ملخص
تتوقع “أوبك” أن تأتي غالبية النمو في الطلب العالمي على النفط حتى عام 2050 من الاقتصادات الناشئة والدول النامية، إذ تتوقع المنظمة أن يزيد طلبها على النفط بمقدار 28 مليون برميل يومياً، بينما تتوقع أن ينخفض الطلب على النفط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بمقدار 8.5 مليون برميل يومياً.
أطلقت “أوبك” توقعاتها لسوق النفط العالمية لعام 2050 يوم الخميس الماضي خلال ندوة “أوبك 2025” التي عقدت في فيينا، وحققت أرقاماً قياسية في عدد الحضور، وفي عدد الوزراء، وفي عدد رؤساء الشركات، وفي عدد الشركاء الإعلاميين.
تتوقع “أوبك” أن يرتفع الطلب العالمي على النفط بمقدار 9.6 مليون برميل يومياً ليصل إلى 113.3 مليون برميل يومياً بحلول عام 2030، وبمقدار 19.2 مليون برميل يومياً ليصل إلى 123 مليون برميل يومياً بحلول عام 2050.
وكانت “أوبك” تتوقع سابقاً أن يصل الطلب العالمي إلى ذروته في منتصف الثلاثينيات، أي بعد نحو 10 أعوام من الآن، ولكن مع تراجع الحكومات والشركات عن أهداف الحياد الكربوني في شتى أنحاء العالم، وتوافر مزيد من البيانات، عدلت توقعاتها لتعكس الواقع الجديد. باختصار خلال فترة التوقع حتى عام 2050، لن يصل الطلب العالمي على النفط إلى ذروته، كما يتوقع آخرون، وأثر السيارات الكهربائية في تحجيم الطلب على النفط محدود.
دور المواصلات والبتروكيماويات
وفقاً لتوقعات “أوبك”، ستكون معظم الزيادة من النقل البري (+5.3 مليون برميل يومياً)، ووقود الطائرات (+4.2 مليون برميل يومياً)، والبتروكيماويات (+4.7 مليون برميل يومياً). ولعل أهم موضوع جرى ذكره هنا في مقالات سابقة، وركزت عليه “أوبك” في توقعاتها الحالية، هو أن معظم الطلب على النفط في عام 2050 غير موجود اليوم، مما يتطلب استثمارات بتريليونات الدولارات، إذ تقدر “أوبك” أن هناك حاجة إلى 18 تريليون دولار بحلول عام 2050. وسبب ذلك هو معدلات النضوب في الأحواض النفطية الحالية، إذ إن إبقاء مستوى الإنتاج على حاله يتطلب استثمارات ضخمة للتعويض عما تم إنتاجه، فما بالك بأنه يجب التعويض عما تم إنتاجه، ثم إضافة نحو 20 مليون برميل يومياً زيادة في الطلب على النفط؟
ومن أسباب رفع “أوبك” لتوقعاتها للطلب على النفط مقارنة بتوقعاتها السابقة هو التراجع المستمر من الحكومات والشركات عن أهداف التغير المناخي، وكنت شرحت في مقالات سابقة أن كل التعهدات بتحقيق الحياد الكربوني بتوقيت معين من الحكومات والشركات والمنظمات العالمية تمت من دون دراسة للوضع والإمكانات والآثار الجانبية لهذه السياسات، ولما اصطدموا بالواقع اضطروا إلى التراجع. ولكن خلال هذه الفترة قامت وكالة الطاقة الدولية و”بلومبرغ بي إن إف” وعدد من البنوك والبيوت الاستشارية بنشر توقعات طويلة المدة تعكس سياسات التغير المناخي التي تبنوها، فنتج منها أفكار وتوقعات تتنبأ ببلوغ الطلب على النفط ذروته، ثم انخفاضه، وتطرف بعضهم حتى للقول إن اقتصادات دور الخليج وروسيا ستنهار. الآن، كما يقول المثل: “راحت السكرة وجاءت الفكرة”، فتراجعوا، وتوقعات “أوبك” المتفائلة تعكس هذه التراجعات!
وذكرت “أوبك” أسباباً متعددة لرفع توقعاتها لنمو الطلب على النفط، منها أن “انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس سيؤثر في مفاوضات تغير المناخ، ومن المرجح أن يؤدي إلى زيادة الطلب على الهيدروكربونات، بصورة عامة، والنفط والغاز، على وجه الخصوص”.
إيران وأسواق النفط والغاز
وتتوقع أن يزداد الطلب على النفط في الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بمقدار 8.6 مليون برميل يومياً بحلول عام 2030، ليصل إلى 66.7 مليون برميل يومياً، إلا أن الزيادة في الطلب على النفط في دول منظمة التعاون والتنمية في تلك الفترة ستكون محدودة.
وتتوقع “أوبك” أن تأتي غالبية النمو في الطلب العالمي على النفط حتى عام 2050 من الاقتصادات الناشئة والدول النامية، إذ تتوقع المنظمة أن يزيد طلبها على النفط بمقدار 28 مليون برميل يومياً بينما تتوقع أن ينخفض الطلب على النفط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بمقدار 8.5 مليون برميل يومياً. بعبارة أخرى، سيكون هناك نمو بسيط في الطلب على النفط في الدول الصناعية خلال السنوات القليلة المقبلة، ثم ينخفض بعدها بصورة كبيرة.
وتتوقع “أوبك” أن يكون المصدر الأساس لنمو الطلب في دول آسيوية والشرق الأوسط وأفريقيا، إذ يرتفع الطلب على النفط بمقدار 22.4 مليون برميل يومياً، جزء كبير منها الهند التي سيزيد فيها الطلب على النفط بمقدار 8.2 مليون برميل يومياً. بعبارة أخرى، الزيادة في الطلب الهندي مستقبلاً أكبر من صادرات النفط السعودية!
وقد يتفاجأ بعض القراء من أن “أوبك” تتوقع أن ينمو الطلب على الصين بمقدار 1.8 مليون برميل يومياً حتى عام 2050، وغالب هذا النمو سيكون خلال السنوات القليلة، لكن توقع “أوبك” أكثر تفاؤلاً من كثير من التوقعات التي ترى أن الطلب على الصين سيصل إلى ذروته في هذا العام ثم ينخفض بعدها.
كاتب هذه المقالة يعتقد أن نمو الطلب على النفط في الصين سيكون أكبر من ذلك بكثير مع ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي في الصين، بخاصة إذا جرى التوصل إلى اتفاق تجاري شامل مع الولايات المتحدة. أثر السيارات الكهربائية في الطلب على النفط أقل بكثير مما هو شائع لأسباب مختلفة، منها الفساد الإداري الذي أدى إلى المبالغة في أعداد السيارات الكهربائية وبيع السيارات القديمة على أنها جديدة، وحساب ما يجري تصديره على أنها سيارات داخل الصين بهدف الحصول على الحوافز والإعانات الحكومية.
نمو الطلب على النفط حسب القطاعات ونوع الوقود
تتوقع “أوبك” أن تكون أكبر الزيادات على الطلب على النفط في قطاعات النقل البري (5.3 مليون برميل يومياً) والجوي (4.2 مليون برميل يومياً) والبتروكيماويات (4.7 مليون برميل يوميا).
بالنسبة إلى قطاع النقل البري، ترى “أوبك” أن أسطول السيارات العالمي سيرتفع من 1.7 مليار مركبة في عام 2024 إلى 2.9 مليون مركبة في 2050، وسيكون غالب النمو في السيارات الكهربائية، وعلى رغم النمو الكبير في أعداد السيارات الكهربائية إلا أن “أوبك” ترى أن نسبة السيارات التي تعتمد على البنزين والديزل ستكون 72 في المئة من إجمالي عدد السيارات في عام 2050.
وتتوقع “أوبك” أن يرتفع الطلب العالمي على الديزل والمواد القريبة منه بمقدار 4.4 مليون برميل يومياً، ووقود الطائرات والكيروسين 4.1 مليون برميل يومياً، والسوائل الغازية النفطية 3.6 مليون برميل يومياً، والبنزين 3.1 مليون برميل يومياً، والنافثا 2.7 مليون برميل يومياً.
خلاصة القول إن “أوبك” كانت أسرع من غيرها في الانتباه إلى آثار التراجع عن سياسات التغير المناخي، فعدلت توقعاتها للطلب على النفط صعوداً، وبهذا فهي تنذر العالم كله بصورة غير مباشرة بأنه إذا لم يجر الاستثمار من الآن في النفط والغاز بكميات كافية فإن العالم مقدم على أزمة طاقة خانقة.