اضطرت القوات التركية العاملة في الشمال السوري المحتلّ، إلى التدخّل في قضية انشقاق أبو أحمد زكور الذي يُعدّ أحد أبرز أعضاء الحلقة الضيّقة المحيطة بقائد “هيئة تحرير الشام” أبو محمد الجولاني، وذلك في أعقاب الخرق الأمني والعسكري الذي شهدته مدينة إعزاز مساء الثلثاء الماضي، بهدف اعتقال زكور، من قِبل جماعات تابعة للجولاني.
وفيما انتشرت الدبابات التركية في بعض شوارع مدينة إعزاز لفض الاشتباكات التي اندلعت، أعلن الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا عن إغلاق المعابر بين مناطق سيطرته في درع الفرات وغصن الزيتون، وبين مدينة إدلب الواقعة تحت سيطرة الجولاني، بهدف احتواء التصعيد الحاصل.
وفي خطوة مفاجئة تمكنت قوات تابعة لـ”هيئة تحرير الشام” من اختراق مدينة إعزاز الواقعة تحت سيطرة الفيلق الثالث من الجيش الوطني السوري، ومحاصرة المقرّ الذي كان يختبئ فيه أبو أحمد زكور مع عناصر ينتمون إلى عشيرة البكارة، حيث اندلعت اشتباكات واسعة بين الطرفين استُخدمت فيها الأسلحة المتوسطة والثقيلة، وأسفرت عن سقوط عدد من الإصابات.
وقد تضاربت الأنباء حول حصيلة عملية الاختراق النوعية التي نفّذها مقاتلو الجولاني في المدينة، فسُرّبت معلومات عن تمكّن القوة من اعتقال زكور وشقيقه قتيبة، حيث كان يفترض اقتيادهما إلى إدلب غير أنّ حاجزاً للشرطة العسكرية أوقف الرتل في عفرين وأطلق سراح زكور وشقيقه. ولكن في رواية أخرى، أنّ قوة الجولاني لم تتمكن من اعتقال زكور ولا شقيقه، حيث أصيب الأخير بجروح بليغة تطلّبت نقله للعلاج في تركيا. وقد أكّد البيان الصادر عن قبيلة البكارة التي ينتمي إليها زكور الرواية الأخيرة.
وبالتزامن مع الخرق في إعزاز، كانت قوة أخرى تابعة للجولاني تحاصر مضافة قبيلة البكارة في منطقة الدانا شمال إدلب، في خطوة تشير إلى نية قائد “هيئة تحرير الشام” التخلّص من أي نفوذ للقبيلة في مناطق سيطرته. وأكّد بيان القبيلة أنّ القوة اعتقلت الشيخ يوسف عربش، وهو شيخ قبيلة البكارة في المنطقة مع 22 شاباً آخرين.
وبقدر ما يشير استعجال الجولاني لتبنّي الخيار العسكري لحل قضية انشقاق زكور، إلى استشعاره مدى خطورة هذا الانشقاق نتيجة ما يملكه زكور من معلومات سرّية عن كواليس “هيئة تحرير الشام” وخفاياها منذ نشأتها وحتى تاريخه، فهو يشير كذلك إلى مدى قدرته على اختراق مناطق سيطرة الجيش الوطني الموالي لتركيا وصولاً إلى مدينة إعزاز التي تُعتبر بمثابة العاصمة للحكومة السورية الموقتة التابعة للائتلاف السوري المعارض والمدعومة من تركيا.
ووسط الاستغراب من تمكّن الجولاني تحقيق هذا الاختراق في وقت قياسي، اشارت مصادر ميدانية مطلعة إلى أنّ قائد “تجمّع الشهباء” توفيق عساف لعب دوراً كبيراً في تسهيل عبور مجموعات الجولاني من إدلب إلى إعزاز، كما كان له دور مساند أثناء الاشتباكات مع حامية زكور في المقر الذي كان يختبئ فيه.
ويبدو أنّ الجولاني الذي أخفق في اعتقال زكور، فتح على نفسه باباً من أبواب جهنم سيكون من الصعب عليه إغلاقه من دون إشعال المنطقة بموجة عنيفة من الاقتتال الذي قد يتخذ بعداً عشائرياً ومناطقياً ويُحدث شرخاً واسعاً بين أبناء المنطقة.
ومن المؤشرات إلى ذلك، أنّ أبو أحمد زكور وبعد ساعات قليلة من نجاته من الاعتقال أصدر مجموعة من التسجيلات الصوتية فضحت العديد من الحقائق حول جرائم الجولاني الدموية، ومبايعته من قِبل بعض قادة الفصائل في الشمال السوري ممن كان يشتبه بتحالفهم مع الجولاني، ولكن لم تكن هناك أدلة تثبت وجود مبايعة بينهما.
واتهم زكور الجولاني مع القياديين في “هيئة تحرير الشام” أبو داوود وابو فراس السوري الذي قُتل في غارة أميركية قبل سنوات، بتنفيذ المجزرة التي ضربت جماعة الزنكي بالقرب من معبر أطمة قبل حوالى 7 سنوات وسقط من جرائها أكثر من 100 قتيل. وقال زكور إنّ العملية تمّت بتفجير مفخخة أثناء تبديل قوات الزنكي في ذلك الوقت.
وأكّد زكور أيضاً أنّ توفيق عساف قائد الفرقة 50، قد بايع الجولاني في وقت سابق، لكن الاعتراف الأخطر كان تأكيده أنّ أبو العز سراقب قائد الجبهة الشامية المنضوية تحت لواء الفيلق الثالث من الجيش الوطني، قد بايع الجولاني أيضاً.
ولا يمكن تأكيد صحة هذه المعلومات، لأنّه يبقى احتمال أن يكون لدى زكور الخبير بالوضع الفصائلي في الشمال السوري مخططات لتفجير أزمات بين الجولاني والجيش الوطني بهدف تخليص نفسه.