“هديّة من السماء”. عدد من الدبلوماسيّين الغربيّين في توصيفهم لتأثير الحرب الإسرائيليّة ضدّ غزّة على مسار الغزو الروسيّ لأوكرانيا. في مراحل عدّة من الحرب، قالت الإدارة الأميركيّة إنّها تريد دعم أوكرانيا “مهما لزم الأمر”. لكنّ هذا الالتزام يخضع اليوم لضغط جبهتين.
يرتبط أحد الأسئلة الراهنة بما إذا كان المخطّطون الأميركيّون قد تصوّرواً اندلاع حرب أخرى خارج أوروبا حين أطلقوا تعهّداتهم. الجواب معقّد وقد يكون مزيجاً من الإيجاب والنفي. “منطقة الشرق الأوسط هي أهدأ اليوم ممّا كانت عليه في عقدين من الزمن”. هذا ما قاله مستشار البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط جيك سوليفان قبل نحو أسبوعين على انطلاق عمليّة “طوفان الأقصى”. لم يكن الأميركيّون يتوقّعون حرباً في الشرق الأوسط بالتأكيد. ساهم في هذه القناعة التوصّل إلى لتبادل محتجزين أميركيّين وإيرانيّين في أيلول (سبتمبر).
لكن احتمالات اندلاع جبهة ثانية في مضيق تايوان كانت دائماً في الحسبان. إنّما حتى بوجود استعدادات أميركيّة مفترضة لاشتعال جبهتين بين أوروبا ومنطقة الإندو-باسيفيك في وقت واحد، ثمّة حدود لما يمكن أن تقدّمه الولايات المتحدة لأوكرانيا، على صعيد الأسلحة والتركيز. هذا ما يقرّ به الأوكرانيّون أنفسهم.
قال وزير الخارجيّة الأوكرانيّ الأسبق بافلو كليمكين: “إنّ أولئك الذين يشكّلون القرارات المتعلّقة بالسياسة الخارجيّة (في الولايات المتحدة) لديهم 24 ساعة فقط في اليوم للاهتمام بالكوكب بأكمله”. وأوضح أنّ حرباً أخرى تعني “وقتاً أقلّ بالنسبة إلينا”. إذاً إنّها فرصة شبه مثاليّة أمام الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين: صرف الأنظار الأميركيّة عن أوكرانيا في وقت وصل الهجوم الأوكرانيّ المضادّ إلى ذروته تقريباً قبل الشتاء. حتى الحدّ الأدنى لهذا المكسب، السيطرة على بلدة توكماك، بات على الأرجح خارج نطاق الأهداف المأمولة قبل تحوّل الطرقات إلى وحول. وهذا الجوّ موجود في روسيا. في 9 تشرين الأوّل، “موسكوفسكي كومسوموليتس” الروسيّة: “قد يصبّ الوضع في مصلحة روسيا”.
هجوم روسيّ مضادّ
تبقى كيفيّة استفادة موسكو من هذا الوضع. شنّت روسيا هجوماً مفاجئاً في 11 تشرين الأوّل على بلدة أفديفكا من دون تحقيق تقدّم كبير. تظهر الصور والفيديوهات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعيّ خسائر كبيرة في الآليّات والدبّابات الروسيّة وهي تصل إلى المئات بحسب ما يذكره الأوكرانيّون مع ذلك، ليس مسار المعركة واضحاً. يقول البعض إنّ روسيا مستعدّة لنشر كلّ ما يلزم من المعدّات والجنود للسيطرة على البلدة. لكنّ أفديفكا، مهما كان مصيرها، ليست كلّ الحرب.
ثمّة علامات استفهام بالحدّ الأدنى عمّا إذا كانت أوكرانيا بحاجة إلى السلاح نفسه الذي تحتاج إليه إسرائيل. على أنّ ذخيرة 155 ملم هي من أكثر ما يحتاج إليه الطرفان وهي أيضاً أكثر ما ينقص المخزونات الغربيّة بحسب ما قاله مسؤولون غربيّون تايمز ربّما تعمل واشنطن على توجيه الأسلحة الدقيقة إلى إسرائيل بالنظر إلى الكثافة السكّانيّة في غزّة بينما تكتفي بإرسال الذخائر العنقوديّة إلى أوكرانيا حيث تثبت فاعليّة أكبر ضدّ التحصينات والخنادق وفق التقرير نفسه.
أنباء سيّئة أخرى لكييف… ولموسكو
مشكلة أوكرانيا في سياق الحصول على الدعم العسكريّ لا تتعلّق بما يحصل في واشنطن وحسب. إذا كان صحيحاً أنّ روسيا حصلت على من الذخيرة الآتية من كوريا الشماليّة فسيكون هذا النبأ وحده سيّئاً بما يكفي. وهناك مؤشّرات تململ أخرى في أوروبا. أعلنت سلوفاكيا بقيادة روبرتو فيكو الفائز مؤخّراً بالانتخابات التشريعيّة وقفها إرسال أسلحة إلى أوكرانيا. لن تكون خطوة سلوفاكيا كاسرة للتوازن، ويبدو أنّ الائتلاف الحاكم ، إنّما يمكن النظر إلى هذا التطوّر جزئيّاً كأحد الأمثلة على انتشارٍ لشعور “التعب من حرب أوكرانيا” كما يقول البعض.
حتى مع افتراض أنّ الحرب على غزّة لن تعرقل كثيراً الدعم الأميركيّ لأوكرانيا، يبقى أنّ الحسابات ستتغيّر حتماً إذا انفلشت الحرب بين إسرائيل وحماس إلى حرب شرق أوسطيّة أشمل. إذا حدث هذا السيناريو فسيفكّر الأميركيّون أيضاً في احتمال استغلال الصين الوضع لعبور مضيق تايوان. لا يزال توسّع الحرب في الشرق الأوسط احتمالاً غير راجح بالنظر إلى أنّ كلّ الأطراف لا ترغب بذلك، أو على الأقلّ لديها كي لا ترغب بذلك. لكنّ انفلاش الحرب لن يكون سلبيّاً بالنسبة إلى أوكرانيا وحسب. في هكذا سيناريو، ربّما تضطرّ إيران لوقف إرسال طائرات بلا طيّار إلى روسيا الأمر الذي يعيق قدرة الأخيرة على ضرب أهداف أوكرانيّة، بحسب نيكولا ميكوفيتش، لروسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا. لكنّه مع ذلك، لا يستبعد أن تكسب روسيا اليد العليا فوق الميدان لو توقّف كامل الدعم الغربيّ عن أوكرانيا.
توازن؟
في المدى المنظور، قد يكون تأثير الحرب على غزّة محدوداً بالنسبة إلى أوكرانيا. ليس مؤكّداً حتى ما إذا كانت إسرائيل تريد غزواً برّيّاً واسعاً للقطاع. إذا تفادت إسرائيل هذه الحرب فقد لا يكون هناك تحويل كبير للمساعدات العسكريّة من كييف إلى تل أبيب. في العام الانتخابيّ الأميركيّ، ربّما تستفيد موسكو إعلاميّاً أكثر من استفادتها ميدانيّاً إذ سيكون بإمكانها نسب الفوضى التي يشهدها العالم حاليّاً إلى فشل الدبلوماسيّة الأميركيّة في عهد الرئيس جو بايدن.
وربّما تستفيد على الأكثر في حال ة عرقلة مجلس النوّاب الأميركيّ. تمكّن الجمهوريّون من انتخاب مايك جونسون رئيساً للمجلس لكن ثمّة مطبّات من بينها الإغلاق الحكوميّ أواسط الشهر المقبل وتزايد أصوات المشرّعين الجمهوريّين المشكّكين بدعم أوكرانيا. يعتقد أستاذ الأمن القوميّ والاستخبارات في جامعة هال البريطانيّة روبرت دوفر أنّ الوقت لا يزال بالرغم من خسائرها العسكريّة على الأرض. وثمّة تؤيّد هذا الاتّجاه. أمّا مارك كاتز من ” فيرى أنّه مهما كانت نتيجة الحرب على غزّة، قد يتراجع النفوذ الروسيّ في الشرق الأوسط، كما حصل منذ فترة غير طويلة في القوقاز.
ربّما بإمكان روسيا أن تتحمّل خسارة سياسيّة في الشرق الأوسط مقابل احتمال تفوّقٍ عسكريٍّ ما في جوارها الأقرب.