حليم يوسف

يتصدر الأطفال والثقافة لائحة الضحايا في الحروب على الدوام، فما إن تتساقط القذائف على مدينة ما حتى نجد صور الأطفال القتلى والجرحى تتصدر نشرات الأخبار في الصحافة والإعلام، كأضعف وأجمل خلق الله على الأرض.

يُضمر صوت الثقافة أمام أزيز الرصاص وهدير محركات الدبابات والطائرات التي توزع الجحيم من السماء على من هم في الأرض دون تفرقة. وفي منطقة مثل روجآفا وباقي مناطق شمال شرقي سوريا، حيث يجد المرء نفسه في مواجهة عدو همجي مدمن على القتل والتدمير الممنهجين، إذ لا تسلم من آلة تدميره محطات الوقود والكهرباء والمياه، تنسحب الثقافة إلى خارج المشهد، لتصبح في أفضل الأحوال من الكماليات التي لا تشغل بال إلا قلة قليلة من الناس. وهذا ما فعلته تركيا تماماً، سواء باحتلال مباشر لمناطق مثل رأس العين/سرى كانيه وتل أبيض وعفرين، أو بقتل النخبة السياسية والعسكرية بطائرات بدون طيار أو بالقصف الجوي وتدمير البنى التحتية. مما يضع الحلفاء في التحالف الدولي وعلى رأسها أمريكا، أمام امتحان أخلاقي صعب، بالبقاء ملتحفين بصمت مريب. أمام هذه اللوحة الدراماتيكية المرعبة من بلاد متآكلة، مهدّمة، مجزّأة، تعاني من الحصار والعقوبات والمآسي، يكاد يكون الحديث عن إقامة نشاط ثقافي طبيعي ضرباً من الخيال. ومع ذلك وبرعاية هيئة الثقافة في شمال وشرق سوريا وهيئة الثقافة في إقليم الجزيرة تتالت الفعاليات الثقافية في نهاية أكتوبر/تشرين الأول العام الجاري وبداية نوفمبر/تشرين الثاني، وخاصة معرض “الشهيد هركول” للكتاب بنسخته السابعة الذي امتدت فعالياته من الثامن والعشرين من أكتوبر وحتى نهايته. شارك في هذا المعرض 61 داراً للنشر ، وضم 140 ألف كتاب و بعدة لغات، حسب القائمين على المعرض. في حين بدأت فعاليات الدورة السابعة لمهرجان أوصمان صبري للأدب (دورة ملايي جزيري) بعد المعرض مباشرة، وابتداء من الأول من نوفمبر وحتى الثالث منه.

كثافة الفعاليات الثقافية و ضعف الإقبال الجماهيري

لا بد من الإشادة بالجهود الكبيرة التي تقف وراء إدارة هذه الفعاليات الثقافية، لكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن يتمحور حول مدى تأثير هذه الفعاليات على تنشيط الحالة الثقافية والتشجيع على اقتناء الكتب وقراءتها. ومن خلال متابعة بسيطة لردود أفعال القلة التي تشارك في هذه الفعاليات نجد بأنها بعيدة كل البعد عن تحقيق الأهداف التي تقام من أجلها. وتتكاثر الأسئلة حينها حول جدوى إحضار مائة وأربعين ألف كتاب إلى موقع يكون الإقبال عليه ضعيفاً، والقلة القليلة التي تهتم بالكتاب لا تستطيع شراء أي كتاب، بسبب النغمة التي تتردد على ألسنة كل من يزور معرض الكتاب في كل عام وهي ظاهرة غلاء الأسعار. إذا كان الهدف من أي معرض للكتاب هو تشجيع القراءة من خلال تنشيط سوق الكتاب والعودة بالفائدة على الناشرين والكتاب والعاملين في المجال الثقافي لاستدامة مشاريعهم المستقبلية. ومن يتابع معرض الشهيد هركول للكتاب في كل سنة يصل إلى نتيجة مفادها أن القائمين على أمور المعرض شديدو الحرص على قيام المعرض بشكل سنوي لمجرد إقامة المعرض وليس لهدف آخر. ولا يختلف الأمر بالنسبة لمهرجان أوصمان صبري للأدب، حيث تتكرر الأنشطة دون أية معالجة لمكامن الضعف التي تكاد تحوّل هذه الفعاليات الثقافية إلى نشاطات شكلية “فولكلورية” تكرر نفسها ولا تحمل جديداً سوى رقم النسخة.

في البحث عن المقترحات والحلول

يمكن التحدث في هذا المنحى على مستويين، الأول هو تبديل فكرة النشاطات الثقافية الكمية بالتركيز على الناحية النوعية، حيث أن معرضاً ناجحاً للكتاب يقام كل سنتين مرة ولأيام ثلاثة، أفضل بكثير من معرض فاشل للكتاب يقام بشكل سنوي ولمدة تزيد عن سبعة أيام. كما أن إقامة فعالية ثقافية سنوية تحقق الأهداف المرجوّة وتساهم في تفعيل الحالة الثقافية وتطويرها، أفضل من إقامة مجموعة فعاليات متتالية تتسم بالتكرار والدوران في حلقة مفرغة، دون إحداث أي تغيير أو تطوير في الحالة الثقافية. والمستوى الثاني يتجسد في خصوصية الوضع السائد في مناطق شمال وشرقي سوريا، فمن الخطأ الجسيم أن يتم التخطيط لإقامة معارض الكتب وتنظيم الفعاليات الثقافية بشكل طبيعي في أوضاع استثنائية. وغالباً ما يتم التخطيط لإقامة معارض الكتاب والمهرجانات الثقافية بالطريقة نفسها التي يتم التخطيط لها في الأوضاع العادية وبالميزانية نفسها، مما يقود الأمر إلى نتائج كارثية، بحيث يخرج الناشر والمؤلف والقارئ واللجان المنظِّمة جميعهم بخسارة مؤكدة، وتتكرر الحالة نفسها في كل نسخة جديدة من المعرض السنوي.

وكنتيجة لا بد من تقبلها وهي أن الأوضاع الاستثنائية التي تعيشها مناطق شمال شرقي سوريا تفرض على القائمين على الأمور، والمقصود هنا “هيئة الثقافة”، تخصيص ميزانية إضافية لهذه الفعاليات الثقافية، ولا يشترط فيها قصر أو طول المدة التي تفصل بين أوقات قيام هذه الفعاليات. حيث يتوجب تغطية تكاليف هذه الفعاليات ودعم المشاريع الثقافية للمؤسسات والجهات وللأفراد المشاركين فيها، بحيث يخلق هذا الدعم أرضية مناسبة لدى المشاركين للمساهمة بفعالية أكبر في انجاز المشاريع الثقافية في المستقبل.