img

لا يجتمع لبنانيان اثنان هذه الأيام إلا والسؤال عن الحرب ثالثهما، هل سيفعلها “حزب الله” ويفتح الجبهة الشمالية؟ أم ستظلّ الحدود خاضعة لمعادلة الضربات المدروسة من الجهتين؟

قسم من اللبنانيين، يأخذ برأي أنه لا مصلحة للحزب ولا لإسرائيل في الحرب، ويعتقد أن الطرفين متفقان على إبقاء جبهة الشمال، مقيّدة بصيغة لا غالب ولا مغلوب، لضمان عدم غلبة فريق على آخر.

وقسم يرى أن الحزب منكفئ عن الانخراط في الحرب، بالعمد لا بالمصادفة، من أجل ترك هامش لـ”حماس”، كي تخوض حربها وتسجّل نصرها الإلهي، بلا تشتيت، فأهل غزّة أدرى بشعابها.

وقسم آخر متشوّق للالتحام، بالحرب، الآن الآن وليس غدا، ومنذ اللحظة الأولى للعملية، أعلن جهوزيته للمعركة واستعداده لتحمّل تبعاتها.

وهناك قسم على خصام تاريخي مع فلسطين وشعبها، ويرفض زجّ لبنان، في حرب أكبر من قدرته على الاحتمال، من أجل قضيّة ليست من أولوياته.

على الصعيد الميداني، الأصوات الآتية من الجبهة، لها رأيها أيضا، فمن الواضح أن الطرفين قد أنجزا ترسيما بريا لحدود المعركة، باعتمادهما تسخين عدد محدّد من النقاط، على طول الحدود، من القطاع الغربي حتى الأوسط، مع المحافظة على عدم وصولها إلى مرحلة الاشتعال، بحيث لم يخرج كل ما حدث منذ الأحد الفائت، من تبادل للقصف والهجمات والتوغّل والقتل، من دائرة هذا الترسيم.

وبناء على هذه الوقائع والمعطيات، يبدو أن الحزب لن يفعلها، وهو فعليا، ما يتمنّاه كل اللبنانيين، باستثناء جمهور الحزب المتحمّس للحرب والمنزعج في الوقت ذاته، من تأخر “السيّد” في إعلان الالتحام بالجبهة، فقد انقضى اليوم السادس على الطوفان، والحدود الشمالية لم تتحوّل إلى ساحة حرب، والزحف الموعود نحو القدس لم يبدأ بعد.

الحلفاء كلهم ظهروا في الإعلام وأعلنوا مواقفهم، مرشد الجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي، أعلن خلال رعايته حفل تخريج عسكريين أن “إيران لا صلة لها بالهجوم الذي نفّذته “حماس”، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال “ندعم فلسطين”. وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان بدأ جولة على عواصم الحلفاء. حتى الحوثي أعلن في رسالة له “ربط التدخل من جهة اليمن، في معركة طوفان الأقصى، بالتدخّل الأميركي المباشر على ساحة المواجهة”. وحده “السيّد” لم يظهر بعد.

 

كل ساعة تمضي بلا حرب، تزيد من إحراج الجمهور وإحباطه، ثمّة حرب أعصاب دائرة على وسائل الإعلام الاجتماعي، يشنّها خصوم الحزب، تكاد تقضي على معنويات الجمهور وثقته بقيادته ومقاتليه.

 

 

شوارع الضاحية الجنوبية لبيروت، تشهد كل مساء مسيرات صاخبة بالدراجات النارية، وهم يردّدون بأعلى أصواتهم: “على القدس رايحين شهدا بالملايين”، وعادة ما تنتهي المسيرات برسالة استجداء موجهّة إلى “السيّد” الصامت المختفي عن الأنظار، تحثّه على اتخاذ القرار سريعا، بالتصفيق والهتاف الذي صار معتمدا: “منشان الله يا سيد يلّا”، و”السيّد” لا حسّ ولا خبر!

كل ساعة تمضي بلا حرب، تزيد من إحراج الجمهور وإحباطه، ثمّة حرب أعصاب دائرة على وسائل الإعلام الاجتماعي، يشنّها خصوم الحزب، تكاد تقضي على معنويات الجمهور وثقته بقيادته ومقاتليه، فالاستفزازت على أشدّها، كذلك عبارات التهكّم والسخرية، من شعارات طالما ردّدها “السيد”، وحين آن أوان تطبيقها، اختفى! كوعد الصلاة في القدس، كإزالة إسرائيل من الوجود في 7 دقائق ونصف، مثلا.

لجمهور الحزب قراءاته الخاصّة، لتبرير صمت “سيّده” المريب، وعدم تفاعله مع دعوة “توحيد الساحات” التي وجهتها “حماس” بالتزامن مع انطلاق عملية “طوفان الأقصى”، فهناك من يقول إن “السيّد” تفاجأ بالعملية، مثل الجميع، فقد خطّطت “حماس” ونفذت من دون إعلامه بأية تفاصيل، لذلك من غير المنطقي إشراكه في النتائج بعد استبعاده من المقدّمات.

ثمّة مقاتلون قدامى يعمّمون معلومة أن إيران نفسها لا علاقة لها بما جرى، فالمرشد لم يبالغ حين نفى، وبحسب خبراتهم العسكرية، ينوّهون إلى أن التدريب، وتنسيق العملية، وأسلوب القتال، وحجم الهجوم، والتقنيات المستخدمة، تحمل بصمات روسية، لذلك لا تعليق عند “السيّد”.

 

يبدو أن الحزب لن يفعلها، وهو فعليا، ما يتمنّاه كل اللبنانيين، باستثناء جمهور الحزب المتحمّس للحرب والمنزعج في الوقت ذاته، من تأخر “السيّد” في إعلان الالتحام بالجبهة، فقد انقضى اليوم السادس على الطوفان، والحدود الشمالية لم تتحوّل إلى ساحة حرب، والزحف الموعود نحو القدس لم يبدأ بعد.

 

 

وهناك من يحمل على عاتقه مهمّة تلميع الموقف، فيقول إن “السيّد” يفكّر باللبنانيين وبعدم قدرتهم على تحمّل تبعات الحرب، لذلك لن يفرضها عليهم، فالبلد منهار على كل المستويات، والحرب ستكون بمثابة الضربة القاضية، حتى البيئة الحاضنة نفسها لا قدرة لها على تحمّل موجة جديدة من النزوح والدمار والخسارات، وهي حاضنة للحزب، لكنها غير محضونة من باقي المكونات، هناك نفور متراكم في العلاقة معها، حتى اللجوء إلى سوريا كما حصل في يوليو/تموز 2006 لم يعد ممكنا، للأسباب نفسها، والضاحية التي تستوعبها، ليست مكانا آمنا، هي نسخة مطابقة عن غزّة بزحمة العمران الحجري والتكدس البشري، وبكونها هدفا عسكريا مكشوفا للمقاتلات الإسرائيلية.

في سياق آخر، الترسيم البحري ما زال طازجا، والتنقيب عن النفط والغاز في بلوك رقم 9 في بداياته، و”الشيعة” حكّام للبلد لأول مرّة في تاريخهم، وعلى وعد بأن يجنوا ثمار هذه الثروات، إنها فرصة استثمارنا اقتصاديا وسياسيا فهل يُعقل أن نضيّع الفرصة؟

الطرف المناوئ يقول إن “السيّد” لا يملك خيار إعلان الحرب من عدمه، لذلك هو ممنوع من الظهور والكلام المباح، ذلك أنه مجرّد قائد ميداني، ينفّذ الأوامر، جندي في ولاية الفقيه، والولي الفقيه لم يعطِ الإشارة بعد، وسيبقى مركونا جانبا، صامتا، مختفيا عن الأنظار، إلى أن يسعفه الحظ بانهيار التهدئات، عندها يُطلب منه تلاوة البيان رقم واحد.

وعليه، لا شيء حتى الساعة يُوحي بأن “حزب الله” عازم على إشعال الجبهة الشمالية، وستبقى الأوضاع منضبطة ضمن قواعد الاشتباك، وستتواصل الضربات بمحدوديتها، لحفظ ماء الوجه، حتى إن أوقعت خسائر بشرية ومادية، والمؤشر الذي يعزّز هذا الاحتمال- فضلا عن “إسكات” نصرالله- حركة المحادثات والتصريحات الهادئة للدبلوماسية الإيرانية.