Relatives of Rawhe Sawafta, 70, who was killed during clashes with Israeli forces, mourn during his funeral in Tubas in the occupied West Bank on October 31, 2023, amid ongoing battles between Israel and the Palestinian Hamas movement. (Photo by Jaafar ASHTIYEH / AFP)

في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، صدمت “حماس” العالم، حين اجتاح الآلاف من مقاتليها جنوب إسرائيل، وسيطروا على الأراضي، وارتكبوا المجازر بحق المدنيين، واختطفوا المئات منهم.

أبدى الهجوم نفسه مستوى غير عادي من التعقيد، حيث شهدت الموجة الأولى تدمير طائرات مسيرة لمعدات الاستطلاع ومراكز المراقبة الإسرائيلية، كما أدت الهجمات السيبرانية إلى تشتيت الانتباه، مما فتح الطريق أمام تسلل المسلحين بشكل جماعي من الجو والبحر والأرض.

ومن الواضح أن “حماس” أجرت استعدادات مكثفة وحددت بشكل واضح مكان الهجوم وتوقيته المناسب. ولكن بعيدا عن التعقيد والدقة، كانت وحشية “حماس” هي أكثر ما صدم العالم، إذ استهدفت الرجال والنساء والأطفال والمسنين ــ بالرصاص والسكاكين والأدوات الزراعية، وقامت، في بعض الحالات، بقطع رؤوسهم.

وكان ذلك الهجوم بالنسبة لإسرائيل بمثابة أحداث 11 سبتمبر/أيلول، واستطاع هز البلاد حتى النخاع. وكانت الحملة الجوية التي شنتها إسرائيل ضد غزة نتيجة لذلك الهجوم متوقعة بشكل مأساوي ومدمرة بشكل كارثي. وبعد أكثر من أسبوعين من أعمال العنف المنهكة، سقط الآلاف من القتلى من جميع الأطراف، وتزايد القلق من التصعيد الإقليمي بشكل كبير. وشارك وكلاء إيران في لبنان والعراق وسوريا واليمن في هذا الصراع، وأطلقوا طائرات انتحارية مسيرة وصواريخ كروز وصواريخ مدفعية وقذائف هاون على القوات الأميركية وأهداف إقليمية أخرى. حدث كل ذلك على الرغم من أن التوغل البري الإسرائيلي المتوقع بشكل كبير لم يبدأ بعد.

وفي أعقاب الهجوم المفاجئ الذي شنته “حماس” ضد إسرائيل، أثيرت تساؤلات كثيرة حول الأسباب التي أدت إلى عدم اكتشاف هذا الهجوم. وكان موضوع “الفشل الاستخباراتي” محل نقاش واسع النطاق، حيث استُعرضت مجموعة متنوعة من النظريات وتركزت بشكل خاص على الفوضى السياسية الداخلية في إسرائيل والتركيز الأمني على التهديدات المتزايدة من الضفة الغربية. ولكن، بعيدا عن كل تلك النظريات هناك أمر مقلق بشكل أكبر يصعب الاعتراف به: نجحت “حماس” في خداع الجميع.

منذ ربيع عام 2022 على الأقل، إن لم يكن قبل ذلك، سعت “حماس” لتقديم نفسها على أنها جهة فاعلة برغماتية جديدة، مستعدة لتجنب الأعمال العدائية لصالح ضمان استقرار غزة. وفي اجتماعات خاصة مع كبار قادة الدفاع والاستخبارات من إسرائيل والولايات المتحدة وقطر ومصر خلال عام 2022 وحتى صيف عام 2023، سمع الكثير من الروايات التحليلية عن “حماس الجديدة”.

وتحدث معي أحد كبار المسؤولين الإسرائيليين بثقة عن الترتيبات الرسمية والمباشرة الجديدة لمنع الاشتباك مع “حماس”، والتي شهدت إعلان الحركة عن رغبتها في تجنب الأعمال العدائية، بما في ذلك خلال الأزمات الخطيرة في أغسطس/آب 2022 وأبريل/نيسان، ومايو/أيار 2023. ووفقا للمسؤول، فإن إيران كثفت مساعداتها لـ”حماس”، لكن علاقة إيران بحركة الجهاد الإسلامي في غزة والفصائل المسلحة في الضفة الغربية كانت السبب في المزيد من التحديات المباشرة.

 

وعند سؤال أحد كبار المسؤولين الأميركيين عن هذه الملاحظات، أجاب بأن “حماس” لم تعد تثير مستويات القلق نفسها كما كان الحال في السنوات السابقة. وبالنسبة لدولة قطر، كانت التصورات حول البرغماتية الجديدة لـ”حماس” مصدرا للتفاؤل، ولكنها كانت أيضا مصدرا للقلق، لأن قنوات الوساطة التقليدية في الصراع في غزة لم تعد فعالة، خاصة أن قيادة العمليات العدائية باتت بأيدي حركات مثل “الجهاد الإسلامي” وأمثالها؛ فوفقا لأحد كبار المسؤولين القطريين، كانت الأعمال العدائية بين حركة “الجهاد الإسلامي” وإسرائيل في أبريل/نيسان، ومايو/أيار 2023 خارجة عن السيطرة تقريبا، إذ إن عملية اتخاذ قرارات القيادة لم تكن تحدث في غزة، ولكن من قِبل “خلية” متمركزة في لبنان، تضم “حزب الله” وضباطا من قوات الحرس الثوري الإيراني. وأعرب مسؤولون مصريون عن مخاوف مماثلة.

وباعتبارها القناة الرئيسة التي جرى من خلالها المحافظة على البنية التحتية الأساسية في غزة– في ترتيب أدير بشكل ثنائي مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية– كانت مخاوف قطر محقة، لكنها كانت في غير محلها؛ إذ يبدو أن “حماس” استطاعت خداع الجميع. ورغم أنها ظلت بالفعل بعيدة كليا تقريبا عن الأعمال العدائية الكبرى ضد إسرائيل طوال الأشهر الثمانية عشر الماضية، إلا أن ذلك لم يكن علامة على البرغماتية كما افترض الجميع، بل كانت حيلة أتاحت لها التجهيز لهجومها غير المسبوق في 7 أكتوبر/تشرين الأول.

 

لابد أن يذكّر كل هذا أيضا بالعواقب المترتبة على تجاهل أو استبعاد احتمالات التوصل إلى حل حقيقي للقضية الفلسطينية الأوسع

 

 

يدل الحفاظ على مكيدة بهذه الاستمرارية والأهمية، في حركة مسلحة تضم ما لا يقل عن 30 ألف مقاتل، على مستوى مقلق من التماسك الداخلي والولاء والكفاءة المهنية؛ إذ دائما ما كانت أقوى مصادر الاستخبارات الإسرائيلية داخل غزة عبارة عن مخبرين داخل حركة حماس أو من المقربين منها، لذا فإن عدم تسريب معلومات عن هذا الهجوم الأخير على الإطلاق كان أمرا صادما للغاية.

ويجب أن يثير هذا الأمر تساؤلات جدية حول مدى التخطيط المحتمل للهجوم والتنسيق المسبق مع وكلاء إيران الأساسيين الآخرين في المنطقة، وخاصة “حزب الله” في لبنان. بل أكثر من ذلك، يجدر به أن يدحض أي تلميح بأن هجوم “حماس” في 7 أكتوبر/تشرين الأول جرى دون علم أو مشاركة من إيران.

وفي النهاية، وبينما تواجه المنطقة والعالم بأسره العواقب المدمرة الناجمة عن الهجوم الوحشي الذي تشنه “حماس” والانتقام العسكري الإسرائيلي، فلابد أن يذكّر كل هذا أيضا بالعواقب المترتبة على تجاهل أو استبعاد احتمالات التوصل إلى حل حقيقي للقضية الفلسطينية الأوسع.

لقد كانت التوجهات نحو التهدئة الإقليمية والسعي نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل مشجعة، لكن اختلال التوازن الذي خلقته تجاه فلسطين شكل هدية لإيران والأجندات الإرهابية لوكلائها المسلحين، وهو ما نشهده الآن.

font change