لم تصدر عن العاصمة السورية دمشق، أيّ تصريحات علنية يمكن من خلالها استشفاف موقفها من المخاوف من احتمال تمدد الحرب في غزّة إلى دول أخرى. وقد لا يكون التزام دمشق الصمت من قبيل الرغبة في تبنّي سياسة الغموض الاستراتيجي بالضرورة، بل قد يشير أكثر إلى التعقيدات التي باتت تحيط بآليات اتخاذ القرار في بلد تنتشر على أراضيه قوات من أربعة جيوش أجنبية هي: الأميركي والروسي والإيراني والتركي، بالإضافة إلى استمرار انخراط الجيش السوري في معارك داخلية مع الفصائل المسلحة، لا سيما في إدلب والبادية السورية، إلى جانب أيضاً، تعرض الأراضي السورية لغارات إسرائيلية وأميركية متواصلة بذريعة التصدي للنفوذ الإيراني.
ورغم ذهاب كثيرين إلى أن السلطات السورية في صميم قرارها الذاتي قد لا تكون راغبة في رؤية الصراع في غزة يتوسع ليشمل بلداناً أخرى قد تكون سوريا في مقدمتها، وذلك لأسباب داخلية وخارجية معقدة وشائكة، إلا أن طبيعة المشهد السوري الذي أصبحت له امتدادات إقليمية ودولية كثيرة مرتبطة بالعديد من الصراعات الدائرة في المنطقة والعالم، تجعل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، على دمشق أن تتفادى احتمالات توسّع الصراع إلى حرب إقليمية كبرى.
وفي غياب التصريحات والمواقف المعلنة، مثّل الاهتمام المفاجئ للسلطات السورية بموضوع صفّارات الإنذار وتجهيز الملاجئ العامة مؤشراً إلى وجود تخوّف في دمشق من رجحان احتمال أن تخرج الحرب من حدود غزة لتنتشر ضمن حدود العديد من البلدان المجاورة، لا سيما سوريا ولبنان.
صفّارات الإنذار التي أهملت طوال سنوات الأزمة السورية، ولم يسمع أحد صوتها رغم الغارات الإسرائيلية المستمرة منذ عام 2013 وحتى اليوم، لا يعقل أن تكون السلطات السورية قد قررت تفقدها والتأكد من جاهزيتها، من دون وجود أسباب موجبة، رغم حرص هذه السلطات على عدم الكشف عن مضمون هذه الأسباب وخلفياتها.
وقبل نحو ثلاثة أسابيع، بدأت وزارة الدفاع السورية اختبار جاهزية صفارات الإنذار والملاجئ في العاصمة دمشق ومدن أخرى. وخلال هذه الفترة تكشفت الكثير من المعلومات حول عدم جاهزية صفارات الإنذار ولا الملاجئ للتعامل مع أي حدث أمني أو عسكري كبير، ويمكن أن تشكل بعض هذه المعلومات مثار انتقادات حادة للسلطات التي أهملت هذا الجانب المتعلق بتوفير الأمن والمأوى للمدنيين في أوقات الحرب من دون أي اهتمام حقيقي، إذ تبين أن ما يقارب ثلثي صفارات الإنذار قيد الصيانة، بينما معظم الملاجئ العامة مؤجرة للقطاع الخاص.
وفي هذا السياق، كشف معاون مدير الدفاع المدني في دمشق محمد شعبان، خلال اجتماع مجلس المحافظة، أنّ معظم الملاجئ العامة والأقبية في الأبنية السكنية والتي يمكن استخدامها في حالات الطوارئ مؤجرة من قبل لجان الأبنية لمكاتب وعيادات ومحال ومنشآت تجارية.
وأضاف أنّ المديرية عاجزة عن إخلائها في الوقت الحالي وتجهيزها كملاجئ عامة لاستيعاب الأهالي في حال حدوث أي طارئ.
كما لفت إلى وجود 64 صافرة إنذار في محافظة دمشق، منها 15 خارج الخدمة كلياً و39 تجري صيانتها في الوقت الحالي.
وأشار رئيس دائرة أمن المنشآت والملاجئ في محافظة دمشق أحمد الزعيم إلى أن عدد الملاجئ العامة التابعة للمحافظة 103 ملاجئ، وهي موزعة على أحياء المدينة ويتم دورياً إجراء جولات للتأكد من جاهزيتها.
وكان مجلس الوزراء السوري قد أصدر في 21 تشرين الأول (أكتوبر) الفائت تعميماً إلى مجالس المحافظات السورية ينص على اختبار جاهزية كل الملاجئ العامة من حيث الكهرباء البديلة وخزانات مياه الشرب والصرف الصحي، وإعداد قوائم بأعداد الحافلات والسيارات القادرة على النقل إلى الملاجئ.
وأوصى تعميم مجلس الوزراء كل الوزرات والمديريات والمؤسسات الحكومية بتفقد الأقبية وممرات الطوارئ والمصاعد وسيارات النقل ووضعها في حالة الجاهزية. كما أصدر تعليمات إلى كل الوزارات لتنظيم مناوبات بين موظفي مكاتب الجاهزية وتشغيل المكاتب على مدار 24 ساعة، ضمن رفع حالة التأهب للمؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية.
وكان موقع “صوت العاصمة” المعارض قد أشار في تقرير له إلى تعاميم أصدرتها الإدارات والشعب الأمنية والاستخبارية خلال الأسبوع الفائت تحظر منح الإجازات للضباط وصف الضباط.
وقالت المصادر التي نقل عنها الموقع إنّ التعاميم تقضي بتعليق منح إجازات للضباط وصف الضباط في كل من إدارة المخابرات العامة وإدارة المخابرات الجوية وفرع الأمن العسكري وإدارات الشعب الأمنية، إلى حين إصدار قرار مخالف.
وأوضحت المصادر أنّ قرار تعليق الإجازات أُصدر على خلفية الحرب في غزة.
وعلّقت وزارة الدفاع وهيئة أركان الجيش السوري خلال الأسبوع الفائت منح الإجازات لكل العاملين العسكريين حتى إشعار آخر، تزامناً مع رفع حالة التأهب في كل الأراضي السورية وخصوصاً المنطقة الوسطى والعاصمة دمشق وريفها والمنطقة الجنوبية.
ولا يستبعد بعض المراقبين أن يكون الاهتمام المفاجئ للسلطات السورية بموضوع صفارات الإنذار والملاجئ مجرد وسيلة لإشغال الرأي العام المحلي عن المشكلات الداخلية، وبخاصة أزمة المعيشة المتفاقمة، وجعله يلتفت بطريقة ناعمة إلى ما يجري بعيداً من أرضه. غير أن قسماً آخر يرى أنه لا يمكن اختصار الموضوع في هذه الجزئية لأن التهديدات جدية واحتمالات توسع الصراع قائمة وينبغي التجهز لها.