لم يكن مفاجئاً اتخاذ الأردن قراراً، باستدعاء سفيره في تل أبيب وإبلاغها في الوقت ذاته بعدم إعادة سفيرها إلى عمان، وهي التي تأنت في اتخاذ مثل هذه الخطوة حتى مرور ما يقارب 4 أسابيع على حرب غزة، بينما كانت عمان في تلك الأثناء، تخوض حراكا إقليمياً ودولياً مكثفاً سعيا لوقف الحرب وتداعياتها الكارثية على الصعيد الإنساني، مقابل تعنت إسرائيلي تجاه أي مساع بهذا الاتجاه، ومواصلتها القصف العنيف وتصعيد نذر الحرب الشاملة في المنطقة.
وفي حرب غزة، توسعت مخاوف المملكة على نحو غير مسبوق تجاه مخططات التهجير القسري للفلسطينيين وبروزها بشكل أكثر وضوحاً عندما أعلنت إسرائيل عن خطوات تهدف لتهجير سكان غزة إلى سيناء المصرية، وهي الخطوات التي واجهت رفضاً قاطعاً من القاهرة وعمان على حد سواء، إذ يخشى الأردن من امتداد سيناريو التهجير ليطال لاحقاً سكان القدس والضفة الغربية ودفعهم إلى الحدود المشتركة التي تتجاوز 600 كيلومتر.
“الأردن سيذهب إلى أبعد مدى”
في هذه الجزئية تحديداً، سبق للمحلل السياسي حسين الرواشدة أن ابلغ إلى”النهار العربي”، أن الأردن سيذهب إلى أبعد مدى في مواجهة مخططات تهجير الفلسطينيين، لا سيما في ظل مخاوف حقيقية ومشروعة من أن تنتقل ما وصفها بـ”عدوى التهجير”، إلى الضفة الغربية أيضا.
ووفق الرواشدة، فإن عمان تنظر إلى ملف “الترانسفير” بوصفه تصفية للقضية الفلسطينية، وخطراً يشكل تهديداً وجودياً للدولة الأردنية، فيما لو مضت إسرائيل في محاولات فرضه في الضفة، مؤكداً أن المملكة تمتلك خيارات وأدوات مواجهة عديدة لإحباط مثل هذا السيناريو الذي تتصاعد احتمالات محاولة المضي فيه إسرائيلياً في حال توسعت دائرة الحرب في غزة وشملت أطرافا في المنطقة والإقليم.
وأضاف أن الأردن بطبيعة الحال، ليس قادراً على استيعاب موجات لجوء جديدة، سواء من الناحية السياسية أم الاقتصادية، فضلاً عن أن رفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، هو أيضاً محط إجماع شعبي أردني، ويرفضه كذلك الفلسطينيون أنفسهم.
تماهي الموقفين الرسمي والشعبي
ومن وجهة نظر الكاتب ماجد توبة، فإن استدعاء الأردن لسفيره في تل أبيب وإبلاغها بعدم عودة سفيرها إلى عمان، خطوة تتماهى مع الموقف الشعبي الرافض لأي شكل من أشكال العلاقات مع إسرائيل، وظل هذا المطلب حاضراً بقوة في مختلف المظاهرات التي تشهدها المملكة، وضمن مطالب عدة لقوى سياسية وحزبية ونقابية.
ووفق توبة، فإن الأردن بشكل عام لا حيال إسرائيل وحسب، ينتهج سياسة التوازن، ولا يندفع إلى مواقف يحكمها البُعد الانفعالي أو العاطفي، مشيراً إلى أن “خطوة السفراء وإن كانت متأخرة، إلا أن أهميتها ودلالتها تعتبر قوية ومؤثرة في مواجهة التعنت الإسرائيلي، فيما لم يستبعد في الوقت نفسه أن تذهب المملكة إلى المزيد من الخطوات المماثلة تبعا لتطورات الأحداث، ورؤية صناع القرار للمصلحة الوطنية العليا حيالها، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار هنا الحضور الأميركي البارز والمؤثر في سير العلاقات بين الجانبين الأردني والفلسطيني، والذي قد يشكل ضمانة لعدم تدهور تلك العلاقات إلى حد لا يمكن تفهمه أو قبوله.
ولفت توبة إلى أن العلاقة الأردنية- الإسرائيلية، تلقت ضربات عدة على وقع حرب غزة، بسبب مضي تل أبيب وتوسيعها في سياسات العقاب الجماعي للفلسطينيين وظلمهم وهضم حقوقهم، وإدارة الظهر لطروحات الحل السلمي، ما يتعارض تماماً مع الرؤية الأردنية لحل الصراع، بحل الدولتين على أساس القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، معتبراً أن العلاقة ما بعد حرب غزة ستواجه المزيد من التوتر والتعقيدات، والمزيد من الحذر والبرودة أيضا.
مضاعفة الضغط على إسرائيل
ويتفق أستاذ العلوم السياسية بدر الحديد، مع ما ذهب إليه توبة، في اعتبار الخطوة تعبيراً عن نقاط التقاء مهمة بين الموقفين الرسمي والشعبي حيال تطورات الأحداث في قطاع غزة، مشيرا إلى أن هذا الأمر سيفتح الشهية أكثر فأكثر باتجاه تصعيد الموقف ليطال وقف جميع أشكال العلاقة مع إسرائيل، لا سيما اتفاقية وادي عربة التي تم توقيعها عام 1994.
لكن ذلك كما يقول الحديد لـ”النهار العربي”، يخضع لحسابات رسمية أردنية دقيقة تتأثر سلباً وإيجاباً تبعا لإيقاع ما يحدث من تطورات ذات صلة ليس في المنطقة وحسب، بل في الإقليم والعالم.
وأضاف أن الخطوة الأردنية بكل الأحوال، تشكل أداة ضغط كبيرة تضاف إلى مختلف الضغوطات على تل أبيب صوب وقف إطلاق النار والالتفات إلى نداءات الهدنة في غزة ووقف الكارثة الإنسانية.
وأشار الحديد إلى أن “العلاقات الأردنية الإسرائيلية حتى بعد اتفاقية وادي عربة، لم تخل من التوترات والصدامات في العديد من المراحل والمحطات، من بينها على سبيل المثال لا الحصر، ما هو مرتبط بملف الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية والانتهاكات الإسرائيلية بهذا الخصوص، بالإضافة إلى حادثة استشهاد القاضي الأردني رائد زعيتر برصاص إسرائيلي عام 2014، وكذلك حادثة قتل أردنيين اثنين داخل السفارة الإسرائيلية بعمان عام 2017، وما إلى ذلك من توترات لها علاقة بمختلف الانتهاكات الإسرائيلية وملف الوطن البديل وتجاهل تل أبيب طروحات السلام الشامل”.