وقع الرئيس الأميركي جو بايدن على مشروع قانون السياسة الدفاعية الوطنية لعام 2024، أي موازنة الدفاع الأميركية السنوية، ليصبح بذلك قانونًا نافذًا في 22 كانون الأول/ديسمبر بعد الموافقة عليه في مجلسَي الكونغرس. وقد تضمنت النسخة النهائيةبندا ينصّ على تزويد قوى الأمن العراقية وقوات البشمركة الكردية بمنظومات دفاع جوي من أجل “التصدي للهجمات بالصواريخ والقذائف والمنظومات غير المأهولة”. ويأتي ذلك تتويجًا لمجهود بذله عضو الكونغرس الأميركي دون بيكون الذي التقى وزير داخلية كردستان العراق ربير أحمد في حزيران/يونيو 2023، وقدّم التعديل في تموز/يوليو خلال انعقاد جلسة لوضع الصيغة النهائية لمشروع قانون الدفاع. ، كان الهدف من هذا التدبير مساعدة الأكراد العراقيين في الدفاع “ضد الضربات الإيرانية المستمرة [بالصواريخ] والطائرات المسيّرة”؛ فنظرًا إلى أن إقليم كردستان العراق ليس دولة مستقلة، لا يمكنه حيازة منظومات دفاع جوي من تلقاء نفسه.
لا يستهدف التشريع تركيا بصورة مباشرة، ولكن يُتوقَّع أن تتعامل أنقرة مع المسألة بتشكيك شديد، مع أنها التزمت الصمت حتى الآن. وعلى الرغم من العلاقات القوية التي تربط أنقرة بإقليم كردستان العراق الخاضع لسيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني، فإنها قد لا تحبّذ نشر منظومات للدفاع الجوي في منطقة حيث تشنّ بسهولة هجمات جوية ضد حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تنظيمًا إرهابيًا. يشير قانون السياسة الدفاعية الوطنية لعام 2024 إلى البشمركة بصورة عامة، ولكن قوى الأمن الكردية منقسمة حزبيًا بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتخذ من السليمانية مقرًّا له. تخشى أنقرة من إمكانية سيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني على منظومات الدفاع الجوي الجديدة، الأمر الذي يثير القلق بوجهٍ خاص نظرًا للعلاقات الوطيدة بينه وبين قوات سورية الديمقراطية (قسد) التي تعتبرها تركيا فرعًا لحزب العمال الكردستاني.
وهذه المخاوف من إمكانية استفادة تنظيم قسد من هذه المنظومات الجوية تنطلق من حادثة وقعت سابقًا: ففي آذار/مارس الماضي، في دهوك عن مقتل تسعة عناصر على الأقل من تنظيم قسد، وبينهم قيادي رفيع المستوى من وحدة مكافحة الإرهاب في قسد، كانوا متّجهين إلى السليمانية. يُعتقَد أن المروحية اشتراها الاتحاد الوطني الكردستاني بمساعدة الولايات المتحدة خلال حرب العراق. والأمثولة التي تعلّمتها أنقرة من هذه الحادثة هي أن المعدّات العسكرية قد تقع بسهولة في أيدي الأعداء، وأنه يمكن استخدام منظومات الدفاع الجوي الجديدة لإحباط العمليات التي تنفّذها تركيا ضد حزب العمال الكردستاني.
ولكن تركيا قد تغضّ النظر بحذر عن نشر هذه المنظومات من أجل الحفاظ على قدرتها على التحرك بحرّية في العمليات ضد حزب العمال الكردستاني وإنشاء ثكنات عسكرية في إقليم كردستان العراق. وقد تحاول الولايات المتحدة أيضًا تهدئة مخاوف أنقرة من خلال المحاججة بأن هذه المنظومات ستُستخدَم ضد إيران ومن أجل حماية الوجود الأميركي في المنطقة. ناهيك عن أن أنقرة، ونظرًا إلى مع الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، قد لا ترغب في فتح جبهة جديدة من التشنجات مع واشنطن. ويمكنها أن تعوّل أيضًا على حقيقة أنه يُستبعَد أن تجيز الولايات المتحدة استخدام الدفاعات الجوية ضد دولة حليفة تنتمي إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أو أن يستخدم الحزب الديمقراطي الكردستاني هذه المنظومات ضد شريكته المقرّبة.
أضافت الحرب الإسرائيلية في غزة بعدًا جديدًا إلى مسألة منظومات الدفاع الجوي الكردية، في ضوء الصدامات المستمرة بين أذرع إيران من جهة والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة ثانية. منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، شنّت الميليشيات العراقية المدعومة من إيران نحو مئتي على أهداف أميركية في سورية والعراق، بما في ذلك القاعدة التابعة للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة قرب مطار أربيل الدولي. وفي 15 كانون الثاني/يناير، شنّ فيلق الحرس الثوري الإسلامي على أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، ما أسفر عن مقتل مطوّر عقاري كردي معروف وأفراد أسرته. وبعد هذا الهجوم،شدد المسؤولون الأكراد العراقيون على الحاجة الملحّة إلى منظومات دفاع جوي. في خضم هذه التشنجات المتصاعدة، وفيما تواصل أنقرة ضرباتها ضد الشركاء المزعومين لحزب العمال الكردستاني في سورية والعراق، قد تُضطَر إلى الخروج عن صمتها.
محمد آلاجا باحث يركّز على العراق، والسياسة الكردية في المنطقة، والميليشيات الشيعية في الشرق الأوسط. لمتابعته عبر منصة “إكس”
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.