الأهالي انتفضوا لأنهم سوريون، أولا وأخيرا، هدفهم اسقاط النظام، وتطبيق القرار 2254، وإقامة دولة مدنية ديمقراطية في سوريا، دولة العدالة والحرية لجميع أبنائها..
استمرار الانتفاضة في السويداء مرتبط بعوامل ذاتية وموضوعية، أما الذاتية فهي محققة إذ أنها متجذرة في المجتمع من خلال تلاقي النخب والشرائح المختلفة على هدف و احد، والمهم هو أن لها قيادة وطنية ” فعاليات وطنية إضافة للشيخين حكمت الهجري وحمود الحناوي، حيث أصبحا عناونين وطنية، أما الموضوعية فهي تتعلق بالنظام وعدم قدرته على إيجاد حلول للكارثة المعيشية، فهو يتآكل ويزداد ضعفا يوما إثر يوم وأصبح بشار بمثابة رئيس بلدية بمهامه وحتى أن إيران تمنع عليه الحديث بالسياسة ” ما يحدث بالنسبة للحرب على غزة واختباؤه مثالا”.
بات واضحا أن إيران هي من تمسك بقرار النظام السياسي، وهو لم يستطيع التفرد باتخاد قرار بالنسبة للسويداء، وحتى لو افترضنا إنه يريد مواجهة الانتفاضة فإن أدواته التي استخدمها سابقا للقمع لم تعد ذات جدوى واستهلكت، وخاصة ما يتعلق بشيطنة أي حراك.
وجدت بعض المؤشرات مجهولة المرجعية ومعزولة عن سياق الانتفاضة استندت إليها أبواق النظام إليها وشكلت ذرائع عن قصد أو دون ذلك لتوجيه اتهامات للانتفاضة بأنها تنفذ أجندات خارجية بينها ما حدث بداية الانتفاضة من خلال رفع أفراد في إحدى زوايا ساحة الكرامة صورة للشيخ موفق طريف شيخ عقل الدروز في فلسطين المحتلة” وسرعان ما أزالها شباب الانتفاضة حين لحظوها.
كما وجه بعض المحللين المحسوبين على النظام سواء من سوريا أو لبنان اتهامات للانتفاضة بالسعي للانفصال بعد ظهور طروحات متفرقة ومعزولة تتعلق بالإدارة الذاتية، وأيضا سرعان ما أحبطها شبان الانتفاضة مؤكدين من خلال الهتافات والشعارات بأن اسقاط النظام، وتنفيذ القرار 2254، هو أولا وقبل الحديث عن أي أشكال للحكم، وبأن الاهالي هم عرب سوريون بالعمق التاريخي والانتماء لسوريا بمكوناتها وبأنهم لم يخرجوا لأنهم دروز بل لأنهم عرب سوريون مستندين إلى إرث سلطان الأطرش العربي الأصيل الذي أحبط قيام دويلة درزية أيام الاحتلال الفرنسي.
السوريون في السويداء أزالوا رموز النظام ولم يعد موجودا بصورته السابقة وخرجت المحافظة من دائرة حكمه، فمراكز تنظيم البعث تم إغلاقها وتلحيم أبوابها، وصور وتماثيل بشار وأبيه أزيلت من الساحات ومعظم المدن والبلدات، وإن وجدت مؤسسات خدمية فهي تتبع للدولة وهي حق وملك للأهالي، وليس لعائلة بشار الأسد، وانتفاضة السويداء هي تكملة واستمرار للثورة السورية العظيمة التي انطلقت في العام 2011، والانتفاضة هي نتيجة تضحيات السوريين في مختلف المناطق، والسوريون يتطلعون إليها بوصفها أملا أعاد إلى الثورة بريقها وشعاراتها الأولى، وعيونهم معلقة على التطورات في المحافظة التي يرون فيها صورة لمستقبل سوريا إذ أن الأهالي يصيغون من خلال شعاراتهم وهتافاتهم صورة للدولة المدنية الديمقراطية دولة العدالة الاجتماعية.
أن يخف زخم الانتفاضة طبيعي بحكم المدة الطويلة التي خرج بها الأهالي إلى الساحات، ولكن طالما أن الأهالي محافظون على إبقاء المحافظة خارج دائرة النظام فإن هذا كفيل بإعطائها صفة الاستمرارية التي يرجح أن تؤدي عاجلا أو آجلا إلى لحاق مناطق أخرى بها، ولا سيما مع اشتداد الكارثة المعيشية التي ألحقها النظام بالأهالي، فالنظام عمليا ميت سريريا، وما تبقى منه هو القلم والختم لتوقيع عقود تسليم ثروات البلاد والنفوذ للقوى الدولية والإقليمية.