+
لقد كرستُ حياتي المهنية لمدة خمسة وثلاثين عامًا لسياسة صنع السلام الأمريكية وحل النزاعات، سواءً في الاتحاد السوفييتي السابق أو ألمانيا الموحدة أو العراق ما بعد الحرب، لكن لم يشغلني شيء مثل إيجاد حل سلمي ودائم بين إسرائيل والفلسطينيين.
ربما كنتُ سأفضل وقف إطلاق النار مع حماس خلال نزاع مع إسرائيل في الماضي، ولكن اليوم أصبح واضحًا لي أنّ السلام لن يكون ممكنًا الآن أو في المستقبل طالما بقيت حماس وبقيت سيطرتها على غزة.
يجب أن تنتهي قوة حماس وقدرتها على تهديد إسرائيل وتعريض المدنيين الغزيين لمزيد من جولات العنف.
بعد السابع من أكتوبر، هناك العديد من الإسرائيليين يعتقدون أن بقاء دولتهم مهدد.
قد يبدو ذلك مبالغة، لكن بالنسبة للاسرائيليين، ليس كذلك وإذا استمرت حماس كقوة عسكرية تدير غزة بعد انتهاء هذه الحرب، فسوف تهاجم إسرائيل مرة أخرى.
حزب الله سيهاجم إسرائيل في المستقبل ايضًا، سواء فتح جبهة حقيقية ثانية من لبنان خلال هذا الصراع أم لا.
هدف هاتين الجماعتين، وكلاهما مدعوم من إيران، هو جعل إسرائيل غير صالحة للعيش ودفع الإسرائيليين للرحيل.
لقد تحدث علي خامنئي، المرشد الأعلى في إيران، منذ فترة طويلة عن عدم بقاء إسرائيل لمدة 25 سنة أخرى، وكانت استراتيجيته هي استخدام هذه الجماعات المسلحة الوكيلة لتحقيق تلك الغاية.
نظرًا لقوة الجيش الإسرائيلي – الأقوى بشكل كبير في المنطقة – فإن أهداف إيران وشركائها بدت غير معقولة حتى قبل أسابيع قليلة، لكن أحداث السابع من أكتوبر غيّرت كل شيء، وكما قال أحد قادة الجيش الإسرائيلي: “إذا لم نهزم حماس، فلن نتمكن من البقاء هنا”.
إسرائيل ليست وحدها من تعتقد أنه يجب هزيمة حماس.
عندما تحدثت إلى مسؤولين عرب في جميع أنحاء المنطقة من الذين أعرفهم منذ فترة طويلة، قال لي كل واحد منهم إنه يجب تدمير حماس في غزة، وأوضحوا أنه إذا تم اعتبار حماس منتصرة في هذه الحرب، فسيؤكد ذلك عقيدة الرفض التي تتبناها، ويمنح زخمًا ونفوذًا لإيران وشركائها، ويضع حكوماتهم في موقف دفاعي.
لقد قالوا ذلك في الخفاء بينما كانت مواقفهم العلنية مختلفة تمامًا.
أدان عدد قليل فقط من الدول العربية مذبحة حماس التي طالت اكثر من 1400 شخص في إسرائيل بشكل علني والسبب لأن زعماء الدول العربية فهموا أنه مع تصاعد وتيرة القصف الجوي الإسرائيلي على غزة وارتفاع أعداد الضحايا والمعاناة الفلسطينية، فإن مواطنيهم سيشعرون بالغضب وسيحتاجون إلى الظهور وكأنهم يدافعون عن الفلسطينيين، على الأقل بالدعم الكلامي.
تجلت غريزة تلبية مزاج الشارع بشكل واضح عبر الإدانات السريعة لإسرائيل بعد أن زعمت حماس أن إسرائيل قصفت المستشفى الأهلي في غزة.
إسرائيل نفت ضرب المستشفى، لكن تم قبول ادعاءات حماس في العديد من الدول العربية.
بعد ان قالت العديد من وكالات الاستخبارات الوطنية إن من المرجح أن يكون صاروخًا فلسطينيًا هو الذي أصاب المستشفى، رأى الناس في جميع أنحاء المنطقة – والعالم – أن إسرائيل تقصف غزة وكانوا على استعداد للاعتقاد بأن قصف المستشفى المعمداني قد تم عن عمد.
حتى دولة الإمارات التي أدانت هجوم حماس، أصدرت بيانا لاحقاً أدانت فيه “الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف المستشفى الأهلي المعمداني في قطاع غزة، والذي ادى إلى مقتل وإصابة المئات من الأشخاص” ودعت “المجتمع الدولي إلى تكثيف الجهود للتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار لمنع المزيد من الخسائر في الأرواح”.
مع تصاعد وتيرة القصف الجوي الإسرائيلي لغزة وارتفاع عدد الضحايا المدنيين، تتصاعد الدعوات الدولية إلى وقف فوري لإطلاق النار، ويدعو البعض إسرائيل إلى وقف الغزو البري، ولكن إنهاء الحرب الآن سيعني انتصار حماس.
لا تزال البنية التحتية العسكرية لحماس قائمة، وقيادتها ما زالت سليمة إلى حد كبير، وسيطرتها السياسية على غزة ثابتة.
من المرجح جدًا أن تعيد حماس تسليح نفسها وتستعيد قوتها إذا بقيت بعد هذه الحرب كما فعلت الجماعة بعد النزاعات مع إسرائيل في 2009 و2012 و2014 و2021.
كما ستتمكن من إضافة المزيد إلى نظامها من الأنفاق التي تمتد تحت المنطقة وسيظل القطاع شديد الفقر، وستكون جولة الحرب القادمة حتمية، مما سيضع المدنيين في غزة والكثير من الذين يعيشون في بقية الشرق الأوسط رهينة لأهداف حماس.
ستأتي حملة برية إسرائيلية بتكلفة باهظة للغاية وإذا مضت قُدمًا، فلا شك أن عددا من جنود الحملة العسكرية سيفقدون حياتهم، وسيكون هناك المزيد من الضحايا الفلسطينيين، وهي مأساة عملت على خلقها حماس من خلال زرع نفسها وقدرتها العسكرية في المجتمعات المحلية، باستخدام المستشفيات والمساجد والمدارس لتخزين ذخيرتها.
هزيمة حماس لا يمكن أن تتم من خلال ضربات استراتيجية جوية فحسب.
نحن لم نكن قادرين على اجتثاث داعش في الموصل بالعراق أو الرقة بسوريا من الجو.
وفي تلك المعركة، كان لدى الولايات المتحدة شركاء محليين قاموا بالقتال الأرضي المروع والمكلف في المدن بينما دمرت قواتنا معظمها من الجو.
ماذا سيعني هزيمة حماس؟ سيعني ذلك أن بنيتها التحتية العسكرية، والتي ترتبط ماديًا بالبنية التحتية المدنية إلى حد كبير، قد دُمّرت إلى حد كبير وتفتتت قيادتها، مما يترك الجماعة دون القدرة على إعاقة صيغة إعادة الإعمار مقابل نزع السلاح في غزة، كما فعلت في الماضي.
سيعني هذا باختصار أنه لن تكون هناك قدرة لدى حماس على خوض الحرب في غزة وأن هذه القدرة لا يمكن إعادة بنائها.
يجب أن توجه تلك الصيغة واقع اليوم التالي في غزة.
سيتطلب ذلك من إسرائيل البقاء في غزة بعد انتهاء القتال حتى تتمكن من تسليمها إلى نوع من الإدارة الانتقالية لمنع الفراغ والبدء في المهمة الضخمة لإعادة الإعمار.
يجب أن تدار تلك الإدارة إلى حد كبير من قبل تقنيين فلسطينيين – من غزة والضفة الغربية أو الشتات – تحت مظلة دولية، تضم دولًا عربية وغير عربية، وستحتاج الولايات المتحدة إلى حشد وتنظيم الجهد، ربما باستخدام مظلة مثل الأمم المتحدة أو مجموعة الاتصال المخصصة للمانحين للفلسطينيين أو حتى التصرف على اقتراح الرئيس إيمانويل ماكرون من فرنسا باستخدام الائتلاف الدولي لمحاربة داعش لمواجهة حماس حيث يمكن لمثل هذا الائتلاف المساعدة في خلق تقسيم العمل الضروري.
ويمكن للمغرب ومصر والإمارات والبحرين توفير الشرطة – وليس القوات العسكرية – لضمان الأمن للإدارة المدنية الجديدة والمسؤولين عن إعادة الإعمار ويمكن للسعودية والإمارات وقطر توفير الجزء الأكبر من تمويل إعادة الإعمار، موضحة أدوارها على أنها ضرورية لتخفيف معاناة الفلسطينيين في غزة ومساعدتهم على التعافي ويمكن لكندا وغيرها توفير آليات للرصد لضمان وصول المساعدات إلى الأغراض المقصودة.
سيكون المزاج في غزة بعد انتهاء القتال قاتمًا وغاضبًا فقد لقي آلاف المدنيين حتفهم، وفقًا لوزارة الصحة الغزية التي تديرها حماس وهناك مساحات شاسعة من المنطقة غير صالحة للسكن ولكن من المهم ملاحظة أن استطلاعات الرأي التي أجريت قبل وقت قصير من الهجوم في 7 أكتوبر كشفت أن 62٪ من سكان غزة كانوا ضد قيام حماس بكسر وقف إطلاق النار في ذلك الوقت مع إسرائيل.
يمكن أن يساعد إدخال المساعدات إلى غزة بسرعة وبدء جهود إعادة الإعمار بمجرد توقف القتال في خلق صورة للسكان أن الحياة يمكن أن تتحسن عندما لا تعود حماس قادرة على إعاقة إعادة إعمار غزة.
سيؤثر كيفية قيام إسرائيل بحملة برية على كل هذا وحتى ما إذا كان مثل هذا واقع اليوم التالي يمكن أن يتحقق.
يجب على إسرائيل إظهار أنها تقاتل حماس ولا تحاول معاقبة المدنيين الفلسطينيين من أجل تقليل ضغط جيرانها والمجتمع الدولي لوقف هجومها،وبالتالي يجب عليها خلق ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية، بما في ذلك من الأراضي الإسرائيلية عبر معبر كرم أبو سالم.
كما يجب عليها السماح للجماعات الدولية، مثل أطباء بلا حدود، بالعمل بأمان هناك لتخفيف المعاناة، وتضمين أطباء إسرائيليين يمكنهم إنشاء مستشفيات ميدانية – وهو شيء يملكون خبرة في القيام به في سوريا وأوكرانيا.
يحتاج قادة إسرائيل السياسيين إلى التأكيد بوضوح وعلنًا على أنهم سيغادرون غزة وأنهم سيقوموا برفع الحصار بعد هزيمة حماس عسكريًا ونزع سلاحها إلى حد كبير ويجب عليهم إيصال رسالة مفادها أنهم يفهمون أنه مطلوب حل سياسي مع الفلسطينيين بشكل أعم.
هذه ليست رسالة يقدمها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الان، نظرًا للصدمة في إسرائيل وبنية حكومته الحالية ولكنها رسالة يحتاج شركاء إسرائيل في المنطقة إلى سماعها – وقريبًا.
لا توجد حلول سهلة لغزة، ولكن هناك مسار واحد فقط إلى الأمام في هذه الحرب وستؤدي أي نتيجة تترك سيطرة حماس على القطاع إلى الموت المحتوم ليس في غزة فقط ولكن أيضًا الكثير من بقية اجزاء الشرق الأوسط.