اتهامات بفرض حصار خانق، ونفي حكومي سوري، هذا هو المشهد السائد داخل محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، بعد التوصل لوقف الأعمال القتالية بوساطة أميركية.
والمؤكد، وسط دوامة الاتهامات ونفيها، أن هناك حلقة مفقود بحاجة إلى فك طلاسمها، حول الطرف الذي يفرض الحصار، لأن قوافل المساعدات تتقاطر يومياً إلى داخل مدينة السويداء، في حين تشير الأنباء إلى أن هناك طرفاً داخلها يحتكر المساعدات ويوجهها نحو فئة مستفيدة قليلة، مرتبطة بالجهة الأشد رفضاً للتواصل مع الحكومة السورية ومنع دخول كوادرها، وهي الزعامة الروحية المتمثلة بالشيخ حكمت الهجري والمجلس العسكري الموالي له.
لا حصار!
نفت الحكومة السورية نفياً متكرراً وجود أي حصار على السويداء، وتدفع بالمزيد من المساعدات الإنسانية عن طريق الهلال الأحمر السوري إلى داخل المدينة، حتى تقرن النفي بالأفعال على ما يبدو.
وأكد محافظ السويداء مصطفى بكور، الاثنين الماضي، أن “قوافل المساعدات الإغاثية والإنسانية تدخل إلى محافظة السويداء يومياً على نحوٍ طبيعي من جهة بصرى الشام في ريف درعا الشرقي، ولا توجد أية إعاقة في حركة المرور، والطريق سالك لدخول المنظمات الإغاثية إلى المحافظة”.
كما أكد مدير المؤسسة السورية للمخابز محمد الصيادي، أن المخابز في محافظة السويداء تعمل بكامل طاقتها الإنتاجية حالياً، بالتنسيق مع المحافظة، بهدف تأمين الخبز للمواطنين من دون انقطاع.
أمام هذا النفي الحكومي، هناك رواية واحدة تصدّرها الجهات داخل السويداء، بأن الحكومة السورية “تفرض حصاراً عقابياً”، وأن الحل لا بالتوجه إلى الجهات الدولية للضغط على الحكومة ورفع الحصار، إنما بفتح معبر إنساني مع الأردن، على غرار المعابر السابقة مع تركيا وشمال سوريا، إبان وجود نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في الحكم.
وذهبت تلك الجهات إلى أبعد من ذلك، بالمطالبة بفتح طريق مع مناطق سيطرة الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، وهي مطالبات كررها ناشطون وصحفيون دروز. والهجري كان السبّاق لترويجها والمطالبة بها، وهو ما فتح الباب أمام حديث واسع على أن النيّة الخفية هي سلخ السويداء عن الجغرافيا السورية، والحصول على منطقة حكم ذاتي، عبر تصدير “مظلومية الحصار”.
وقال مسؤول حكومي سوري، الأحد الماضي، إن الهجري وجماعته يُطالبون بـ”منطقة حكم ذاتي”، كما فعلت عام 2023، ويطالب بمنطقة حظر جوي في السويداء، ومعبر حدودي مع الأردن، واستولى على قوافل مساعدات إنسانية أُرسلت إلى المدنيين المتضررين من القتال، ووزعها على جماعته وأقربائه، كما سمح فقط لمركبات الهلال الأحمر العربي السوري بالدخول إلى السويداء، وفق وكالة “الأناضول”.
ويؤكد مدير شبكة “السويداء24” ريان معروف، لـ”المدن”، أنه “من غير المنطقي أن يقوم الهجري بتجويع أهالي السويداء، لأي سبب كان، والحكومة السورية هي الطرف الذي يتحمل مسؤولية منع دخول القوافل التجارية للسويداء، لأنها المسيطرة على الطرقات الرئيسة”. ويلفت إلى أن المساعدات الإنسانية التي تدخل غير كافية.
حصار تجاري؟
والحال، أن قوافل المساعدات مهما كانت كبيرة، إلا أنها موجهة نحو الفئات الأشد حاجة وضعفاً، لذا فإنّ ذلك لا يغني أبداً عن الحركة التجارية بين مدينة السويداء، والشريان الرئيس المغذي لها، الموجود في دمشق على وجه التحديد، وعليه فإن هناك فئة كبيرة عاجزة عن تأمين حاجياتها اليومية من مواد غذائية وتموينية يومية بحاجة إليها.
وقالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إن محافظة السويداء تشهد منذ 13 تموز/ يوليو، تدهوراً واسع النطاق على الصعيدين الإنساني والخدمي، كما وجّهت نداء استغاثة للسماح بدخول كافة أشكال المساعدات الإنسانية إلى السويداء والمشردين قسراً جرّاء الاشتباكات.
ويقول معروف، إن الحركة التجارية توقفت منذ 13 تموز/ يوليو، قبل يوم واحد من بدء العمليات العسكرية، وإن جميع الطرقات المؤدية إلى السويداء، قُطعت بشكل كامل، وأُقيمت حواجز عليها للأمن العام ووزارة الدفاع السورية، بما في ذلك طريق دمشق- السويداء.
ويضيف أن طريق دمشق- السويداء تحت سيطرة ما يسمى “جيش العشائر”، ويمنع التجّار من إدخال المواد الغذائية لأهالي المحافظة، كما يشير إلى أن القرى هناك تتعرض للسلب والنهب و”التعفيش” حتى اليوم.
ويتابع معروف، أن بعض تجّار مدينة السويداء حاولوا قبل أيام إدخال قافلة تجارية غذائية وخضار وفواكه عن طريق تجّار من دمشق، لكنهم مُنعوا من إدخالها. ويؤكد أن الوضع المعيشي أصبح كارثياً، وسط شح كبير بالمواد الغذائية، وأن الحصول على ربطة خبز أصبح صعباً جداً، في حين أن الخضار والفواكه غير موجودة أبداً.
خوف متبادل
من جانبه، يؤكد مصدر إعلامي سوري لـ”المدن”، أن ما يُشاع عن فرض حظر تجاري على مدينة السويداء، “هو عارٍ من الصحة”، متهماً الفصائل العسكرية المسيطرة على المدينة لا سيما المجلس العسكري، بمنع تجّار السويداء من الخروج، “بزعم الحفاظ على سلامتهم”.
ويضيف أن هناك خوفاً متبادلاً يمنع التجار من الدخول أو الخروج للسويداء، بسبب ما شهدته المدينة من أحداث، في حين أن تجّار درعا لا يجرؤون على إدخال أي قوافل تجارية خوفاً من السيطرة عليها من قبل عناصر الفصائل الموالية للهجري.
ويشير إلى أن الأمن العام هو من يسيطر على الطرقات المؤدية لمدينة السويداء، وهي “طرق آمنة لمن أراد الدخول أو الخروج”، كما لم يصدر أي قرار “علنياً أو سرياً”، بفرض حصار على السويداء، في الوقت الذي تتقاطر فيه قوافل المساعدات الإنسانية يومياً باتجاه السويداء، لسد الحاجة المُلحّة لأهالي المدينة، مع توقف القوافل التجارية، وفق قوله.