تزداد الفجوة اتساعاً بين المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل، وتكشف التسريبات تفاصيل الخلافات الجوهريّة التي انتقلت من مرحلة تراشق الاتهامات بالمسؤولية عن إخفاقات 7 تشرين الأوّل (أكتوبر) ووصلت لحدّ الخلاف العمليّاتي الذي ينعكس مباشرة على إمكانيّة استمرار الحرب في قطاع غزّة.
آخر التباينات النافرة بين الجانبين كان كلام نقلته صحيفة “نيويورك تايمز” عن مسؤولين كبار بشأن رغبة جنرالات الجيش الإسرائيلي في وقف إطلاق النار في غزة حتى لو أدى ذلك إلى إبقاء حركة “حماس” في السلطة الوقت الحالي.
ويعتقد الجنرالات، وفقاً للصحيفة الأميركيّة، أنّ الهدنة ستكون أفضل طريقة لاستعادة ما يقرب من 120 إسرائيلياً لا يزالون محتجزين أحياء وأمواتاً في غزة.
وسرعان ما ظهر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في مقطع فيديو للتصدّي لهذه التصريحات، إذ أعاد التأكيد أنّ “الحرب ستتواصل حتى تحقيق جميع أهدافها بما في ذلك القضاء على حماس وعودة الرهائن”، مضيفاً: “المستوى السياسي حدد هذه الأهداف للجيش الذي تتوفر لديه كافة الأدوات لتحقيقها”.
“مرشّح للتصعيد”
يؤكّد عضو الكنيست السابق جمال زحالقة، في حديث مع “النهار العربي”، أنّ “الخلاف بين نتنياهو وقيادة الجيش جدّي جدّاً وأعمق مما يبدو، ولن ينتهي، بل هو مرشّح للتصعيد”، مشيراً إلى “تضارب واضح في المصالح” بين الجانبين.
ويضيف زحالقة: “نتنياهو يستكمل حملته الانتخابيّة التي بدأها منذ اندلاع الحرب ويريد تحميل الجيش الإسرائيلي وحده مسؤولية إخفاقات 7 أكتوبر وما تلاها أيضاً من انتكاسات خلال المعارك، وأن ينأى بنفسه بشكل كلّي عن المسؤوليّة وتبعاتها” التي تؤثّر مباشرة على مستقبله السياسي.
يتفق المتخصص بالشأن الإسرائيلي محمّد أبو علان مع هذا الرأي، ويضيف أنّ “الخلاف انتقل اليوم حتى إلى المستوى العمليّاتي”، إذ يرى نتنياهو في رغبة المؤسسة العسكريّة وقف القتال دون تحقيق الأهداف المعلن عنها محاولة لتحميله مسؤولية “الفشل المطلق”، كما يشعر زعيم “الليكود” بالقلق من هدنة تبقي “حماس” في السلطة وتتسبّب بانهيار ائتلافه.
“إنهاك… ومخاوف”
ويقول أبو علان لـ”النهار العربي”، إنّ المستويين السياسي والعسكري فوجئا بطول مدّة الحرب، إذ كانا يتوقّعان ألا تتعدى الأربعة أشهر كحد أقصى، لكن مع انقضاء نحو 9 أشهر من الحرب المتواصلة “أُنهك الجيش الإسرائيلي” الذي خسر وفقاً لتقدير المستويات العسكرية عديداً للواء كامل.
ويضيف: “هناك عبء كبير على قوات الاحتياط” التي بدأت تتخلّف عن الالتحاق بالجيش الإسرائيلي، كما أنّ اليهود المتديّنين “لا يشاركون مطلقاً” في القتال.
وفي حين يخشى الجيش الإسرائيلي من “حرب طويلة” تتآكل فيها طاقاته وذخائره تدريجيّاً، بحسب “نيويورك تايمز”، لا يتوانى نتنياهو عن الضغط عليه لتحقيق أهداف الحرب المعلنة.
ويشرح أبو علان: “منذ أشهر يقول نتنياهو إنّه على بعد خطوة واحدة من الانتصار، وهو مستعد للتضحية بالجيش الإسرائيلي في حربه الوجوديّة من أجل البقاء في السلطة”.
“لا تمرّد”
ولكن في نهاية المطاف، فإنّ المؤسسة العسكريّة الإسرائيليّة التي تسعى لتحييد نفسها عن مصالح نتنياهو السياسيّة والحزبيّة والشخصيّة، لن تستطيع فرض تصوّرها ورأيها لأنّ القرار بيد المستوى السياسي المتمثّل بنتنياهو في الوقت الراهن.
ويشير زحالقة إلى أنّ الخلافات “لن تؤدي إلى تمرّد الجيش على نتنياهو، أو اتخاذ إجراءات عقابيّة بحق القيادة العسكريّة من قبل رئيس الحكومة في هذه المرحلة على الأقل”.
كذلك، فإنّ وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت “المقرّب جدّاً من قادة الجيش والذي يقف بصفّهم لن يستقيل حتى لا يتمّ تحميله مسؤوليّة فشل 7 أكتوبر وعدم تحقيق أهداف الحرب على حماس”.