ينشغل الأردنيون منذ أيام بأحداث أثارت قلقاً واسعاً وسط إجراءات أمنية استثنائية شهدتها العاصمة عمان، وتكتم رسمي على تفاصيل ما يحدث، قبل أن يصدر في وقت لاحق بيان أول من مديرية الأمن العام أجاب عن جزء من تساؤلات المواطنين الذين ظلوا على مدى ساعات يتابعون التوقعات والتحليلات لما يجري.
مساء السبت الماضي، تناقل الأردنيون على نطاق واسع في منصات التواصل الاجتماعي، أخباراً حول حدث أمني تخللته أصوات انفجارات في منطقة ماركا الجنوبية شرقي العاصمة، قبل أن يصدر بيان رسمي يشير إلى قيام مجموعة من الأشخاص بتخزين كميات من المواد المتفجرة داخل منزل في المنطقة، وأن خبراء المتفجرات من سلاح الهندسة الملكي قاموا بالتعامل مع تلك المواد وتفجيرها في الموقع.
بعد ذلك بيومين، امتدت الأحداث نفسها إلى منطقة أبو علندا التي تبعد كيلومترات قليلة عن المنطقة الأولى، وصدر بيان أمني ثان أكد أن “التحقيقات بقضية ماركا الجنوبية أسفرت عن الوصول لموقع آخر أخفيت فيه مواد متفجرة في أبو علندا، وأن الأجهزة الأمنيّة طوّقت وعزلت محلاً تجارياً في المنطقة استُخدم لتخزين المتفجّرات”، في حين تعاملت فرق المتفجّرات من سلاح الهندسة الملكي والأجهزة الأمنيّة مع الموقع وفجّرت المواد المخزّنة داخل المحل التجاري.
التحقيقات لا تزال جارية
ووفق مديرية الأمن العام، فإن التحقيقات لا تزال جارية وسيتم نشر التفاصيل كافّة حال الانتهاء منها، وذلك في وقت صعدت إلى الواجهة تكهنات عن الجهة التي تقف وراء تخزين الأسلحة والمتفجرات وأهدافها واستخداماتها، إذ سارع البعض إلى ربط الأمر بالاستهداف الإيراني للأردن، في حين ذهب آخرون إلى الحديث عن تنظيمات متطرفة مثل “داعش”. وبرزت أيضاً توقعات بأن تكون القضية على صلة بحرب غزة ومحاولات تهريب الأسلحة.
ومنتصف الشهر الماضي، أعلن الأردن إحباط مؤامرة يشتبه أن إيران تقف خلفها لتهريب أسلحة إلى المملكة، وذلك لمساعدة أشخاص معارضين للحكم الملكي على تنفيذ أعمال تخريبية، وفق ما ذكرت حينها وكالة “رويترز” التي نقلت عن مصدرين أمنيين أن الأسلحة أرسلتها فصائل مدعومة من إيران في سوريا إلى خلية تابعة لجماعة “الإخوان المسلمين” في الأردن لها صلات بالجناح العسكري لحركة “حماس”.
ضرورات التكتم الأمني
وفي رده على استفسارات “النهار العربي”، أكد مصدر أمني أن “حساسية القضية وبُعدها الأمني البحت، يفرضان تكتماً أمنياً على الكثير من التفاصيل التي لا يمكن كشفها في الوقت الحالي كون التحقيقات لا تزال جارية”، مشددّاً في الوقت ذاته على “أهمية التعامل مع البيانات والتصريحات الرسمية بهذا الخصوص، وعدم الالتفات إلى روايات غير دقيقة أو أخرى تهدف إلى إثارة الفتنة والاصطياد بالماء العكر”.
ويضيف المصدر أن “الأجهزة الأمنية ومنذ بدء الحرب على غزة، ضاعفت من جهدها في رصد أي أعمال مشبوهة، كون المخاطر والتهديدات تزايدت على المستويين الخارجي والداخلي بهدف استغلال ما يحدث لزعزعة أمن واستقرار الأردن”.
لكن المصدر يطمئن الأردنيين إلى أن “الأجهزة الأمنية على اختلاف مهامها، قادرة على حماية المملكة وإحباط أي مؤامرات تحاك ضدها وبشكل استباقي”، مبرزاً في الوقت ذاته “أهمية متانة الجبهة الداخلية ودعم وإسناد الأردنيين لدولتهم وقيادتهم والجيش والأمن”.
“المرحلة القادمة ستشهد المزيد”
من جهته، يتوقع الكاتب والمحلل السياسي البارز حسين الرواشدة، أن “تشهد المرحلة القادمة المزيد من محاولات الاختراق وخلط الأوراق والصيد في الماء العكر”، لكنه يستدرك بالقول إن “الأردنيين (الدولة والمجتمع)، قادرون على مواجهة هذا العبث، والانتصار عليه، ولجم الأفواه والأيدي التي تريد أن ننحني لرغباتها ومصالحها، فالأردن أقوى من أفراخ التنظيمات والناطقين باسمها، ومن الذين اختاروا أن يغردوا خارج سرب الدولة أو أن يقفوا ندّا لها، ثم يشيطنوا كل وطني يدافع عن أمنها ومصالحها”.
وما حدث مؤخراً وفق ما يضيف الرواشد لـ”النهار العربي”، يبعث برسالة عنوانها “العبث بأمننا الوطني”، و”تقف وراءه دول وتنظيمات تحاول أن تخترق مجالنا الأمني، وتوظف ما يحدث في الإقليم من حروب وصراعات لتحويل بلدنا إلى ساحة لتصفية الحسابات أو ركوب الموجات، في سياق مشروع جاهز خرج من تل أبيب، ووجد بيننا من يتقمصه بدوافع بريئة أحيانا، وخبيثة أحيانا أخرى”.
“واقع جديد بدأ يتشكل”
ويشير إلى أن “هناك احتمالية بوجود علاقة أو رابط بين (خلية ماركا) التي تعمدت تخزين المتفجرات وسط الأحياء السكنية، وبين عمليات تهريب الأسلحة التي تصاعدت خلال الأشهر الماضية”، قائلاً “إن التحقيقات ستكشف ذلك، لكن المؤكد أن خطوط الإرهاب التي تعاملنا معها على امتداد السنوات الماضية، ودفعنا ثمن مواجهتها وتفكيكها وضرب قواعدها، استعادت نشاطها، وليس بالضرورة أن تكون تحت راية (داعش)، فالإرهاب بطبيعته يتحوّر ويتكيف مع المستجدات إذا توفرت له الظروف والمناخات المناسبة، ووجد من يغذيه باسم الدين أو الأمة، وهذا ما حصل في إطار حملة التعبئة والتحريض التي شهدناها في الفترة الماضية، وتساءلنا حينئذ عن قنوات تصريفها، وعن أهداف الذين رفعوا أعلامها، وهتفوا ضد الدولة وأصدروا فتاوى تخوينها والتشكيك بمواقفها”.
والآن، كما يرى الرواشدة “لا بد أن يصحو الأردنيون على واقع جديد بدأ يتشكل في المنطقة، وأن يميزوا بين من يدافع عن أمنهم ومصالحهم، وبين من يستهدفهم أو يستخدمهم لتمرير أجنداته، ذلك أن المشكلة ليست فقط في العدو الذي نعرفه، ونستطيع أن نكشف مخططاته ونواجهها بحزم وقوة، وإنما في بعض الذين يتحدثون باسمنا وبالنيابة عنا، ثم يتقافزون إلى خنادق أخرى، هؤلاء لا يقلون خطرا، لأنهم يتسللون من داخلنا وينفذون ما يخطط له الآخرون ضدنا”.