بعد أسابيع عدة من توجيه الرسائل في الغرف المغلقة، انتقل الجيش الإسرائيلي إلى الحوار العلني مع الحكومة الإسرائيلية بشأن «عدم الجدوى من استمرار الحرب على قطاع غزة»، فأعلن تقليص حجم قواته التي تشن الحرب، وسحب الفرقة 98 من شمال القطاع، بعد «انتهاء مهمتها».
ومع أن هذا الإجراء، يتم في ظل التعثر في مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى؛ ما قد يساعد قيادة حركة «حماس» على التشدد في مطالبها، وربما يجعلها تضع مطالب جديدة، فإن الجيش أقدم على هذه الخطوة وتصادم مع تيار اليمين المتطرف القوي في الحكومة.
وقالت مصادر عسكرية، إن رئيس أركان الجيش، ايال زامير، يغلّب مصلحة الجيش على مصالح «السلام المنزلي» مع الحكومة.
وجاءت هذه الخطوة في عز الزيارة التي يقوم بها المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، إلى إسرائيل والتي عرج فيها أيضاً على قطاع غزة. ومع أن مصادر إسرائيلية رسمية قالت إن المفاوضات وصلت إلى باب مغلق، وأن ويتكوف تداول مع رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في تصعيد القتال للضغط على «حماس»، فإن مصادر أخرى ذكرت أن ويتكوف نجح في التأثير على نتنياهو بالاتجاه المعاكس، وأن الأخير سيعلن عن التوصل إلى اتفاق في غضون يومين أو ثلاثة أيام، وأنه يريد أن يتم الإعلان فقط بعد مغادرة ويتكوف «حتى لا يظهر كمن رضخ لضغوط واشنطن».
وقد أعلن الجيش عملياً عن انتهاء العملية الحربية الشرسة، التي أطلق عليها اسم «مركبات جدعون»، ووفق غالبية الخبراء، فإن هذه العملية «أحدثت أضراراً كبيراً لـ(حماس)، لكنها لم تحقق المرجو منها».
وأفادت «القناة 12» الإسرائيلية، بأنه من المتوقع خروج لواءين من قوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة حتى السبت، إلى جانب الفرقة 98. ووفقاً للتقارير، غادرت أيضاً قوات اللواء السابع المدرع القطاع في الأيام الأخيرة، بعد أن سبقتها في الأسابيع الماضية فرقتان من سلاح المظليين والكوماندوز، والتي نُقلت إلى مهمات أخرى في الضفة الغربية والمنطقة الخاضعة للقيادة الشمالية عند الحدود مع لبنان وسوريا.
ورغم الإعلان الرسمي عن بقاء أربع فرق عسكرية تواصل عملياتها داخل القطاع، تشير التقديرات إلى أن حجم القوات الفعلي، من الجيش النظامي والاحتياط، قد تراجع بشكل ملحوظ منذ فترة، مع الإشارة إلى أن فرقتين فقط تنفذان عمليات هجومية، إحداهما في شمال القطاع والأخرى في خان يونس، في حين تتمركز فرقتان في مواقع دفاعية. وبحسب الإذاعة الرسمية، تعمل كل فرقة الآن بعدد محدود من المجموعات القتالية، لا يتجاوز عادة 2 إلى 3 ضمن تشكيلها. ووفقاً للتقارير، لم يحرز الجيش تقدماً جديداً على الأرض، ويواصل التمركز في المناطق التي سيطر عليها سابقاً، في انتظار قرارات المستوى السياسي بشأن المرحلة المقبلة.
موقع عسكري إسرائيلي قرب السياج الحدودي مع قطاع غزة الجمعة (أ.ف.ب)
موقع عسكري إسرائيلي قرب السياج الحدودي مع قطاع غزة الجمعة (أ.ف.ب)
وكانت هيئة البث العام الإسرائيلية (كان 11) قد أفادت أيضاً بانسحاب قوات فرقة 98 التي كانت تنتشر في مناطق خان يونس، وحي الشجاعية وحي الزيتون شرق مدينة غزة، مشيرة إلى أن اللواء السابع المدرع أُخرج من القطاع لـ«الراحة والانتعاش»، في ظل شكاوى كبيرة من الجنود وأهاليهم عن حالات الاكتئاب والتآكل. كما أكدت إذاعة الجيش أن رئيس الأركان أمر بتقليص حجم قوات الاحتياط بنسبة 30 في المائة في جميع الجبهات؛ وهو ما انعكس بوضوح على الوجود العسكري في غزة، في محاولة لتخفيف الضغط المتواصل على جنود الاحتياط.
وأكدت المصادر أن الجيش أبلغ الحكومة، مرات عدة مؤخراً، بأن توسيع الحرب على القطاع، كما يطالب وزراء في الحكومة، «سيتطلب العمل في مناطق يُرجَّح وجود رهائن فيها؛ ما من شأنه تعريض حياتهم للخطر، بسبب الفترة الزمنية الطويلة اللازمة لإتمام العملية». وكشفت صحيفة «هآرتس» عن أن القرار صدم وزراء اليمين المتطرف، خصوصاً وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، اللذين راحا يصرخان في وجه زامير. ويطالبانه بتقديم خطة لـ«احتلال مدينة غزة بالكامل، وإنهاء تدميرها، بما يشمل شبكة الأنفاق تحتها». وقال له سموتريتش: «عليك الاعتذار من هيرتسي هليفي» (رئيس الأركان السابق، الذي اضطر إلى الاستقالة؛ لأن اليمين اتهمه بالجبن والامتناع عن المواجهة الحقيقية وقرروا جلب زامير بصفته رجل الإقدام الصدامي).
وقد ردّ ممثلو الجيش بأن عملية من هذا النوع ستستغرق «أشهراً عدة على الأقل»، وتتطلب «تعزيزاً كبيراً في حجم القوات، إما عبر تمديد الخدمة العسكرية الإلزامية أو من خلال تعبئة واسعة لقوات الاحتياط». وأوضحت الصحيفة أن بنيامين نتنياهو «لم يستبعد» هذا المقترح.
وخلال الجلسة الأخيرة للكابنيت (المجلس الوزاري الأمني المصغر في الحكومة)، قال زامير إن الجيش «أحكم السيطرة ودمّر 75 في المائة من مساحة القطاع، وبهذا يكون قد استكمل تنفيذ عملية (مركبات جدعون)». وأوضح أنه سيتم قريباً إعلان انتهاء العملية، رغم أن أهدافها المعلنة: القضاء على «حماس» وتوفير ظروف ملائمة لإنجاز صفقة تبادل «لم تتحقق».
وأشار زامير إلى أن «الطريقة الوحيدة لمواصلة العمل العسكري من دون الإضرار بالرهائن هي فتح محاور تضمن السيطرة الميدانية، كما فعل الجيش في الآونة الأخيرة». لكنه شدد على أنه «في حال تقرر تنفيذ مناورة داخل مدينة غزة أو المخيمات وسط القطاع، فعلى القيادة السياسية أن توضح أن تحرير الرهائن لم يعد هدفاً رئيسياً للحرب». في المقابل، لا تزال الحكومة ترفض حتى الآن إعطاء توجيه صريح بهذا المعنى، وفقاً للصحيفة، علماً بأن هذا النقاش يأتي بينما تتصاعد الضغوط من الجناح الأكثر تطرفاً في حكومة نتنياهو لمواصلة الحرب وتصعيدها على قطاع غزة.
وقد وجد وزير القضاء ونائب رئيس الحكومة الإسرائيلية، ياريف ليفين، ووزير الأمن، يسرائيل كاتس، في هذا التطور أزمة سياسية لليمين وقررا تعويضها بنقل الضغط إلى الضفة الغربية وتقدما، الخميس، باقتراح فرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات بدعوى أنه «يجب استغلال الفرصة القائمة التي لا يجب تفويتها».