متظاهر يحمل علما مناهضا للكراهية (أ ف ب)

في بلدة بلينفيلد التي تبعد نحو 40 ميلاً جنوب غربي شيكاغو ، كان الطفل وديع الفيومي ذو ست سنوات في غرفة النوم داخل منزله برفقة أمه حنان شاهين.

 لم تكن الأم تروي له حكاية ما قبل النوم أو تلاعبه آنذاك، كان الصغير غارقاً في دمائه بـ26 طعنة لا لذنب سوى أنه من عائلة فلسطينية، فيما كانت الأم إلى جواره وقد أصيبت بـ12 طعنة، وعلى مقربة من المنزل كان القاتل ذو 71 سنة يجلس على الأرض.

ما حدث مع وديع كان في إطار جرائم الكراهية التي إن لم تكن حديثة لكنها تنامت بعد الحرب الإسرائيلي في غزة بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، حين شنت حركة “حماس” هجوماً مباغتاً وخاطفاً على بلدات ومستوطنات وأماكن عسكرية إسرائيلية، فيما كان الرد الإسرائيلي عنيفاً ووصف بغير المسبوق جرى فيه مقتل آلاف المدنيين من الأطفال والكبار على حد سواء.

جرائم الكراهية

وجهت السلطات الأميركية للمجرم تهمة القتل وارتكاب جرائم الكراهية، وضرب شخص آخر بشدة بسلاح قاتل، بحسب بيان صحافي لمكتب رئيس شرطة بولاية إلينوي، فيما قال المكتب إن المتهم استهدف الضحيتين لأنهما يعتنقان الديانة الإسلامية، وبسبب الحرب الدائرة في غزة بين إسرائيل و”حماس”.

لفتت الواقعة أنظار كثيرين حول العالم في ما يتعلق بخطاب الكراهية وجرائمها، فخرج البيت الأبيض في بيان وقال إن العائلة المستهدفة فلسطينية جاءت إلى أميركا للبحث عن ملجأ للحياة والتعليم والصلاة في سلام، فيما قال الرئيس الأميركي جو بايدن إنه شعر بالصدمة بسبب تلك الواقعة وقدم التعازي للعائلة.

ونقل البيت الأبيض عن الرئيس الأميركي قوله إن “عمل الكراهية ليس له مكان في أميركا، ويتعارض مع قيمنا الأساسية كالتحرر من الخوف في شأن الطريقة التي نصلي بها وما نؤمن به”.

كما نقل البيت الأبيض عن بايدن أيضاً أنه “يجب كأميركيين أن نتحد ونرفض الإسلاموفوبيا وجميع أشكال التعصب والكراهية”، مؤكداً أنه لن يصمت في وجه الكراهية، التي ينبغي ألا يكون لها مكان في أميركا من أي شخص وضد أي شخص.

تقول الأمم المتحدة، إن خطاب الكراهية بشكل عام، يشير إلى الكلام المسيء الذي يستهدف مجموعة أو فرداً بناء على خصائص متأصلة مثل العرق أو الدين أو النوع الاجتماعي بما يهدد السلم الاجتماعي. فيما تشير إلى أنه لا يوجد تعريف شامل لخطاب الكراهية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان ولا يزال هذا المفهوم محل جدال واسع، لا سيما في ما يتعلق بحرية الرأي والتعبير وعدم التمييز والمساواة.

يوم عالمي 

بحسب الأمم المتحدة أيضاً فإن خطاب الكراهية يتزايد في جميع أنحاء العالم، مع احتمال التحريض على العنف وتقويض التماسك الاجتماعي والتسامح والتسبب في أذى نفسي وعاطفي وجسدي للمتضررين لا سيما بانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، داعية الحكومات إلى أخذ إجراءات حول الأمر.

وفي يوليو (تموز) 2021 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً في شأن تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات والتسامح في مواجهة خطاب الكراهية، كما أعلنت أن الـ18 من يونيو (حزيران) يوم دولي لمكافحة خطاب الكراهية، وجرى الاحتفال به للمرة الأولى في العام الماضي.

لكن مخاوف الأمم المتحدة من تحول خطاب الكراهية إلى أذى جسدي دفعها للحديث عن الأمر من جديد عقب مقتل الطفل الفلسطيني وديع الفيومي، فقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك في مؤتمر صحافي، إنه يستعصي العثور على كلمات مناسبة لإدانة تلك الجريمة، مذكراً بحديث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأن اللهجة المهينة للكرامة الإنسانية المحرضة على العنف “لا ينبغي قبولها أبداً”.

قلق أممي 

ويوم الجمعة الماضي عبرت لجنة بالأمم المتحدة عن قلقها بشأن زيادة خطاب الكراهية العنصري، الذي ينزع عن الآخرين صفة الإنسانية، وقالت إنه خطاب موجه من الإسرائيليين بما في ذلك كبار المسؤولين تجاه الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر.

واقعة الطفل وديع الفيومي لم تكن الأولى ضمن جرائم الكراهية ولن تكون الأخيرة أيضاً، سواء المتعلقة بما يحدث في غزة الآن أو غيرها من الأحداث، التي يتلقفها البعض لنشر خطاب الكراهية وجرائمها، وهو أمر اعتبره الأمين العام المساعد للأمم المتحدة لشؤون مكافحة الإرهاب فلاديمير فورونكوف، يشير إلى مدى تأثير خطاب الكراهية، وقدرته على تحفيز الهجمات الإرهابية التي تعتمد عليها فيما تغيب التسامح، وذلك في كلمة له عبر تقنية “فيديو كونفرانس” خلال فعاليات الجلسة الختامية للمؤتمر الثامن العالمي للإفتاء في مصر.

وقال فورونكوف إن خطاب الكراهية يمثل قلقاً دولياً خطراً واعتبره سبباً رئيساً للعنف، عن طريق نقض القيم الديمقراطية وزعزعة استقرار المجتمعات وتقويض الوحدة الاجتماعية، قائلاً إنه غالباً ما يكون المسبب والداعم للخطاب العنيف للإرهابيين والمتطرفين.

 

حوادث حول العالم

يصنف مراقبون للأحداث التي تلت السابع من أكتوبر (تشرين الأول) في دول مختلفة عدة على أنها ضمن جرائم الكراهية خارج قطاع غزة، ففي الـ13 من الشهر الجاري تعرض دبلوماسي إسرائيلي للطعن في هجوم ببكين، وأكدت الخارجية الإسرائيلية الهجوم، وقالت إن الدبلوماسي يتلقى العلاج في أحد المستشفيات وحالته مستقرة.

في اليوم التالي الـ14 من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، وفي فرنسا وضعت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن بلادها في أعلى درجات التأهب، بعدما قتل مدرس بالطعن وأصيب اثنان بجروح بالغة، وكان الهجوم في مدرسة ثانوية.

وصرح وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين، بأن ما حدث “لا شك له صلة بما يحدث بين إسرائيل وحماس”، وتقول الشرطة الفرنسية إن المهاجم روسي يبلغ من العمر 20 سنة، واسمه محمد موغوتشوف، من أصل شيشاني، واعتقلت الشرطة عدداً من أفراد عائلته.

دور مواقع التواصل

يقول أستاذ العلاقات الدولية محمد فراس النائب إن تسيد ظواهر خطاب الكراهية وتسيد ممارسات العنف على الموقف العالمي أمر محزن ومثير للأسى، في توقيت كان القرن الحالي يرفع فيه شعار الارتقاء بالحضارة الإنسانية، ويستدعي تعاوناً دولياً لمواجهة ظواهر كالتغير المناخي، وإيقاف حروب الساحة الدولية “لكن ما يحدث امتهان البشر للبشر تبعاً لانتماءاتهم المختلفة عرقياً وفكرياً وأيديولوجياً وجغرافياً”.

يلفت النائب إلى التطبيقات التكنولوجية وتبني بعض وجهات النظر على حساب الأخرى بحسب خوارزميات بعض مواقع التواصل الاجتماعي، بما يشير إلى رؤية مزدوجة لتلك المواقع، معتبراً الأمر يؤجج نار الاحتقان لدى شعوب وفئات مختلفة، بما يخرجها عن التوازن في أفكارها وممارساتها، وطالما عزت منظمات أممية بعض خطابات الكراهية، بسبب مواقع التواصل الاجتماعي.

مخاوف من الاحتجاجات

على أرض الواقع وفيما خرجت تظاهرات في عواصم مختلفة حول العالم، للتنديد بالمجازر الإسرائيلية في حق فلسطينيين، فإن بعض تلك العواصم منع تلك التظاهرات أو بعضها في الأقل، خشية أن تؤدي إلى أخطار كما حدث في فرنسا التي منعت تظاهرة السبت الماضي، بحسب ما أعلن مفوض شرطة العاصمة الفرنسية.

وكانت جمعيات ونقابات وهيئات سياسية دعت إلى مظاهرة لدعم فلسطين، فيما قال مجلس الدولة الفرنسي أعلى محكمة إدارية في البلاد، إن ذلك المنع لا يمكن أن يكون منهجياً، ولرؤساء المحافظات المحلية تقدير ما إذا كانت تلك المظاهرات تنطوي على أخطار تمس النظام العالمي.

هذا التخوف ربما ظهر أثره في بلاد أخرى، ففي شيكاغو ظهرت اشتباكات بين إسرائيليين ومؤيدين لفلسطين في مقاطع فيديو لم تتحقق “اندبندنت عربية” من مدى صحتها، لاقت انتشاراً على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما كانت الشرطة الأميركية تحاول فض تلك الاشتباكات، والسيطرة على الوضع وظهر في الفيديو ضرب واعتداء بالعصي ومواد خشبية كما اللكم والضرب بالقدم.

إخفاء الهوية

وفي العاصمة البريطانية لندن خرجت تظاهرة كبيرة في الـ28 من الشهر الجاري، دعماً لفلسطين. وصفت بغير المسبوقة، شارك فيها بحسب الشرطة البريطانية نحو 100 ألف شخص للمطالبة بوقف إطلاق النار في غزة، فيما كانت الأعلام الفلسطينية مرفوعة، والهتافات مختلفة تندد بأفعال الجيش الإسرائيلي، وتطالب في الوقت نفسه بوقف ذلك الهجوم.

هذه الحرب الجارية وصداها في عواصم غربية وأوروبية تلقي بظلالها على المواطنين فيها، بما تضم من جالية يهودية وإسلامية، ففي تقرير نشرته “بي بي سي” فإن هناك مخاوف من معطيات ما يجري، ما بين يهود ومسلمين.

وفيما تقول طالبة يهودية بجامعة كارديف في مقاطعة ويلز، إنه جرى إبلاغها بضرورة عدم إظهار رموز تدل على دينها، في ظل تلك الحرب الدائرة، تقول سيدة من أصول فلسطينية تعيش في ويلز، إنها شعرت بطريقة تعامل وكأنها منزوعة الإنسانية، وهناك قدر كبير من الخوف والغضب وخيبة الأمل إزاء الطريقة التي يتم بها تصوير ما يجري.

منسوب خطاب الكراهية

يقول الكاتب المصري عبدالله السناوي في إحدى مقالاته، إن “أخطر النتائج والتداعيات التي قد تترتب على حرب غزة رفع منسوب خطاب الكراهية والعنف في المجتمعات الأوروبية وداخل أميركا”، مستدلاً بحكاية الطفل الفلسطيني الذي قتل في شيكاغو على يد رجل اعتبره السناوي “تأثر بالدعايات التي ثبت كذبها عن اغتصاب النساء وقطع رؤوس الأطفال في أثناء هجوم السابع من أكتوبر”.

وفي يوليو (تموز) الماضي حذرت الأمم المتحدة من انتشار خطاب الكراهية بكل أشكاله، وذلك في جلسة طارئة لمجلس حقوق الإنسان على خلفية حرق نسخة من المصحف في السويد، وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك إن حرق المصحف وحوادث أخرى مماثلة هدفها التعبير عن الازدراء وإثارة الغضب والخلافات بين الناس.

بعد ذلك التحذير بأكثر من ثلاثة أشهر، وفي الـ16 من الشهر الجاري قتل تونسي في بروكسل شخصين سويديين في الأحياء الشمالية للعاصمة البلجيكية، وسبق لتونس أن طلبت في العام الماضي تسليم منفذ ذلك الهجوم، لكن النيابة العامة في بروكسل لم تعالج ذلك الطلب، ليستقيل وزير العدل البلجيكي على خلفية ما حدث، فيما ترجح السلطات أن الاعتداء وقع على ما يبدو على خلفية عمليات حرق نسخ من المصحف في السويد.

يربط السناوي في مقالته التي جاءت بعنوان “النظام الدولي وحرب غزة” بين عملية بروكسل وواقعة شيكاغو وما يحدث في غزة، يقول “لم يكن هناك ارتباط بين تلك الحادثة الإرهابية والحرب في غزة، لكن السياق العام يؤشر إلى اتساع محتمل لمثل تلك الحوادث”.

 يعدد بعدها مخاوف عواصم أوروبية وغربية من تبعات ما يحدث، “لندن تخشى هجمات إرهابية كما تعلن سلطاتها الأمنية. باريس قلقة من مواطنيها العرب والمسلمين ومستويات الغضب في مدنها، ودول أوروبية أخرى تتحسب للعواقب والتداعيات”، ثم يضيف الكاتب تصوراً محتملاً “ربما يولد النظام الدولي الجديد فوق بحيرات دم في أوكرانيا والشرق الأوسط”.

محج قلعة وداغستان

الأحد الماضي اقتحم محتجون مطار محج قلعة في عاصمة جمهورية داغستان، بعد أنباء عن هبوط طائرة قادمة من إسرائيل، مما أدى إلى إغلاق حركة الملاحة الجوية، كما سقط جرحى على خلفية اقتحام المطار، ودخول المحتجين مبنى الركاب بحثاً عن مسافرين قادمين من إسرائيل، لتعلن وكالة الطيران الروسية إغلاق المطار موقتاً أمام رحلات الوصول والإقلاع قبل تحرير المطار من المحتجين.

ورفع بعض المحتجين الأعلام الفلسطينية، فيما صدر بيان عن مكتب رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، يحض روسيا على حماية رعايا بلاده، وأن تتحرك “بشكل حاسم ضد مثيري الشغب”، فيما ظهرت مقاطع فيديو لأشخاص يفحصون جوازات سفر مغادرين من المطار.

كراهية مستمرة

خطاب الكراهية وجرائمها، وإن كان التخوف منها أن يتزايد بنحو مرتفع في عواصم غربية، لكنها موجودة في إسرائيل ولا تزال مستمرة.

في سبتمبر (أيلول) الماضي وخلال محادثات مشتركة بين وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني أيمن الصفدي وبين الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، جرى الاتفاق على ضرورة اتخاذ المجتمع الدولي موقفاً واضحاً ضد خطاب الكراهية والتحريض المؤجج للعنف في فلسطين المحتلة، وهو دور كان يقوم به مسؤولون إسرائيليون ومستوطنون.

حديث بوريل سبقه تحذير آخر في الشهر نفسه، أي قبل أيام من هجوم السابع من أكتوبر لكنه كان بلسان تور وينسلاند، منسق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، الذي دعا إلى الامتناع عن الأعمال الاستفزازية والخطابات التحريضية. مشيراً إلى أن عنف المستوطنين، لا سيما في الضفة الغربية، تزايد على مدار السنوات الماضية، مستنداً إلى ورقة حقائق أصدرها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية.

وبالعودة لعام 2021، فإن مواجهات وقعت بين شرطة إسرائيل ومتظاهرين فلسطينيين في القدس أثناء اشتباكات وصفت بأنها الأعنف منذ سنوات، وكانت بعد مسيرة نظمها إسرائيليون متشددون أطلقوا خلالها هتافات معادية للعرب، وهو أمر استدعى تصريحاً من المتحدث باسم الخارجية الأميركية آنذاك نيد برايس، حين دون على موقع “إكس” أن بلاده ترفض خطاب المتظاهرين المتطرفين الذين يرددون شعارات تنم عن كره وعنف، مؤكداً قلق أميركا العميق إزاء خطابات الكراهية التي أطلقها يهود متشددون في هتافات مناهضة للفلسطينيين والعرب.

خلال الشهر الجاري وفيما تشتد عمليات القصف الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر، خرجت مجموعات إسرائيلية متطرفة في تظاهرة اعتدوا فيها على مبنى سكني به طلاب عرب، ورددوا هتافات “الموت للعرب” لتضطر إدارة المسكن إلى نقل الطلاب إلى مكان آخر، لتأمينهم ومن ثم خروجهم.

وبينما تجاوز ضحايا القصف الإسرائيلي في غزة أكثر من 8 آلاف شخص فإن مخاوف من ظهور آخرين على شاكلة وديع الفيومي لا تزال قائمة، فيما تخشى عواصم أوروبية من تداعيات ما يحدث داخل بلدانها في إطار خطابات الكراهية وجرائمها.