نيران القصف في غزة.
تحت عنوان “أوقفوا الحرب على غزة” نشرت صحيفة “النهار” مقالاً موقعاً من الرئيسين أمين الجميل وميشال سليمان ورئيس الوزراء العراقي السابق اياد علاوي و رئيس مجلس الوزراء الاردني السابق طاهر المصري والرئيس فؤاد السنيورة ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط و العضو السابق في مجلس الأمة الكويتي ورئيس البرلمان العربي الأسبق محمد جاسم الصقر اضافة الى الأمين العام السابق لجامعة الجول العربية و الأخضر الإبراهيمي، المبعوث الخاص السابق للأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا .وهنا نصه:
إن الفظائع التي نشهدها اليوم في فلسطين هي نتيجة لعقود من الاحتلال الظالم وأحداث العنف والمآسي والوعود التي لم يتم الوفاء بها، وتكاثر المستوطنات غير القانونية، ووقوع الضحايا. إن بعض الأفعال التي ارتكبت تتعارض مع ثقافتنا العربية، وكذلك مع المعتقدات والقيم الإسلامية، وتؤدي إلى تصاعد العنف والبؤس الذي لا يجلب أي ربح لأحد، سوى الخسائر.
فالصراع لم يبدأ في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول هذا العام، ولن ينتهي بوقف إطلاق النار. ويشهد المجتمع الدولي للأسف، التكلفة الباهظة للفرص الضائعة، وبعد أن غض الطرف، عن قرارات الأمم المتحدة، ومجلس الأمن التي لم يتم تنفيذها، وفي انتهاك القانون الدولي، والانقلاب على مبادرات السلام.
إن منطقتنا تستحق السلام، ويمكن لشعوبها، عندما تتاح لها الأدوات المناسبة، أن تخلق معًا بيئة تكرم تراثه وحضاراته القديمة، فضلاً عن تحقيق الرخاء.
وما تأكد في الأسبوعين الماضيين، وعلى مدى القرن الماضي، هو أن العنف يمكن أن يُخرج أسوأ ما في الناس، وأن المشاعر يمكن أن تصل إلى أبعد الحدود. ولذا، فإنَّه من واجب القادة المسؤولين إطفاء هذه النار قبل أن تخرج عن نطاق السيطرة.
لا يمكن تحقيق أي شيء من خلال الغزو ال#إسرائيلي لغزة. فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى تفاقم الوضع، وهو الأمر الذي لا يجوز إجازته أو تبريره. وتعلم إسرائيل، ويجب أن يتم تذكيرها، أن التكلفة البشرية لمثل هذا الهجوم سوف تخلق تداعيات عالمية لا يمكن التنبؤ بها لعقود قادمة.
لم تكن الأحداث الأخيرة غير متوقعة أو مفاجئة. لقد رأينا أن العنف لا يولّد إلا المزيد من العنف والتطرف، وهذا النمط واضح، وقد تكرر للأسف. لقد فشل الزعماء في المنطقة وخارجها في تحركهم على أساس من تجاهل الرسالة الأساسية التي مفادها أن قضية فلسطين تظل القضية المركزية، وأنه لا يمكن التوصل إلى حل دائم من دون تحقيق العدالة المنصفة للشعب الفلسطيني، والسلام للجميع.
إن سوابق أعمال العنف الحالية عديدة، والتي كان ينبغي للقادة أن يتحركوا قبل ذلك بكثير لتفاديها. وفي أبريل/ نيسان من هذا العام، هاجمت القوات الإسرائيلية المصلين في المسجد الأقصىوآخرين يحتفلون بشهر رمضان المبارك في القدس. وتم إطلاق صواريخ من غزة رداً على أعمال العنف التي ارتكبها المستوطنون الإسرائيليون وقوات الأمن.
وتحدث أعمال العنف على فترات منتظمة، دون نقص في الاستفزازات وردود الفعل. فقد اندلعت #حرب غزة في العام 2006 في 25 يونيو/ حزيران في الليلة التي كانت فيها فتح وحماس على وشك التوقيع على تفاهم يستند إلى وثيقة اقترحها أسرى من الجانبين في السجون الإسرائيلية. ومنذ ذلك الحين، لم تنقطع أعمال العنف تقريبًا.
وفي كل اشتباك، قُتل آلاف الفلسطينيين في جولات عنفٍ ومذابح مختلفة، وحيث دُمرت منازل لا حصر لها. لقد أدى تشديد الحصار والحصار على غزة إلى تحويلها إلى أكبر سجن مفتوح في العالم. وامتد العنف أيضًا إلى الضفة الغربية كما رأينا في عام 2002 عندما تم تدمير مخيم جنين للاجئين في ذلك الوقت، وفي وقت سابق من هذا العام. وتشمل القائمة الطويلة لانتهاكات حقوق الإنسان في الضفة الغربية، وفي بناء جدران الفصل العنصري، وتقييد حركة المدنيين لجعل الحياة مستحيلة، وتوسيع المستوطنات غير القانونية.
وما كان ينبغي لنا أبداً أن نصل إلى هذا الحد الذي أدى إلى الهجوم الأخير الذي شنته حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، والذي أسفر عن أكبر عدد من الضحايا والرهائن المدنيين والعسكريين الإسرائيليين حتى الآن. إن الرد الإسرائيلي الذي اتخذ شكل عقاب جماعي وجرائم ضد الإنسانية، والمتمثلة بالمجازر والفظائع المرتكبة في غزة ضد المدنيين بهدف التهجير القسري للفلسطينيين، وكذلك في تدمير المستشفيات والكنائس والمساجد، وهو بمجموعه يشكّل إهانة للقانون الدولي ولحقوق الإنسان. إن مليوني مدني في غزة هم ضحايا الفشل المستمر في تنفيذ حل شامل وعادل ودائم.
ولم يعد من الممكن تجاهل محنة الفلسطينيين. إن السلام في المنطقة لا يمكن أن يتحقق بدون العدالة والحلول النصفية ليست حلولاً.
إن معايير السلام مدرجة في مبادرة السلام العربية التي اقترحها ولي العهد السعودي آنذاك الأمير عبد الله، وتم اعتمادها بالإجماع خلال قمة جامعة الدول العربية في بيروت في نيسان/ أبريل كما أقرّتها منظمة المؤتمر الإسلامي 2002، وهي تظل الحل الأكثر منطقياً وانصافاً.
الفرضية الأساسية هي أن الحل العسكري لن يحقق السلام، ولن يوفر الأمن، وأن السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط هو وحده الذي يشكل الخيار الاستراتيجي للدول العربية. والشروط هي إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس وحق اللاجئين في العودة إلى فلسطين وفق قرارات الأمم المتحدة، مقابل سلام دائم بين إسرائيل والدول العربية.
إن السلام يجب أن يكون هدفاً كافياً في حد ذاته، ولكن لا شيء يمكن أن يجعله أكثر إلحاحاً من إلقاء نظرة خاطفة على الهاوية التي نراها أمامنا في الأزمة الحالية. هناك العديد من التحديات ولكن يجب أن تتحول إلى فرص من قبل الحكماء، عندما تتوفر المكونات الصحيحة، مع نوايا حسنة وقادة شجعان.
لقد طغت مذبحة عيد الفصح على مبادرة السلام العربية حيث قتل مهاجم انتحاري من حماس 30 شخصًا خلال احتفال بعيد الفصح في نفس اليوم الذي تم فيه إطلاق المبادرة. مثال آخر على العنف والتطرف لهزيمة الاعتدال وخلق الفوضى.
وبعد مرور واحد وعشرين عاماً، تغيرت الظروف ولكن الأهداف ظلت كما هي: يجب أن يسود السلام والعدالة والاعتدال.
كل أزمة تجلب معها فُرصة، وكلما كبرت الأزمة، زادت الحاجة إلى اغتنام الفرصة التي تنشأ بعد ذلك لتحقيق السلام والعدالة. نحن نعيش في أوقات خطيرة مع تصاعد العنف والحرب في أوكرانيا مما يهدد السلام العالمي.
ومن المفارقة أن الغرب تدخَّل لدعم ردود الفعل المتطرفة في إسرائيل بحجة الدفاع عن النفس. وهذه ليست سياسة حكيمة، فالعدالة مطلوبةٌ وهي حقٌ للجميع، كما أنّ الاعتدال مطلوبٌ ويجب أن يسودَ لدى جميع الأطراف.
هناك مثل عربي قديم يقول: “الظلم والقهر إنْ دام دمَّر والعدل إنْ دامَ عمَّر”. هذه دعوة لتغيير المسار ووقف الحرب على غزة وتحقيق العدالة لشعب فلسطين وإنهاء هذا الصراع الذي سيستمر في تهديد الأمن العالمي والسلام الإقليمي.
والمطلوب الآن هو الرؤية، والشجاعة، وحُسْنِ النية، وتصميمِ المجتمع الدولي على إحلال السلام والرخاء للجميع.
إن إيماننا المشترك بالكرامة الإنسانية لا يستحق أقل من ذلك.“