض منها عمره 100 عام”. وجرى الاتّفاق على مسائل تتطلّب حلولاً سريعة متعلّقة بعمل المؤسّسات الحكومية (التي تديرها الإدارة الذاتيّة شمال الفرات) وتقديم الخدمات للشعب والملفّ التربويّ (الشهادات وغيرها).
في هذا المجال تفيد المصادر بأنّ حوالي 800 ألف تلميذ في مناطق شرق الفرات يتلقّون التعليم باللغة الكرديّة للأكراد بينهم، وطبعاً بالعربيّة للعرب. وهناك ثلاث جامعات، جامعة روج آفا وجامعة الشرق في الرقّة وجامعة كوباني (عين العرب). لذلك هناك حاجة ملحّة إلى تنظيم مسألة الشهادات والاعتراف بها رسميّاً ليتمكّن الطلاب من متابعة تحصيلهم العلميّ وبناء مستقبلهم.
الملفّات الأساسيّة
قال مصدر كرديّ مطّلع في شرق سوريا إنّ “الاجتماع لم يكن ناجحاً، لا بل متوتّر”. والسبب هو الضغط الذي يمارسه المبعوث الأميركي توم بارّاك على “قسد” و”الإدارة الذاتيّة” لتسليم أوراقهما لأحمد الشرع. هذا ما أكّده كلام المصادر التي شاركت في الاجتماع، وجاء فيه أنّ الملفّات الأساسيّة لم تُبحث في اجتماع يوم الأربعاء بين الطرفين بحضور الوسيطين الأميركيّ والفرنسيّ. ما هي هذه الملفّات؟
– دمج قوّات “قسد” في الجيش السوري الجديد، إذ لا يزال الخلاف قائماً عليه. هل يتمّ الدمج كمجموعة عسكريّة أم كأفراد؟
– تسليم إدارة شرق البلاد للوزارات المعنيّة، بما فيها المعابر الحدوديّة البريّة والجويّة، وحقول النفط والغاز.
– الحرب على “داعش” التي كانت السبب وراء تأسيس تنظيم “قسد” في 2017 بدعم أميركيّ، إضافة إلى أسرى تنظيم الدولة في السجون، وعائلاتهم الذين تحتجزهم “قسد” في مخيّمات، وهي مسألة تطرّق إليها بيان البيت الأبيض عند إعلان توقيع الرئيس الأميركيّ على القرار التنفيذي لرفع العقوبات عن سوريا.
تفيد المصادر بأنّ حوالي 800 ألف تلميذ في مناطق شرق الفرات يتلقّون التعليم باللغة الكرديّة للأكراد بينهم، وطبعاً بالعربيّة للعرب
– الاعتراف بالقوميّة الكرديّة وعدم حصر هويّة الدولة السوريّة بالهويّة العربيّة.
– الاعتراف باللغة الكرديّة، والسماح بتدريسها في المدارس والجامعات ونشر الكتب بها وعنها.
– المشاركة الفعليّة في السلطة من خلال المشاركة في السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة. وكانت “الإدارة الذاتيّة” قد اعترضت على الإعلان الدستوريّ وعلى التمثيل الكرديّ في الحكومة الحاليّة عند تشكيلها.
– اعتماد اللامركزيّة في نظام الحكم. وهذا ما كان قد أكّده بيان “الكوفرانس”، أو “مؤتمر وحدة الصفّ والموقف الكرديّ” الذي عُقد في نيسان الماضي وضمّ حوالي 400 شخصيّة كرديّة.
– إزالة التهديد الذي تشكّله الفصائل السوريّة التابعة لتركيا على الأكراد، وتحديداً على مسؤولي “قسد” وعناصرها.
اغتيالات وتصفية حسابات
هل كان الاجتماع سيضع حلّ قضيّة شرق الفرات على نار حامية؟
ما يجري في عموم سوريا لا يشير إلى ذلك. فعدم الثقة لا يزال قائماً، بين دمشق والقامشلي. قضيّة الدروز لم تُحلّ في الجنوب، إضافة إلى التدخّلات الإسرائيليّة في هذا الملفّ. ومنطقة الساحل السوريّ، ذات الغالبيّة العلويّة، هي أشبه بمنطقة محاصرة، كما تقول المصادر. فالاغتيالات على خلفيّة تصفية الحسابات مستمرّة. “كلّ يومين نسمع عن اغتيال”، تقول مصادر أخرى لـ “أساس”. وهي لا تجري فقط في مناطق الساحل فقط، إنّما أيضاً في حماة وحمص وحلب.. وربّما في دمشق. والسبب “الفلتان الأمنيّ والتأخير في المباشرة بالعدالة الانتقاليّة”.
إقرأ أيضاً: فظائع بشار الأسد: البحث عن 3700 طفل أخفاهم النظام..
في أيّار الماضي عيّن أحمد الشرع العميد عبدالباسط عبداللطيف رئيساً لهيئة العدالة الانتقالية على أن يختار الهيئة خلال مدّة شهر للمباشرة في مهمّتها. انقضت المهلة ولم يتمّ إعلان الهيئة. وبحسب مصادر حقوقيّة سوريّة ناشطة في هذا المجال “الإسراع في إعلان الهيئة وتعيين القضاة والمحاكم للعدالة الانتقاليّة مهمّ جدّاً لأنّها تشكّل العمود الأساسي لبناء سوريا الجديدة”.
سوريا لا شكّ تتغيّر، كما قال توم بارّاك من لبنان. هل تنجح الرعاية الأميركيّة – السعوديّة – التركيّة لأحمد الشرع في تعبيد الطريق لتوحيد سوريا وتثبيت سلطة الدولة الجديدة على كامل التراب السوريّ؟ المسار يبدو طويلاً والعقبات كثيرة ومعقّدة.