قاعدة التنف، 2018 (لوليتا بالدور/أسوشييتد برس)

لم تتأثر القواعد الاميريكية المنتشرة في أقصى الشرق السوري، قرب حقول وآبار البترول، بهجمات الطائرات المسيّرة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، التي تقف وراءها فصائل مرتبطة بإيران، سواء في سورية أو العراق. ولم تعلن وزارة الدفاع الأميركية مقتل أيٍّ من جنودها المنتشرين في سورية، المقدّر عددهم بالمئات، بسبب الهجمات التي تُشن بطائرات مسيّرة من قبل “المقاومة الإسلامية في العراق”، التي تعلن بين وقت وآخر استهدافها قواعد تابعة للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، ولا سيما التنف والعمر ، وهما الأكبر والأكثر أهمية ضمن عشرات القواعد ونقاط التمركز.

وأعلنت “المقاومة الإسلامية في العراق”، السبت الماضي أنهاقاعدة الشدادي، جنوبيّ مدينة الحسكة السورية، بواسطة الصواريخ، مدّعية أن “الصواريخ أصابت أهدافها مباشرةً”. ومساء الجمعة أعلنت أنها هاجمت قاعدة خراب الجير التابعة للتحالف الدولي الواقعة بريف رميلان، شمال شرقيّ الحسكة، برشقة صاروخية، وأنها أصابت أهدافها بشكل مباشر ودقيق، وفق بيان.

استهداف القواعد الأميركية

ومنذ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تعرّضت قاعدة التنف عند المثلث الحدودي بين الأردن والعراق وسورية، لعدة هجمات بطائرات مسيّرة يُعتقد أن مليشيات موالية لإيران تقف وراءها، فضلاً عن تعرّض قاعدة العمر في ريف دير الزور الشرقي، شمال نهر الفرات، لأكثر من هجوم خلال الشهر الماضي بطائرات مسيّرة. وكانت القواعد الأميركية تتعرض لهجمات متفرقة ومحدودة، إلا أن هذه الهجمات ازدادت منذ 7 أكتوبر الماضي، تاريخ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، في سياق تناكف إيراني أميركي يبدو حتى اللحظة مضبوطاً ولم يخرج عن نطاق قواعد اشتباك غير معلنة.

وفي أحدث هجمات، قالت مصادر مطلعة من فصيل “جيش سورية الحرة”، إن قوات التحالف  أسقطت فجر أمس الاثنين طائرة مسيّرة آتية من الأراضي العراقية فوق منطقة التنف كانت تحاول استهداف القاعدة، فيما تحدث المرصد السوري لحقوق الإنسان عن إسقاط طائرتين مسيّرتين على الأقل. كما أشار إلى أن القاعدة تعرضت لهجوم صاروخي من دون ورود معلومات عن خسائر بشرية.

ومساء أول أمس أيضاً، أسقطت القوات الأميركية طائرة مسيرة بعد اقترابها من القاعدة الأميركية في تل بيدر غرب مدينة الحسكة. في حين أعلنت ما تسمى “المقاومة الإسلامية في العراق” استهدافها بالطائرات المسيرة القاعدة، مشيرة إلى أنها حققت إصابة مباشرة.

وقاعدة تل بيدر تقع في ريف محافظة الحسكة الشمالي الغربي، شمال مدينة الحسكة بـ30 كيلومتراً، وتبعد عن الحدود السورية العراقية 150 كيلومتراً، وتعد ثاني أكبر قاعدة للتحالف الدولي بعد قاعدة حقل العمر النفطي، وكانت موقعاً لقوات الدفاع الذاتي التابعة لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) قبل أن تتحول إلى قاعدة أميركية. وتستقبل القاعدة طائرات الشحن الأميركية، بالإضافة إلى أنها مركز تدريب للقوات الأميركية، ومركز لإمدادات الأسلحة المتوسطة والمدرعات. كما أن الدعم اللوجستي جواً للقوات الأميركية شمال شرقي سورية يكون عبر هذه القاعدة.

رشيد حوراني: الهجمات الإيرانية على القواعد الأميركية في سورية تهدف إلى توجيه رسائل سياسية

وكانت الولايات المتحدة قد بدأت تدخّلها في سورية عام 2014 مع صعود تنظيم “داعش” وسيطرته على نصف مساحة سورية تقريباً. وأقامت خلال السنوات الماضية العديد من القواعد ونقاط التمركز ضمن خريطة انتشار جعلتها أشبه بالطوق الذي يحيط بمنابع النفط والغاز السوري في منطقة شرق نهر الفرات، داخل مناطق تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

وللولايات المتحدة والتحالف الدولي ضد الإرهاب الذي تقوده، قاعدة العمر التي تقع ضمن حقل نفطي يحمل ذات الاسم، ويُعَدّ من كبريات الحقول في سورية. ويُعتقد أن في القاعدة قوات متنوعة أميركية وفرنسية وبريطانية، وفي داخلها مهبط للطيران المسيّر والمروحي، يضم 12 مروحية قتالية. وهذه القاعدة هي المركز الرئيسي لقيادة قوات التحالف الدولي في شرق نهر الفرات، وتصل إليها بين وقت وآخر شاحنات محملة بالذخيرة والأسلحة والمواد اللوجستية، من شمال العراق عبر معبر اليعربية الحدودي، آخرها كان مساء السبت حين وصلت قافلة محملة بالأسـلحة والمعدات اللوجستية، وفق شبكات إخبارية محلية. وإلى جانب هذه القاعدة، هناك قاعدة لا تقلّ أهمية داخل معمل غاز كونيكو، تضم مركزاً للتدريب ومهبط مروحيات، وهي مزودة بمنظومة صواريخ “باتريوت” الحديثة، إضافة إلى عدد من مركبات “برادلي” الحديثة.

وفي محافظة الحسكة أقصى الشمال الشرقي من سورية، للولايات المتحدة عدة قواعد، أبرزها تلك الموجودة في محيط حقول رميلان للنفط، والمعروفة بقاعدة خراب الجير، وهي من أولى المنشآت العسكرية التي أقامتها الولايات المتحدة في سياق حربها ضد تنظيم “داعش”. ووفق تقارير إعلامية، تقع القاعدة على طريق ريفي قديم، وهي مؤمنة بجدار خرساني طويل بالإضافة إلى حواجز محمية جداً، وفي الداخل، يوجد مهبط طائرات يستخدم لنقل الجنود والإمدادات العسكرية. وإلى الجنوب من هذه القاعدة هناك قاعدة للتحالف في منطقة الشدادي في ريف الحسكة الجنوبي، وهي من أغنى المناطق السورية بالغاز.

وللولايات المتحدة قاعدة تُعَدّ الأكبر والأهم، وهي قاعدة التنف، التي أنشأها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة عام 2014، وتقع غرب الحدود العراقية، وتبعد نحو 22 كيلومتراً عن الحدود السورية – الأردنية، وهي من أهم القواعد العسكرية للتحالف الدولي في سورية. وأقام التحالف حزاماً حول القاعدة بعمق 55 كيلومتراً، تنشط فيه فصائل سورية معارضة منضوية ضمن “جيش سورية الحرة”، ويمنع على أي قوات معادية للتحالف الاقتراب منه.

قواعد ونقاط عسكرية

وتبيّن دراسة صدرت منتصف العام الحالي، لمركز “جسور” للدراسات، أن للتحالف الدولي 30 موقعاً في سورية، وهي عبارة عن 17 قاعدة و13 نقطة، أغلبها في محافظتي الحسكة ودير الزور، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة زودت خلال العام الحالي قواعدها بمنظومة “هيمارس”، بعد انتهاك روسيا لآليات التصادم في سورية.

وفي السياق، أوضح الباحث في مركز “جسور” رشيد حوراني، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “التكنولوجيا العسكرية المتقدمة يمكن التحايل عليها باستخدام تكنولوجيا بسيطة وإمكانية التأثير في الأهداف التي يسعى الخصم لضربها”. وتابع: “لكن الغالبية العظمى من الضربات الإيرانية التي تستهدف القواعد الأميركية تقع في مناطق مفتوحة أو لا توقع إصابات، كما هو حال الاستهدافات الأخيرة بصواريخ أرض – أرض، التي طاولت قاعدة خراب الجير بريف الحسكة وحقل العمر النفطي بريف دير الزور، وتتمركز فيهما القوات الأميركية”.

يوسف حمود: إيران استفادت من التقنية الروسية في تطوير الطيران المسيّر لديها

وأعرب حوراني عن اعتقاده بأنه “قد يكون عدم إيقاع إصابات في صفوف القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي أمراً متعمداً من قبل الإيرانيين كي لا تردّ الولايات المتحدة بشدة على هذه الضربات”، مضيفاً أن الهجمات الإيرانية على القواعد الأميركية في سورية تهدف إلى توجيه رسائل سياسية لا أكثر.

وأشار إلى أن لدى الولايات المتحدة القدرة الكاملة على حماية قواعدها “سواء انطلاقاً من سورية أو بشكل تكاملي مع القواعد العسكرية المنتشرة في المنطقة كالأردن”، مضيفاً: “لكن يبدو أن وزارة الدفاع الأميركية حتى الآن تقدّر أن تلك الضربات من قبل المليشيات الإيرانية هي للمشاغبة، ولو أنها قدّرت أنها تحمل تأثيراً كبيراً بقواعدها، لتعاملت معها كما تعاملت مع رتل للمليشيات الذي توجه باتجاه قاعدة التنف في عام 2017 والذي دُمّر بشكل كامل”.

من جهته، أوضح الطيار المنشق عن قوات النظام، الرائد يوسف حمود، في حديث مع “العربي الجديد”، أن إيران “استفادت من التقنية الروسية في تطوير الطيران المسيّر لديها”، مضيفاً: “جمعت إيران عدداً كبيراً من المسيّرات في عدة مواقع في سورية، ولا سيما في تدمر وفي مطارات الضبعة والشعيرات والتي فور بريف حمص”. وتابع: “بات للطيران المسيّر دور كبير في الحروب ويستخدم لأغراض متعددة”.

وأشار إلى أن عدداً من العسكريين الأميركيين “تحدثوا عن خطر الطيران المسيّر الإيراني على القواعد الأميركية في الشرق الأوسط”، مؤكداً أن الطيران المسيّر خطير ومؤثر في الطرف الآخر، إذا استُخدم بأعداد كبيرة وبوقت واحد على هدف واحد. وأعرب عن اعتقاده بأن الطيران المسيّر الإيراني “يمكن أن يكون له تأثير بالقواعد الأميركية في سورية في حال حدوث صدام عسكري واسع”، مضيفاً: “تعوق المسيّرات عمل القوات، فضلاً عن أنها لا تحتاج إلى تجهيزات وقواعد إطلاق، ويمكن ان تستخدمها مجموعات”.