ملخص
العرض الأميركي وإن ظهر للوهلة الأولى بأن سؤال اليوم في إسرائيل هو أين يحيى السنوار؟ إلا أن السؤال الأهم هو ما دامت الاستخبارات الأميركية تعلم مكان السنوار فلماذا لم تتعاون في هذا الجانب مع الإسرائيليين؟
تسبب عرض “المساعدة القيمة” الذي قدمته إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لإسرائيل في تعميق النقاش الداخلي وإثارة خلاف بين المؤسستين السياسية والعسكرية من جهة وبين أمنيين وسياسيين وجهاز الاستخبارات من جهة أخرى.
ويقضي عرض “المساعدة القيمة” بتوفير معلومات استخباراتية حول مكان القيادي في “حماس” يحيى السنوار وغيره من قادة الحركة مقابل تراجعها عن اجتياح رفح، ويبدو أنه عرض مُغرٍ لأن القضاء على السنوار ومحمد ضيف وغيرهما من أبرز أهداف القتال في قطاع غزة. ويضاف هذا العرض إلى النقاش الذي يهيمن على أجندة الإسرائيليين حول عدم وضع خطة استراتيجية من قبل الحكومة لليوم الذي يلي الحرب، والمطالبة الفورية بتشكيل لجنتي تحقيق الأولى حول الإخفاقات التي أوصلت إلى السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، والثانية ترتبط بالإخفاقات منذ اندلاع حرب “طوفان الأقصى”، وحتى اليوم، وبينها فشل الاستخبارات العسكرية في التوصل إلى مكان وجود قادة “حماس”، بخاصة يحيى السنوار ومحمد الضيف.
وتشمل القضايا الداخلية مكان وجود الأسرى الإسرائيليين في غزة، إذ لم تنجح إلا في إعادة ثلاثة منهم، بينما هناك تقارير تتحدث عن أن هؤلاء كانوا لدى عائلات غزية دفعت لهم أموالاً طائلة ولم يكونوا في أسر منظمات فلسطينية.
العرض الأميركي، وإن ظهر للوهلة الأولى أن سؤال اليوم في إسرائيل هو أين يحيى السنوار؟ إلا أن السؤال الأهم هو ما دام الاستخبارات الأميركية تعلم مكان السنوار فلماذا لم تتعاون في هذا الجانب مع الإسرائيليين؟
المتخصص في الشؤون الإسرائيلية – الأميركية يعقوب بوردوغو الذي ينتقد سياسة الضغط الأميركي على الحكومة الإسرائيلية في كل ما يتعلق بحرب غزة ويدعم سياسة الحكومة الإسرائيلية، اعتبر العرض الأميركي دليلاً آخر على أن السياسة التي تمارسها الولايات المتحدة تجاه إسرائيل مبنية، أولاً وقبل كل شيء، على ضمان مصلحة واشنطن.
وتساءل بوردوغو عن سبب إخفاء واشنطن معلومات حساسة عن أكبر حليف لها في المنطقة، وهي معلومات إذا ما كانت صحيحة فإنها يمكنها حسم المعركة لأن الهدف المركزي هو القضاء على قادة “حماس”.
وأشار بوردوغو إلى أن “تكتم واشنطن على مثل هذه المعلومات يشير أيضاً إلى علاقتها الوثيقة مع مصر، ومن جهة أخرى فإن الولايات المتحدة تعمل من تحت البساط في غزة ووفق ما تريد من دون تنسيق بين القيادات العسكرية من البلدين، وفي رأيه فإن المعلومات عن وجود يحيى السنوار متوافرة بالأساس لمساعدة مصر.
واستغل المتخصص الإسرائيلي هذه القضية ليعود ويمتدح مواقف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قائلاً “لقد أكد نتنياهو على شخصيته القيادية عندما قال إن هناك خطوات وتصريحات من الخارج والداخل تضر بإسرائيل وأمنها وبحرب غزة”.
الاستخبارات العسكرية
لكن في إسرائيل هناك من يرى أن عدم الكشف حتى اليوم عن وجود السنوار وقادة “حماس” هي خطوة تكتيكية واستراتيجية تأتي ضمن محاولات التوصل بأسرع وقت ممكن إلى صفقة أسرى.
ويرى تقرير إسرائيلي أن اغتيال السنوار تحديداً لن يخلط أوراق مفاوضات صفقة الأسرى فحسب، بل قد يؤدي إلى عراقيل جديدة في كل ما يتعلق بسير القتال في غزة وخطورة تحوله إلى حرب واسعة على مختلف الجبهات، وهذا ما لا يريده أي طرف، بل إن التقارير العسكرية والأمنية والسياسية في تل أبيب تؤكد أن الجيش الإسرائيلي غير قادر على حرب على أكثر من جبهة.
وعادت الاستخبارات العسكرية و”الشاباك” إلى دائرة النقاش بعدما حملها كثر مسؤولية الفشل في الوصول إلى قادة “حماس” منذ أكثر من سبعة أشهر أو حتى إلى الأسرى الإسرائيليين الذين قتل العشرات منهم جراء القصف الإسرائيلي على غزة أو خلال محاولات فاشلة لإنقاذهم.
وعلى رغم التقارير التي تؤكد عدم وجود السنوار وقادة “حماس” في رفح، فإن “الكابينت الحربي” قرر توسيع القتال في المدينة ومناطق أخرى من القطاع، بعد ما نشر عن العرض الأميركي ومعرفة مكان وجود السنوار.
وبحسب خطة رفح التي صدق عليها “الكابينت” ستنفذ العمليات على مراحل في كل مرحلة منها يدخل الجيش إلى منطقة معينة ويدير القتال فيها، على أن يخلى سكانها كلياً، ومن المتوقع أن تستمر هذه الخطة شهرين في الأقل.
وبحسب تأكيد أكثر من مصدر أمني وعسكري لن تنفذ إسرائيل ذلك الاجتياح الواسع لرفح إلى حد احتلالها، بالتالي فإن العرض الأميركي الذي كان سيقدم لتل أبيب في حال التراجع عن اجتياح رفح لم يؤثر في متخذي القرار مباشرة بقدر ما أسهم في تفاعل النقاش حول سياسة الحكومة “المدمرة”، كما وصفها البعض، والتي لا تتضمن خطة استراتيجية لمستقبل الحرب وغزة، إذ تبقي القطاع بأكمله في فراغ أمام حركة “حماس”، وهو ما يساعدها على إعادة تعزيز قدراتها العسكرية، بل سيطرتها المدنية.
سيطرة مدنية
يشكل غياب خطة مصدقاً عليها من قبل الحكومة، لليوم الذي يلي الحرب والجهة التي ستدير القطاع بدلاً من “حماس” عنصراً مركزياً في فشل القتال الذي يديره الجيش في غزة.
وعلى رغم التأكيد الأميركي والعربي والأوروبي وجهات في إسرائيل على ضرورة أن تكون الجهة التي تدير غزة تابعة لسلطة فلسطينية متجددة، إلا أن نتنياهو يواصل التعنت في موقفه الرافض لوجود السلطة الفلسطينية، وهذا ما انعكس أيضاً في خطة كشف عنها في إسرائيل وأعدها مجلس الأمن القومي، برئاسة الوزير المقرب على نتنياهو، تساحي هنغبي، ومن المتوقع عرضها على “الكابينت” للمصادقة عليها قريباً.
الخطة، وفق ما كشفتها قناة “كان” الإخبارية تتحدث عن سيطرة مدنية إسرائيلية في القطاع لمدة تراوح ما بين ستة أشهر وسنة، وتديرها الإدارة المدنية ومنسق أعمال الحكومة في المناطق، على شاكلة ما يطبق اليوم من قبل الإدارة المدنية في الضفة، لكن الخطة توكل مهمة تقديم الخدمات المدنية لشركات خاصة تابعة للدول العربية، بخاصة دول الخليج.
وفي الخطة، ستتحمل كل من هذه الدول مسؤولية عن مجال معين، مثل الشرطة والتعليم والرفاه وغيرها من المجالات على أن يكون هناك تعاون بين الجميع، وبعد تحقيق مهمة الشركاء في استقرار الوضع المدني في غزة يبدأ تنفيذ المرحلة الأخيرة، وهي السيطرة النهائية على القطاع.
ولم تشمل الخطة تسمية محددة للجهة التي ستنقل إليها السيطرة على غزة ولكنها تشير إلى أنها ستكون من قبل عناصر محلية غير معادية لإسرائيل، ولم تذكر، كما سبق وذكرت خطط أخرى، بأن تكون الجهة معادية لـ”حماس”، وهذا جانب مهم، حيث تعطي الخطة مساحة واسعة لاختيار الجهة التي ستسيطر على القطاع دون دمغها بصفقة “العميلة لإسرائيل”، كما سبق وحصل لعشائر أوكلتها إسرائيل في توزيع المساعدات التي نقلتها الشاحنات، وتمت ملاحقتها في غزة ووصفها الغزيون بالعميلة مع إسرائيل.
يشار إلى أن إسرائيل سبق وروجت في تقارير لها أنها أجرت اتصالات مع رئيس الاستخبارات الفلسطينية ماجد فرج واتفق معه على توزيع المساعدات الإنسانية وفيما أنكر فرج ومقربون له ذلك، قالت إسرائيل إنه أوكل المهمة لرجاله الذين تعرضوا للملاحقة والقتل من قبل “حماس”.
قوة من الجيوش العربية
المتخصص في الشأن العسكري يوآف ليمور حذر من التعلق بشعار “تشديد الضغط على (حماس) سيسمح بالتقدم في مفاوضات صفقة الأسرى”، موضحاً أنه “ما دام القتال يتواصل وينفذ ضمن حملات موضعية من دون خطة واسعة، فإن الحركة لن تهزم”. وفي رأيه يمكن هزيمة “حماس” عند خلق بديل لحكمها “وهذا هو مما يخشاه السنوار، مثل أن يقوم آخر بتوزيع الغذاء على السكان والاهتمام بالتعليم وبالصحة”.
أما رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت فحذر من استمرار توسيع القتال في غزة بعد الكشف عن خلافات بين نتنياهو ورئيس أركان الجيش هرتسي هليفي الذي اعتبر أن غياب خطة استراتيجية تتضمن الجهة التي ستتولى المسؤولية بدلاً من “حماس” ستؤدي إلى مقتل عديد من الجنود ودخول الجيش إلى وحل غزة. ووفق ما سرب من جلسة بين الاثنين اعتبر هليفي عودة الجيش إلى مناطق في غزة للقتال فيها أكثر من مرة منذ بداية الحرب، تؤكد ضرورة الاستعجال في حسم الحرب.
وجاء حديث أولمرت في أعقاب استقالة المسؤول عن السياسة الأمنية والتخطيط الاستراتيجي في مجلس الأمن القومي يورام حامو احتجاجاً على سياسة الحكومة تجاه حرب غزة وعدم طرحها خطة استراتيجية حول مستقبل غزة.
ولا يتوافق أولمرت مع خطة مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الذي سيطرح على “الكابينت”، إذ يرى أن الحديث عن توكيل جهة محلية في غزة لن يؤدي إلى تنفيذ الخطة، مطالباً بضرورة نقل السيطرة على القطاع إلى قوة متعددة الجنسيات، “يفضل أن تكون مشكلة من الجيوش العربية، بما في ذلك فلسطينيين ما زالوا حتى الآن يمتثلون لأوامر السلطة الفلسطينية ومعهم قوات مصرية وأردنية وإماراتية وبحرينية بل ونأمل في أن يكون من بينها قوات سعودية”، وفق ما قال أولمرت.
ويشير أولمرت إلى أن “بلورة واستعداد هذه القوة للدخول إلى غزة مرهون بإعلان إسرائيل عن الانسحاب التدريجي والمنسق من كل القطاع والاستعداد للبدء في المفاوضات من أجل ترتيبات سلام مع الفلسطينيين وبالطبع مثل هذه الخطوة تكون مشروطة باتفاق فوري لإعادة جميع الأسرى الإسرائيليين في غزة”.