لماذا لا تتعاون طهران مع دول المنطقة في تحقيق أكبر استفادة ممكنة من موارد الإقليم؟

استخدم مصطلح “الشرق الاوسط الجديد” كثيراً، لكن يمكن أن نجد فارقاً كبيراً بين الشرق الأوسط كما تريده إيران وذلك الذي في الإدراك العربي.

وتعد الأحداث والاضطرابات التي شهدتها المنطقة العربية منذ عام 2011 وكادت تصل تأثيراتها إلى كل دول المنطقة، فاصلاً مهماً يوضح الفارق بين المنظورين العربي والإيراني، فقد عملت الدول العربية الخليجية على اتباع سياسات تنموية تستهدف تطوير وبناء الداخل في مجتمعاتها، سياسياً واجتماعياً اقتصادياً، بناء على تنويع الهياكل الاقتصادية ومصادر الدخل وطرق تنمية الموارد على نحو يجعل الاقتصاد يتنوع ما بين الطاقة والسياحة والثقافة، وقدمتالسعودية .موذجاً لدولة تعمل على تنمية الموارد وتحسين مستويات المعيشة والرفاه الاقتصادي، وما تعبر عنه “رؤية السعودية 2030” من أجل تنمية بيئة داخلية وخارجية تدفع المسار التنموي المتعدد، ليؤكد ذلك حديث ولى العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حول الشرق الأوسط الجديد الذي يمكنه أن يقدم للعالم ما هو أكثر من النفط، وكذلك تبنتمصر  بعد التخلص من تنظيم “الإخوان المسلمين” مقاربة بناء البيت داخلياً.

لكن في مقابل تلك الرؤى العربية المرتكزة على البناء الداخلي وتنمية موارد الإقليم من أجل المصالح الوطنية والإقليمية تأتي الرؤية الإيرانية لشرق أوسط لا يستفيد من موارده للتنمية، بل لتفكيك الدول المركزية لمصلحة ميليشيات وجماعات مسلحة تستفحل قدراتها في مواجهة مؤسسات الدولة، مثل القوات المسلحة والحكومة، وتؤثر سلباً في الاستقرار والأمن الإقليمي مما يؤثر في مصالح الجميع بمن فيهم شعوب الدول المنتمية إليها الميليشيات.

والسؤال هنا: لماذا لا تتعاون إيران مع دول المنطقة في تحقيق أكبر استفادة ممكنة من موارد الإقليم، سواء الممرات البحرية أو الطاقة والأسواق الكبيرة تصل منافعها إلى دول المنطقة، حتى في ظل وجود درجة مشروعة من التنافس بين الدول بديلاً عن الصراع والأزمات الممتدة التي جعلت شعوب المنطقة تعاني باختلاف الدرجات؟

 

لقد لعبت إيران قبل الأحداث المضطربة عام 2011 على توظيف ورقة المقاومة ومحاربة إسرائيل عبر “حزب الله” اللبناني، لكن بعد عام 2011 وتفجر الصراعات في المنطقة إلى حروب طائفية، فضلاً عن اتخاذ إيران موقفاً من التظاهرات بحسب الطائفة أو مصالحها، تناقص رصيد إيران و”حزب الله” أمام الرأي العام العربي الذي تابع السياسات الإيرانية شديدة الطائفية.

وفي حين أنه منذ عام 2011 أصبح في المنطقة دول عربية وخليجية تتبنى النهج الإصلاحي والبنائي للداخل والإقليم، نجد أن رؤية إيران تقوم على تعميق تفكيك الدول العربية وتأسيس أكبر عدد من الميليشيات المسلحة والتأثير في المشاريع التنموية للدول الأخرى، واستغلال موقع إيران في الشرق الأوسط للتأثير في السلم والأمن الدولي عبر التأثير في مسارات الطاقة والتجارة العالمية.

وتسعى إيران إلى شرق أوسط قائم على الميليشيات المسلحة وليس على دول مركزية قوية، في وقت تحاول طهران ذاتها جاهدة حماية أراضيها التي تعيش عليها إثنيات وعرقيات عدة من التفكك، وتكافح محاولات استقلال تلك الأقليات على غرار سياستها تجاه الأكراد.

ولا تقف إيران عند هذا الحد بل تحاول تطويق المصالح العربية، فتقف أمام أمن البحر الأحمر واستقراره لتحوله من جزيرة عربية للدول المتشاطئة إلى محاولة إيجاد موطأ قدم فيه، والتأثير فيه عبر الحوثيين من جهة والتعاون العسكري مع السودان من جهة أخرى، بل إنها قد تسعى إلى تحويله لساحة للنشاط البحري لتنظيم “القاعدة” وغيره من الجماعات الإرهابية.

والسؤال دائماً هو: هل تريد إيران القبول الإقليمي والاستفادة من تنمية موارد الإقليم؟ أم اعتادت التعايش في ظل الحصار والعقوبات والتهريب وستظل أسيرة عقلية التفكيك وخلق الفوضى المحكومة بدلاً من البناء والتنمية؟