تكبّدت إيران ضربة كبيرة بعد أن اغتالت إسرائيل قادة عسكريين كبارًا وشنّت الولايات المتحدة ضربات على منشآتها النووية، لكن سلسلة من عمليات مصادرة أسلحة عالية القيمة تُظهر أن طهران بدأت جهودًا جديدة لتسليح حلفائها من الميليشيات في أنحاء الشرق الأوسط.
فقد اعترضت قوات موالية للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا هذا الأسبوع شحنة كبيرة من الصواريخ وقطع غيار للطائرات المسيّرة ومعدات عسكرية أخرى، كانت مرسلة إلى الحوثيين على ساحل البحر الأحمر. ومن جهتها، أعلنت الحكومة السورية الجديدة أنها صادرت عددًا من شحنات الأسلحة، من بينها صواريخ “غراد” المخصصة لأنظمة إطلاق متعددة تُركّب على الشاحنات، وذلك على الحدود مع العراق ولبنان.
أما الجيش اللبناني، فقد صادر بدوره شحنات عبرت من الحدود السورية، تضمّنت صواريخ روسية مضادة للدروع مفضلة لدى حزب الله.
وقال مايكل نايتس، الباحث البارز في “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” والمتخصص في الميليشيات الموالية لإيران:
“إيران تعيد بناء وجودها في المشرق عبر إرسال صواريخ إلى حزب الله، ونقل أسلحة من العراق إلى سوريا.”
وأعلنت القوات اليمنية، الأربعاء، أنها صادرت عددًا قياسيًا من الصواريخ الإيرانية المخصصة للحوثيين. وتم اعتراض الشحنة من قِبل “قوة المقاومة الوطنية”، وهي تحالف عسكري موالٍ للحكومة اليمنية. وأكدت “القيادة المركزية الأميركية”، المسؤولة عن العمليات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، أن هذه أكبر عملية مصادرة لأسلحة تقليدية إيرانية متطورة تقوم بها هذه القوة، وبلغ وزن الشحنة نحو 750 طنًا من صواريخ كروز وصواريخ مضادة للسفن والطائرات، ورؤوس حربية، ومكوّنات توجيه، ومحركات طائرات بدون طيار.
وقد تم إخفاء الشحنة على متن مركب شراعي يُعرف بـ”الداو”، تحت حمولة معلنة من أجهزة التكييف. واشتملت على صواريخ “قادر” الإيرانية المضادة للسفن، ومكوّنات من نظام الدفاع الجوي “صقر”، وهو النظام الذي استخدمه الحوثيون لإسقاط طائرات أميركية من طراز MQ-9 Reaper.
في السابق، كانت المصادرات اليمنية والأميركية تقتصر عادةً على أسلحة خفيفة أو قطع غيار، وليس على صواريخ مجمّعة بالكامل.
وتأتي هذه المصادرة بعد أسابيع فقط من وقف إطلاق النار الذي أنهى الحملة الجوية الإسرائيلية التي استمرت 12 يومًا ضد إيران – سلسلة من الهجمات كشفت هشاشة إيران رغم ترسانتها من الصواريخ وحلفائها من الميليشيات الذين بنتهم لحماية نفسها.
وشاركت الولايات المتحدة في الهجوم عبر قصف منشآت نووية إيرانية رئيسية. وفي الربيع الماضي، قصفت واشنطن مواقع الحوثيين على مدى قرابة شهرين، ضمن حملة انتهت بهدنة، ودفعت الحوثيين إلى البحث عن معدات متطورة جديدة.
وقال محمد الباشا، مؤسس مؤسسة “باشا ريبورت” الأميركية لاستشارات الأمن في الشرق الأوسط:
“توقيت وحجم هذه الشحنة يُظهر بوضوح أن إيران تتحرك بسرعة لإعادة تزويد الحوثيين بمخزونهم الذي استُهلك بفعل الضربات الجوية الأميركية”، مشيرًا إلى أن طهران تسعى إلى “الحفاظ على وتيرة عملياتها المرتفعة ضد إسرائيل وحركة الملاحة التجارية.”
من ناحيتها، نفت وزارة الخارجية الإيرانية على لسان المتحدث الرسمي إسماعيل بقائي، الخميس، أن تكون طهران قد أرسلت أسلحة إلى اليمن، ووصفت هذه الادعاءات بأنها لا أساس لها.
ومع ذلك، يبدو أن جهود إعادة التزويد بدأت تؤتي ثمارها.
ففي الأسبوع الماضي، استخدم الحوثيون قذائف صاروخية، وصواريخ، وطائرات مسيّرة لإغراق سفينتين تجاريتين في البحر الأحمر، ما أسفر عن مقتل ثلاثة من أفراد الطاقم على الأقل وأسر آخرين. كما تواصل الجماعة إطلاق صواريخ باليستية على إسرائيل، رغم أن معظمها يُعترض.
ورغم أن الشحنات المصادرة عبرت من خلال دولة جيبوتي شرق أفريقيا، والتي تقع مقابل الساحل اليمني على البحر الأحمر، إلا أن “قوة المقاومة الوطنية” عثرت على عدة وثائق باللغة الفارسية تثبت أن مصدر الشحنة هو إيران. وتضمنت الوثائق دليلًا لكاميرات تُستخدم في توجيه الصواريخ المضادة للطائرات، وشهادة جودة مرفقة بزعنفة صاروخ تم تصنيعها من قِبل شركة إيرانية.
أما محاولات إيران لتزويد حزب الله بالأسلحة، فقد كانت واسعة النطاق أيضًا. وكان الحزب قد اضطر إلى وقف إطلاق النار في خريف العام الماضي بعد حملة إسرائيلية شملت عمليات سرية وضربات جوية وتوغل بري قضى على معظم ترسانته وقيادته.
وقال مايكل كرداش، النائب السابق لرئيس وحدة تفكيك المتفجرات في الشرطة الإسرائيلية، إن هناك “اتجاهًا متصاعدًا في الأشهر الأخيرة لمحاولات تهريب إما عبر سوريا أو من داخلها باتجاه حزب الله في لبنان.”
وقد تأثرت خطوط تهريب الأسلحة بشكل كبير بسقوط نظام بشار الأسد، الحليف الرئيسي لإيران، واستبداله بحكومة معادية. وأصبح المهربون مجبرين على استخدام شحنات صغيرة بعدما كانوا ينقلون الأسلحة عبر شاحنات كاملة، بحسب كرداش، الذي يعمل الآن في مجال أبحاث المتفجرات لدى شركة “تيروجينس” الإسرائيلية للاستشارات الأمنية.
وفي مثال على ذلك، أعلنت وزارة الداخلية السورية الجديدة في حزيران أنها صادرت صواريخ روسية من طراز “كورنيت” المضادة للدروع، كانت مخبأة داخل شاحنة تنقل الخيار في طريقها إلى لبنان. وفي أيار، اعترض فرع الأمن العام صواريخ دفاع جوي إيرانية الصنع قرب الحدود اللبنانية، بحسب وسائل إعلام محسوبة على الحكومة السورية الجديدة.
ورغم الجهود المكثفة لمنع حزب الله من إعادة بناء ترسانته المدمّرة، فإن الحزب، شأنه شأن الحوثيين، حقق بعض النجاحات. فهو يصنع طائراته المسيّرة وصواريخه المتوسطة المدى بنفسه، كما تمكن جزئيًا من إعادة هيكلة شبكات التهريب، ونجح في تهريب بعض صواريخ “كورنيت” وغيرها من الأسلحة المتطورة، بحسب مصدر مطّلع على عمليات الحزب.
المصدر: “وول ستريت جورنال”