لم يكن مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ليأتي في وقت أسوأ من الوقت الذي أتى فيه. فقد خرجت من دائرة القرار شخصية مركزية كان لها دور محوري على رأس السلطة التنفيذية في مرحلة يمكن تسميتها بالمرحلة الانتقالية، في انتظار أن يغيب المرشد علي خامنئي عن الساحة خلال الأعوام القليلة المقبلة، وذلك بحسب تقديرات العديد من مراكز الدراسات الغربية المتخصصة بالشأن الإيراني.
والمرحلة الانتقالية التي نتحدث عنها حساسة جداً فبنهايتها سيتحدد مستقبل النظام الإيراني، من خلال التركيبة الجديدة للسلطة التي سيقودها من حيث المبدأ مرشد أعلى جديد يخلف خامنئي تعاونه تركيبة معقدة في أعلى هرم السلطة. وغياب رئيسي المفاجئ عن المشهد ستكون له تداعيات في الداخل أكثر من الخارج، باعتبار أن السياسة الخارجية هي من صلب اختصاصات المرشد وماكينته العسكرية المتمثلة بـ”الحرس الثوري” وتوليفة الأجهزة الأمنية التي يفوق عددها الـ 26 جهازاً. لكن من المنطقي الاستنتاج أن أي اهتزاز، أو تغيير في الداخل، وفي هرم السلطة والحكم ستكون له ارتدادات كبيرة على مختلف الساحات التي تنشط فيها إيران ضمن الرؤية التوسعية التي تخطت الحدود الجغرافية الإيرانية، فتمددت نحو العراق، وسوريا، ولبنان واليمن، وفلسطين. وهي لا تزال تواصل ضغطها على الساحة الأردنية.
بالعودة الى الساحة الإيرانية الداخلية، من المهم الإشارة إلى أن النظام سيواجه ضغوطاً كانت كامنة في الداخل، لأن التغيير المفاجئ في زمن الصراع المسبق على خلافة المرشد ستنجم عنه إعادة خلط الأوراق السياسية في البلاد. فرئيسي كان مرشحاً جدياً لخلافة المرشد. وتؤكد مصادر عربية مطلعة بدقة على الشأن الإيراني الداخلي بأن التسريبات التي جرى نشرها مؤخراً عبر وكالة “رويترز” ومفادها أن رئيسي كان سبق أن أخرج قبل ستة أشهر من دائرة المرشحين للخلافة بسبب ضعف شعبيته، غير صحيحة. فقد كانت شعبية رئيسي ضعيفة، لكنه لم يكن وحده بهذه الحالة. جميع أركان النظام من التيار المحافظ الأصولي يعانون من ضعف فاضح في شعبيتهم. ومن يسعى إلى خلافة المرشد لن يعتمد على شعبية كبيرة في الأوساط الشعبية وإنما على قاعدة متينة تستند إلى تحالف التيار الديني المحافظ المتشدد، ومن ناحية أخرى على الماكينة الأمنية – العسكرية التي يمثل “الحرس الثوري” واجهتها الأهم. وللتذكير، فإن “الحرس الثوري” لا يقتصر دوره على الأمن والعسكر، بل إنه يتمدد الى جميع أوجه الحياة الاقتصادية، المالية، الاجتماعية، الثقافية، والإعلامية وغيرها. ولذلك يطلق بعض المراقبين المتخصصين بالشأن الإيراني على “الحرس الثوري” وصف “الدولة العميقة”.