(1)
على مستويات متعددة من قراءاتنا في كتب التنظير النقدي العربية والمترجمة، لم يصادفنا نقد يتوسع في النص، ويقرر إجراءاته الجمالية، ويفتح فيه أنساقًا متوالية، اجتماعية ومثيولوجية وأدبية وشخصية وجمالية عامة إلى حد الجزئيات الصغيرة جدًا. وقد نعزو هذا، في قراءة المراحل النقدية المتعاقبة، إلى أن يكون التنظير قد تفوق على التطبيق في كثير من الأحيان، كإجراءات لتقديم النسق النقدي الفاحص على غيره من الاجراءات التطبيقية، التي تتوخى تشريح النصوص على ضوابط نظرية أولًا؛ لكن الذي يواجه تلك الإجراءات هو تابعية النقد الأدبي إلى النصوص الأدبية، بمعنى أسبقية النص على الفحص النقدي. ومع أن نقد ما بعد الحداثة حاول تجاوز هذا بناءً على معطيات سردية سابقة، إلا أنه بقي يحوم حول النصوص المجاوِرة له، ويستجلي معطياتها الفنية من داخله، وما اجتراحات المصطلحات الأدبية الكثيرة سوى إنتاج ضمني للإجراءات التنظيرية المتعددة التي شغلت النقد الأدبي ودارسيه وما تزال، لتعويم فكرة النقد والتنظير له على أن تبقى الحدود الجمالية له قارّة، لا نقول أن مثل ذلك التعويم بعيد عن النصوص، لكنه ليس من داخلها تمامًا.
(2)
قراءات الأثر الأدبي لا تعطي للنصوص تمامها الفني واكتمالها النقدي، إذا كانت لا تحيط بها من الداخل والخارج، ولا تفعّل جوهرها السردي، فالقراءة تعريف ثقافي عام تتتبّع النص من خارجه، لتلامس شكله وتحصر مزاياه. وفي كثير من الأحيان لا تلامس جوهره متعدد الاحتمالات، وهذا ما نجده في القراءات الثقافية والصحافية، فهي غير معنية بتحريك النص، ولا استنطاقه والتحاور معه. بل تتأطّر في حدوده المعلنة. وكذلك النقد التطبيقي، فهو يعاني من ملابسات إجرائية في تقويم النصوص وتهيئة مستلزماتها التي تقبل القسمة على مثل تلك الإجراءات، مع أنه يحاول الموازنة بين داخل النص وخارجيته، لكن بالإجمال يُعد نقدًا محرّكًا للنص وفاعلًا في فحصه الدقيق لمجريات الفعل الحركي في داخله. وهذا ما نجده عند بعض الباحثين والنقاد الذين يولون النصوص السردية عناية مختبرية مجهرية فاحصة دقيقة جدًا، لتفكيك النص من داخله وتشريح قوامه المتشعب، وهو ما أقنعنا به إلى حد ما هذا الكتاب (*) بأن التطبيق البحثي بإجراءاته الداخلية المتمسكة بضرورة فحص النصوص السردية من داخلها في الأغلب الأعم هو مسار حقيقي في إيلاء النصوص الروائية أهميتها البحثية والنقدية وتوجيهها، بدلا من التمظهر التنظيري المحض، الذي يفتقر في بعض الأحيان إلى شواهد نصية تطبيقية الا في ما ندر، مثلما يفتقر إلى وجهات النظر النقدية التي تتقدم على النص، او تكون جزءًا من مفرداته في أقل تقدير. وهذا يحصل قليلًا، أو يتجاوز على النص طبقًا لنظريات النقد الكثيرة، التي تسهم في أحيان كثيرة في انزياح الكتابة النقدية عن أهدافها الجمالية، لذلك فإن البحث المجهري؛ هكذا نسميه؛ يتداخل مع الحاسة النقدية بطريقة واضحة، فتصح تسميته بالنقد المجهري، وهو الفاعل والمحرك الدقيق في متابعة أعمال روائية لـ 12 ساردًا مصريًا، وتوزيعها إلى أجزاء نقدية مستقلة، ثم إلى وحدات أصغر، وهذه تُفكك إلى أجزاء ووحدات مجهرية ساندة لمتنها السردي العام، تحت عنوان (الجسد) عندما يضعه بين المتخيل السردي ونسقه الثقافي الخاص والعمومي.
مثل هذا الإجراء المجهري للجسد يحيل إلى مرجعيات ثقافية عمومية، وأنساق ثقافية اجتماعية في تشكلاته الجمالية الواقعية والمتخيلة. فالرواية العربية (لا ترسم جسدًا سرديًا متخيلًا بقدر ما تعرض نسقًا ثقافيًا واقعيًا)، ومن هذا النسق تتوسع المعاني في واقعياتها الميدانية، وتترحل إلى النصوص فنيًا. باعتبار أن الخلاص السردي هو الجزء الأكثر أهمية في بيان بقاء النص محتفظًا بتقنيته الداخلية التي تتواصل مع الزمن النقدي. وهذا البحث النقدي التفصيلي بفصوله المتعددة وضع أعمالًا روائية عربية/ مصرية/ في قالب البحث- النقد المجهري، كونها؛ بحسب الباحث؛ تغاير التقليدي من السرود الروائية العربية كما “اقتضت موضوعات الكتاب منهجية غير تقنية… لأن مهمتنا تتركز حول ضرورة التوصل إلى كيفية تصوير الجسد سرديًا، أو طرق تشكيله وتمثيله في الرواية، وما يعكسه هذا التمثيل من تجل للأنساق الثقافية”، بمعنى الحفر المجهري الراصد لكل حركة نفسية، أو اجتماعية، تقوم بها الشخصيات المختلفة سلوكًا ووعيًا في الروايات المختارة كعينات للبحث الأكاديمي ــ النقدي لتوطين سلوكها النسقي في اجتماعياته الواقعية والمتخيلة.
إنّ اختيار الجسد له ما يبرره على صعيد البحث، كون السرديات المختارة تعالج تلك الموضوعة الأثيرة بوجهات نظر قد تتشابه في السلوك الاجتماعي ــ البيئي، وقد تختلف ضمن سياقات وقوع السرديات في تلك الدائرة السحرية التي يتردد الكتّاب والسرّاد في التقيّد بحساسياتها الاجتماعية والأدبية، لكن مثل هذا البحث الأكاديمي بفصوله يبيّن عددًا غير قليل من إجراءات النقد الصحية التي تواكب معطيات التأويل وجمالياته في اقتفاء النص الروائي، وهو يعرض الجسد البشري بتجلياته المتعددة.
(3)
العيّنات البحثية أوجدت 12 روائيًا وروائية من مصر هم:
أحمد ابو خنجر (نجع السلعوة) ــ حمدي أبو جليّل (لصوص متقاعدون) ــ عادل عصمت (الرجل العاري) ــ علاء الأسواني (عمارة يعقوبيان) ــ محمد الفخراني (فاصل للدهشة) ــ مكاوي سعيد (تغريدة البجعة) ــ يحيى إبراهيم (المسافر) ــ أمينة زيدان (نبيذ أحمر) ــ سحر الموجي (نون) ــ عزة رشاد (ذاكرة التيه) ــ فدوي حسن (فدوي) ــ ميرال الطحاوي (الباذنجانة الزرقاء)، بوصفهم عيّنات بحثية سردية لما بعد التقنيات النقدية المعروفة، في فتح مساحة كبيرة لتطبيق القراءة المجهرية الناطقة وما تحمله من تأويلات بخصوص الجسد البشري الذي جاءت عليه الروايات، لا من حيث غرائزه البيولوجية، إنما من تفصيله جزءًا جزءًا، تحقيقًا لمعطياته ودلالاته وقراءته في ضوء المنهج النقدي الحديث. وهذا أمر أتاح للباحث أن يتعمق في المنظومة السردية الروائية التي بحوزته، بانعكاسات أيديولوجية واجتماعية تداخلت مع الجسد وانعكست في ملامحه كلها، تلك التي لا نفسّر ردود أفعالها الكثيرة، سواء أكانت أجسادًا نسائية، أو ذكورية، في رصد العيّنات الروائية المختارة بعناية عندما يعرضها الباحث بفهم عميق ” لمكان الجسد الانساني ضمن نظريات السرد” بعيدًا عن الانطباعية، بوصفه ــ للجسد ــ على أنه “بنية خطابية ثقافية عامة قابلة للدرس والتحليل والفهم والتفسير والتقويم المتعدد”. وبالتالي، ولكي يحقق صلته المباشرة بسرديات الجسد العربي في بيئته المصرية، أخضع علواني عيّناته الروائية، إلى ثلاثة فصول أساسية، لمحاورة ما يمكن تسميته بالعقل الجسدي في تشكلات الشخصية عبر النوعية الجسدية من خلال أسمائها على وفق القواعد الدينية والمهنية الوراثية والجسدية، وهذه الانتباهة النقدية تكشف للقارئ الجسد الاجتماعي منظورًا إليه من تلك القواعد الأربعة: “الدين، المهنة، الوراثة، الجسدي”، على أساس أن “تقديم الشخصية هو تشكيل جسدي في المقام الأول”، وهو ما يكرره الباحث توخيًا للدقة في استنباط النوع الاجتماعي على وفق مقاييس الارتباط العضوي في المجتمع. لذلك نجد ورود أسماء القرابة في الآصرة الاجتماعية، وفي الشخصيات الروائية، ذكورية أو نسائية، وهو أمر يلتفت الباحث إليه ويفصّله في بنية ثقافية بمرجعيات بيئية اجتماعية على الأغلب: الأم “لا يشغلها إلا جسد ابنتها”، الأب “رأس البيت والأسرة”، الخال “وظيفة متداخلة”، الخالة “الرديف المناوب للأم”، العمة “تشبه وظيفة الخالة”، الأخ “السند الآخر للأب”، الأخت “بنية الأسرار…”، من دون أن تتم تسمية هؤلاء، فالأسماء (الأب، الأم…) أسماء لا تحمل دلالات بعينها، لكنها تشير إلى الصلة المباشرة لشخصيات السرد، ولكونها لا ترتبط بالجسد أيضًا في البحث الواسع لدلالات الأسماء في روايات العيّنات المختارة، فالشيخ ليس بالضرورة أن يرتبط بالعمر، لكن له “وظيفة دينية”، وهذا شيوع عربي يرتبط مكانيًا بالقرية والريف الذي يخضع إلى سلطة الشيخ بهذا المسمى الدارج. مثل “الفقيه”، و”الإمام”، و”الخطيب”، بدلالاتهم الدينية. وفي هذا يتوزع الباحث في تقسيماته عن مثل هذه الأسماء، بحسب مناخ الروايات الاجتماعي، وهي تُسوّق نماذجها الدينية بهذه المسميات والتسميات. في حين تأخذ التسمية المهنية منحى آخر: الفرّاش، البوّاب، السفرجي، القلّام، المدرّس، القفّاص… فهذه الألقاب هي مهن عملية التصقت بأصحابها، مزيحة الألقاب الأصلية لهم بسبب مهنهم المختلفة. كما للنساء ألقابهنّ: الروبابيكا، شربات، بالوظة، فراولة… ما يشير إلى النوع الاجتماعي المنسحق والخاضع إلى ظروف معاشية يغلب السوء عليها. في حين تكون الأسماء الوراثية مرتبطة بفعل اجتماعي ذات بنية حكائية “لربط الأحفاد بالأجداد”، أو بحكايات أسطورية أو واقعية حدثت في زمن ما، بما اختزنته ذاكرة الأرياف والقرى من متواليات اجتماعية تتكرر مع الأزمان المتعاقبة، وما تحمله من أنساق ثقافية اجتماعية على وجه الخصوص. أيضًا، يمكن عدّه نوعًا من التبجيل والتوقير لنسقيات الماضي في ثقافاتها الاجتماعية “سعيد، علي، فاطمة، زين العابدين…”.
وتبقى التسمية الجسدية نسقًا ثقافيًا “يمارسه الناس في ما بينهم كتقنية واصفة للنوعية الجسدية” (الباذنجانة الزرقاء)، وما يتعلق بالمجتمع النسائي، فالضرورة الواقعية تشير إلى تسميات متناقضة في السياقات السردية، إذ هنالك “الأم”، وهنالك “المومس”، وهنالك “الأرملة”، والمجتمع الروائي، المديني منه والريفي، الذي لا يخلو من تلك الشخصيات التي تفعّل مسارات السرد طبقًا لوقوعها في مداراته الفاعلة، فمثل تلك الشخصيات واصلة بين المجتمع كوحدة اجتماعية، وبين الصفات التي تحملها النساء، لوقوعها في تضاعيف السرد وأهمية حضورها من عدمه.
“قراءات الأثر الأدبي لا تعطي للنصوص تمامها الفني واكتمالها النقدي، إذا كانت لا تحيط بها من الداخل والخارج، ولا تفعّل جوهرها السردي”
أيضًا يرصد الباحث في عيناته السردية المختارة شخصيات أخرى وصفت بـ “المسافر، المغترب، الغريب، الوافد…”، وواضح أن دلالتها الاسمية تشير إلى وقوعها في دوائر السرد بسبب سفرها، أو اغترابها، أو وفادتها، وفي لا تماثلها مع البيئة لأسباب تخص الشخصيات الروائية التي توصف بأن بنيتها الروائية محكومة بظرفها البيئي والاجتماعي ووجودها الفعلي في المسار اليومي للحالة الاجتماعية.
(4)
في تشكلات الجسد عبر “الأشياء الثقافية”؛ وهو فصل تفصيلي يلم بمكتنزات سردية يحسبها كثيرون هامشية، ومن دون غرض إيجابي يوطد صلتها بعموم السرد، وربما هي غير منظورة كثيرًا، أو أنها لا تمنح دلالاتها المباشرة في قراءات النقد، لتفوتنا كثير من المشاهد التأويلية الموظفة في تشكيل الشخصيات وبنياتها الثقافية وأنساقها الاجتماعية، كالملابس، والعطر، والرائحة، والعرق، والدم، والمخدرات، والكحوليات، والصور، والتجميل، والتغطية، والتعرية.
هذه الحزمة الصامتة من الهوامش الثانوية تُؤول بحثيًا ونقديًا، إذ أنها “تؤدي إلى استكشاف علاقة الأشياء المباشرة وغير المباشرة بالجسد”، فالجسد الثقافي عامة ينطوي على مثل هذه “الكائنات” الصغيرة، غير المرئية؛ ذات التاريخ القديم التي رافقت بدايات الإنسان؛ فالموضات المتعددة والمتلاحقة هي (إعادة صياغة للجسد…)، أو (تجعل الجسد مرئيًا) لأنها تدخل في تضاعيفه الأنثوية والرجالية، فتشكل معه صيغة قد تكون إبهارية، لافتة، مغرية، حساسة، يظهر من خلالها الجسد بأبعاده الفكرية والاجتماعية والأنثروبولوجية. مزينًا بالألوان والنقوش والزخارف بوظائفها الجمالية والشهوية بتعبير رامان سلدن (**)، كون الجسد (واجهة وجودية للأفراد…) لنلاحظ اهتمام الروايات بمثل هذه الأشياء الثقافية؛ كما يسميها الباحث، وهي فعلًا ثقافات بيئية تعطي انطباعًا ما لزمنية الأحداث. وتصور جوها المحلي في قِدمهِ، أو معاصرته وحداثته التزيينية “الجينز. البلوزة…”، وقد تكون الحداثة الملابسية النسائية في موضاتها الضيقة ذات الارتداد الجمالي (تكشف) (أكثر مما تخفي) و(تعرّي) أكثر مما (تستر)، وهذا تطور محايث لما بعد الحداثة الاجتماعية، وعندما تقف بعض الروايات على مثل هذا الارتداد الوظيفي، فإنها (تكشف) انتقال الجسد وخضوعه إلى (صياغة ثقافية محددة يتجاوب معها ويمارسها)، وفي الروايات المُختارة نجد مثل هذا الارتداد، مثلما نجد البقاء على أزياء تُعد قديمة بالنسبة إلى ثقافة العصر ومعطياته الجمالية الخارجية. وبالتالي، فإن ملابس الأنثى (تمثّل فضاء الجسد المرئي) في معاصرته أو قِدمه، وهذا ما أتاح للباحث أن يشرّح الروايات الذكورية والأنثوية، وصولًا إلى تشكيل بنية بيئية للشخصيات التي تحرك السرديات، وتتمظهر على وجودها الشكلي والعميق، فالملابس مرايا تُظهر تفاصيل الجسد وإشاراته الإثارية عند الأنثى، مثلما هي عاكسة للتقاليد والبيئة المحلية لدى الجنسين مهما تقاربت أو تباعدت المجتمعات.
المرآة (عاكسة الجسد خارجيًا)،
العطور (لذّة شميّة)،
العرق الذكوري (عشق جنسي)،
العرق الأنثوي (افرازات بيولوجية)،
الدم (ظاهرة جسدية ثقافية غير ملتَفَت إليها… يرتبط بالجسد الأنثوي ــ البلوغ ــ الحيض ــ العذرية ــ الختان ــ المخاض)،
الأفيون (محفز تشجيعي للأداء الجسدي ــ إزالة البرود الجنسي وطرد الخجل الانثوي)،
الصورة (وظائف جمالية ــ تمثيلات معرفية ــ حيلة فنية ناطقة ــ تقنية سردية)،
موت الجسد (بقايا الأشياء)،
تشييء الجسد (جنسنة ــ وظيفة تعبيرية).
عندها سيكون الفصل الثالث محاورة بحثية ونقدية في تجزيء الأشياء العاملة في الجسد مهما بدت ثانوية وهامشية لا تقع أنظار النقد عليها، ولا السرد يحفل بها كثيرًا، وبالتالي فإن خطاب الجسد خطاب جماعي لا ينفك من تأدية أدواره الدلالية والإشارية:
(كل حركات الجسد لها معنى)،
(حركات الجسد هي ممارسات ثقافية لها قواعد)،
(الجسد يمتلك خطابًا معرفيًا)،
(تنوع تعبيرات الجسد وتحولاتها الدلالية هي تحولات ثقافية بحيث يصبح خطاب الجسد هو خطاب الثقافة).
(5)
السؤال الطبيعي في هذه الاستنتاجات المصدرية هو (كيف نجحت أعضاء الجسد في إيصال دلالات متنوعة بطرق تعبيرية لا شفهية كلامية)؟ كالتعبيرات الجسدية المتنوعة في الوجه “الابتسامة ــ العين ــ الرأس ــ اليد ــ التربيت ــ التصفيق ــ الضرب على الكف ــ القُبلة ــ الحركات اللاإرادية…”، وغيرها من المحفزات الجسدية الداخلية والخارجية التي تؤدي أدوارًا صغيرة أو كبيرة في لغتها الإيمائية والإشارية، وتفاعلها مع الآخر في ظروف مختلفة؛ نفسية وبيئية واجتماعية، وربما وراثية مكتسبة ودارجة، كالمصافحة والربت على الكتف، والتباوس الذكوري، والابتسامات الاجتماعية والضحك والبكاء والصراخ، وغيرها من التعبيرات الدالّة على أن الجسد في إمكانه أن يوصٍل إشاراته المتعددة في المناسبات اليومية. وربما هذا يشير إلى أن الأجساد بعموميتها خاضعة إلى متطلبات المؤسسة الاجتماعية التي اكتسبت ديمومتها عبر الأجساد البشرية الذكورية والنسائية:
الوجه (جهاز تعبيري كامل).
الابتسامة (ترتبط بالحالة النفسية للشخصية).
العين أداة إرسال واستقبال (تعلن عن المخبوء داخل النفس) فظاهر العين (يعكس باطن الجسد).
حركة الرأس (تحل محلّ النطق بالقبول أو بالرفض).
توحي حركات اليد بتوظيف الإشارات كتوصيفات حركية.
التربيت على الكتف هو اتصال لمسي حسي (له أثره في التخفيف عن توتر الشخصية).
وعلى هذه الطريقة البحثية ــ المجهرية الدقيقة يمضي هذا الكتاب بتجزيء الجسد إلى وحدات ناعمة وصغيرة، ويكثّف من مدلولاتها بالملاحظة والتأويل والاستنباط، وربطها في سياقاتها الثقافية ومرجعياتها الاجتماعية الريفية والمدينية، والتحولات التي تطرأ على شخصيات الروايات ضمن أنساقها الثقافية التي تشكل بمجموعها جسدًا ثقافيًا يحمله الجسد البشري في سنواته الطويلة.
هوامش:
(*) “الجسد بين المتخيّل السردي والنسق الثقافي” ــ الدكتور أحمد علواني ــ دار النابغة للنشر والتوزيع ــ طنطا ــ 2019.
(**) رامان سلدن: أستاذ الأدب الإنكليزي في جامعة لانكستر. صدرت له كتب نقدية أبرزها: “النقد والموضوعية ــ 1984″، و”نظرية النقد من أفلاطون إلى الوقت الحاضر ــ 1988″، و”النظرية الأدبية المعاصرة” (ترجمة جابر عصفور).
عنوان الكتاب: الجسد: بين المتخيل السردي والنسق الثقافي المؤلف: د. أحمد علواني