Skip to content

السفينة

alsafina.net

cropped-1صيانة.png
Primary Menu
  • الرئيسية
  • الأخبار
  • افتتاحية
  • حوارات
  • أدب وفن
  • مقالات رأي
  • منوعات
  • دراسات وبحوث
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • الأرشيف
  • Home
  • حكايا صيدنايا الجزء التاسع عشر…..نصار يحيى…. المصدر : صفحة الكاتب .
  • مقالات رأي

حكايا صيدنايا الجزء التاسع عشر…..نصار يحيى…. المصدر : صفحة الكاتب .

khalil المحرر أبريل 30, 2024
الليلُ يصغي همساتَ مزاميرٍ
هتكتْ صمتَ الشبابيك المغلقة
فراشات اقفلتها مسافات خريف منسيّ
حملوا أسمالهم خلف صرخات الجدران العتيقة، يجرجرون أقدامهم بين أيام تمضي.
كانت الريحُ تغطُ في غفلةٍ عن الحراس..
قدموا إلى جناحنا. كانوا في الجهة الاخرى تسمى (ب يسار)، معتقلي البعث الديمقراطي.
أعطوهم مهاجع ثمانية، توزعوا وفق ما كانوا عليه في جناحهم القديم: كل مجموعة اختارت “سكانها”.
لديهم تسميات خاصة: مثلا مهجع الخبراء “الروس”: طلاب وهندسات عسكرية، كانت تدرس في الاتحاد السوفييتي..
مهجع “الضباط أو الختايرة”، أشد المهاجع تنظيما والتزاما بلوائح من اتفاقهم: النومة الساعة العاشرة ليلاً، الاستيقاظ مع “طلوع الشمس”، رياضة..فطور جماعي..غذاء قبل الواحدة..ثم القيلولة المقدسة..
من الاهمية بمكان القول أنهم من فئات عمرية مختلفة، “كبار السن” نسبياً، مقارنة مع حالتنا: لديم مجموعة دخلت حيطان الخمسين وكسور، أعداد أخرى قريبة إلينا (مابين الثلاثين والاربعين)..
-لاننسى أن عندنا فئات في منتصف العشرين ودون ذلك-
وهكذا من تسميات أخرى متعددة: المهجع الثاني اكثريته من الشباب المتمرد على هذا “الانضباط الحديدي”.
ليصل الانتقاد، قراءة التجربة بشيء من الملاحظات: من نحن؟ هل استطعنا الانتقال إلى الماركسية؟
الإشارة هنا إلى شعارهم الذي رافق التأسيس: استمرار، توجه نحو الماركسية اللينية، ثم العتبة الاخيرة التبني.
الان هم في الألف يسار، خلف جناحنا الأصلي الألف يمين، لكن في هذه المرحلة صيف 88: كنا مجموعة تتجاوز العشرة أشخاص، نعيش في المهجع العاشر من الالف يسار. بجوارهم مباشرة..
الجناحان مفتوحان على بعضهما بعدد عشرين مهجع..
معنا مهاجع لتهم أخرى: حالات من اللبنانيين (تقدمي اشتراكي..توحيد إسلامي).. حالات من منظمات فلسطينية تحتمي بالنظام العراق..وبعض الضباط من المغضوب عليهم..
أخي علي وأنا وأولاد أختي علي وعادل لدينا معارف كثيرة بينهم قبل السجن. معهم أيضا ابن عم لنا اسمه عبد، اعتقل أواخر نيسان 82. كان قد مضى أكثر من اثني عشر عاماً على آخر لقاء بيننا..عبد بقي معهم في المهجع الثاني..
كذلك هناك فيصل من حزبنا (العمل الشيوعي) معهم؛ لم شمل مع أخيه سميح (بعث ديمقراطي).
سوف يشترك معنا ببعض حلقات القراءة.
وجودهم سيرسم ملامح جديدة هي أكثر غنى وتنوع..
ازداد نشاط حلقات القراءة بشباب من عندهم: (ناصح، يحيى، اسماعيل، عبد الكريم الشيحاوي، أبو وضاح)، على تنوع الاهتمامات.
أبو وضاح يميل لقراءة كتب صوفية خاصة ابن عربي؛ قرأنا مع بعض مازن، فادي، أبو وضاح، كتاب فصوص الحكم لابن عربي.
القراءة معه ممتعة جداً، يكبرنا بأكثر من عشرين سنة، وهو يصغي للقراءة، تراه يفرش كيس دخانه العربي، يلف سيجارته على صوت من يقرأ من الكتاب.. يضعها في “مشرب” من خشب صناعة السجن.
يحلق ببعض الأفكار التي ترد، خاصة تلك التي تنحو نحو الفلسفة (خريج فلسفة من الخمسينيات)، مع أنه يميل أكثر لابن عربي في فتوحاته المكية؛ كانت متوفرة في السجن، لكن يصعب قراءتها بشكل جماعي.
أبو وضاح إذا نظرت إلى وجهه، عندما يكون مزاجه “رايق” يذكرك بالنبلاء (القرون الوسطى) المتخيلين لدينا: بشرة شقراء، مع نكهة شارب محلي، يحاكي الثامن من آذار، يوم أكملتْ على الشعب منطلقاتها النظرية.
يمشي بأناقة الأمراء. لكن ان تعكر مزاجه، تراه كأنه عائدا من “ظهرية حصاد فلاحين متعبين لاحول لهم ولاقوة”..
أي عمي أبا وضاح مابدنا نكمل القراءة اليوم، أساله؟
اليوم اسمحلي فيها، عندي لعبة شدة (بوكر) مع الشباب المفلسين، من يربح نبوس على رأسه وحبة مسك، وفي أحسن الأحوال: يقدم له الخاسرون، كاسة متة زيادة..
أما بقية الشباب (ناصح، اسماعيل، يحيى). أثار انتباههم نوع جديد للكتاب لم يكن متوفر عندهم: كتب فلسفية ذات طابع مختلف عن الماركسية، ميشيل فوكو، وجاك دريدا ونتف كثيرة عن هايدغر، خاصة من كتابه الوجود والزمان، ترجمات إمام عبد الفتاح إمام عن كانط وهيجل ..
ثم نيتشه، فكان كتابه (هكذا تكلم زرادشت) يتربع على “عرشنا”؛ هنا كانت مفاجأة غير متوقعة من قبلهم: كيف تقرأون كتابه هذا؟
هل يستحق منكم كل هذا الاهتمام!!؟
لطالما كان نيتشة وخاصة كتابه ذاك، محط ازدراء من حماة الأيديولوجيا، وإصدارات دار التقدم الحمراء!!
-اتركنا من المثاقفة يا صاحبي، لسان قارئ يتابع وهو متنمر-
يخرج أبا قصي سائقاً “للباص” داخل الجناح، يصطفون خلفه كما خط طويل، يمر على كل مهجع: الباص بدو يمشي يا شباب، لحق حالك، ماراح يصفى محلات..يتراكض من كل مهجع بضعة أشخاص: يالله أبو قصي سوق..يسوق أبو قصي..يغنوا له: يا شوفير دوس دوس الله يبعتلك عَروس..يضحك أبو قصي..إذا سمعتكم أم قصي راح تهجم عالسجن وتشوفوا شو راح تعمل معكم..
الكل يضحك وهم يسيرون خلفه، على امتداد الجناح قبل أن يعودوا الى أول الممر..
يقف أبا قصي أمام مهجعنا العاشر مناديا: مرحبا يا جيران، يا من تركتم حزب العمل ..ماعندكم ركاب للباص..يرد عليه عادل: طبعا راح يجيك كذا حدا من مهجعنا، وأنا أولهم..
أبو قصي عمره اثنان وخمسون عاما. صحفيا، كاتبا للقصة القصيرة. لديه بعض الأعمال الروائية..
صاحب نكتة، عُرف في السجن بمزحة الباص، أتت من كلمات يرددها السجناء بين بعضهم: مثلا حدا مرهق نفسيا، أو شارد تجاه الحبيبة اوالاولاد الغائبين. يمزحون معه: بدو مين يوصلو..بمعنى إلى شي “دار خاصة”..
قال شو رأيكم نجيب باص ونوصل الناس لتلك الأماكن، ونحن في الجناح؛ تغدو الحالة متخيلة كما سرد قصصي، ببصمات سجن صيدنايا!
-ضُربتْ مثلاً وأخذت براءة الاختراع باسمه لابي قصي-
من الأيام الاولى لاحظنا اختلاف الحياة اليومية بيننا وبينهم؟
أهمها لديهم فترة قيلولة صارمة، الساعة الواحدة ظهراً لا قبلها بدقيقة ولابعدها؛ تأتي بعد وجبة الغذاء..يعني الفطور من “صباحية الله”..
لم نقصد استفزازهم، عندما كان بعضنا يمشي في هذا الوقت، مستفيدا من طول الممر ما بين الجناحين.
هنا تحصل المفاجأة مع امتعاض ودي من قبلهم. مراعاة لهذه الحالة بات المشي أمام مهاجعهم “همساً”، كما الحديث الليلي بين اثنين جلسا أمام “البخشة” يدخنان سيجارة، والناس نيام أو يحلمون بيوم، ربما يختلف عن النهار الذي مضى..
البعض منهم استراح بعد يوم سابع ثم ثامن، فاكتشف أن المفكر اللبناني مهدي عامل، ينطق بالحق “دون خرم إبرة”، خاصة تلك العبارة المنطقية الصارمة: كل ماهو عقلي فهو واقعي وكل ما هو واقعي فهو عقلي.
العبارة بالاصل إحدى أعمدة الفلسفة الهيجلية، خاصة في فينومينولوجيا الروح، ستعيد الماركسية “فلترتها” بنكهة مغايرة.
مهدي عامل عالجها على ارضية ماركسية بنيوية مستفيدا من ألتوسير و بولنتزاس الفرنسيين.
انفتحا الجناحان على بعضهما، لدرجة أن السجناء تناسوا أوجاعهم الخاصة وخلافاتهم المهجعية والسياسية، الان هناك طرف آخر، يجب علينا أن نقدم أنفسنا باحسن وجه؛ هذا كان لسان حال معظمهم ممن يرى بتجربته “مسك الختام” ولايشوبها شائبة..
كانوا يتندرون للحالة التي وصلنا إليها نحن التاركين من الحزب، حالة فوضى: -حسب مقتضاها-، لدرجة أنه غادر-البعض- حتى قدس الأقداس الأيديولوجيا؟
لطالما كانت بالنسبة لهم سدرة المنتهى لمجرد أن يعتنقوها، ستحل كل مشاكلهم الماضية والراهنة..
تندر (حبيب) وقال: “يطعمك الحج والناس راجعة”..غمز من قناة أكثر المتحمسين للكلمات الحامية..
في تلك الفترة (نهاية 88). الأرض تترجرج تحت أقدام “الرفاق السوفييت” وملحقاتهم (أوربا الشرقية)؛ بعد عام فقط سقط جدار برلين، وما شكل ذلك من صفعات لكل المؤمنات والمؤمنين، بأن هذه التجربة تمضي على قدم وساق، وبخطى قاربت “الشيوعية” الحلم البشري بالعودة للحالة الانسانية البكر، بما تعنيه “متخيلاً “:
العود الأبدي للإنسان الحر لا استلاب ولا اضطهاد، ضمن سارية عريضة: غياب الخاص والخصوصية والذي منه..
خارج أوهام الأيديولوجيا وصراع “الديكة”. نشطتْ الزيارات الليلية؛ لا أحد ينتبه من الحراس، ما يحصل قبل إغلاق الأبواب الساعة السابعة بتوقيت سجن صيدنايا، بالنسبة لهم رأس الأوليات: أن يكون العدد بالتمام والكمال كما هو مكتوب في اللوائح..
هذه الزيارات تجعل المهجع المضيف يخرج عن قواعده الصارمة، ويسمح بالسهر ساعة أخرى زيادة أو أكثر “حبتين” حسب المزاج العام..
يجلس الضيف -منهم او منا- بعد الترحيب وأجمل الاكلات واذا توفر الخضار، ممكن لجنة المهجع تسمح بصحن تبولة “متروس” للضيف، مع كأس نبيذ أو عرق إن كان بحوزة “الامانات” المخفية، عن عيون المناسبات المسموح بها للشرب .
كل المهجع -عادة بين خمسة عشر وأقصاها عشرين- يتحلق حول الضيف، وتبدأ السيرة، على مبدأ الليلة ليلتك يا ضيفنا، ولا تبخل علينا بشيء..دائما البدايات تكون حول السياسة والحزب ولحظة الاعتقال..
تنتقل إلى “حيطان” الوجدانيات والحب الأول..وتُختتم عن وضعه الراهن: أعزب، متزوج، مُطلّق بعد السجن؛ بعد مضي هذه السنوات الطوال من الاعتقال، بات خبر الانفصال طبيعيا ومألوفاً، وشبه إجماع:
من حق الزوجات التفكير بمستقبلهن، خارج هذا السرداب..
كانت من أقسى لحظات السجن، انتظار القلق: هل يمكنها أن تستمر مع هذا “التعتير”، ومتطلبات الحياة بكل مفرداتها؟
يعاود السؤال نفسه: أليس من حقهن عَيش حياتهن كما تسمح لهن الظروف؟
يتضمن السؤال الاتهام بالنرجسية لمن يضمر القول: لا ليس من حقهن..
وإذا تم النبش بين التفاصيل، لم تكن الحالة سواء بين المعتقلين: زوجة ومعها أطفال وبيئة تميل للانغلاق، تختلف عن زوجة وحيدة أو ربما لديها طفل، تعيش بمدينة كبيرة، بعيدة عن “القيل والقال”، مما قد يساعدها بامتلاك الجرأة على حرية الاختيار.
يظهر غسان جباعي (بعث ديمقراطي)، بصفته مخرجا وكاتبا مسرحيا، قد أهمل ذلك طيلة الفترة السابقة في سجن (تدمر)، نتيجة لقناعته ليس هناك حتى شروط الحد الأدنى لأي عرض مسرحي..
/ سوف يتم الكلام مفصلاً في الجزء العشرين عن مبررات غسان وأسباب عدم مبادرته، من خلال الكلام عن المسرحية التي اشتغل عليها بتشجيع من علي الكردي -العنبر رقم 6 / تشيخوف- واندفاع عدد كبير من الشباب المعتقلين للتجريب..تزامن ذلك مع “الحشد والحشر” لليسار السوري: حزب عمل شيوعي، حزب شيوعي/ مكتب سياسي، حزب البعث الديمقراطي../
يذهب حسين مصطفى (بعث ديمقراطي) إلى المهجع السادس (اللجان الشعبية)، يستضيفونه أكثر من مرة، يحمل اختصاصه في اللغة العربية معه، يجلس جمال إلى جانبه ومحمد كتيلة وأبو الطيب الرفاعي (صحفي سابق).
يقرأ ما يكتبونه، خاصة أن محمد بات يكتب الشعر، لكنه متحفظ أن يطلع عليه الجميع..
حسين استطاع أن ينفذ لهذه الحالة الشعرية الموهوبة، ويصفها بأنها تحمل الكثير من الجديد، على صعيد صياغة الجملة الشعرية والابتعاد عن الاستخفاف والرجم؟
مادرجت عليه العادة ، خاصة من يكتب عن الرمزية الفلسطينية ؛ محمد ابن المخيم..
جمال من نقل لنا تلك الانطباعات. نحن الحلقة الأخرى (فادي، محمود، ابو وضاح، ناصح، يحيى، مازن، اسماعيل..).
اقترحنا أن تتوسع تلك الحالة ، لتشمل جميع من يهتم ويتابع، لم ننجح؛ للسجن علاقاته الشللية أحيانا كما “شلل الحياة”..
بعد فترة ليست طويلة مابعد هذا اللقاء بيننا وبينهم، يزورنا إلى مهجعنا العاشر المجاور لهم:
عبد الكريم الشيحاوي، مالك حسن، ضرار فراس؛ كنت أعرف منهم عبد الكريم وضرار قبل السجن..أما مالك لاول مرة، هم بشكل عام من المؤسسين لهذه الظاهرة التي باتت تعرف بالبعث الديمقراطي..
جلسنا معهم فادي، علي الجندي، أحمد، أخي علي، وأنا؛ بقية المهجع لم يهتموا..
قالوا بعد عدة جلسات حميمة: سمعنا بظاهرتكم هذه التي أطلقتم عليها مجموعة الستة عشر، والآن نراها بعدد ستين (عدد جناحنا)..ممكن تحكي لنا عن هذه الحالة وكيف بدأت؟
-توجهوا بالكلام إلي؛ لمعرفتهم أنني كنت من البدايات-
استمرت الجلسات على مدى ثلاث أيام، مدة كل جلسة قرابة الساعتين والنصف.
مسموح الدخان لمن يدخن، والضيافة شاي على حساب المهجع.
أصغوا بكل اهتمام، وبعض الوقفات كسؤال من قبل أحدهم (حالة استفسار)، لم نكن نتوقع نحن الجالسين معهم، أنهم بهذا الحرص على كل تفصيل..
/ ظاهرة مجموعة الستة عشر، تم الكلام عنها بأجزاء سابقة، لذا قد يكون أخذ السرد لغة الاختصار، دون الاهتمام بالنقاط العشر التي طرحتْ حينها/
تتكلم أنتَ (نصار) عن ماضٍ، ونحن في نهاية 88، وتلك الحالة بدأت بعام 83، يعني خمس سنوات مضتتْ، برأيكَ هل لم تزل تلك النقاط التي أشرت إليها صحيحة بعد هذا الزمن، خاصة وأنك تقول لم تقفوا عندها، بل تركتم الحزب وبعضكم غادر الأيديولوجيا؟
كثفوا تعليقهم بصيغة هذه الاسئلة التي تحتاج للكثير من التفاصيل..
حينها شارك كل من علي وفادي وأحمد، وكان رأيهم: نحن الآن نترقب بقلق، احتضار حلمنا القديم:
بناء عالم آخر مغاير، يخرج من هذه الصحراء القاحلة، نحو مدنية يسود فيها العدل. ليست أقل من مدينة أفلاطون أو الفارابي الفاضلة!
وكما ترون أن العالم الاشتراكي ينهار، أول الرقص حنجلة..ألم تسمعوا ما يحصل من تداعيات البيروسترويكا؟
هل تظنون أن تلك البلاد، ستصمد أمام هذا الكشف الشامل لكل الاغطية، التي حجبت الحقيقة عنهم، وعنا نحن الحالمين أن نمشي على خطاهم: بين الجمر والرماد.
أخذتُ نفس واستراحة مع سيجارة ناعورة من عيار ثقيل..
ضرار علق: مع ذلك يجب الحفاظ على صيغة عامة حزبية، هي تجربة مهما كانت، علينا احترامها ونحن بين يدي السجان، عندما نخرج، لكل حادث حديث..
تدخلت هنا: كنا في البداية على خلاف سياسي فقط مع الحزب. على أمل عقلنة التكتيك السياسي، من قناعة أن الحزب يخوض صراعه الحامي على قاعدة شبه انتحارية..
رغم القناعة أنهم في قيادة الحزب بالخارج، لن يعيروا لتلك الملاحظات أي اهتمام، سيتم الرجم بالحجارة المعتادة: هؤلاء منهارون ويفكرون بالخلاص الفردي..
أكملت: نعم كان هناك رهان متخيل خارج الزمان والمكان بخلاص فردي وجماعي..
لكن كما ترون، الآن اختلفت كل المعايير، لم تعد المسألة الالتزام أو ترك الحزب، نحن بصدد سؤال الأيديولوجيا، عن مدى قدرتها على لململة “هذه الجراح” ومدى صلاحيتها: هل هي صالحة لكل زمان ومكان مَثلها كمثل أي نص ديني مقدس؟
أسئلتكَ مهمة، يعلق مالك: تعبنا اليوم..
عبد الكريم: دعونا نكمل بيومٍ آخر؟
وافقنا بالإجماع..
كان عادل ابن أختي وحبيب من سكان مهجعنا، يتنافسان على طبخ افضل الاكلات، خاصة الباطرش الحموي بتسمية حبيب.
وقف أخي علي: ليش حموي احنا بسلمية أهالينا اخترعوا هيك أكلات، متل مابتعرف يا حبيب سلمية، كانت تُزرع بها الخضراوات الصيفية كلها ..
رد حبيب طيب سلمية تابعة ل حماة المدينة المحافظة، ومن الطبيعي أن تسمى على اسم المدينة الأكبر.
ماتزعل أبو معروف (لقب أخي علي على اسم الوالد)..
الوقت الثامنة مساء، دوري “سخرة” خدمة المهجع: دور يسير على الكل..
يساعد لجنة المهجع بتحضير الاكل..كان لدينا فقط وجبتين: فطور حر..غذاء الساعة الثامنة مساء بعد إغلاق الباب..
“السخرة” يقوم بتوزيع الصحون، على مجموعات الاكل .. يأكلون بهمة ونشاط عاليين (وجبة رئيسية). . تأتي الشاي بمستوياتها الثلاثة: خفيف..وسط..ثقيل..يسترخي الجميع الا السخرة سيقوم بكل الأعمال “وحيدا فريدا” يسّبح بنهار قد لا يمضي بسهولة..والختام تنظيف الحمام والتواليت..وخدلك نفس أيها القارئ..
أنهيت “سخرتي” على أكمل وجه و “قفا”.
لدينا ضيف من المهجع المجاور (مهجع اللبنانيين)، تعرف إليه عادل، ينتمي لحزب التقدمي الإشتراكي/ جنبلاط..لديه صوت جبلي لبناني جميل جداً، اسمه صهيب..كل المهجع ينتظر سماع شي مختلف عن آذاننا “السجنية”..شيء يشبه الحزن لكنه ليس عراقي وصحراوي اللحن والمزاج..
عادل كان قد سمعه أكثر من مرة ومن المعجبين جدا به، بعد الشاي العرمرم، طلب منه أن يغني:
يالله صهيب دندن هالصوت الجميل..طيب..تكرم انت وكل الشباب.
بدأ بأغنية لأول مرة نسمع بها:
لبسوا الكفافي ومشوا وما عرفت مينن هن..
وقفنا جميعا بانبهار من الصوت والكلمات..يالله..شو هالصوت..خرجت من حناجرنا بصوت واحد..
عاد وأكمل: ماعاد رح يرجعوا يا قلب حاجي تعن..
لا حصان جايب حدا ولا سرج عم بيرن..
بعد أن أنهى الأغنية لنهايتها: لبسوا العتم..يا بدر ضوي السما..
استراح..سألناه عنها؟
الكلمات للشاعر اللبناني طلال حيدر، غنتها أميمة خليل عام 83، من ألحان مارسيل خليفة.
في اليوم التالي، أتوا ثلاثتهم (عبد الكريم، ضرار، مالك) بعد غذائهم والقيلولة، يعني الان الساعة الثالثة بعد الظهر..كان لدينا فائض قليل من القهوة ماركة غير مسجلة..تَعشَق المهجع برائحتها، قالت الجدران: نحن هنا نريد أن نحتفظ بالتفل المتبقي “الطين”..
تربعنا -ليس على العرش- إنما على العوازل
-حبيب من عازله صار يردد: يا عوازل فلفلوا-
ضحكنا، حلوة حبو قال له أبا فريد وكان يتمشى، حاملاً معه رياضته اليومية، عندما وقف أمام مهجعنا وشرب كأس ماء، مضى إلى نهاية الممر، ثم عاد..
أبو فريد (حزب عمل)، بعد انتقاله الى سجن تدمر 84، من سجن كفرسوسة، انضم إلينا (التاركين)..
كان يكتب يوميات أطلق عليها: يوميات أيوب..اطلعتُ على معظمها، فيها الكثير من المعاناة، تنسجم مع العنوان، من زاوية شدة الصبر والتحمل..فيها احتجاج على كل الجناح..على العمل السياسي من لحظة تنظيمه المبكر (كان من المؤسسين: حلقات ماركسية، رابطة، حزب). فيها وجعه الذي لا ينتظر أحياناً..
وين رحتْ ب هالسردة؟ نبهتني سلطة الرقابة الداخلية!!
أعطيناهم صدر العوازل لأصدقائنا الثلاثة..
بدأ عبد الكريم الكلام: دعونا ننتقل إلى مستوى آخر، خارج هذه المعمعة من التزام بالحزب أو التخلي عنه..
سألته: ماذا تقصد؟
منذ فترة وجودنا عندكم بالجناح، وقبلها أيضا بعد أن التقينا هنا في صيدنايا مع رفاقنا الذين كانوا في سجن تدمر..(عبد الكريم ومالك وضرار من سجناء المزة)، وأنا أفكر بمسألة “الايمان بفكرة حزب أو ايديولوجيا” وكيف يصبح المرء حين تتزعزع قناعاته وذلك اليقين؟
أكملَ: لم أجد جواياً مقنعاً، لكنني حين أرى بعض الفوضى لدى الكثيرين، وتداعياتها بعنوانين العبث واللاجدوى، والشعور بالخواء، تجعلني أكثر التصاقا بالماضي، من حاضر يشي بالهزيمة على كل الاصعدة..
تدخل مالك، أحب أن أضيف: سوف أورد اقتباس قرأته من رواية (شرقي عدن/ جون شتاينبك): “عندما يكتشف الطفل، أن البالغين ليسوا آلهة أذكياء..يهوى عالمه ويدخل في حالة من الذعر..حالما تسقط الالهة يذهب كل الأمان..”.
علق فادي: ماهو المغزى..اقتباسكَ عن الأطفال وكيف يصبحون عندما يكتشفون حقيقة آبائهم أو أنت قلت آلهتهم؟!
طول بالكَ علينا عمي فادي..بهدوئه المعتاد، يكمل مالك:
دعوني أوضح ما قصدتْ: كنا جميعا يساراً أو يميناً، لدينا يقين مطلق بأهدافنا، مايجمعنا نحن اليساريين مثلا، أن الاشتراكية ستسود العالم ثم ينتفي كل أسباب وعوامل الاستغلال بشتى صنوفه..ماذا ترون الآن: بداية انهيار العالم الاشتراكي (البروسترويكا)، أي بداية تصدع القيم والأفكار التي كنا نعتقد..لم تعد المسألة قصة حزب أو غيره..من هنا ستترك آثارها علينا كما أطفال شتاينبك..
أيضاً سأكمل الاقتباس ربما تتوضح الفكرة أكثر: “هناك شيء واحد مؤكد حول سقوط الآلهة: إنها لاتسقط بشكل عادي، بل تتحطم بقوة مهولة، أو تغرق في الوحل..”.
ما رأيكم؟ يتابع مالك.
قلت له: نعم..لكن دعنا “نتبارز” قليلاً: ربما نحن الذين كنا ننتمي -باعتبارنا نحاول مغادرة الطفولة- إحياء نضجنا بمحاولة إعادة “الاعتبار” للأنا التي كادت تغرق بوهم اليقينيات..
كيف؟ سأل أبا وائل.
كما ترون عبر البحث عن المعنى، أينما تتوجه..
هل يستطيع الجمع كله إيجاد هكذا إجابات، أعاد الكلام ضرار..
قال علي: أوافقك الرأي..من هنا سيحصل حالة “تخبيص” وفترة ضياع..مع ذلك يبقى هناك حالة من التنظيم البدئي يُختزن في الذاكرة، من أيام التربية الاولى في البيت والمدرسة قبل السياسة والايديولوجيات..ربما هذه الذاكرة تشكل بعض صمامات الأمان..
ونحن بجدية هذا الحديث، وقف إبراهيم: ما مليتوا من الكلام “الكبير”..
قال له فادي: أحلى ابراهيم..
ضحك الجميع وقالوا له: معك حق..حياتنا جد بجد..وأي موضوع ندفعه للنهايات..

Continue Reading

Previous: مارغريت أوبانك ……. سامر أبوهواش…….المصدر: المجلة .
Next: حازم صاغية … عن مفهوم «الجنوب العالمي» الرائج اليوم…. المصدر:الشرق الاوسط..

قصص ذات الصلة

  • مقالات رأي

السلم الأهلي في سوريا لا يزال ممكناً فيما لو… عمر قدور…المصدر: المدن

khalil المحرر مايو 3, 2025
صيانة
  • أدب وفن
  • افتتاحية
  • الأخبار
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • حوارات
  • دراسات وبحوث
  • مقالات رأي
  • منوعات

قيد الصيانة

admin مايو 3, 2025
  • مقالات رأي

سؤال العدالة بوصفه تأسيساً ممكناً لطغيان جديد في الطبيعة المُلتبسة للعدالة وتحدياتها في سوريا موريس عايق.المصدر:الجمهورية .نت

khalil المحرر مايو 3, 2025

Recent Posts

  • السلم الأهلي في سوريا لا يزال ممكناً فيما لو… عمر قدور…المصدر: المدن
  • قيد الصيانة
  • سؤال العدالة بوصفه تأسيساً ممكناً لطغيان جديد في الطبيعة المُلتبسة للعدالة وتحدياتها في سوريا موريس عايق.المصدر:الجمهورية .نت
  • علينا ان نختار: التقسيم أم الفيديرالية؟ غسان صليبي المصدر: النهار
  • لبنان يعود إلى الإمارات وأول الغيث رفع الحظر….سابين عويس المصدر: “النهار”

Recent Comments

لا توجد تعليقات للعرض.

Archives

  • مايو 2025
  • أبريل 2025
  • مارس 2025
  • فبراير 2025
  • يناير 2025
  • ديسمبر 2024
  • نوفمبر 2024
  • أكتوبر 2024
  • سبتمبر 2024
  • أغسطس 2024
  • يوليو 2024
  • يونيو 2024
  • مايو 2024
  • أبريل 2024
  • مارس 2024
  • فبراير 2024
  • يناير 2024
  • ديسمبر 2023
  • نوفمبر 2023
  • أكتوبر 2023

Categories

  • أدب وفن
  • افتتاحية
  • الأخبار
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • حوارات
  • دراسات وبحوث
  • مقالات رأي
  • منوعات

أحدث المقالات

  • السلم الأهلي في سوريا لا يزال ممكناً فيما لو… عمر قدور…المصدر: المدن
  • قيد الصيانة
  • سؤال العدالة بوصفه تأسيساً ممكناً لطغيان جديد في الطبيعة المُلتبسة للعدالة وتحدياتها في سوريا موريس عايق.المصدر:الجمهورية .نت
  • علينا ان نختار: التقسيم أم الفيديرالية؟ غسان صليبي المصدر: النهار
  • لبنان يعود إلى الإمارات وأول الغيث رفع الحظر….سابين عويس المصدر: “النهار”

تصنيفات

أدب وفن افتتاحية الأخبار المجتمع المدني الملف الكوردي حوارات دراسات وبحوث مقالات رأي منوعات

منشورات سابقة

  • مقالات رأي

السلم الأهلي في سوريا لا يزال ممكناً فيما لو… عمر قدور…المصدر: المدن

khalil المحرر مايو 3, 2025
صيانة
  • أدب وفن
  • افتتاحية
  • الأخبار
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • حوارات
  • دراسات وبحوث
  • مقالات رأي
  • منوعات

قيد الصيانة

admin مايو 3, 2025
  • مقالات رأي

سؤال العدالة بوصفه تأسيساً ممكناً لطغيان جديد في الطبيعة المُلتبسة للعدالة وتحدياتها في سوريا موريس عايق.المصدر:الجمهورية .نت

khalil المحرر مايو 3, 2025
  • مقالات رأي

علينا ان نختار: التقسيم أم الفيديرالية؟ غسان صليبي المصدر: النهار

khalil المحرر مايو 3, 2025

اتصل بنا

  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter
  • Youtube
  • Pinterest
  • Linkedin
  • الأرشيف
Copyright © All rights reserved. | MoreNews by AF themes.