ظهرت مؤشرات قوية على تمسّك تركيا بالمضي قدماً في عملية السلام، بعد حراك مُكثّف في البرلمان للانتهاء من تشكيل لجنة تضع الأساس القانوني لمواكبة نزع أسلحة حزب «العمال الكردستاني».
وفي هذا الإطار، زار وفد من حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، المؤيد للأكراد، زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان في سجنه بجزيرة إيمرالي في غرب تركيا، في الوقت الذي أبلغ فيه رئيس البرلمان، نعمان كورتولموش، الأحزاب السياسية بآخر موعد لتقديم ممثليها في اللجنة البرلمانية.
وللمرة السابعة منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي، والأولى منذ قيام مجموعة من 30 من عناصر حزب «العمال الكردستاني»، بإلقاء أسلحتهم في مراسم رسمية أقيمت في السليمانية في شمال العراق في 11 يوليو (تموز) الحالي، قام وفد حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، المعروف إعلامياً بـ«وفد إيمرالي»، بزيارة أوجلان، الجمعة، في محبسه.
تحركات مكثفة
وجاءت زيارة الوفد، الذي يضم النائبين، برفين بولدان ومدحت سنجار، والمحامي أوزغور فائق إيرول، عقب جولة على الأحزاب السياسية أعقبت العملية الرمزية لإلقاء السلاح في السليمانية، شملت أيضاً لقاء مع وزير العدل التركي يلماظ تونتش، لبحث المتطلبات القانونية للمرحلة المقبلة.
وبالتوازي مع هذه الجولة، قام رئيس المخابرات، إبراهيم كالين، بجولة على الأحزاب شملت «العدالة والتنمية» الحاكم، وشريكه في «تحالف الشعب»، حزب «الحركة القومية»، و«الديمقراطية والمساواة للشعوب»، و«الجيد»، وحزب «الطريق الجديد»، الذي يجمع تحت مظلته أحزاب (الديمقراطية والتقدم، السعادة والمستقبل)، واختتمها بلقاء رئيس حزب «الشعب الجمهوري».
وخلال جولته، أطلع كالين رؤساء الأحزاب ورؤساء مجموعاتها البرلمانية على تطورات مبادرة «تركيا خالية من الإرهاب»، وهو الاسم الذي تستخدمه الحكومة لعملية «السلام والمجتمع الديمقراطي»، التي بدأت تتحرك جدياً بدعوة أوجلان في 27 فبراير (شباط) الماضي حزب «العمال الكردستاني» إلى حلّ نفسه وإلقاء أسلحته والبدء في مرحلة العمل السياسي القانوني الديمقراطي، واستمع إلى اقتراحاتهم.
وقام رئيس البرلمان التركي نعمان كورتولموش بجولة مماثلة على الأحزاب.
وقال رئيس حزب «الشعب الجمهوري» أوزغور أوزيل، عقب لقائه رئيس كورتولموش وكالين، الخميس، إن «العملية جارية. نحن، حزب (الشعب الجمهوري)، حددنا موقفنا وشاركناه بالتفصيل مع رئيس البرلمان. ليس لدي ما أقوله الآن، سنرى إلى أين سيؤول الأمر بعد عمل السيد كورتولموش، وسنتخذ قرارنا الخاص بشأن المشاركة في اللجنة بعد ذلك».
وأعلن حزب «الشعب الجمهوري» سابقاً أنه لا يعارض الاشتراك في اللجنة، لكنه حدّد ما سماه بـ«الخطوط الحمراء» فيما يتعلق بطريقة عمل اللجنة، مشدّداً على ضرورة اتخاذ القرارات بالأغلبية المؤهلة، وأن تجرى العملية بشفافية تلبي توقعات المجتمع، لا وفقاً لأجندة حزب «العدالة والتنمية».
تشكيل اللجنة البرلمانية
وأبلغ كورتولموش الأحزاب، الجمعة، بتسمية مرشحيها في اللجنة البرلمانية حتى موعد أقصاه الخميس 31 يوليو.
وتمّ تحديد عدد أعضاء اللجنة بـ51 عضواً من نواب البرلمان بينهم 21 نائباً من حزب «العدالة والتنمية»، و10 من حزب «الشعب الجمهوري»، و4 من كل من حزبي «الديمقراطية والمساواة للشعوب» و«الحركة القومية»، و3 نواب لكل من حزبي «الجيد» و«الطريق الجديد»، ونائب واحد من كل من أحزاب «الرفاه الجديد»، و«هدى بار»، و«العمال التركي»، و«العمل»، و«الديمقراطي» و«اليسار الديمقراطي».
وبذلك ستكون أغلبية اللجنة لصالح «تحالف الشعب» (أحزاب العدالة والتنمية، والحركة القومية وهدى بار)، بواقع 25 يمثلون نحو نصف عدد الأعضاء.
وبينما طالب حزب «الشعب الجمهوري» باتخاذ قرارات اللجنة بالأغلبية المؤهلة، طرح حزب «العدالة والتنمية» اتخاذ القرارات بأغلبية 3 أخماس الأعضاء (60 في المائة من عدد الأعضاء).
مطالب متباينة
وسيتم تشكيل اللجنة وسط حالة من الجدل والتساؤلات حول اختصاصاتها وصلاحياتها. ويعطي حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب» الأولوية لتحسين وضع أوجلان ولـ«الضمانات القانونية لعملية السلام» وقانون عودة أعضاء حزب «العمال الكردستاني» إلى ديارهم، والسماح باندماجهم في المجتمع بعد إلقاء أسلحتهم، فضلاً عن معالجة قانون تنفيذ العقوبات، والسماح بالإفراج عن المرضى من عناصر الحزب والسجناء السياسيين، وإلغاء ممارسة عزل رؤساء البلديات المنتخبين وتعيين أوصياء بدلاً منهم، وتوسيع حقوق الأكراد السياسية والثقافية والاجتماعية.
في المقابل، يعتزم حزب «العدالة والتنمية» الحاكم إدراج اللوائح القانونية اللازمة على جدول أعمال اللجنة بصيغة «التقدم التدريجي»، أي تقديم خطوة في مقابل كل خطوة يتخذها حزب «العمال الكردستاني».
ولا ترغب الحكومة في أن يُفهم أن الخطوات التي ستُتخذ قد ترقى إلى مستوى «العفو» عن السجناء أو مَن ألقوا أسلحتهم وكانوا متورطين في جرائم.
وسيستمر عمل اللجنة طوال العطلة الصيفية للبرلمان، على أن تُناقش قراراتها في الجلسات العامة في الدورة التشريعية الجديدة التي تبدأ في أول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.