Skip to content

السفينة

alsafina.net

Primary Menu
  • الرئيسية
  • الأخبار
  • افتتاحية
  • حوارات
  • أدب وفن
  • مقالات رأي
  • منوعات
  • دراسات وبحوث
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • الأرشيف
  • Home
  • نص محاضرة الأمس في مركز اتحاد المثقفين بقامشلو. تحليل وتفكيك الحوار الكُردي المُعاصر.. الآن بيري المصدر : صفحة الكاتب
  • الملف الكوردي

نص محاضرة الأمس في مركز اتحاد المثقفين بقامشلو. تحليل وتفكيك الحوار الكُردي المُعاصر.. الآن بيري المصدر : صفحة الكاتب

khalil المحرر مايو 15, 2024

بداية لا بُدَّ من توطئة نظرية. أولاً في تعريف الخطاب: الخطاب، على عكس التواصل اليومي، هو حديثٌ ليس مشوهاً أو مُثقلاً بالنزاعات ذات الصلة بالعلاقات الإنسانيّة الخفية، بل يجري في “حالة الحوار المثالية” النقيّة.
يكتشف هابرماس محرك تطور الإنسانيّة في ظاهرة بسيطة ويومية تماماً هي اللغة. إذ يقول أنَّ ما يُميزنا عن الطبيعة، ما يفرقنا عن الحيوانات والنباتات، هي اللغة، وليس العمل كما قال ماركس أو الطبيعة الاجتماعية التي يتمتع بها الإنسان كما كان الاعتقاد سائداً في أوروبا بداية ظهور علوم الاجتماع الحديثة.
تنص فرضية التطور لدى هابرماس على ما يلي: تعلم اللغة ومُمارستها يؤثران بشكلٍ مباشر على تطور الفرد وتطور الإنسانيّة بأكملها، ويستمر الأمر إلى حد المُطالبة المُستمرة والمُلحة في الوصول إلى تفاهمٍ أفضل وأعمق دائماً.
بالنسبة لهابرماس التفاهم مدرجٌ كهدف أساسي في اللغة نفسها. هذا يعني أنَّه مع “الجملة الأولى”، التي قالها الإنسان البدائي قد تم توضيح الرغبة في التوافق. وتحمل التصريحات التي جاءت في الجملة الأولى بُعداً تاريخياً، بل يُمكن القول إنَّ لها بُعدٌ ما قبل تاريخي. هذا يعني أنَّ الإنسان البدائي قد قام بإطلاق عملية تفاهم من خلال الجملة الأولى التي قالها لشخصٍ آخر، تلك العملية التي ما تزال مُستمرة وفعّالة حتّى اليوم، وتؤدي إلى تحقيق تواصل، وبالتالي إلى تفاهمٍ أوسع بين البشر. فبغض النظر عمّا كان قد قاله الإنسان البدائي إلى إنسان آخر، فإنَّ الأمر الذي لا يدع مجالاً للشك هو أنَّه كانت لديه الرغبة في أن يفهمه الشخص الآخر، وإلّا لما بدأ الحديث من الأساس. وحتّى إذا كان قد صاح أو هدد الشخص الآخر، وكانت الجملة الأولى في تاريخ البشرية عملاً عدوانياً، فإنَّه كان يسعى مع ذلك على الأقل إلى أن يتم فهمه، ويتخذ الشخص الآخر المعني بالأمر الاستجابة المُناسبة.
كان قد قدم كلٌ من أدورنو وهوركهايمر توقعاً مُتشائماً للبشرية بعد الهولوكوست وحربين عالميتين. فقد أعلنوا أنَّ العقل كقوة تحريريَّة مع المطالب الكبرى لعصر الأنوار، والتي تمثلت في الحرية والمساواة والأخوة قد فشل تماماً وانهار. إذ أنَّه في الرأسمالية الحديثة، لم تعد العقلية “المُستقلة أو الموضوعية” هي السائدة. هذا يعني أنَّ العقلانية مُحَدَّدَةٌ الآن بما يجلب الربح والسلطة والمال، أي ما هو فعّالٌ على شكل أداة. حتّى العلم، وخاصّة العلوم الطبيعية، لم تعد تهتم إلّا بكيفية استخدام الآلات بشكل أكثر كفاءة، وبكيفية تحسين المصانع والحواسيب والبيروقراطية بشكلٍ أكبر، كما وبكيفية تنشئة الأفراد ليصبحوا مُنتجين ومُستهلكين جيدين. في هذا العالم المُتَلَاعَبِ به تماماً، لا وجود “لعقلانية موضوعيّة” على الإطلاق. العقلانية “الأداة” هي السائدة الآن فقط. وفقاً للنظرية النقدية، لا بُدَّ لنا جميعاً أن ننتقد الرأسمالية والعقلانية “الأداة” (العقل الأداتي)، ولكنه ما عاد بالإمكان القول من أي منظور موضوعي يأتي هذا الانتقاد. فالعقلانية الموضوعية، التي يُمكن قياس التطور من خلالها، لم يعد وجودها ممكناً في التاريخ، لأنَّ كل إنسان، بما في ذلك الفلاسفة أنفسهم، جزءٌ من عالمٍ مُتَلَاَعَبٍ به تماماً، وبالتالي هم أنفسهم ضحايا التفكير وفقاً للعقل الأداتي، الموجه نحو الربح. “لا يُمكن فهم الحياة الخاطئة بصواب”، هذا هو الاستنتاج المأساوي الذي خَلُصَ إليه أدورنو في نهاية المطاف. فقط المعاناة، كما يقول أدورنو، تعلن للعقل، أنَّه هُناك خللٌ ما، وأنَّه لا ينبغي للأمور أن تكون كما هي عليه الآن.
بالنسبة لهابرماس ما تزال هُناك فرصةٌ لدى البشرية في أن تنتقل من “العقل الأداتي” إلى “العقل التواصلي”، تمهيداً لمُستقبلٍ أفضل للجنس البشري على وجه الأرض.
– المطالب الأربعة التي يطرحها كل واحد منا على نفسه أثناء الحديث في أي أمر كان:
المطالبة الأول هي الفهم. المسألة الأولى والأساس بالنسبة لي هي أن أكون مفهوماً أثناء الحديث.
المطالبة الثانية، التي نطالب بها تلقائياً وفقاً لهابرماس، تتعلق بالمحتوى. إذ يتعلق الأمر دائماً بنقل شيء، سواء كان ذلك رأياً، أو فكرة، أو حقيقة، أو ما شابه. عندما أبدأ في الحديث، أفترض – سواءً كنتُ مُدركاً للأمر أم لا – أنَّني قادرٌ على نقل محتوى محدد، مثل رأي، أو فكرة، أو حقيقة، أو وقائع، ذلك المحتوى الذي يُمكن للشخص الآخر أن يتعرف عليه على أنَّه كذلك، حتَّى لو لم يكن يوافق على هذا المحتوى المطروح أو حتّى أنَّه باشر في انتقاده. أي أن يعرف الشخص المُقابل على الأقل ما أردتُ قوله.
المطالبة الثالثة هي “المصداقية”: في كل محادثة يتعلق الأمر بالنسبة لي دائماً بأن المحتوى الذي أطرحه في حديثي يتماشى أيضاً مع ما أعنيه حقاً، ومع ما أؤمن به، وأعتبر نفسي ملتزماً به داخلياً.
المطالبة الرابعة والأخيرة تتعلق، حسب هابرماس، بـ “صحة” تصريحي، أي بصحة وحقيقة ما أقول. فأنا أسعى دائماً، عن وعي بالأمر أو بغير وعي، إلى أن يكون ما قلته عموماً “صحيحاً وحقيقياً”. وبالتالي، فإنَّ هذه المطالبة الرابعة والأخيرة ربما تكون الأعلى والأكثر حضوراً في أي حديث. فأنا لا أرغب في النهاية فقط في أن يكون ما قلته مفهوماً (المطالبة الأولى)، ولديه محتوى جذاب (المطالبة الثانية)، وصادقاً (المطالبة الثالثة). لا، بل أريد أيضاً أن يحصل المحتوى الذي قدمته في حديثي على قدر كبيرٍ من الصحة والحقيقة.
في حالة الحوار المثالية يُمكن تصور الأمر على هذا النحو، وهو أنَّ الآخرين من حولي، ممن أتحدث معهم، يؤكدون على أنَّ ما قلته “صحيحٌ” بنفس القدر الذي كنتُ أعنيه، ويوافقون على ما جاء في حديثي، ويشاركونني “الحقيقة” المُعترف بها؛ وإن كان الأمر ليس كذلك، فهم مُستعدون لخوض نقاشٍ حول صحة ما قلته حتّى نتفق بالتالي على “حقيقةٍ” مُشتركة.
– الحوار الخالي من الهيمنة (السلطة)
1. الشرط الأول هو أن يترك المُتحدثون فهمهم المألوف فيما يتعلق بالسلطة والمكانة الاجتماعية جانباً، إذ أنَّه من الأفضل لأي حوار أن يكون المُشاركون فيه بالفعل على نفس المستوى، بحيثُ يُمكن للجميع مناقشة كل شيء بشكل مريح، وذلك على قدم المساواة.
2. يجب أن يكون المُشاركون في الحوار متساوون تماماً في الحقوق، ليس فقط بالنسبة لموقعهم السلطوي، ولكن أيضاً فيما يتعلق بقدرتهم على التعبير باللغة، وأنَّ يتم فهمهم بشكل جيد، وليس تفهمهم.
3. شرط آخر ضروري للحوار الخالي من الهيمنة (السلطة)، الحوار الذي لا مكان فيه إلّا للحجة الأفضل، هو قدرة جميع المُشاركين على تبرير الحجج التي يضيفونها إلى المُحادثة، وتعزيزها بشكل عقلاني، كما وقدرتهم على تقييم وانتقاد وربما دحض حجج وتبريرات الآخرين.
4. كشرط رابع وأخير للحوار الخالي من الهيمنة (السلطة) أو حالة الحوار المثالية، هو ضرورة أن يكون لدى جميع المُشاركين نفس القدرة على إدخال مشاعرهم العاطفية، ورغباتهم، مثل المشاعر والأحلام والمخاوف وما إلى ذلك، بشكل مؤثر ومفهوم إلى المحادثة.
باختصار، يُمثل الحوار الخالي من السلطة حالة مثالية للحديث، قد لا تتوفر بهذا الشكل النقي أو حتَّى أنَّها غير موجودة في واقعنا المُعاش على الإطلاق، ولكن يُمكن قياس جودة الحوار والخطاب وبالتالي مستوى التحرر لدى مُجتمع ما بأسره وتقييمه من خلاله.
يكفي فقط مقارنة الحوار الحقيقي أو أي عملية اتخاذ قرار اجتماعي مع “حالة الحوار المثالية”، وطرح الأسئلة التالية: هل يتمتع هذا المجتمع بأفراد متساوون في الحقوق؟ هل لدى الجميع نفس الفرص للتعبير؟ هل هُناك تماثل في التواصل والتفاهم؟ هل تتم عملية اتخاذ القرارات بـ “الضربة الرقيقة للحجة الأفضل” أم بالسلطة والقوة؟ وإلى أي مدى يتقدم المشاركون نحو حالة الحوار المثالية، وفي أي المواضع وعند أي نوع من الإشكالات يبتعدون عنه كثيراً؟
سأستعرض اليوم ثلاثة أمثلة من التاريخ الاجتماعي الكُردي الحديث، وهي كالآتي:
أولاً: خيمة الباشا
ثانياً: مضافة الآغا
ثالثاً: مجلس الشيخ
سأناقش في كل مثال حالة الحوار السائدة آنذاك وأبرز ملامحه. الأمثلة الثلاث متزامنة، فقد تواجد الآغا إلى جانب الشيخ والباشا في كُردستان (الأرض التاريخية للكُرد الحاليين). وفرضيتي تنص على التالي: “تقاليد الحوار السائدة حالياً في أي حوار بين أطراف كُردية معينة سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو ثقافية لا تختلف كثيراً عن تقاليد الحوار القديمة التي كانت سائدة في خيمة الباشا ومضافة الآغا ومجلس الشيخ الكُردي”.
سأتناول كل مثال على حدة في محاولة لتحليل وتفكيك كل حالة واستخلاص نتائج نهائية من الحالات الثلاث.
أولاً: خيمة الباشا
خيمة الباشا الكُردي كخيمة زور تمر باشا ملي (Zor Temir Paşayê Milî) على سبيل المثال مجلسٌ يتوافد عليه جمعٌ من الناس للتحاور والتشاور كما وللتسلية وحل المشاكل اليومية وترتيب حياة الجماعة. سيكون من المُثير للاهتمام اليوم معرفة كيفية تداول المواضيع المُختلفة في تلك المجالس وتفاصيلها. إلّا أنَّ قلة المصادر المكتوبة والمتوفرة في هذا الصدد تقف حجر عثرة في طريق معرفتنا لتلك الخطابات (Diskurs). ولكن بعض القصص التي تم تناقلها شفاهياً ما تزال موجودة كملحمة درويش عفدي مثلاً. فدرويش وقبله والده عفدي قاتلوا في جيش الباشا الملي مقابل وعود بالزواج للاثنين. فالأب كان يحب شقيقة الباشا ودرويش أحب ابنته عدولي فيما بعد.
حين قراءة الملحمة بتمعن يمكن لنا تعريف شروط وظروف الحوار السائدة آنذاك وكيف كان يتم. فالأمور في القصة تبدو بسيطة وعفوية للغاية. عفدي رجل كُردي إيزيدي يتحالف مع الباشا الملي ضد أعدائه مقابل زواج. الاتفاق تم ربما على نحو شفوي وبحضور شهود من الجمع – إذ لا تتوفر لدينا اليوم وثائق مكتوبة خاصّة بالتحالف المُبرم ذاك – وانتهى الأمر وتم التحالف. ولكن لدى الوقوف قليلاً على مضمون الحدث نجد أنَّنا أمام تحالف عسكري بالدرجة الأساس. كما وهُناك حرب وشيكة ضد أعداء خارجيين. أي أنَّ عفدي تحالف ليخوض حرباً من أجل الباشا برجاله وخيوله وعتاده.
النتيجة: تحالف عسكري بهذا المستوى يتم شفوياً ومقابل زواج لا يتحقق فيما بعد.
الأمر نفسه يتكرر مع ابنه درويش أيضاً. فهو الآخر يقع في حب ابنة الباشا الملي عدولي، ويريد الزواج منها رغم أنَّهما من دينين مختلفين. إلّا أنَّ ما جمعهما مسبقاً كانت اللغة والثقافة المشتركة كما وصداقة وتحالف عسكري قديم بين والديهما. هُنا أيضاً أعاد الباشا الملي طرح شرطه السابق على جمع من الناس ومن بينهم درويش عفدري. أي التحالف العسكري وخوض حرب من أجله مقابل الزواج بابنته. عُرف عن درويش فروسيته بحسب الملحمة – فالملحمة تُعرف باسمه – وقد كان مُقاتلاً من الطراز الرفيع ورجل حرب مهيب الجانب.
في حين كان الباشا الملي رجل سياسة من الطراز الرفيع. فتوليه في وقت سابق لعددٍ من المناصب الحكومية بآستانة عاصمة الخلافة العثمانية، ونيله لقب باشا وعلاقاته بالإداريين والعسكريين العثمانيين يثبت ذلك بجلاء. فقد كان يحصل على تحالفات عسكرية مهمة بطرق سهلة، وغير مكلفة كما في مثالنا هذا. فالأمر لم يكن يتطلب منه سوى إبلاغ الطرف الآخر بشرطه لينتهي الأمر.
وبالفعل فقد أبدى درويش قبوله بالشرط، وأبرم حلفاً عسكرياً مع الباشا ضد أعدائه من العشائر العربية. على الرغم من أنَّ العشائر العربية لم تكن – بحسب الملحمة – في حالة حرب مع الكُرد الإيزيديين وإنَّما فقط مع الباشا الملي، وذلك لأسباب اقتصادية تتعلق بمساحة المراعي وأسباب جيوسياسية أخرى تتعلق بمناطق النفوذ لكلا الطرفين. أي لم يكن للإيزيديين في تلك الحروب لا ناقة ولا جمل. فالأمر لعفدي ودرويش يتعلق بقصتي حب لا أكثر. وكما يبدو فتمر باشاي ملي استخدم قصة حب الأب وابنه كأداة لتحقيق مصالحه السياسية فقط. فلا أخته تزوجت بعفدي ولا ابنته تزوجت من درويش.
القصة تنتهي بمقتل درويش في المعركة. والقصة في مجملها تعبيرٌ عن بطولة فردية، وتمزجذ فيما بين الحب والحرب، وترمز إلى التضحية، والتي تُعتبر من وجهة نظرنا اليوم حماقةً وتهوراً ليس إلّا.
ثانياً: مضافة الآغا الكُردي
مضافة الآغا كانت عبارة عن غرفة كبيرة مُشيدة غالباً في مركز القرية. يجتمع فيها القرويون، ويتبادلون أطراف الحديث ويستمعون لأغاني وأقاصيص جاء بها مُنشدون ومُغنون ورواة من بلاد كُرديّة أخرى. الآغا يدير الجلسة، والكل يخضع له. لديه عدة رجال يتفاوت عددهم بحسب نفوذ الآغا يقومون، بتقديم الضيافة للحاضرين، والمُتمثلة في تقديم قهوة مرة، أي نادلاً بحسب مفهومنا المعاصر. الآغا يستمع للجمع ويقول ما يريد ويدير من مكانه ذاك الشؤون اليومية “لرعيته”. فهو السلطة التشريعية بالدرجة الأساس، وهو من يقرر ما هو الحق وما هو الباطل؛ أي أنَّه يضع المعايير وقواعد الحياة المُشتركة. أمّا مُلا القرية أو الشيخ فقد كان يُمثل – بحسب مفهومنا المعاصر – السلطة القضائية، ولكن بصلاحيات محدودة. أمّا رجال الآغا المسلحين والذين يعملون في خدمته فقد كانوا أداة تنفيذية مباشرة يفرض بها الآغا قوانينه وقواعده على الناس.
الحوار لم يكن متكافئاً في مجلس الآغا. فالآغا يمثل سلطة لا يمكن الاعتراض عليها كما أنَّ المُلا ملزمٌ بتنفيذ الشريعة بما ويتناسب قواعد الآغا؛ أي يحرص على ألّا تتقاطع مع مصالحه أو تصطدم بها. أمّا القرويون فقد كانوا مجردين من القوة والسلطة وحق الإدلاء بالرأي. فهم لا رأي لهم في المسائل المصيرية، ولا يُشاركون الآغا في تنظيم الحياة الاجتماعية داخل مناطق نفوذه. أمّا الوافدون على المجلس من الرواة والمغنيين فقد كانوا باعة جوالين يبيعون فنهم (القصص والأغاني والألحان والأساطير والملاحم) بسعر بخس مقابل طعام ومأوى، وشيءٍ من المال يحصلون عليه من الآغا.
عدم تكافئ الحوار على هذا النحو أسس لثقافة وتقليد حوار معين تم توارثه حتّى وصلنا اليوم بنسخة مُعدلة إلى حد ما. فمجالس الأحزاب الكُردية التقليدية ومجالس “الكبار والصغار”، أي الجيل القديم والجديد لا تختلف عن مجلس الآغا كثيراً إلّا من ناحية المضمون. أي أنَّ تقاليد مضافة الآغا ما تزال مُستمرة حتّى الآن وإن بأشكالٍ مُختلفة؛ كما وأنَّ الشروط العامة للحوار لم تتغير بعد.
وتكمن المشكلة الأساسية الآن في أنَّ الكُرد في حوارهم المُعاصر يعتمدون على تقاليد حوار قديمة لمعالجة قضايا مُجتمعية وسياسية مُعاصرة.
ثالثاً: تكية الشيخ
المشيخة لقبٌ ديني، وصفةٌ علميةٌ دينية. يستطيع من يحصل عليها مُمارسة عمل يتعلق بالدين بجوانبه الاجتماعية والتنظيمية كالبت في شؤون الناس حين الزواج وحصر الإرث وما إلى ذلك. للشيخ مريدون ومتصوفة يتعلمون لديه أصول الدين ويخدمونه أيضاً في شؤونه الشخصية. فالشيخ يُمثل بالنسبة لهم سلطة تستمد شرعيتها من الله وكتابه والنبي وأحاديثه بالدرجة الأساس، وهو معنيٌ بتعليمهم الدين الصحيح، وتنظيم حياتهم الاجتماعية بما وينسجم مع قواعد الدين.
هذه التراتبية (الهرميّة) الاجتماعية والمعرفية بشكلٍ عام ساهمت في ترسيخ مفهوم عبودية دينية تراكمت آثارها إلى يومنا هذا. فاليوم لا يمكن للمرء الاعتراض على أفكار وآراء شيخ كُردي في كُردستان، فما تزال تلك التراتبية المعرفية المزمعة نافذة، وتلقى قبولاً واسعاً لدى الناس.
بطبيعة الحال الحوار في مثالنا هذا أيضاً لم يكن متكافئاً. لذلك لم تنشأ ثقافة حوار أساساً، ولم يتطور تقليد للحوار في ذلك الوسط.
تأسيساً على ما سبق يمكننا الآن من تحليل الأمثلة الثلاث استخلاص النتائج الآتية:
1. يفتقر المُجتمع الكُردي إلى تقاليد وثقافة حوار مُنسجمة مع روح العصر لحل قضاياه الاجتماعية والسياسية الراهنة المُلحة.
2. لم تنشأ ثقافة حوار في الأوساط الدينية الكُردية ولم يتطور عنه تقليد مُحدد، وإنَّما ظلت تلك الأوساط أسيرة التراتبية المعرفية على مبدأ أنَّ الشيخ يعلم ما لا تعلمه “الرعية”.
3. يستخدم الكُرد في حوارهم المُعاصر أدوات حوار قديمة لمعالجة قضايا مُجتمعية وسياسية مُعاصرة. أي ما تزال تقاليد خيمة الباشا ومضافة الآغا ومجلس الشيخ مُستمرة وحاضرة حتّى الآن، ووفقاً لها تتم مناقشة القضايا الاجتماعية والدينية والسياسية المُعاصرة. عدم الانسجام هذا بين الأداة والمضمون، وافتقارنا المُسبق لثقافة حوار يساهم بشكل رئيسي في ركود وتخلف ثقافة الحوار في الفضاء العمومي الكُردي باعتبارها أداة رفيعة المستوى في التقدم الاجتماعي في العصر الراهن.

Continue Reading

Previous: رشيد الخيّون… هل احتفل عليٌّ.. بالغدير؟! المصدر:موقع الاتحاد..
Next: السياسة.. والمعاملة بالألوان والألقاب…. رشيد خيون ..المصدر : الاتحاد

قصص ذات الصلة

  • الملف الكوردي

اكرم حسين تيار مستقبل كردستان سوريا: بين أزمة الهوية وتحديات التجديد..؟.المصدر:صفحة الكاتب

khalil المحرر يونيو 1, 2025
  • الملف الكوردي

بيان بمناسبة الذكرى العشرين لتأسيس تيار مستقبل كردستان ….تيار مستقبل كُردستان سوريا 

khalil المحرر مايو 28, 2025
  • الملف الكوردي

عبدالحميد حسين…. وداع الزعامة……

khalil المحرر أبريل 22, 2025

Recent Posts

  • الحكومة السورية و«قسد» تتبادلان أسرى وجثامين في المرحلة الثانية للاتفاق…القامشلي سوريا المصدر: الشرق الاوسط…كمال شيخو
  • أميركا تعطي الضوء الأخضر لضم مقاتلين أجانب إلى الجيش السوري….دمشق المصدر : الشرق الأوسط
  • وثائق استخباراتية مسرّبة تؤكد: نظام الأسد احتجز الصحافي الأميركي تايس في دمشق…..دمشق المصدر : الشرق الأوسط»
  • سوريا تبدأ بطي عقود من تهميش الأكراد مصطفى الدباس.المصدر:المدن
  • حماية لبنان: الحكمة والوحدة الوطنية غازي العريضي..المصدر: المدن

Recent Comments

لا توجد تعليقات للعرض.

Archives

  • يونيو 2025
  • مايو 2025
  • أبريل 2025
  • مارس 2025
  • فبراير 2025
  • يناير 2025
  • ديسمبر 2024
  • نوفمبر 2024
  • أكتوبر 2024
  • سبتمبر 2024
  • أغسطس 2024
  • يوليو 2024
  • يونيو 2024
  • مايو 2024
  • أبريل 2024
  • مارس 2024
  • فبراير 2024
  • يناير 2024
  • ديسمبر 2023
  • نوفمبر 2023
  • أكتوبر 2023

Categories

  • أدب وفن
  • افتتاحية
  • الأخبار
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • حوارات
  • دراسات وبحوث
  • مقالات رأي
  • منوعات

أحدث المقالات

  • الحكومة السورية و«قسد» تتبادلان أسرى وجثامين في المرحلة الثانية للاتفاق…القامشلي سوريا المصدر: الشرق الاوسط…كمال شيخو
  • أميركا تعطي الضوء الأخضر لضم مقاتلين أجانب إلى الجيش السوري….دمشق المصدر : الشرق الأوسط
  • وثائق استخباراتية مسرّبة تؤكد: نظام الأسد احتجز الصحافي الأميركي تايس في دمشق…..دمشق المصدر : الشرق الأوسط»
  • سوريا تبدأ بطي عقود من تهميش الأكراد مصطفى الدباس.المصدر:المدن
  • حماية لبنان: الحكمة والوحدة الوطنية غازي العريضي..المصدر: المدن

تصنيفات

أدب وفن افتتاحية الأخبار المجتمع المدني الملف الكوردي حوارات دراسات وبحوث مقالات رأي منوعات

منشورات سابقة

  • الأخبار

الحكومة السورية و«قسد» تتبادلان أسرى وجثامين في المرحلة الثانية للاتفاق…القامشلي سوريا المصدر: الشرق الاوسط…كمال شيخو

khalil المحرر يونيو 2, 2025
  • الأخبار

أميركا تعطي الضوء الأخضر لضم مقاتلين أجانب إلى الجيش السوري….دمشق المصدر : الشرق الأوسط

khalil المحرر يونيو 2, 2025
  • الأخبار

وثائق استخباراتية مسرّبة تؤكد: نظام الأسد احتجز الصحافي الأميركي تايس في دمشق…..دمشق المصدر : الشرق الأوسط»

khalil المحرر يونيو 2, 2025
  • الأخبار

سوريا تبدأ بطي عقود من تهميش الأكراد مصطفى الدباس.المصدر:المدن

khalil المحرر يونيو 2, 2025

اتصل بنا

  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter
  • Youtube
  • Pinterest
  • Linkedin
  • الأرشيف
Copyright © All rights reserved. | MoreNews by AF themes.