قوات أميركية في العراق.

قوات أميركية في العراق.
يزداد القلق في إقليم كردستان العراق من إمكان تصعيد فصائل “الحشد الشعبي” والتنظيمات المسلحة المرتبطة به هجماتها ضدّ القوات والقواعد العسكرية الأميركية في المنطقة، على وقع الحرب في غزة، واستغلال ذلك لـ”محاصرة” الإقليم وابتزازه.
أولى المؤشرات ظهرت في أواسط الأسبوع المنصرم، حينما أعلن جهاز مكافحة الإرهاب عن سقوط “طائرة مُسيّرة” بالقرب من “قاعدة حرير” العسكرية الأميركية شمال العاصمة أربيل، من دون وقوع خسائر. بعد الحادثة بيومين، أعلنت “المقاومة الإسلامية في العراق” عن تنفيذها هجوماً بطائرتين مُسيّرتين على القاعدة نفسها، وهو ما أكّده الجانب الأميركي، مُعلناً إسقاطه لواحدة منها خارج أسوار القاعدة، بينما سقطت الأخرى داخل حرمها، من دون وقوع خسائر.
“الجهوزية القتالية التامة”
أشارت المعلومات إلى أنّ القوات الأميركية في القاعدة دخلت مرحلة “الجهوزية القتالية التامة”، في مختلف النقاط والمؤسسات المرتبطة بها ضمن الإقليم، وفي كامل العراق، مذكرةً بأنّ القوات الأميركية حفرت الخنادق الدفاعية داخل القاعدة، وأجرت تدريبات خاصة باحتمال تعرّضها لهجمات مكثفة.
تملك القوات الأميركية قاعدتين عسكريتين في العراق، واحدة في محافظة الأنبار غرب العراق وهي “قاعدة عين الأسد”، وأخرى في إقليم كردستان وهي “قاعدة حرير العسكرية”، إضافة لوجود عسكري بغرض التدريب وتقديم المشورة للجيش العراقي في “قاعدة بلد” شمال العاصمة بغداد. لكن القوات الأميركية تملك قاعدة لوجستية بالقرب من مطار أربيل المدني الدولي.
إلى ذلك، تصاعد الخلاف بين فصائل الحشد الشعبي والجيش العراقي من جهة، وقوات البيشمركة الكردية في أعالي جبال “قرهجوخ” بالقرب من بلدة مخمور جنوب محافظة أربيل، بشأن أحقية أي من الطرفين في شغل أعالي التلال الجبلية التي انسحبت منها فصائل عسكرية مقرّبة من حزب العمال الكردستاني، كانت تتخذها كنقاط مراقبة بالقرب من “مخيمات مخمور” للاجئين من أكراد تركيا. وحدثت مواجهات بين الطرفين تسببت بمقتل اثنين من قوات البيشمركة الكردية وجرح 8 آخرين، وجرح 12 شخصاً من أفراد الجيش العراقي. وقد شهدت وسائل التواصل الاجتماعي حالة استقطاب وتهديدات واتهامات متبادلة بسبب الحادثة، كانت أحداث غزة والموقف منها حاضرة فيها بكثافة.
ترقّب لاحتمالات الاستهداف العسكري
مصدر سياسي في إقليم كردستان شرح في حديث لـ”النهار العربي” كيف أنّ الجهات الأمنية والسياسية تتخوف من استهداف المصالح الأميركية في الإقليم، الممتدة من القنصلية والممثليات الدبلوماسية، مروراً بعشرات الشركات والمصانع والمنشآت النفطية ومخازن الشركات الأميركية الكبرى. ولفت إلى أنّها “كلها مواقع قريبة من منشآت مدنية ومصالح اقتصادية للإقليم، إذ تؤثر الضربات الموجّهة إليها على الاستقرار الأمني والاقتصادي لكردستان، وتثير توتراً بين المكونات يهدد السلام الاجتماعي في الإقليم. وكل ذلك استناداً إلى خطاب تعبوي وتحريضي عبر آلاف المنصّات الإعلامية والدعائية، التي تصور الهجمات على المصالح والقواعد الأميركية في الإقليم كدفاع عن غزة، وتصوير المناهضين لهذه العمليات والأفعال كجهات تقف في الصف الأميركي من المعادلة”.
المحلّل والباحث الأمني في مركز الشرق الأوسط مريوان شرناك، شرح في حديث مع “النهار العربي” كيف أنّ المعادلة الداخلية في العراق هي جوهر الدافع وراء ما يحدث من هجمات على القواعد والمصالح الأميركية في الإقليم، وقال: “من الواضح أنّ فصائل الحشد الشعبي والجهات المرتبطة بها لا تستطيع وغير مخوّلة لتنفيذ أي فعل مباشر في حرب غزة الحالية. لكنها، وفي سبيل حفظ ماء الوجه، لا بدّ من أن تفعل شيئاً يوحي ظاهراً بمشاركتها في ذلك الأمر، والمصالح الأميركية في الإقليم منصّة مثالية لذلك. فهو ندٌّ سياسي وعسكري لقوى الحشد الشعبي، وهذه الهجمات على المصالح الأميركية سيكون أداة لإضعافها، خصوصاً في حالة نشر المزيد من القواعد ومنصّات إطلاق الصواريخ في الحدود الجنوبية لها”.
يضيف شرناك أنّ “الحالة السياسية والدستورية في العراق عامل آخر وأساسي لدى القوى المهاجمة. فعسكرة الحياة العامة في الإقليم ستسمح بالإطاحة بكل التوافقات بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية، وستخفي مجموعة الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية الدستورية لكردستان، كمنطقة فيدرالية. فوق الأمرين، فإنّ الهجمات قد تفكّك وتخلخل العلاقات بين الإقليم والولايات المتحدة، وربما تدفع هذه الأخيرة لأن تنسحب بشكل مفاجئ من الإقليم، وتالياً إضعافه لأبعد الحدود”.
الولايات المتحدة كانت قد أعلنت زيادة أعداد جنودها وعتادها العسكري في منطقة الشرق الأوسط، بناءً على الأحداث الأخيرة، لكن لم تُعرف “حصّة” القواعد الأميركية في كردستان من هذه الزيادة المتوقعة، في وقتٍ ترتفع أصوات داخل الولايات المتحدة، خصوصاً من أعضاء في الكونغرس، مطالبة بتوفير غطاء حماية جوية لإقليم كردستان.