خلال الأيام الماضية، تدفقت فيديوهات تشبيحية بحق الدكتور فاروق إسماعيل، الذي كان قد ذكر خلال محاضرة ولقاء تلفزيوني عدد من الآراء الخاصة بالتاريخ والثقافة واللغة الكردية.
أياً كان رأي وموقف الشخص من الأفكار والمعطيات التي طرحها الدكتور إسماعيل، سواء أكانت معرفية دقيقة أم لا، أكانت رأيه الذاتي أم معطى عمومي، وأيا كان مستوى الخلاف وإمكانية النقد والرد، فأن ما يتم طرحه في بعض الأوساط الكردية السورية “المراهقة” لا يتعلق بذلك أبداً، بل بأشياء أخرى تماماً.
فهذه الفيديوهات، التي تتقصد اشكالاً من التشكيك والاتهام والغمز واللمز، أنما هي أنماط محدثة من التشبيح العضلي، الذي زعران الحارات القديمة يمارسونها، بدعاوي حماية الأعراض والكرامات المحلية في الحارة، التي لا علاقة لها ولهم بأية أعراف أو قيم أو سياقات معرفية، وطبعاً أخلاقية وعقلية.
فأصحاب هذه الفيديوهات، عادة ما يكونون أناس قليلي التحصيل الدراسي، من الذين لم يتمكنوا من بناء أي معمار معرفي داخلي، وتالياً الذين يملكون عقد نقص مركبة من محصلي التعليم العلمي العالي. هذه العُقدة التي تتحول بشكل مباشر إلى شعبوية وخطاب مليء بالعنف اللفظي والخطابي، عبر التشكيك بالشخص نفسه، لا مناقشة ورد ما أتى عليه، بأسلوب وأدوات معرفية. وذلك ابتغاء تطيير جوهر المسألة، التي هي إمكانية الرد المعرفي على الدكتور إسماعيل، أو غيره. فقليلو المعرفة والتحصيل العلمي هؤلاء، عادة ما يستهزون بالعلم والمعرفة والثقافة، التي يتهمونها بخدة الغير.
الصفة الثانية لهؤلاء كامنة في خلفيتهم ومخيلتهم السياسية، إذ يعتبرون أنفسهم أناس مناضلين، مخولين بحماية الأمة والتاريخ والشعب، مثلما يفعل زعران الحارات ويتخيلون أنفسهم. فهؤلاء بأغلبيتهم منحدرون من أحزاب فشلت في تحقيق أية مستويات من الحضور والتطور الذاتي والمنجز السياسي، لذلك صاروا يخولون أنفسهم بمهام جديدة، هي “حماية الأعراض القومية”، مثل زعران الحارات الذين لم يكونوا يمتهنون أية صنعة أو عمل أو فاعلية اجتماعية، فأختاروا التشبيح والزعرنة بغية تحقيق مكانة اجتماعية ومصدراً للرزق.
السمة الثالثة لهؤلاء هو الخطابية الصوتية، فأغلبيتهم كائنات ما دون كتابية، يعيدون ترتيب وقول بعض المعلومات والأقوال العامة التي قرأوها أو سمعوها وكأنها مقدسات، دون استحواذ على ذلك المنطق الجدالي والتحليلي المعرفي، الذي لا يمكن الوصول إليه إلا بالكتابة، خصوصاً البحثية الرصينة والممنهجة. تلك الكتابة التي لا تبتغي الدفاع عن أية مقدسات أو تثبيت مقولات جاهزة، بل النقاش والمداولة بغرض زيادة الوعي، كهدف أعلى. فالكتابة هي إخراج الثقافة والمعرفة من حيز السياسة والصراع، إلى فضاء الشراكة وزيادة الوعي الجمعي.
السمة الرابعة والأخيرة، هي علو الصوت وتدفق الذكورة التهديدية، النابعة من مخيلة وعقلية فقيرة الوعي بالذات وبالعالم والمعرفة. تلك العقلية التي لم تخرج من حلبات الصراع وحكايات الأبطال الأسطوريين الساذجة.
هؤلاء يقدمون بضاعة شديدة الوضاعة، لأناس كسالى، يتطلعون على الدوام لتثبيت ما يؤمنون به، لا التشكيك بالثوابت والذات، ذلك التشكيك الذي هو أول وجهور الشخص المعرفي.
كل التفاعلات:

أنت، وHeybet Mamo Mamo، وIbrahem Ankawi و٦٤ شخصًا آخر