أحدثت النتائج الاستثنائية التي حقّقها المرشحون الأكراد في الانتخابات البرلمانية الإيرانية الأخيرة في المحافظات المشتركة بين أبناء القوميتين الكردية والأذرية غرب إيران، تحوّلاً في التوازن القومي بين الطرفين، وشكّلت مؤشراً إلى إمكان تصاعد الشقاق القومي والطائفي بينهما، بسبب مطالبة الأكراد بفصل مناطقهم عن المناطق الأذرية عبر تقسيم المحافظات المشتركة.
أرقام في مصلحة الأكراد
وفي التفاصيل، فإنّ المرشحين الأكراد حصلوا للمرّة الأولى على 7 مقاعد برلمانية من أصل 12 مقعداً مخصّصاً لمحافظة أذربيجان الغربية، أقصى شمال غربي إيران. والنتائج الخاصة بهذه المحافظة، والتي تأخّر إعلانها عن باقي المحافظات، أثارت البهجة في الأوساط الكردية، مقابل شعور عام في الأوساط الأذرية بتراجع قوتها الديموغرافية والسياسية في المحافظة.
غير أعداد المقاعد، فقد حصل المرشحان الكرديان حاكم ماميكان وشاهين جيهانكير على المركزين الأول والثاني، بمجموع أصوات 310 آلاف صوت، وبفارق كبير عن المرشح الأذري سلمان ذاكري صاحب أعلى الأصوات في الجهة المقابلة. الأمر نفسه تكرّر مع المرشح الفائز عمر عليبور في منطقة ماكو، منتصراً على منافسه الأذري عبد الكريم حسين زاده، ومثلهم أيضاً مرشحو مناطق شينو ونغدة وسلماس وخوشي، المُحدّدة كدوائر انتخابية مشتركة للمناطق الكردية والأذرية.
حصل ذلك رغم المقاطعة الكردية القوية للانتخابات البرلمانية أوائل شهر آذار (مارس) الجاري، والتي رافقتها انتخابات “مجلس خبراء القيادة”، إذ لم تتجاوز النسبة بحسب الأرقام الرسمية 25 في المئة، وهي عملياً أقل من ذلك. ويعاني الأكراد من ضغوط أمنية شديدة في مناطقهم، لأنّ النظام الإيراني يصنّفهم وأحزابهم السياسية كطرف مناهض للنظام الحاكم في البلاد، بسبب مطالب أحزابهم السياسية ولوجود الحساسيات القومية والطائفية بينهم وبين مركز الحُكم.
صراع صامت ومشروع لمحافظات جديدة
لكن النتائج الحالية تأتي في ظل صراع سياسي وأهلي صامت في إيران، متعلق بمطلب الأكراد تقسيم محافظة أذربيجان الغربية المختلطة إلى محافظتين، شمالية ذات أغلبية أذرية مطلقة، وأخرى كردية تماماً، يطالبون بأن تتمّ تسميتها “محافظة كردستان الشمالية”، لوقوعها إلى شمال محافظة كردستان الحالية. وهو ما ترفضه الأوساط السياسية والشعبية الأذرية تماماً.
المطالب الكردية تفاقمت عقب إعلان وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي توجّه حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي إلى إنشاء عشر محافظات جديدة، من دون أن يحدّد جهة هذه المحافظات وحدودها. وهي المرة الثانية التي تزيد فيها إيران أعداد محافظاتها الداخلية، البالغة حالياً 31 مقاطقة/محافظة، في توجّه نحو زيادة “اللامركزية” كما يعبّر المقرّبون من مركز النظام.
الأعضاء الأكراد في البرلمان الإيراني عرضوا في جلسة خُصّصت لهذا الأمر في أوائل العام مقترحاً واضحاً لاستحداث محافظة كردية ثالثة، عبر فصل القسم الجنوبي من محافظة أذربيجان الغربية، تضمّ مناطق سردشت وأشنوي ومهاباد، تكون هذه الأخيرة مركزاً لها. المشرّعون الأذريون ردّوا على المقترح الكردي بحزم، رافضين “اقتطاع” أي قطعة من أراضي “محافظتهم”، لأنّ الأمر يزيد من “النزعات الانفصالية” بحسب رأيهم، وهو أمر صنّفه البرلمانيون الأكراد كاتهام وتجاوز لأسس المساواة العرقية والمناطقية والدينية، التي فرضها الدستور الإيراني.
حساسية تقليدية وتغيّرات ديموغرافية
الباحث فرات مهمودي شرح في حديث الى “النهار العربي” تفاصيل التحولات الراهنة بين الجماعتين العرقيتين الكردية والأذرية شمال غربي إيران، وقال: “الحساسية الأذرية – الكردية تقليدية غرب إيران، والنظام السياسي الحاكم ليس منزعجاً تماماً منها، لأنّ هذه النوعية من الحساسية بين أبناء القوميات والجماعات الأهلية أساسية في إيران، لأنّها تخفّف من ضغوطها ومطالبها وتناقضاتها الأساسية على النظام نفسه. الطرفان، الأكراد والأذريون، يستند كل منهما إلى شكل من الروابط مع النظام السياسي، ويستخدمه في إضعاف الطرف الآخر. فالأذريون يشكّلون نسبة أعلى بكثير من الأكراد، تزيد عن 35 في المئة من مجموع السكان، فيما لا تتجاوز نسبة الأكراد 10 في المئة، وهو ما يمنحهم وزناً سياسياً وثقافياً مضافاً. كذلك ينتمي الأذريون إلى المذهب الشيعي، وتالياً أكثر قدرة من الأكراد (السُنّة) على النفوذ في مركز السلطة والنظام الحاكم. مقابل ذلك، فإنّ النظام يخشى من النزعات الانفصالية الأذرية في البلاد، المستندة إلى تجربة جمهورية أذربيجان ووضع إقليمي استثنائي لتركيا في المنطقة”.
وأضاف: “لن يسمح النظام لأي تناقضات وحساسيات بأن تنفجر، لكنه سيحافظ عليها بحدّ معقول. راهناً طرأ عامل جديد، هو الزيادة الديموغرافية الكردية على حساب نظيرتها الأذرية في مناطق الاختلاط، بسبب البنية القروية الكردية، وهو ما سيدفع رأس النظام الإيراني للاستفادة منها لزيادة التوازن والمزاحمة بين الطرفين”.
ينتشر الأكراد في ثلاث محافظات غرب إيران، كرمنشاه وكردستان وأذربيجان الغربية، ويتجاوز تعدادهم 8 ملايين نسمة، بحسب الإحصاءات غير الرسمية، وبحسب مؤشر تعداد نوابهم في البرلمان المركزي، 35 نائباً من أصل 290 نائباً، يتعرّضون لضغوط سياسية وأمنية متواصلة، وتعاني مناطقهم الجبلية من سوء تنمية اقتصادية واجتماعية وتعليمية، ولا تتمتع ثقافتهم ولغتهم القومية إلاّ بالحدّ الأدنى من الاهتمام والرعاية. سياسياً تعرض الأحزاب الكردية المعارضة، والموجودة خارج إيران، أن يُعاد بناء النظام السياسي في إيران على أساس فيدرالي، يكون فيه للأذريين والأكراد والعرب والباشتون أقاليم فيدرالية ذات سلطات محلية واسعة.