تجد موسكو الداعم الأول لنظام الرئيس السابق بشار الأسد نفسها اليوم أمام تحدي إعادة صياغة استراتيجياتها في سوريا التي باتت تزدحم بكبار اللاعبين الدوليين والإقليميين.
ومع سيطرة القوات الحكومية إلى حد ما على منطقة الساحل السوري، المجال الحيوي التقليدي للنفوذ الروسي سابقاً، تتجه روسيا للاستثمار في حالة الفراغ السياسي والأمني وغياب الدولة عن محافظة الحسكة، لإعادة بناء مناطق نفوذ جديدة في شمال شرقي سوريا بالتنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من خلال إعادة التموضع عسكرياً في مطار القامشلي الذي يخضع حتى الآن لسيطرة تلك القوات.
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره السوري أسعد الشيباني (أ.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره السوري أسعد الشيباني (أ.ب)
سباق مع الزمن
ومع انهيار نظام الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي وخسارة روسيا أحد أهم الحلفاء، ومع واقع تعقيدات التحالف بين الدولة السورية الوليدة وتركيا، اللاعب الإقليمي الأهم في الشمال السوري، والتعارض البيّن بين السياسات الأميركية والتركية فيما يتعلق بمستقبل المنطقة، والموقف من قوات «قسد» الحليف الأوثق للأميركيين، تجد موسكو نفسها في سباق مع الزمن لإعادة ترتيب أوراقها، وبناء تحالفات جديدة من شأنها الحفاظ على نفوذ ما عبر قوى محلية مثل «قسد» أو بقايا النظام السابق، أو حتى البقاء على أنها لاعب فاعل ومؤثر في المشهد السوري عبر دور سياسي يتمثل في لعب دور الوسيط بين «قسد» والحكومة في دمشق، لكن يبقى ذلك سابقاً لأوانه حتى مع بوادر عودة العلاقة الدبلوماسية بين دمشق وموسكو، وتأكيد الأخيرة على دعم «وحدة الأراضي السورية».
وفي مؤشر واضح على كسر الجليد بين البلدين تأتي زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى موسكو، بعد اتصال هاتفي أجراه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أكد فيه على ضرورة الحفاظ على «وحدة أراضي» سوريا، بعد أسبوع على تدخل إسرائيل عسكرياً في جنوب البلاد.
خسارة استراتيجية
وفي حرص روسي واضح على عدم تكبد خسارة استراتيجية، كان بوتين قد مهّد لعودة العلاقات مع سوريا، بأن أجرى منذ فبراير (شباط) الماضي اتصالاً هاتفياً بنظيره السوري أحمد الشرع، أكد فيه دعم روسيا لـ«وحدة وسيادة وسلامة أراضي سوريا»، وأعرب عن استعداد موسكو لمساعدة سوريا في تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك تقديم المساعدات الإنسانية. كما شدد بوتين على أهمية تنفيذ سلسلة من الإجراءات لتطبيع الوضع في سوريا، وإحياء الحوار بين السوريين، حسبما أعلن الكرملين.
وبموازاة المبادرات الدبلوماسية، جرت تحركات ميدانية عسكرية وأمنية، حيث أفادت مصادر مطّلعة في شمال شرقي سوريا لصحيفة «الشرق الأوسط» أنّ ضباطاً سابقين في جيش النظام السابق، إضافة إلى عناصر أمنيين، انتقلوا في الأشهر الأخيرة إلى مناطق شرق الفرات برعاية روسية، بعضهم انضم إلى قوات سوريا الديمقراطية، فيما احتفظ آخرون بعلاقاتهم المباشرة مع موسكو. وتؤكد المصادر أن أكبر تموضع للقوات الروسيّة حالياً في مطار القامشلي، في حين تسجّل تحركات غير ثابتة لمجموعات روسية في محيط الرقة. ويُقدر عدد العناصر الروس في شرق الفرات بـ200 عنصر، ما يجعل الوجود العسكري محدوداً مقارنة بالانتشار الأميركي.
وحتى أواخر يوليو (تموز) 2025، انخفض عدد الجنود الأميركيين في سوريا بشكل ملحوظ ضمن سياسة تقليص الوجود العسكري. وكان العدد عند سقوط النظام السابق نحو ألفي جندي موزعين في الشمال الشرقي بين الحسكة ودير الزور، وقاعدة التنف جنوب شرقي سوريا القريبة من الحدود المشتركة مع كل من العراق والأردن.
وخلال الأشهر التالية، بدأت خطة لسحب وإغلاق عدة قواعد عسكرية، ما خفّض العدد إلى نحو 1400 جندي، مع هدف الوصول إلى أقل من ألف جندي بحلول نهاية العام ضمن قاعدتين هما التنف ورميلان بعد أن كان الجنود ينتشرون في ثماني قواعد.
وتشير المصادر الخاصة إلى أن هذا الوجود الروسي ليس جديداً، بل تعود جذوره إلى ما قبل سقوط النظام، حين لعبت موسكو دور الوسيط بين «قسد» والنظام السوري، وسعت إلى بناء قنوات اتصال دائمة بين الطرفين.
لدينا مصالح مع موسكو
قال مسؤول حكومي سوري رفيع لصحيفة «الشرق الأوسط» إنّ دمشق لا تشعر بالقلق من الوجود الروسي في سوريا، مؤكّداً أنّ «روسيا عبّرت في لقاءاتها معنا عن رغبتها في بناء علاقة متوازنة وندية مع الدولة السورية». وأضاف المصدر مفضلاً عدم الكشف عن اسمه: «نعم، لدينا مصالح مع موسكو، سياسيّة وعسكريّة واقتصاديّة في المستقبل، لكنّ علاقتنا بها لن تكون كما كانت عليه في عهد النظام السابق، الذي استقدم الروس لقمع الشعب، ومنحهم كل شيء بلا مقابل ولا حسابات».
وتابع المسؤول: «من مصلحة سوريا اليوم بناء علاقات متوازنة مع الجميع، تقوم على المصالح المتبادلة، والاحترام المتبادل. هذا لا يعني أنّ العلاقة مع موسكو خالية من العقبات أو التباينات، لكنّ المهم هو وجود رغبة جديّة من الجانبين لبناء نموذج جديد من الشراكة».
وشدّد المسؤول السوري على أنّ روسيا في المقابل «تبدي حرصاً واضحاً على وحدة سوريا، وترفض التدخل في شؤونها الداخليّة، ولا يبدو أنّها تدعم أي أطراف سوى الحكومة المعترف بها دولياً، وهو أمر نعتبره إيجابياً (..) حتى الآن، لم نرصد أي ممارسات أو نيات روسية تثير القلق، أو الشكوك».
حجة محاربة «داعش»
يرى رئيس المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية، مضر الأحمد، أن هناك تنسيقاً وثيقاً بين روسيا وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، خاصة في محيط مطار القامشلي الذي تحوّل، بحسب وصفه، إلى «قاعدة روسية كبيرة». ويؤكد الأحمد أن الدعم الروسي لـ«قسد» يشمل مستويات متعددة، عسكرية وسياسية وأمنية. ويقول الأحمد في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن لموسكو «مصلحة كبيرة» في تعزيز علاقاتها مع «قسد»، موضحاً أن روسيا تستخدم ورقة وجودها شرق الفرات، وتحالفها مع القوات الكردية ما يضعف حكومة دمشق. وأضاف: «موسكو تقف إلى جانب (قسد) ضد اندماجها في الجيش السوري، في ظل عدم ممانعة الولايات المتحدة وإسرائيل للوجود الروسي شرق الفرات».
ويعدّ الأحمد أن روسيا ترى في اللامركزية التي تطالب بها «قسد» مدخلاً لضمان مصالحها، ولا سيما في الساحل السوري، حيث تنتشر قواعدها الجوية في بانياس وريف جبلة، وفي مقدمتها قاعدة حميميم. كذلك يشير إلى أن روسيا تستغل ورقة «داعش» لتبرير بقائها العسكري في المنطقة، «إذ تُظهر نفسها على أنها قوة تحارب الإرهاب، وبذلك تشرعن وجودها شرق الفرات». ويضيف: «التحالف مع (قسد) يمثل الورقة الأهم بالنسبة لروسيا في سوريا، ولن تفرط بها، فهي من خلالها تقايض حكومة دمشق لتثبيت قواعدها، وتعزيز وجودها في البلاد». ويختم الأحمد بالقول إن روسيا «ليست من مصلحتها اندماج (قسد) مع الحكومة السورية، لأن بقاء الأخيرة مستقلة نسبياً يضمن في المقابل استمرار الوجود العسكري الروسي».
القامشلي مقابل حميميم
في سياق متصل، يكشف الصحافي السوري من مدينة دير الزور، زين العابدين العكيدي، لـ«الشرق الأوسط» أن تحركات القوات الروسية في شرق الفرات تقوم أحياناً بطلعات جوية، إضافة إلى رحلات لطائرات الشحن العسكرية بين مطاري القامشلي –حيث القاعدة الروسية– وقاعدة حميميم العسكرية في الساحل السوري.
ويؤكد العكيدي أن عمليات نقل ضباط كبار من النظام السوري السابق من الساحل إلى مطار القامشلي بدأت منذ شهر أبريل (نيسان) الماضي، وبدأ حضورهم يصبح ملحوظاً في المنطقة مع قيام بعضهم بنقل عائلاتهم. ويعتقد العكيدي أن موسكو لن تخلي قاعدة القامشلي، معتبراً أنها ورقة أساسية بيدها أمام الأميركيين والأتراك على حد سواء. ويوضح: «حاولت (قسد) إقناع الروس بإقامة قاعدة قرب حقل العمر النفطي المهم، لكن الروس رفضوا العرض، كما رفضوا طلب (قسد) تغيير اسم مطار القامشلي إلى (قامشلو) أو (قابو) بالكردية، قبل أن يسمحوا لاحقاً بوضع إشارة تدل على المطار بأربع لغات من بينها الكردية». ويضيف العكيدي أن روسيا نقلت عدداً كبيراً من ضباط وعناصر النظام الفارين من الحكومة السورية الجديدة، وأرسلتهم إلى أوكرانيا للقتال معها، مقابل عقود تقارب 1000 دولار أميركي شهرياً، مع منحهم إقامات دائمة في روسيا تحميهم من الملاحقة.
موسكو ودمشق رؤية مشتركة
من جهته، قال الباحث في مركز جسور للدراسات فراس فحّام لصحيفة «الشرق الأوسط» إنّ روسيا تستخدم ضباط النظام السابقين وتحتويهم ضمن قواعدها، سواء في حميميم أو القامشلي، أو حتى في قواعدها خارج سوريا، لا سيما في شرق ليبيا. وأضاف أن موسكو تستخدم هؤلاء الضباط غالباً في مهمات لوجستية وأمنية تتعلق بتأمين القواعد الروسية، مثل الحماية، وجمع المعلومات الاستخباراتية.
وأوضح فحّام أن المعطيات الميدانية لا تشير إلى أن روسيا بصدد تشكيل بنية عسكرية موازية لـ«قوات سوريا الديمقراطية» في شرق البلاد، مشيراً إلى أن الوجود الروسي في سوريا يتم بشكل واضح ومنسّق مع حكومة دمشق.
ويرى أن أحد أسباب امتناع روسيا عن الدفاع عن نظام الأسد في أيامه الأخيرة هو لا شك تلقيها تطمينات من أطراف فاعلة محلية وإقليمية بأن وجودها العسكري سيستمر. وأكد أن دمشق لن تفرط في علاقتها مع موسكو قبل اتضاح المسار الغربي حيال سوريا، لا سيما في ظل غياب ثقة دمشق بالتوجهات الأميركية المستقبلية في الملف السوري.
وفي أولى إشارات الانفتاح الرسمي على روسيا بعد سقوط نظام بشار الأسد، حرص الشرع على إرسال رسالة واضحة، مفادها بأن أي علاقة استراتيجية جديدة يجب أن تُبنى على أسس متوازنة. وكان الشرع قال في تصريحات سابقة إن إدارته «حريصة على بناء علاقات استراتيجية متجددة مع روسيا»، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن «أي شراكة مقبلة يجب أن تُبنى على قاعدة احترام سيادة الدولة السورية، واستقلال قرارها السياسي، وضمن إطار يضمن استقرار البلاد، ووحدتها».
لذا، فإن العلاقة بين موسكو و«قسد» ليست متينة بالشكل الذي قد تبدو عليه بحسب فحّام، لكون موسكو تدعم مبدأ وحدة الأراضي السورية، ما يتناقض مع الرؤية الآيديولوجية لـ«قسد»، ويتقاطع بالمقابل مع الموقف الرسمي لدمشق. وأضاف فحّام أن روسيا استخدمت «قسد» والنظام السوري في مرحلة معينة ورقة ضغط على تركيا، ووسيلة لابتزازها في الملف السوري، بما يفضي إلى تقريب تركيا من النظام، وإبعادها عن المعارضة السورية التي رعتها أنقرة.
واستبعد فحّام أن تُقدم روسيا على بناء منطقة نفوذ مستقلة لها شرق الفرات خارج التنسيق مع دمشق، موضحاً أن موسكو ليست في وارد الصدام مع الحكومة السورية، لأن القواعد الروسية الموجودة على الأراضي السورية باتت فعلياً أشبه بورقة بيد دمشق، ولا يمكن لروسيا المجازفة باستعداء النظام السوري في هذه المرحلة.
وأشار إلى أن موسكو حريصة على الحفاظ على تفاهماتها مع دمشق، لا سيما أنها تتفق مع تركيا على مبدأ وحدة الأراضي السورية، وتُبدي تحفظاً مشتركاً على تنامي النفوذ الإسرائيلي داخل سوريا.
روسيا وعشائر شرق الفرات
ترى قوى محلية فاعلة في مناطق شرق الفرات أنه لا يوجد نفوذ روسي ملموس في هذه المرحلة. وقال الشيخ ناصر الفرج، أحد وجهاء العشائر في شرق الفرات، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «لا وجود لنفوذ روسي حقيقي في شرق الفرات اليوم إلا من خلال (قسد)»، مشيراً إلى أنه «لا توجد أي قنوات تواصل أو حوار بين الروس والعشائر بشكل مباشر». وأضاف: «روسيا لم تتبنَّ أي طرف عشائري في شرق الفرات بعد سقوط النظام، قبل سقوط النظام كانت بعض الميليشيات المحلية في تلك المناطق تحظى بدعم أو غطاء روسي، ضمن ترتيبات أمنية ظرفية تعود إلى ما قبل سقوط النظام السوري».
قائد ميداني: روسيا مثل إيران
وقال أبو خالد الحصي، وهو قائد كتيبة في الجيش السوري (الجديد)، وقائد سابق في «حركة أحرار الشام» لـ«الشرق الأوسط»: «إن من حق الحكومة أن تفكر بعقل الدولة، وهذا أمر نفهمه ونتفهمه»، لكنه شدد على أن السوريين «لن ينسوا ما فعلته روسيا في السنوات الماضية».
وأضاف: «قتل أقربائي، مثل كثير من السوريين الذين سقطوا تحت القصف الروسي، حين كانت الطائرات الروسية تستهدف الأسواق والتجمّعات السكنية ومراكز الدفاع المدني». وأضاف: «لن نرى روسيا إلّا عدواً، فهي شريك مباشر في تهجيرنا، وفي قمع الثورة، وفي تمكين النظام من التوحش».
ورأى الحصي أن «روسيا، كإيران، لعبت دوراً أساسياً في قمع السوريين، لا سيما عبر غاراتها الجوية التي امتدّت لأعوام. ورغم أن العالم شهد صراعات تحولت لاحقاً إلى علاقات طبيعية، فإن ذاكرة الشعوب لا تخضع لهذا المنطق».
وختم قائلاً: «الأفضل أن يأتي يوم نفاوض فيه الروس على تسليم بشار الأسد وعدد من ضباط النظام الهاربين إلى روسيا، من خلال ورقة قواعدهم العسكرية في سوريا. هذا حق مشروع، لكنه لا يغير من حقيقة ثابتة هي: إن روسيا ستبقى عدواً في نظر غالبية السوريين».
سجل مثقل بالدم والنار
وكان
التقرير السنوي الأخير لعام 2024 الصادر عن «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» أورد أن القوات الروسية تسببت بمقتل 6 آلاف و969 مدنياً، بينهم 2055 طفلاً و983 امرأة، بالإضافة إلى مسؤوليتها المباشرة أو غير المباشرة عما لا يقل عن 362 «مجزرة»، منذ بدء تدخلها العسكري في سوريا في 30 سبتمبر (أيلول) 2015. وأظهر تحليل بيانات الشبكة أن العام الأول للتدخل الروسي (2015-2016) شهد أعلى حصيلة من الضحايا، حيث بلغ عدد القتلى المدنيين 3564 شخصاً، وهو ما يمثل نحو 51 في المائة من إجمالي الضحايا خلال السنوات التسع. وسجلت محافظة حلب الحصيلة الأعلى من الضحايا (نحو 41 في المائة من الإجمالي)، تلتها محافظة إدلب بنسبة تقارب 38 في المائة.
وسجّل التقرير أيضاً ما لا يقل عن 237 هجوماً بذخائر عنقودية، إلى جانب 125 هجوماً بأسلحة حارقة شنتها القوات الروسية خلال فترة تدخلها الممتدة حتى 30 سبتمبر 2024. وخلص التقرير إلى أن حجم العنف المتصاعد الذي مارسته القوات الروسية، بالتوازي مع قوات النظام والميليشيات الإيرانية، كان من الأسباب الأساسية في تشريد نحو 4.9 مليون نسمة، كثير منهم تعرّضوا للنزوح القسري المتكرر.
نهج تركي في بناء العلاقات
وعلى ما يبدو، فإن الرئيس السوري أحمد الشرع يدرك جيداً أن علاقات التعاون المُتزنة مع موسكو تُشكّل ركيزة استراتيجية لتعزيز الموقف السوري، وخلق توازن ما في العلاقات مع الولايات المتحدة والدول الغربية. وإذ تُستحضر تجربة نظام الأسد الأب الذي ارتكز على الدعم العسكري السوفياتي، ثم اضطر بعد انهيار المعسكر الشرقي إلى انفتاح حذِر على الغرب للحفاظ على المصالح وسط تحوّلات النظام الدولي، فإن الإدارة الحالية تسعى لتجنب تكرار السيناريو ذاته عبر تبني نهج دبلوماسي أكثر توازناً وانفتاحاً على الجميع.
وتُلمّح قراءة نهج الشرع إلى تشابه لافت مع سياسات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في إدارة علاقات بلاده الخارجية، حيث يتبنى سياسةَ تحالفات متعدّدة المحاور تسمح بالتعاون مع روسيا والغرب في آن واحد. يُضاف إلى ذلك العامل الجوهري المتمثل في العضوية الدائمة لروسيا في مجلس الأمن الدولي، مما يُحوّل التعاون معها إلى رافعة دبلوماسية تمنح دمشق أدوات فعّالة لمواجهة التحديات والضغوط الغربية المستقبلية. هذا المسار يُوفّر للحكومة السورية هامشاً أوسع للمناورة في الساحة الدولية، مع واقع وجود مشكلات داخلية عالقة ومعقدة قد يطول حلّها.