يعتبر اختيار أذربيجان منصة للتفاوض بين سوريا وإسرائيل، من الأمور الغنية بالدلالات والرسائل في أكثر من اتجاه. كما أنه يسلط الضوء على تعاظم الدور التركي في المنطقة، انطلاقاً من العلاقات الاستراتيجية التي تربط بين أنقرة وباكو.
وإلى الدور الذي تلعبه أذربيجان في المفاوضات، فإن زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع لباكو السبت، فتحت نافذة اقتصادية أمام سوريا، عبر الاتفاق على تزويدها بالغاز الأذري عبر الأراضي التركية. وبذلك، تثبت أنقرة دورها كممر رئيسي لدعم النظام الجديد في سوريا.
على رغم أنها ليست المرة الأولى التي يجتمع فيها مسؤولون سوريون وإسرائيليون في أذربيجان، لكن اجتماع السبت تزامن مع زيارة الشرع، مما فتح باب التكهنات على مصراعيه، بشأن ما إذا كان الرئيس السوري سيلتقي مسؤولاً إسرائيلياً معيناً، مما يعني أن المفاوضات بين الجانبين تكون قد قطعت شوطاً مهماً.
نحو اتفاق سوري – إسرائيلي
ويتضح من تصريحات السفير الأميركي لدى تركيا توم برّاك، والمكلف بالملفين السوري واللبناني، أن المسار السوري – الإسرائيلي ماضٍ نحو اتفاق ينهي العداء بين دمشق وتل أبيب. وهو يحض اللبنانيين في الوقت ذاته على اغتنام الفرصة المتاحة الآن، للالتحاق بركب التحولات الجارية في المنطقة والتوازنات الجديدة، التي أفرزتها الحروب الإسرائيلية على غزة ولبنان وإيران.
تنشيط القناة الأذرية، يعني أن تركيا حاضرة بشكل أو بآخر في المفاوضات، في وقت يضيف الرئيس رجب طيب أردوغان مزيداً من الأوراق الرابحة بين يديه. من بدء “حزب العمال الكردستاني” في إلقاء السلاح الجمعة، وطيّ عقود من الصراع المسلح، إلى فتح صفحة جديدة مع الأكراد في تركيا، والتحالف معهم في مواجهة حزب الشعب الجمهوري، مما يمهد لتعديل الدستور وفوز الرئيس التركي بولاية أخرى.
وبعد تصفية المسألة الكردية في تركيا، سينتقل أردوغان إلى تصفية مسألة الأكراد في سوريا. وهو يحظى بمساندة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يضغط على “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد)، للتخلي عن شرط الحصول على وضعية فيدرالية أو لامركزية للمناطق ذات الغالبية الكردية في شمال شرق سوريا، مقابل الاندماج في المؤسسات العسكرية والإدارية للنظام السوري الجديد.
الانقلاب الأميركي على أكراد سوريا، برزت مقدماته مع تأكيد برّاك بعد اجتماعه الأسبوع الماضي مع الشرع ثم قائد “قسد” مظلوم عبدي في دمشق، إذ قال إن “الفيدرالية لا تصلح في سوريا”.
والدور التركي في تسهيل التفاوض السوري – الإسرائيلي، يقطع الطريق على أي مسعى كردي لطلب الحماية من إسرائيل، لأن الأخيرة ستكون أمام فرصة لترتيبات أمنية وسياسية لاحقة مع كل سوريا، وليس مع جزء منها فحسب.
نصر آخر لأردوغان
إن احتمال عودة أكراد سوريا إلى دمشق، تحت الضغط الأميركي والتركي، يقدم نصراً آخر لأردوغان في سياسته الإقليمية. هل يرقى ذلك إلى تلزيم أميركي لسوريا؟ على الأرجح، لن يعترض ترامب على تعميق الدور التركي في سوريا، إذا كان ذلك سيؤدي إلى انضمام دمشق إلى الاتفاقات الإبراهيمية في وقت لاحق.
ناهيك عن ذلك، يبعث اتخاذ أذربيجان مكاناً للتفاوض السوري – الإسرائيلي، برسالة إلى إيران، التي لطالما تحفظت على العلاقات الآذرية – الإسرائيلية، عسكرياً وسياسياً. أن تجري المفاوضات في أذربيجان يراد منه القول لطهران، إن التأسيس للعلاقات الجديدة في الشرق الأوسط، يحدث في دولة تقع على كتف إيران. وأكثر من مرة تحدث الشرع عن “أعداء مشتركين” لسوريا وإسرائيل.
ولطالما وجهت إيران انتقادات للدور التركي في إسقاط نظام بشار الأسد في سوريا، لأنها تدرك تمام الإدراك، أن فقدانها لدمشق، كان بمثابة الضربة الاستراتيجية التي رتبت التحولات الجذرية التي تعصف بالشرق الأوسط، وصولاً إلى حرب الأيام الـ12 في حزيران / يونيو الماضي.
مَن كان يتخيل قبل سبعة أشهر، أن الغاز الأذري سيحل محل الغاز الإيراني في سوريا؟!