في تصريح خاص لمنصة “مجهر”، حذّرت #إيرينا_تسوكرمان، المحامية الأميركية المتخصصة في الأمن القومي وعضو مجلس إدارة مركز “واشنطن أوتسايدر” للحرب المعلوماتية، من أن أي اندماج أو تنسيق بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والحكومة الانتقالية السورية بقيادة أحمد الشرع، سيضع واشنطن أمام تحديات قانونية، أمنية، وسياسية معقّدة.
قسد بعد الاندماج: من شريك غير حكومي إلى ذراع عسكري لحكومة انتقالية؟
أوضحت تسوكرمان أن الدعم الأميركي لـ”قسد” استند طوال السنوات الماضية إلى تفويض استخدام القوة العسكرية ضد “داعش”، كون “قسد كيان غير حكومي، علماني، ومستقل نسبيًا”. لكن اندماجها في إطار حكومي — حتى لو انتقالي — “يُغيّر قواعد اللعبة تمامًا”.
“تشبه الحالة استمرار دعم حارس حي أصبح فجأة جزءاً من شرطة مدينة موصومة بانتهاكات”، تقول تسوكرمان.
تُصبح بذلك “قسد” أقرب إلى جناح شبه عسكري لحكومة لم تعترف بها واشنطن رسمياً، ما يفتح الباب أمام طعون قانونية في الكونغرس ويضع كل دعم أميركي محتمل تحت مجهر قوانين “ليهي”.
قانونياً: المساعدات الأميركية على المحك
تلفت تسوكرمان إلى أن “أي استمرار للدعم الأميركي لقوات أصبحت رسمياً جزءاً من سلطة ذات سيادة، يواجه معضلة قانونية إذا لم تكن تلك السلطة معترفاً بها دبلوماسياً”.
“بمجرد أن تخضع قسد لقيادة سلطة انتقالية تُتهم ميليشياتها بارتكاب مجازر، فإن واشنطن ستواجه تدقيقاً قانونياً داخلياً صارماً”.
كما سيُطرح التساؤل حول مشروعية تسليح طرف قد يُسهم – بشكل غير مباشر في تمكين جماعات مسلحة متورطة في انتهاكات حقوقية جسيمة.
أمنياً: المخاوف من تسرّب المعلومات وغياب الثقة
على الصعيد الأمني، تزداد تعقيدات التنسيق مع قسد إذا اندمجت في حكومة تتضمن ميليشيات طائفية وجهاديين أجانب. وتشير تسوكرمان إلى خطر تسرّب المعلومات الاستخباراتية إلى جهات “غير موثوقة” داخل نفس الهيكل العسكري الجديد.
“تخيّل أنك تعطي مفاتيح منزلك لشخص تثق به، ليتبيّن لاحقا أنه أجّر الغرف لأشخاص لا تعرفهم”.
وهذا قد يُعقّد، إن لم يُقوّض جهود تبادل المعلومات الاستخباراتية بين البنتاغون و”قسد”، خاصة إذا باتت القيادة مشتركة مع عناصر تحمل أجندات متطرفة.
التحول الأميركي: من مكافحة الإرهاب إلى دعم الدولة الانتقالية؟
ترى تسوكرمان أن الاندماج لا يعني بالضرورة نهاية الدور الأميركي في شمال وشرق سوريا، بل يعيد تعريفه.
“المرحلة المقبلة قد تشهد انتقالًا من الدعم العسكري المباشر إلى شراكة استراتيجية مع الدولة، بشرط توفر الشرعية والشفافية والامتثال لحقوق الإنسان”.
وهذا يتطلب تغييرات في الإطار القانوني الأميركي، وموقفا دبلوماسياً أكثر وضوحا تجاه الحكومة الانتقالية.
تحوّل في العقوبات: بوادر الاعتراف بحكومة الوحدة؟
توقفَت تسوكرمان عند قرار واشنطن رفع هيئة تحرير الشام عن قوائم الإرهاب، وتخفيف العقوبات عن حكومة الشرع، معتبرة أن هذا تحوّل مقصود لإعادة تشكيل البيئة السياسية السورية.
“هذه ليست مجرد مناورات بيروقراطية، بل خطوات لإيجاد قنوات دبلوماسية وقانونية تُمكن من شراكات أوسع”.
لكنها في المقابل تُحذّر من أن هذا الانفتاح، ما لم يُرافقه ضبط للميليشيات، قد يُحوّل الانخراط الأميركي إلى أزمة مساءلة أخلاقية وسياسية.
المعضلة التركية: أنقرة تريد أن تعيد تصميم المبنى، لا طلاء جدرانه
تعتبر تسوكرمان أن تركيا لن تكتفي بتحسن سلوك “قسد” أو تغيير صفتها القانونية. هي تريد دوراً في “تصميم النظام بالكامل”، على حد تعبيرها.
“تخيّل تركيا كمالك عقار لا يريد تحسين سلوك المستأجرين، بل يريد تغيير مخطط البناء من أساسه”.
وحتى مع بوادر مصالحة بين حزب العمال الكردستاني وأنقرة، فإن سياسة تركيا في شمال سوريا تظل مزيجاً من الهواجس الكردية، والهندسة الديموغرافية، والتوسع الاستراتيجي.
التهديد من الداخل: تفكك “قسد” أكثر خطورة من أعدائها
أبرز تحذير أطلقته تسوكرمان، كان من التفكك الداخلي داخل “قسد” نفسه بعد الاندماج. فزعماء العشائر العربية في دير الزور، مثلًا، قد يرفضون الخضوع لقيادة ذات طابع كردي من دمشق. وفي المقابل، قد يشعر الأكراد بأنهم خسروا استقلالهم السياسي والعسكري.
“العلم الموحّد لا يُزيل التوترات. في بعض الأحيان، يخفيها فقط”.
وإذا انهارت وحدة “قسد”، فقد تجد واشنطن نفسها مجددا عالقة بين فصائل متناحرة ساعدت سابقا في تنظيمها.
من شريك في الحرب إلى شريك في بناء الدولة؟
تختم تسوكرمان بأن اندماج “قسد” في حكومة الوحدة الوطنية لا يُغلق الباب أمام التعاون الأميركي، لكنه يُغيّر طبيعته بشكل جذري. نجاح هذا التحوّل يعتمد على مدى قدرة الشرع على فرض سيادة مدنية وانضباط مؤسسي داخل الحكومة الانتقالية.
“إذا كانت حكومة الوحدة مجرد مظلة جديدة لأمراء الحرب، فسيكون أي دعم أميركي بمثابة تواطؤ مع الفوضى القديمة”.
لكن إذا أظهر الشرع قدرة حقيقية على الحوكمة، والانفتاح، والتعددية، فإن أميركا قد تجد في سوريا فرصة لبناء شراكة طويلة الأمد، تتجاوز محاربة الإرهاب نحو دعم الاستقرار.
روبين عمر – مجهر