سيحتدم سباق الانتخابات الرئاسية في أميركا التي ستُجرى عام 2024 قريبا جدا. وقد دخلَ الحلبة حتى الآن اثنا عشر مرشحا من الحزب الجمهوري، واثنان من الحزب الديمقراطي، ومستقلان اثنان، ولكن المرجح أن يكون المتنافسان الأوفر حظا هما الرئيس جوزيف بايدن، والرئيس السابق دونالد ترمب، اللذان سيجدان نفسيهما في منافسة جديدة وجها لوجه
وبينما بدأ المرشحون في تحديد مواقفهم بشأن السياسات الداخلية، فإن التقييم الكامل لمجموعة مواقف السياسة الخارجية بين المرشحين الجمهوريين لا يزال صعبا، حيث يفتقر كثير من المرشحين، مثل فيفيك راماسوامي، ونيكي هيلي، وكريس كريستي، إلى سجل معروف في التصويت على مسائل السياسة الخارجية في الكونغرس. علاوة على ذلك، لم تتطرق المناظرة الأولية إلا بالكاد إلى قضايا السياسة الخارجية، باستثناء إشارات موجزة للاستراتيجيات الشاملة المتعلقة باللاعبين العالميين الرئيسين مثل الصين وروسيا.
ولم تكن المناظرة الجمهورية الثانية أفضل من سابقتها من حيث وضوح المواقف السياسية الخارجية، فتناولت بإيجاز سياسة الصين الخارجية مع الحد الأدنى من التركيز على مساعدة أوكرانيا. ويأتي هذا على الرغم من التطورات الأخيرة مثل شغور مقعد رئيس مجلس النواب والإغلاق الحكومي الذي لم يكن من المستطاع تجنبه إلا في ربع الساعة الأخير، وكان مدفوعا بالانقسام العميق في الكونغرس حول تقديم المساعدة لأوكرانيا.
ولم يزد الاهتمام المحدود بالسياسة الخارجية في هذا السباق عن ملامسة مسائل مثل مواجهة تصرفات روسيا في أوكرانيا وربما الدفاع عن تايوان من التهديدات الصينية، ومع ذلك فقد كانت هناك تلميحات حول مواقف المرشحين بشأن سياسة الشرق الأوسط. وتشكل هذه الإشارات أهمية بالغة في فك رموزها، لأنه في حين ستظل الصين وروسيا من المواضيع البارزة في المناقشات، لا يمكن إغفال القضايا الناشئة في الشرق الأوسط، التي لا بد أن تلعب أيضا دورا محددا في توجهات السياسة الخارجية للمرشحين.
النزعة التقليدية مقابل النزعة الانعزالية
من المهم في المقام الأول تحديد “المعسكرات” التي تتبع مناهج السياسة الخارجية الأوسع والتي يندرج تحت رايتها المرشحون، وذلك من أجل إجراء تقييم أولي للمواقف المختلفة لهؤلاء المرشحين تجاه قضايا الشرق الأوسط. فمن الواضح أن النهج الذي يعتمد مبدأ الصفقات، والذي اتبعته إدارة ترمب في السياسة الخارجية، وتلك العقلية الانعزالية قد أدخلا أسلوبا جديدا من التفضيلات السياسية في صفوف الناخبين الجمهوريين، وهو الأسلوب الذي سيحدد مناظرة هذا السباق حول قضايا السياسة الخارجية في وقت مبكر؛ ففي حين أنه من المحتمل أن يتميز هذا السباق بتغير مواقف السياسة الخارجية لأن المرشحين يتوافقون مع تفضيلات الناخبين، ويحاولون تعزيز قاعدة ناخبيهم، فقد كانت هناك بعض الإشارات الجلية من المرشحين حتى الوقت الحالي بشأن نهجهم في أجندتهم السياسية الخارجية.
على الرغم من أن المرشحين جميعهم يتفقون على ضرورة الحفاظ على قوة عسكرية ضاربة لتعزيز القدرة على المساومة، فإن اختلافات شاسعة تفرقهم فيما يتعلق بكيفية تعامل الولايات المتحدة على الصعيدين العسكري والدبلوماسي مع شركائها وخصومها في الخارج. وهناك معسكران أساسيان يندرج فيهما المرشحون: معسكر الاشتباك، ومعسكر الانعزال. وقد أيد مرشحون مثل مايك بنس، ونيكي هيلي، وتيم سكوت، وكريس كريستي، الموقف الأميركي القوي في الخارج. ويحبذ هذا النهج إبراز قوة الولايات المتحدة من خلال قيامها بالتدخل، وزيادة الوجود العسكري في مسارح متعددة، ومضاعفة الضغط على القوتين العظميين، الصين وروسيا، في آن معا.
وينتمي مرشحون مثل مايك بنس، ونيكي هيلي، وتيم سكوت، وكريس كريستي إلى معسكر المشاركة. وهم يدعون إلى وجود قوي للولايات المتحدة على الساحة العالمية. يعطي هذا النهج الأولوية للقوة الأميركية من خلال المشاركة النشطة، ونشر القوات العسكرية بشكل أكبر في مناطق متعددة، والتركيز المتزامن على مواجهة منافسي القوى العظمى مثل الصين وروسيا.
ومن الجدير بالذكر أن هؤلاء المرشحين يركزون بشكل كبير على الحد من التوسع الروسي في أوكرانيا، ويعتبرون ذلك خطوة استراتيجية لخلق تأثير الدومينو لردع المنافسين الإقليميين الآخرين، بما في ذلك الصين في المحيط الهادئ وإيران في الشرق الأوسط. ومن وجهة نظرهم، فإن النجاح في تقييد تصرفات روسيا في أوكرانيا من شأنه أن يبعث برسالة قوية ويعمل كرادع للخصوم المحتملين في أجزاء أخرى من العالم.
ومن الجدير بالذكر أن هؤلاء المرشحين يركزون بشكل أكبر على كبح جماح روسيا في أوكرانيا، ويعتبرون ذلك خطوة استراتيجية لخلق تأثير الدومينو لردع المنافسين الإقليميين الآخرين، ويعتقدون أنه إذا تمكنت الولايات المتحدة من كبح الزحف الروسي في أوكرانيا بشكل فعال، فإن ذلك سيبعث رسالة ويردع في نهاية الأمر المنافسين الإقليميين الآخرين، مثل الصين في المحيط الهادئ، وإيران في الشرق الأوسط. ونتيجة لذلك، أكد هؤلاء المرشحون بقوةٍ دعمهم للمساعدة العسكرية الأميركية لأوكرانيا في مواجهة أخطار تتعلق بالشكوك التي تنتاب أعضاء الحزب والناخبين بشأن مستوى المساعدة، إضافة لبروز الدعوات للمساءلة.
بالنسبة إلى عددٍ من المرشحين مثل تيم سكوت، كان دعم أوكرانيا مبررا لمنع روسيا من القيام بالمزيد من الأعمال العدائية ضد أوروبا، وحتى منعها من تشكيل تهديد لأميركا. وبالنسبة إلى مرشحين آخرين مثل بنس، وكريستي، وهيلي، فإنه وسيلة للولايات المتحدة لضرب عصفورين بحجر واحد؛ ففي نهاية المطاف هو وسيلة لحث الصين على “الابتعاد” عن تايوان. وبالنسبة إلى المرشحين الذين ينضوون في معسكر الاشتباك، هناك اعتقاد بأن الولايات المتحدة قادرة في الوقت ذاته على مواجهة منافسيها من القوى العظمى في المسرحين: الأوروبي، والآسيوي في المحيط الهادئ، وذلك عوضا عن إعطاء الأولوية لأحدهما على الآخر. وعلى الرغم من أن مسار الحملة الانتخابية لم يسلط الضوء (حتى الوقت الحالي) بشكل لافت على قضايا الشرق الأوسط، إلا أن معسكر الاشتباك يتضمن نهجا متشددا تجاه إيران، يرتكز على استراتيجية تهدف إلى كبح نشاط الميليشيات الإيرانية، ومواصلة الإجراءات الاقتصادية العقابية بهدف دفع الاقتصاد الإيراني إلى التدهور، ومواجهة الهجمات على المواقع الدفاعية الأميركية في المنطقة، وردعها عن استهداف شركاء الولايات المتحدة في المنطقة مثل إسرائيل والسعودية. وفي نهاية المطاف، أيد هؤلاء المرشحون وجودا أميركيا أكبر، وارتباطا وثيقا برؤية المحافظين الجدد بخصوص تفوق الولايات المتحدة في الخارج، وحاولوا تجنب إعطاء أي انطباع عن ضعف أو تقليص استعراض القوة الأميركية
وفي المقابل هناك المعسكر الانعزالي الذي يتألف في المقام الأول من الرئيس السابق دونالد ترمب، وراماسوامي، وإلى حد ما، رون ديسانتيس، والذي يلقي بظلال من الشك على الموقف الأميركي الذي يريد أن يجعل من الولايات المتحدة “شرطيَ العالم” وعلى المشاركة النشطة في مسارح متعددة، وذلك لصالح تشجيع الأطراف الإقليمية على تحمل المزيد من المسؤوليات الأمنية. وينتقد هذا المعسكر استمرار المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا، ويطالب شركاءَ الناتو والاتحاد الأوروبي بزيادة مساعداتهم ومساهماتهم الدفاعية عوضا عن ذلك، حتى تتمكن الولايات المتحدة من التركيز على ما يعتبرونه الأولوية الأكبر، ألا وهي مواجهة الصين.
بالنسبة لبعض أفراد المعسكر الانعزالي، مثل ديسانتيس وراماسوامي، فإن مسرح آسيا والمحيط الهادئ هو البند الذي يتمتع بالأولوية الأساسية. فالقدرات الاقتصادية والعسكرية المتوسعة للصين، بالإضافة إلى الحرب التجارية المستمرة مع الولايات المتحدة، والهجمات الإلكترونية على مصالح الولايات المتحدة وشركائها، وحملة بناء الجزر وتوسيع وضعها في المحيط الهادئ، والتهديد المستمر لسلامة الأراضي التايوانية، قد دفع بتنافس القوى العظمى الدائر مع الصين إلى قمة أجندة السياسة الخارجية بالنسبة إلى مرشحين مثل ديسانتيس وراماسوامي. وقد انتقد كلاهما الزيادة في المساعدات المقدمة للقوات المسلحة الأوكرانية، بحجة أن واشنطن أصدرت “صكوكا على بياض” في حربها بالوكالة مع منافستِها على مستوى القوى العظمى، روسيا، وهي الآخذة في الضعف، ومن ثمّ فقد استنزفت ترسانة البلاد من الأسلحة، وصرفت انتباهها عن منافس طويل الأمد وأكثر خطورة يلوح في الأفق، ألا وهو الصين.
وأشار ديسانتيس إلى حرب روسيا في أوكرانيا باعتبارها “نزاعا إقليميا”، وطالب بإعادة ترتيب أولويات الولايات المتحدة للأصول الدفاعية والمساعدات، ومن ثمّ توجيهها إلى تايوان عوضا عن أوكرانيا، مؤكدا أنه يجب اعتبار منطقة آسيا والمحيط الهادئ “أوروبا جيلنا كما كانت بالنسبة إلى جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية”.
وقد انضم راماسوامي أيضا إلى انتقادات ديسانتيس بشأن دعم أوكرانيا، واصفا إياها بأنها “حرب لا يمكن الفوز بها” مقارنة بالتحضير لصراعِ قوى عظمى طويلِ الأمد مع الصين. وقد وعد بأنه إذا انتُخب، فإن أول قرار له في السياسة الخارجية سيكون وقف المساعدة الأميركية لأوكرانيا، والسفر إلى موسكو لرفع العقوبات عن روسيا وقبول السيطرة الإقليمية الروسية على الأراضي الواقعة شرق أوكرانيا، والتي ضمتها روسيا، و”إنهاء” الصراع، ومطالبة روسيا برفض أي تحالف عسكري مستقبلي مع الصين في مقابل ذلك كله. كما يرتكز سجل السياسة الخارجية للرئيس السابق ترمب على نظرة انعزالية والقيام بصفقات.
على الرغم من أن مسار الحملة الانتخابية لم يسلط الضوء (حتى الوقت الحالي) بشكل لافت على قضايا الشرق الأوسط، إلا أن معسكر الاشتباك يتضمن نهجا متشددا تجاه إيران، يرتكز على استراتيجية تهدف إلى كبح نشاط الميليشيات الإيرانية، ومواصلة الإجراءات الاقتصادية العقابية بهدف دفع الاقتصاد الإيراني إلى التدهور، ومواجهة الهجمات على المواقع الدفاعية الأميركية في المنطقة.
وقد أعطت إدارة ترمب الأولوية لنقل المسؤوليات المتعلقة بالأمن الإقليمي والتنمية والمساعدات إلى الجهات الفاعلة المحلية، بغض النظر عن سجلات تلك البلدان في مجال حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية. وعلاوة على ذلك، اعتمدت الإدارة إلى حد بعيد على الإجراءات المالية العقابية، مثل “حملة الضغط الأقصى” على إيران والحرب التجارية مع الصين، وذلك لفرض التكاليف على منافسي الولايات المتحدة وخصومها، بينما كانت تنسحب من الاتفاقات الدولية، والمنظمات الدولية، كمنظمة الصحة العالمية. والاتفاقات التجارية متعددة الجنسيات، كاتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP).
تلاشي حل الدولتين
وعلى الرغم من أن الشرق الأوسط لم يبرز بشكل كبير في سباق 2024 حتى الآن، فإنه من المرجح أن يهيمن على المناقشات المستقبلية، حيث تستكشف الولايات المتحدة سلسلة من الخيارات والفرص والقيود في المنطقة؛ فبعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان وجهود الكونغرس المستمرة لسحب الأفراد الأميركيين من مناطق الصراع في العراق وسوريا، باتت مسألة استمرار وجود الولايات المتحدة الأميركية ومدى انخراطها في الشرق الأوسط موضعا للتساؤل– وهي مسألة ستدرس بكل تأكيد خاصة مع تزايد ضيق السباق الرئاسي.
أما الموضوع الآخر الذي سيبرز على الساحة بشكل واضح فهو النهج الذي سيتبعه المرشحون تجاه إسرائيل – كيف سيواجهون القضية الإسرائيلية- الفلسطينية، والتوترات بين إسرائيل وإيران، بالإضافة إلى البناء على جهود التطبيع الحالية مع المنافسين الإقليميين التاريخيين مثل الإمارات العربية المتحدة. وأخيرا، هناك السؤال حول الكيفية التي ستتعامل فيها الولايات المتحدة مع دول الخليج، في أعقاب الجهود الإقليمية الأخيرة الرامية إلى تنويع العلاقات مع سوريا والصين وروسيا.
وعندما يتعلق الأمر باحتمالية استمرار الوجود العسكري في العراق وشمال شرقي سوريا، في إطار عملية العزم الصلب التي تقودها الولايات المتحدة، فمن المرجح أن تكون مواقف المرشحين الجمهوريين متباينة. وبينما يسعى غالبية المرشحين الجمهوريين إلى الظهور بمظهر صارم تجاه إيران وشبكة الميليشيات المتحالفة معها في الشرق الأوسط، فإن الضربات التي تدعمها إيران على المواقع الدفاعية الأميركية وزيادة الانعزالية داخل الحزب زادت من حدة الشكوك بشأن الضرورة المستمرة لوجود القوات الأميركية في العراق وسوريا.
وبرزت هذه الشكوك في المحاولات التشريعية الأخيرة، مثل قرار صلاحيات الحرب الذي رعاه ممثل ولاية فلوريدا، مات غايتس، لسحب القوات الأميركية من شمال شرقي سوريا في غضون ستة أشهر، وهي مبادرة فشلت في نهاية المطاف، لكنها نجحت بشكل خاص في تجاوز مرحلة العرض في مجلس النواب وحصلت على دعم واضح من أعضاء الكونغرس، مثل النائب مارغوري تايلور غرين، والنائب بول جوسار، والنائب ألكسندريا أوكاسيو كورتيز، والنائبة رشيدة طليب. ومن المحتمل أن تتماشى المعسكرات الانعزالية مع اقتراح غايتس وتسعى إلى السماح بسحب فوري للقوات من الشرق الأوسط لاعتقادها أنه لم تعد هناك حاجة إلى وضع العمليات المتقدمة في المنطقة.
من المرجح أن يؤدي هجوم حماس الأخير على إسرائيل وإعلان الحرب الذي تلا ذلك إلى تخفيف المقترحات اليمينية المتطرفة لتقليل المساعدة الأميركية خلال الفترة التي تسبق انتخابات 2024.
وتعتقد هذه المعسكرات أيضا أنه يمكن استخدام هذه القوات لتعزيز الوجود الأميركي في مسرح المحيط الهادئ ضد الصين، أو أن عليهم سحبها تماما. ومن المرجح أن يؤيد دونالد ترمب هذا الاقتراح بشكل خاص، نظرا لتاريخه في السماح بسحب القوات الأميركية من شمال سوريا في أعقاب العملية التركية في أكتوبر/تشرين الأول 2019، ونقل أكثر من 8 قواعد عسكرية، وخفض عدد الأفراد العسكريين الأميركيين في العراق بعد التوترات مع إيران بشأن مقتل الجنرال قاسم سليماني في ربيع وصيف عام 2020.
وعلى الرغم من خدمة ديسانتيس في العراق في البحرية الأميركية ودعوته إلى تقديم دعم أميركي أكبر للقوات الكردية كعضو منتخب في مجلس النواب، فإنه من الممكن أن يغير رأيه ليلائم الشكوك المتزايدة بشأن المشاركة الخارجية بين الناخبين الجمهوريين اليمينيين المتطرفين. وعلى العكس من ذلك، فمن المرجح أن يؤيد المعسكر الذي يدعم الانخراط التقليدي استمرار الوجود الأميركي في العراق وسوريا ليس فقط بسبب استمرار الحاجة لهزيمة داعش، ولكن أيضا بسبب الميزة الإضافية المتمثلة في استخدام المهمة كـ”فخ” لردع تقدم إيران والميليشيات التي ترعاها في المنطقة.
ومن الممكن أيضا أن يسعى المرشحون داخل هذا المعسكر، أمثال مايك بنس، ونيكي هيلي، وكريس كريستي، وتيم سكوت، إلى تعديل مهمة عملية العزم الصلب أيضا، من خلال إضافة مهمة ردع الحرس الثوري الإيراني إلى التفويض الحالي للعمليات لمواجهة داعش.
أما بالنسبة لنهج المرشحين في التعامل مع إسرائيل، فهناك أيضا اختلاف ناشئ يعكس اتجاها جديدا داخل الفصيل اليميني المتطرف في الحزب الجمهوري، وهو ما يخالف سجل الحزب في الميل نحو دعم إسرائيل. وأكد غالبية المرشحين من جميع المعسكرات دعمهم لإسرائيل، حيث زار البعض منهم مثل رون ديسانتيس القدس في أبريل/نيسان الماضي واجتمع مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في إشارة إلى التزامهم بمواصلة تقديم المساعدات الأميركية.
ومع ذلك، تجزأ الدعم لإسرائيل بين قواعد الناخبين الإنجيليين اليمينيين المتطرفين في السنوات الأخيرة، حتى إن بعض المرشحين اقترحوا خفض المساعدات المقدمة لإسرائيل. وأوضح تبادل الآراء المتوتر بين المرشحين نيكي هيلي، وراماسوامي، على منصة “إكس” هذه الفجوة الناشئة، حين دخلا في جدال حول استمرار المساعدات الأميركية لإسرائيل؛ إذ اقترح راماسوامي أن تقوم الولايات المتحدة في نهاية المطاف بتخفيض مساعدتها الأمنية لإسرائيل، على أساس الضغط من أجل تحقيق المزيد من تقدم التطبيع بين الجيران الإقليميين، الأمر الذي يعتقد أنه سيعزز من الأمن المحلي ويساعد في التقليل من الاعتماد على المساعدات العسكرية الأميركية– وهو اقتراح انتقدته هيلي لأنه يهدد العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ولأن استمرار تقديم المساعدات لها “أمر صحيح من الناحية الأخلاقية”.
وقد أوضح هذا الجدل كيف يمكن أن تنعكس الشكوك المتزايدة داخل الحزب حول المساعدات الأميركية على العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، الأمر الذي يمكن أن يفسد مذكرة التفاهم التي أبرمتها إدارة أوباما والتي ضمنت منح أكثر من 3.8 مليار دولار من المساعدات السنوية لإسرائيل حتى عام 2028.
ومع ذلك، فإنه من المرجح أن يؤدي هجوم حماس الأخير على إسرائيل وإعلان الحرب الذي تلا ذلك إلى تخفيف المقترحات اليمينية المتطرفة لتقليل المساعدة الأميركية خلال الفترة التي تسبق انتخابات 2024. وبدلا من ذلك، من المرجح أن تكون هناك زيادة ملحوظة في التضامن مع إسرائيل بين المرشحين الجمهوريين، ومقترحات لزيادة المساعدات العسكرية والأمنية الأميركية، وتركيز ضئيل على محاولة التسوية مع فلسطين، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تهميش حل الدولتين.
أخيرا، سيتمثل السؤال الرئيس للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط في كيفية تعامل واشنطن مع القوى الإقليمية وعمليات التطبيع المتزامنة. فإذا تصاعد العنف بين “حماس” وإسرائيل في غزة، وهدد بالتوسع ليشمل “حزب الله” والجماعات الأخرى الوكيلة لإيران في المنطقة، فمن المرجح أن ينظر المرشحون الجمهوريون– خاصة من المعسكر التشاركي– إلى ذلك على أنه فرصة لاستعراض القيادة الأميركية في المنطقة وزيادة الضغط على إيران. ولأن إمكانية إحياء مفاوضات الاتفاق النووي مع إيران أمر مستبعد، فإنه من المرجح أن يواصل المرشحون الجمهوريون حملة الضغط القصوى التي أطلقتها إدارة ترمب ضد إيران، وتوسيع هذا النهج ليشمل شبكات الميليشيات المدعومة من إيران والجهات الفاعلة غير الحكومية مثل “حزب الله”، ومعارضة أي عملية تطبيع إقليمية مع طهران.
ونتيجة لذلك، فمن المرجح أن يعارض كل من المعسكرين الجمهوريين التشاركي والانعزالي الجهود السعودية المستمرة لمواصلة التقارب مع إيران، بدعم من القوة العظمى المنافسة للولايات المتحدة، الصين، وبدلا من ذلك سيمارسون الضغط لمواصلة تطبيع المملكة العربية السعودية مع إسرائيل. ومن المرجح أيضا أن يمتد هذا النهج إلى عملية التطبيع بين سوريا وجيرانها الإقليميين والتي بدأت في أعقاب الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا في فبراير/شباط 2023. ومن المرجح أن يسعى المرشحون الجمهوريون للإبقاء على نظام العقوبات المستمر الذي تفرضه الولايات المتحدة والتدابير المالية العقابية لعزل نظام الأسد دبلوماسيا واقتصاديا، مما يفرض ضغوطا على الشركاء الإقليميين مثل الأردن ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لمقاومة التقارب.
وعلى الرغم من الأسئلة السائدة حول استمرار الوجود العسكري الأميركي في العراق وسوريا، والنهج الدبلوماسي المستمر بشأن التطبيع، والالتزام بحقوق الإنسان والأمن الإنساني في الشرق الأوسط ككل، إلا أن المنطقة لم تظهر بشكل بارز في السباق الرئاسي لعام 2024 حتى الآن.
ومع ذلك، أظهرت الإشارات القليلة التي قدمها المرشحون فجوة متزايدة بين معسكرين من المرشحين: المعسكر الانعزالي والمعسكر التشاركي. ومع ميل أرقام استطلاعات الرأي بين الناخبين الجمهوريين أكثر فأكثر لصالح مرشحي المعسكر الانعزالي مثل ترمب وديسانتيس– في حين أن نسبة المؤيدين للمعسكر التشاركي لا تتجاوز العشرة في المئة (باستثناء نيكي هيلي)– فإنه من الممكن أن نشهد محاولة بعض المرشحين لتبني مقترحات سياسة خارجية تخفيضية تجاه الشرق الأوسط، واقتراح سياسات مثل تقاسم الأعباء بين اللاعبين الإقليميين، والانسحاب العسكري الجزئي أو حتى الكامل من العراق وسوريا، واتباع نهج تبادلي مع الشركاء الخليجيين مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
وعلى الرغم من التفوق الكمي للمعسكر التشاركي من حيث عدد المرشحين، يمكن أن تميل نتائج استطلاعات الرأي لصالح سياسة أميركية أكثر تقييدا وبعدا تجاه الشرق الأوسط والمجتمع الدولي بشكل عام.