ساهمت عوامل عدّة في تحويل تونس إلى نقطة عبور للمهاجرين الأفارقة، من ضمنها سهولة اختراق حدودها، وعدم اتّساق سياسات الهجرة، وانتشار المواقف المُعادية للأجانب، وتدهور الأوضاع الاقتصادية.
المشروع
إضاءة على النزاعات في المناطق الحدودية
في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا، تستمر النزاعات ويسود اللااستقرار في المناطق الحدودية المتنازَع عليها حيث تتفاعل التوترات المحلية مع الديناميكيات الإقليمية والعالمية. وفي هذا الصدد، تعمل مؤسسة آسيا ومعهد الأخدود العظيم ومركز كارنيغي للشرق الأوسط معاً من أجل تحقيق فهم أفضل لأسباب النزاعات في هذه المناطق الحدودية وتأثيراتها وأبعادها الدولية، ودعم اعتماد أساليب أكثر فاعلية لصنع السياسات وبرمجة التنمية، وبناء قدرات الشركاء المحليين من أجل تفعيل البحوث الآيلة إلى الدفع نحو التغيير السلمي.
للمزيد من المعلومات
ملخّص
أدّت الأزمات الاقتصادية والمناخية والاجتماعية الهيكلية في منطقة الساحل إلى بروز تونس كنقطة عبور للمهاجرين وطالبي اللجوء من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في طريقهم إلى أوروبا، ما عزّز نشوء اقتصاد هجرة في تونس. في غضون ذلك، يجد هؤلاء المهاجرون أنفسهم عالقين في دوّامة من التحديّات المتشابكة، وسط مساعي تونس إلى استغلال ورقة المهاجرين للضغط على الاتحاد الأوروبي من جهة، وتشديد أوروبا الضوابط الأمنية على حدودها لكبح جماح الهجرة من جهة أخرى.
محاور أساسية
ينبع تحوّل تونس إلى دولة عبور للمهاجرين من أفريقيا إلى أوروبا من عوامل مهمة عدّة، أبرزها حالة انعدام الاستقرار المزمنة في منطقة الساحل وموجات الهجرة الناجمة عن ذلك، وحدود تونس القابلة للاختراق، وسياساتها غير المتّسقة حيال الهجرة، فضلًا عن انتشار العنف والسلوك المُعادي للأجانب في البلاد، وتدهور ظروفها الاقتصادية.
تفاقمت التحديات التي تواجهها تونس في ملف الهجرة نتيجة عجز السلطات عن وضع استراتيجيةٍ شاملةٍ لإدارة تدفّق المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء. واستجابةً لهذا الوضع، لجأت الحكومة في الغالب إلى مقاربات ترتكز على الأمن وتكتيكات قصيرة المدى.
تسبّب ارتفاع عدد المهاجرين الوافدين إلى تونس بهدف الوصول إلى أوروبا ببروز بيئة للهجرة محورها الأساسي مدينة صفاقس. وساهمت عوامل أخرى في إرساء هذه البيئة، من ضمنها الأزمات المحلية في قطاعات اقتصادية رئيسة مثل صيد الأسماك، والزراعة، والاقتصاد غير الرسمي.
خلاصات
كان لفشل الحكومة في صياغة نهج متماسك وواقعي للتعامل مع مشكلة الهجرة تأثيرٌ مُزعزع للاستقرار. وقد تؤدّي العقبات البيروقراطية، وغياب الحماية القانونية، فضلًا عن سرديات المؤامرة والمواقف المُعادية للأجانب، إلى حدوث أعمال عنف وانتهاك حقوق الإنسان بصورة دورية، ما يفاقم الأوضاع الصعبة التي يواجهها أساسًا المهاجرون في تونس.
أدّى توسّع اقتصاد الهجرة إلى إضفاء طابع تجاري على مساعي المغادرة إلى أوروبا بصورة غير نظامية. وتسهم عوامل عدّة مثل الفساد، والطلب المتنامي على الهجرة، والتدهور الاقتصادي، في ترسُّخ جذور قطاع هجرة احترافي. ومن شأن وضع استراتيجية تنموية إقليمية تعالج الأزمات الاقتصادية والمناخية أن يساعد على تقويض العلاقة القائمة بين الهجرة والجريمة المنظمة.
يكشف استخدام تونس ملف الهجرة كورقة جيوسياسية للضغط على الدول الأوروبية عن القيود التي تعتري نهج الاتحاد الأوروبي حيال تشديد الضوابط الأمنية، وسياسته المتمثّلة بإلقاء مسؤولية التوصّل إلى حلول للهجرة غير الشرعية على عاتق جهات خارجية.
تسهم التناقضات على مستوى السياسات بين تونس وأوروبا، وحتى بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، في مفاقمة انعدام الاستقرار، وقد تفضي إلى حدوث كارثة إنسانية. ولا يمكن الحدّ من موجات الهجرة غير النظامية بشكل فعّال إلّا من خلال إعادة تفعيل استراتيجية أوروبية-أفريقية ترتكز على الهجرة الدائرية القصيرة المدى، والاستثمارات، والتعاون المُبتكَر.
مقدّمة
تقع تونس في صُلب تحوّل كبير يطرأ على مشهد الهجرة في منطقة البحر الأبيض المتوسط. فقد أصبحت نقطةَ عبور رئيسة للمهاجرين وطالبي اللجوء من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ولا سيما من السودان وتشاد وغينيا ومالي وساحل العاج وغيرها، بهدف الوصول إلى أوروبا.1 كذلك، أرغمت سنواتٌ من الأوضاع السياسية والاقتصادية المُتدهورة في البلاد التونسيين على الهجرة.2 لكن، خلال النصف الثاني من العام 2022، شكّل الأفارقة من جنوب الصحراء، وليس التونسيين، المجموعة الأكبر المهاجِرة إلى أوروبا من تونس.3 واكتسب هذا المنحى زخمًا في العام 2023، ما عزّز دور تونس كمركز للهجرة.
بدءًا من العام 2015، أصبح وجود مجموعة كبيرة من المهاجرين الأفارقة في تونس مألوفًا. وفي ذلك العام، ألغت تونس برامج التأشيرات المتبادلة مع عددٍ من بلدان جنوب الصحراء الكبرى.4 مع ذلك، أدّت التحولات السياسية في منطقة الساحل وليبيا إلى زيادة كبيرة في أعداد الوافدين إلى البلاد. وأرغمت سلسلةٌ من الانقلابات في منطقة الساحل، إلى جانب الأزمة المناخية وتدهور الظروف المعيشية، آلاف الأشخاص على مغادرة أوطانهم.5 وخصّص الاتفاق الموقّع في العام 2017 بين إيطاليا وليبيا بشأن الهجرة، بدعمٍ من الاتحاد الأوروبي، أموالًا لإنشاء مراكز احتجاز وتحويل الجماعات المسلحة إلى خفر السواحل. وتسبّب هذا الاتفاق، عن غير قصد، بتوجيه المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى نحو تفضيل الدخول إلى تونس بدلًا من ليبيا. وفي أعقاب تعرُّض المهاجرين إلى ضروب سوء المعاملة على أيدي الميليشيات، وانزلاق ليبيا إلى لُجج الصراع في العام 2019، بدأوا بالدخول إلى تونس بأعداد أكبر، ومعظمهم كانوا يأملون بإكمال طريقهم إلى أوروبا. علاوةً على ذلك، فَقَدَ الكثير من المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى الموجودين أساسًا في تونس وظائفهم غير الرسمية بسبب تفشّي جائحة كوفيد-19، وراحوا يبحثون عن فرص عمل في أماكن أخرى. وفي أوائل العام 2023، ألقى الرئيس التونسي السلطوي قيس سعيّد خطابًا ردّد صدى نظرية المؤامرة التي يتبنّاها اليمينيون المتطرّفون في أوروبا والمعروفة بـ”الاستبدال العظيم”.6 وأدّى ذلك إلى تأجيج العنف العنصري ضدّ الأفارقة السود من جنوب الصحراء الذين يعيشون في البلاد، في ظل تزايد أعداد المهاجرين المقيمين في تونس والراغبين في الوصول إلى أوروبا.7
لقد فشلت السلطات التونسية في وضع استراتيجيةٍ شاملةٍ لإدارة تدفّق المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، فما بالك بكبح هذا التدفّق. وعوضًا عن ذلك، لجأت هذه السلطات إلى سياسات غير متّسقة، وتدابير قمعية، وتكتيكات قصيرة المدى نابعة من عقلية أمنية، وقائمة بصورة أساسية على الطرد الجماعي للمهاجرين وطالبي اللجوء إلى المناطق الريفية أو الحدودية. هذا وساد في تونس اقتصاد هجرة مزدهر ينطوي على شبكات تهريب فاعلة مؤلّفة من أشخاص يحاولون كسب الرزق في بلدٍ يرزح تحت أزمات اقتصادية ومناخية منهجية. وقد أثبت اقتصاد الهجرة هذا أنه قادر إلى حدٍّ كبير على تلبية طلبٍ يزداد تنوّعًا، وعلى التكيّف مع القيود المفروضة عليه نتيجة إنفاذ القانون. وهكذا، يُظهِر تحوّل تونس إلى مركز عبور للمهاجرين إلى أيّ حدٍّ أصبحت الهجرة قضيةً راسخةً تعكس التحدّيات البنيوية في البلاد، ومدى تأثّر هذه الأخيرة بعدم الاستقرار الإقليمي، والديناميات الجيوسياسية الأوسع.
معضلة الهجرة في تونس:بين السياسات والمخاطر والطريق إلى أوروبا
يمكن أن يُعزى تحوّل تونس إلى بلد عبورٍ للمهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلى عوامل ثلاثة رئيسة، هي: غياب سياسة شاملة للهجرة، والتشريعات غير المناسبة التي عفا عليها الزمن، والنهج الأمني المُتّبَع بهدف التعويض عن غياب رؤية متماسكة. وعلى الرغم من عملية الانتقال الديمقراطي المؤقّتة التي شهدتها تونس عقب إطاحة الرئيس زين العابدين بن علي في العام 2011، تردّدت النخب السياسية في الاعتراف بوضع تونس الجديد بوصفها وجهةً للهجرة الإقليمية، وتجنّبت تحديث الإطار القانوني المتقادِم الذي ينظّم الهجرة في البلاد. كذلك فشلت تونس في إقرار قانون يضمن الحقّ في طلب اللجوء، كما نصّ عليه دستورها للعام 2014، ومختلف الاتفاقيات التي صادقت عليها، مثل اتفاقية اللاجئين الأفريقية، واتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين.8 وصحيحٌ أن الحكومات التي أعقبت العام 2011 اعتمدت قانونًا لمكافحة الإتجار بالبشر في العام 2016، وقانونًا آخر في العام 2018، إلى جانب إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الإتجار بالأشخاص، إلا أنها ظلّت متردّدةً في تطبيق سياسات تحمي المهاجرين من الاستغلال على أيدي أرباب العمل.9 ولذا، يبقى المهاجرون من جنوب الصحراء في حالة من الهشاشة القانونية، وغالبًا ما يُستغَلّون كعمالة رخيصة في القطاعَين الرسمي وغير الرسمي على السواء، من دون أيّ ضمانة قانونية بحصولهم على حقوق الإقامة.10 كذلك، تَفاقَم غياب الإصلاح القانوني بسبب استعادة سعيّد الحكم السلطوي منذ استيلائه على السلطة في تموز/يوليو 2021، إذ اعتمد بشكل متزايد على الأجهزة الأمنية لإدارة الهجرة، مُفَضّلًا الإجراءات غير الرسمية والتدابير القمعية.11
يُضاف إلى ذلك أن شؤون المهاجرين في تونس لا تزال من الناحية القانونية محكومةً بقانون 2004-06 المُقيِّد والجائر، وهو من بقايا عهد بن علي.12 فالطريقة الصارمة التي تطبِّق بها الهيئات الحكومية القانون تعرّض الأجانب للخطر، حتى إن الذين يدخلون إلى تونس بصورة قانونية، بمَن فيهم الطلاب والمقاولون، يضطّرون إلى الانتظار لفترات طويلة من أجل الحصول على تصاريح الإقامة. نتيجةً لذلك، تعترضهم عقبات عدّة، منها صعوبة فتح حسابات مصرفية والمشاركة في أنشطة روتينية أخرى، ما يمنعهم من عيش حياة طبيعية. وقد أدّى ذلك، منذ العام 2011، إلى انخفاض بنسبة 30 في المئة في عدد طلاب الجامعات من جنوب الصحراء الكبرى، الذين يختار الكثير منهم اليوم الانتقال من بلدانهم إلى المغرب لمتابعة تعليمهم العالي.13 أما وضع المهاجرين غير النظاميين، فهو أشدّ صعوبة حتى، إذ إن افتقارهم إلى تصاريح الإقامة يقيّد حركتَهم ووصولَهم إلى الخدمات الأساسية، ويعرّضهم للاستغلال على أيدي أصحاب العمل.
ولا تنكسر هذه الحلقة إذا قرّر المهاجرون مغادرة تونس على نحو قانوني، لأن الحكومة التونسية تفرض غرامةً باهظةً قدرها 3000 دينار تونسي (1000 دولار) على الأفراد الذين تتجاوز مدّة إقامتهم ثلاثة أشهر قبل الخروج من الأراضي التونسية.14 يُعَدّ هذا المبلغ ضخمًا للكثير من المهاجرين من جنوب الصحراء الذين يكافحون لتأمين أبسط احتياجاتهم، ما يُرغمهم على البقاء في البلاد بصورة غير قانونية. ويزداد الوضع تعقيدًا بسبب عدم اتّساق سياسات الهجرة في تونس. فحتى عندما فرضت البلاد شروطًا صارمة على الإقامة والمغادرة، أبرمت بين العامَين 2014 و2019 اتفاقيات تعفي مواطني عددٍ من دول جنوب الصحراء الكبرى من متطلّبات التأشيرة، الأمر الذي دفع الكثير من الأفارقة من جنوب الصحراء إلى الانتقال إلى تونس. ومع ذلك، إن المهاجرين الذين يبقون في تونس لفترة أطول من ثلاثة أشهر يجدون أنفسهم عالقين في وضع محفوف بالمخاطر.15
كذلك، ساهمت عوامل هيكلية أخرى إلى حدٍّ كبير في زيادة تدفّق المهاجرين المارّين عبر تونس. وتشمل هذه العوامل استمرار الفقر وانعدام الأمن في دول أفريقية عدّة جنوب الصحراء الكبرى،16 إضافةً إلى التصوّر السائد بأن تونس تشكّل نقطة عبور آمنة أكثر إلى أوروبا، مقارنةً مع ليبيا المجاورة أو حتى الجزائر.17 يُضاف إلى ذلك أن عجز تونس عن منع الجزائر من توجيه أعداد كبيرة من اللاجئين نحوها أدّى دورًا محوريًا في تشكيل ديناميات الهجرة في المنطقة.18 فآلاف المهاجرين من جنوب الصحراء يمرّون عبر الجزائر قبل الوصول إلى تونس في طريقهم إلى أوروبا، وقد اتّبعت السلطات الجزائرية نهجًا أمنيًا يرمي إلى منعهم من الاستقرار في الجزائر،19 وذلك عن طريق توجيههم في الكثير من الأحيان نحو البلدان المجاورة، خصوصًا النيجر في الجنوب، وتونس في الشرق.20 هذا وقد أرسى اعتماد تونس على الجزائر للحصول على الغاز الطبيعي والمساعدات الاقتصادية وضعًا غير متكافئ، تفتقر فيه تونس إلى هامش المناورة والتنسيق مع جارتها النافذة بشأن تدفّق المهاجرين، ولذا تضطرّ إلى إدارة هذا التدفّق بشكل مستقلّ.
فضلًا عن ذلك، أثارت التصريحات المُعادية للأجانب والمليئة بالكراهية التي أطلقها سعيّد في اجتماع مجلس الأمن القومي، في 21 شباط/فبراير 2023، موجةً من العنف العنصري ضدّ المهاجرين والطلاب وطالبي اللجوء السود من بلدان جنوب الصحراء الكبرى. ففي ظلّ تفاقم الأزمة المالية في البلاد، وتراجع شعبية الرئيس سعيّد، قرّر تحويل المهاجرين السود إلى كبش فداء، زاعمًا أن “جحافل المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى” دخلوا إلى تونس جالبين معهم “العنف والجرائم والممارسات غير المقبولة”.21 كذلك، روّج لنظرية مؤامرة مفادها أن هذا التدفّق جزءٌ من خطة إجرامية تهدف إلى “تغيير التركيبة الديمغرافية” لتونس، وتحويل البلاد إلى “مجرّد دولة أفريقية أخرى لا تنتمي إلى الأمّتَين العربية والإسلامية”.22 وقد أدّى المزيج الناتج عن عمليات الاعتقال التي نفّذتها قوى الأمن، والاعتداءات المُعادية للأجانب التي نفّذها قسمٌ من المجتمع التونسي، إلى دفع الكثير من المهاجرين من بلدان جنوب الصحراء إلى الهجرة إلى أوروبا بشكل غير شرعي.23
بحسب الأرقام، كانت ليبيا في العام 2017، أي قُبيل توقيع اتفاق الهجرة المتمحور حول الأمن بين ليبيا وإيطاليا، نقطة عبور 91 في المئة من الوافدين إلى الشواطئ الإيطالية، فشكّلت بذلك الوجهة الأساسية لمعظم المهاجرين الأفارقة. لكن تونس أصبحت نقطة عبور مفضّلة للمهاجرين على طول الطريق المركزي للبحر المتوسط. بحلول العام 2019، غادر 36 في المئة فقط من المهاجرين بحرًا من ليبيا، وانطلق 32 في المئة من تونس. أما في العام 2020، فقد وصل إلى إيطاليا 43 في المئة من الوافدين بحرًا من تونس، و38 في المئة من ليبيا.24 واستمرّ هذا المنحى ليسجّل أعلى مستوياته في العام 2023، حين بلغت نسبة الوافدين إلى الشواطئ الإيطالية 61 في المئة من تونس و33 في المئة من ليبيا.25 وارتفعت أيضًا الأرقام الإجمالية. وأدّى تدهور الأوضاع الاقتصادي في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل بسبب تفشّي جائحة كوفيد-19 إلى زيادة حادّة في إجمالي عدد المهاجرين الوافدين إلى إيطاليا، من 11,500 في العام 2019 إلى 157,300 في العام 2023 .26
في ظل ارتفاع عدد المغادرين من تونس بحرًا، أبصر اتّجاهٌ جديد النور، وتمثّل في ازدياد مطّرد في عدد الوافدين الأفارقة من جنوب الصحراء الكبرى المغادرين من تونس.27 وبلغ عدد التونسيين 2600 شخص من إجمالي عدد المهاجرين الذي غادروا من تونس في العام 2019 والبالغ 3600. لكن هذا الرقم انخفض في العام 2022، بحيث غادر البلاد 18,400 تونسي من أصل 32,400 مهاجر. وفي العام 2023، تراجعت نسبة التونسيين بشكل إضافي، إذ وصل إلى إيطاليا بحرًا من تونس 97,300 مهاجر، من بينهم 17,300 تونسي، ما يعادل 18 في المئة فقط. ومن بين إجمالي عدد الوافدين إلى إيطاليا من جميع الدول في العام 2023، وصل 12 في المئة من غينيا، و11 في المئة من تونس، و11 في المئة من ساحل العاج، و6 في المئة من بوركينا فاسو، و4 في المئة من مالي، و3 في المئة من السودان.28 في هذا السياق، أفادت وزارة الداخلية التونسية أنها اعترضت طريق 70 ألف مهاجر في العام 2023، ما يمثّل ارتفاعًا صارخًا عن عدد المهاجرين الذين تم اعتراض طريقهم في العام 2022 والبالغ 31,297. ومن هذا المجموع، كان 77.5 في المئة من المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى، بينما شكّل التونسيون نسبة 22.5 في المئة الباقية.29 يُعدّ هذا الأمر تحوّلًا ملحوظًا عن العام 2022، حين كان 59 في المئة من المهاجرين أجانب و41 في المئة كانوا من التونسيين.30
يُعزى معظم هذا الارتفاع في أعداد الوافدين إلى تونس إلى التوتّرات العرقية التي نشأت خلال ربيع وصيف العام 2023.31 فتصريحات الرئيس التونسي المُعادية للأجانب دفعت الكثير من أرباب العمل إلى صرف العمّال المهاجرين غير النظاميين، ما بثّ فيهم الخوف وأرغمهم على الاختباء. توالت بعد ذلك حوادث العنف، حيث اعتدت مجموعة من التونسيين، في 22 أيار/مايو، على أفارقة من بلدان جنوب الصحراء الكبرى في صفاقس، ما أسفر عن مقتل أحد المهاجرين من بنين.32 ثم اندلعت اشتباكات في 2 تموز/يوليو، ثم بعد ذلك بيومَين، عَقب طعن مواطن تونسي أحدَ المهاجرين وقتله.33 ردًّا على ذلك، اعتقلت الشرطة، بدعمٍ من السكان، مئات الأفارقة من جنوب الصحراء، بعضهم كان يحاول المغادرة إلى أوروبا، ونفتهم إلى الحدود الليبية والجزائرية.34 وقد أشارت مصادر إنسانية دولية إلى نفي ما لا يقلّ عن 5500 مهاجر إلى الحدود الليبية، و3000 إلى الحدود الجزائرية، منذ حزيران/يونيو 2023،35 علمًا أن أكثر من مئة مهاجر لاقوا حتفهم للأسف في الصحراء الليبية التونسية.36
تجدر الإشارة إلى أن السلطات التونسية وضعت ترتيبات مع عددٍ من دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، منها ساحل العاج ومالي وغينيا، تتنازل بموجبها عن فرض عقوبات على المهاجرين غير الشرعيين الذين يختارون العودة إلى وطنهم. ومع ذلك، لا يزال عدد الأفراد الذين يقبلون بالترحيل منخفضًا، إذ إن 3000 إيفواري فقط مسجّلين في تونس من أصل 7000 قبلوا بالعودة الطوعية إلى وطنهم، بينما رُحّل منهم 1053 شخصًا.37 أمّا عدد الماليين والغينيين فكان أقلّ حتى.38 واقع الحال أن الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا تبقى الخيار المفضّل لقسمٍ كبيرٍ من المهاجرين. وساعد تهجّم سعيّد على المهاجرين من جنوب الصحراء في زيادة وتيرة هذه الهجرة،39 إذ ارتفعت معدّلات العبور من تونس إلى إيطاليا بنسبة 70 في المئة تقريبًا، بين منتصف تموز/يوليو وأوائل أيلول/سبتمبر 2023، مع وصول عددٍ قياسي من المهاجرين إلى جزيرة لامبيدوزا، بلغ 7 آلاف مهاجر، في غضون 48 ساعةً فقط، في 12 و13 أيلول/سبتمبر.40 الجدير بالذكر أن نسبة 43.5 في المئة من إجمالي الوافدين إلى إيطاليا في العام 2023 سُجِّلَت في تموز/يوليو، وآب/أغسطس، وأيلول/سبتمبر، بالتزامن مع تدهور الوضع الأمني للمهاجرين في تونس.41
ومن المستبعد أن يتغيّر أيٌّ من ذلك في المستقبل القريب، إذ إن التقلّبات السياسية في دول ما يُسمّى “حزام الانقلابات” في أفريقيا يقوّض أكثر الأنظمة في جميع أنحاء منطقة الساحل وغرب أفريقيا، التي كانت تعمل بشكلٍ سيّئٍ أصلًا.42 هذا وتُولِّد الحرب الأهلية في السودان بدورها موجة هجرة، وتسبّبت حتى الآن بتهجير 5 ملايين شخص، سافر ما يُقدَّر بمليون منهم إلى الخارج.43 بعض هؤلاء توجّهوا إلى تونس، وبنوا فيها شبكات تهريب لمواطنيهم تمهيدًا لوصولهم إليها،44 ومن المرجّح أن يشتدّ هذا المنحى مع استمرار الصراع في السودان. لهذه الأسباب مجتمعةً ستبقى تونس على الأرجح نقطةً أساسيةً للهجرة والعبور في السنوات المقبلة.
بروز بيئة للهجرة في صفاقس
إن تهريب البشر من تونس ليس أمرًا طرأ مؤخّرًا، ولكنّ الجديد هو بروز صفاقس الواقعة في جنوب تونس بوصفها نقطةً مركزيةً للهجرة. تاريخيًا، عُرِفَت صفاقس، وهي ثاني أكبر مدينة تونسية من حيث عدد السكان، بحيويتها الاقتصادية، واستطاعت بفضل مزاولة سكانها ريادة الأعمال، وتمتّعهم بالمهارة الحرفية، الحفاظَ على نشاط اقتصادي مزدهر في قطاعات متعدّدة، بما في ذلك الخدمات، والبناء، والتجارة، والصناعة.45 لكن مع تدهور الوضع الاقتصادي في تونس على مدى العقد الماضي، وازدياد أعداد المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى في المنطقة، بدأ الكثير من القطاعات بالاعتماد على هؤلاء كقوة عاملة فعّالة من حيث التكلفة، ولو انطوى الأمر على مخاطر قانونية. وأسفر التراجع الاقتصادي المتواصل، المقترن بتصاعد التوتّرات العنصرية، عن نشوء اقتصاد هجرةٍ مزدهرٍ في صفاقس وضواحيها، يشكّل اليوم خير مثال على تحوّل الهجرة تدريجيًا إلى قطاع فعلي.
يُعَدّ الشريط الساحلي الممتدّ على طول 40 كيلومترًا بين صفاقس والشابة، وهي مدينة تقع شرق تونس على بُعد 130 كيلومترًا فقط من جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، مسؤولًا عن 75 في المئة من القوارب المُغادِرة إلى أوروبا.46 ومن البلدات والقرى الصغيرة على طول هذا الشريط، التي تؤدّي أدوارًا مختلفةً في تسهيل الهجرة غير النظامية، نذكر جبنيانة، والعامرة، وحزق، واللوزة، وعقارب، والحميزية، والبدارنة، وسيدي مخلوف، والعوابد، وأولاد بوسمير، وملولش.47 الواقع أن نشوء بيئة الهجرة في صفاقس والمناطق المجاورة نتج عن الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها المنطقة. فقد عَمَد الكثير من أصحاب المصالح في قطاعَي الزراعة وصيد الأسماك، وهما تقليديًا من الدعائم الأساسية لاقتصاد صفاقس، إلى تهريب الأشخاص بعدما دُفعوا نحو أشداق الفقر جرّاء سنوات الجفاف، وارتفاع تكلفة المواد الغذائية الأساسية، وسياسة التسعير الزراعي غير المتّسقة، وهي ظواهر تزامنت مع ارتفاع أعداد المهاجرين من جنوب الصحراء الداخلين إلى البلاد.48 وهكذا، ما كان في البداية نشاطًا محدود النطاق، انخرط فيه أساسًا شبابُ المنطقة في موسم الصيف، تطوّر سريعًا ليصبح تجارةً مزدهرةً على مدار السنة.
ومع الوقت، جرى التوصّل إلى اتفاق غير مُعلَن في صفاقس، قُبِلَت بموجبه ضمنيًا عمليةُ دمجٍ هشّة للمهاجرين، شجّعها حتى السكان المحليون أحيانًا مقابل الحصول على اليد العاملة الرخيصة لأصحاب المشاريع، وعلى المستأجرين لأصحاب العقارات. وكان على عاتق الأجهزة الأمنية ضبط الهجرة غير النظامية، والحفاظ على الأمن، إلا أن التوتّرات بدأت تتصاعد بسبب ازدياد أعداد المهاجرين الذين يجري اعتراضهم في البحر ثم يُطلَق سراحهم في صفاقس من دون موارد مالية أو مساعدات إنسانية. بات هؤلاء، بعد أن خسروا كل شيء، عاجزين عن تحمّل تكاليف الإيجار أو إعالة أنفسهم، فاضطّر الكثير منهم إلى نصب خيام مؤقّتة في المدينة في انتظار فرصةٍ للهجرة من جديد.49
لم تؤثّر هذه الأزمة على مدينة صفاقس فحسب، بل امتدّت أيضًا إلى المناطق المحيطة بها، إذ لجأ مثلًا الكثير من المهاجرين في البلدات والقرى الصغيرة، على غرار العامرة وجبنيانة. وأصبح الأفارقة من جنوب الصحراء الكبرى عمّالًا زراعيين مُتاحين بسهولة، يعملون في قطف محاصيل الزيتون، وفي أنشطة زراعية أخرى. في المقابل، يجد هؤلاء مأوى رخيصًا في تلك المناطق الريفية، حيث غالبًا ما يشيّدون الأكواخ أو ينصبون الخيام في الحقول، ويقيمون فيها منتظرين فرصة المغادرة. فما كان إلّا أن أصبحت البلدات والقرى الصغيرة في المناطق النائية في صفاقس جزءًا لا يتجزّأ من لوجستيات الهجرة غير النظامية.
طوال العام 2022، ومع تزايد الطلب على المغادرة، بدأت ورش عمل سريّة لصناعة القوارب المعدنية بمزاولة نشاطها في المناطق النائية في صفاقس. وتكثّفت هذه الأعمال في العام 2023، حين انخرط عددٌ كبير من المهاجرين المعوزين في صناعة هذه القوارب المعدنية مقابل الحصول على مأوى. وفي ظل ارتفاع الطلب وقمع سلطات إنفاذ القانون حالات المغادرة المتزايدة، برزت شبكات الإتجار بالمحرّكات المسروقة أو المهرّبة من ليبيا. وتبدّل استخدام أماكن العمل والحظائر الزراعية وباتت تُعنى بتعديل محرّكات الدرّاجات النارية وتكييفها لتُصبح محرّكات للقوارب. وعلى الرغم من أن هذه المحرّكات خطرة وغير موثوقة، تم استخدامها بسبب ارتفاع الطلب في سوق الهجرة المزدهر.
أتاح التوسّع الكبير لبيئة الهجرة فرصًا لبعض القوى الفاعلة داخل شبكات التجارة غير الرسمية مع الجزائر وليبيا. وساهمت التحديّات الاقتصادية والأمنية في ليبيا من جهة، والإجراءات الأكثر تشدّدًا التي فرضتها السلطات في تونس من جهة أخرى، في تراجع أنشطة التهريب التي يزاولها التونسيون مع البلدَين. واغتنم بعض الأفراد الفرصة للمشاركة في نقل المهاجرين من الحدود الجزائرية والليبية إلى صفاقس. واقع الحال أن الجزائر سمحت ضمنيًا بمرور المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء إلى تونس.50 وبمجرّد عبورهم الحدود الجزائرية التونسية، يُكمِل عددٌ كبيرٌ منهم رحلته إلى صفاقس سيرًا على الأقدام، فيما يدفع الميسورون منهم إلى سائقين سبق أن انخرطوا في تجارة السلع غير الرسمية لإيصالهم إلى وجهتهم.51 تتطلّب هذه العملية أيضًا نقل المهاجرين من أماكن إقامتهم أو مخابئهم إلى نقاط المغادرة يوم الانطلاق. تُعبّر مشاركة السائقين في هذه العملية عن قدرتهم على التكيّف مع الفرص التي تتيحها الهجرة غير النظامية، فيسهمون بذلك في نمو قطاع الهجرة.
وقد أرغمت المطالب المتزايدة المُنادية بترحيل المهاجرين غير النظاميين، والمخاطر المالية الكبيرة، هذه الشبكات على تنظيم نفسها بصورة منهجية أكثر. تتألّف الشبكة عادةً من أفراد عدّة ذوي أدوار منفصلة، ويؤدّي رئيس الشبكة، الذي غالبًا ما يُشار إليه بزعيم الشبكة، دورًا محوريًا، ولكنه للمفارقة يظلّ مجهول الهوية نسبيًا.52 أما المسؤوليات الأساسية التي يتولّاها زعيم الشبكة، فتشمل تحديد مواعيد المغادرة، وإعطاء الأذونات بالعبور، والتأكّد من سلامة عملاء الشبكة. ويحتاج الزعيم لإنجاز هذه المهام إلى الحصول على المعلومات المهمّة حول تحرّكات الأجهزة الأمنية برًّا وبحرًا. ويتولّى مساعدة رئيس الشبكة مُنظِّمٌ يكون جهة الاتصال الرئيسة لجميع أعضاء الشبكة الآخرين، ويبقى على اتصال مباشر مع الوسطاء، والناقلين، والمهرّبين، والمضيفين. ويقيم الوسطاء في المجتمعات المحلية الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى صلاتٍ داخل تونس وخارجها لربط المهاجرين المُحتملين بالمُنظِّم. لهذه الغاية، كثيرًا ما تُستخدَم منصّات التواصل الاجتماعي، مثل “واتساب” و”سيغنال” و”ميسينجر”، لإقامة الاتصالات ونشر المعلومات المتعلّقة بالأسعار وشروط المغادرة، وللتنسيق مع عابري الحدود الجزائرية والليبية. ويُقلّ الناقلون المهاجرين بالقوارب من الحدود إلى صفاقس ونقاط انطلاق محدّدة على الشاطئ.
فضلًا عن ذلك، يضطلع البحّارون أحيانًا بدورٍ في الإجراءات، فقد يساعدون هم أو القباطنة في توجيه القوارب، ولا سيما في الحالات التي تكون فيها تكلفة العبور كبيرة. ولكن في معظم الحالات لم يعد البحّارة يشاركون مباشرةً في هذه العمليات. فمنذ العام 2021، يبدو أن المهاجرين غير النظاميين بدأوا يبتعدون عن الاعتماد على المهرّبين، وأصبحوا أكثر فأكثر يهرّبون أنفسهم. أدّى هذا المنحى إلى عمليات مغادرةٍ غير مركزية وغير منتظمة على طول الخطّ الساحلي، ما أسفر عن وصول تونسيين ومهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى إلى الشواطئ الإيطالية في موجات متفرّقة. وغالبًا ما اعتمد المهاجرون على تقنية النظام العالمي لتحديد المواقع (GPS)، وعلى مهارات الملاحة البسيطة. ويحافظ المهرّبون عادةً على علاقات مع السلطات المحلية، ما يعني أن التحوّل إلى التهريب الذاتي بالاستغناء عن الوسطاء بدأ يغيّر ديناميات الهجرة.53
لكن التهريب الذاتي ينطوي على مخاطر كبيرة، جسدية ونفسية ومالية. فغالبًا ما يملأ المنظّمون القوارب بحمولة زائدة من الركّاب سعيًا إلى تحقيق أقصى قدرٍ من الربح، على الرغم من أن القوارب غير مناسبة ببنيتها للعبور المحفوف بالمخاطر. وصحيحٌ أن الكثير من المهاجرين يكملون رحلتهم بنجاح، إلا أن آخرين يُعترَضون، والمؤسف أن عدد الذين يهلكون في البحر ارتفع باطّراد في السنوات الأخيرة. فوفقًا للمنظمة الدولية للهجرة، ارتفع عدد المهاجرين واللاجئين الذي فُقِدوا أو لاقوا حتفهم أثناء محاولتهم عبور البحر من 1553 في العام 2021، إلى 1417 في العام 2022، ووصل إلى 2500 في العام 2023.54 هذه الأرقام تسلّط الضوء على المخاطر الكبيرة التي يواجهها المهاجرون في محاولتهم الوصول إلى الشواطئ الإيطالية، ولا سيما وسط إجراءات الأمنَنة السائدة.
واللافت أن ثمة تمييزًا بين التونسيين والأفارقة من جنوب الصحراء الكبرى في ما يتعلّق بالأسعار وتدابير السلامة. فالتونسيون يدفعون أكثر عمومًا، أي حوالى 5 آلاف دينار (1500 دولار) للشخص الواحد، ويعبرون على متن قوارب آمنةً أكثر ومُجهَّزة بمحرّكات يُعوَّل عليها. أما الأفارقة من جنوب الصحراء، فتُعرَض عليهم رحلاتُ عبور أرخص، مقابل 2500 دينار (800 دولار) للشخص الواحد، ولكن تنطوي على مخاطر أعلى بكثير.55 وغالبًا ما يعبر هؤلاء على متن قوارب حديدية أو مطّاطية مُجهَّزة بمحرّكات غير موثوقة، ناهيك عن أن المهرّبين، في سعيهم إلى تحقيق أقصى قدرٍ من الربح، بدأوا يملؤون القوارب حتى الاكتظاظ، ما يزيد خطر انقلابها بشكل كبير. لكن نظرًا إلى ازدياد هجرة أُسَرٍ بكاملها، أصبح ممكنًا لعائلة أو مجموعة من العائلات من الحيّ نفسه تأمين قارب خاص، وتحديد نوعيته مسبقًا.
لقد تطوّرت بيئة التهريب في صفاقس لتصبح تجارة واسعة النطاق. فمع تزايد العقبات التي تقف في وجه الهجرة الشرعية، يلجأ المزيد من الأشخاص إلى شبكات التهريب، التي تفرض رسومًا أعلى مقابل طرق أكثر خطورةً لنقل زبائنها إلى أوروبا. وعلى الرغم من التدابير المتقدّمة التي اتخذتها السلطات الأوروبية للحدّ من الهجرة غير الشرعية، يدلّ الطلب المتزايد على شبكات التهريب على أن طموحات الوصول إلى أوروبا لا تزال قائمة، وتزيدها العوامل الدافعة إلى الهجرة التي يواجهها المهاجرون في بلدانهم. لقد مكّن هذا الطلب القوي على الهجرة شبكات التهريب من الازدهار، على الرغم من أنها تضع الأشخاص الضعفاء في أوضاع محفوفة بالمخاطر سعيًا إلى تحقيق الربح.
فشل أمني وعدم اتّساق السياسات التونسية والأوروبية
أدّى حجم الطلب على الهجرة في تونس، كما في دول أخرى، إلى نشوء قطاع هجرة غير شرعية واسع النطاق بحيث تعجز القوات الحدودية عن احتوائها بشكل فعّال، فما كان من السلطات التونسية إلّا أن اعتمدت تدابير أمنية مشدّدة. لكن على الرغم من عملية التحوّل الديمقراطي التي انطلقت بعد العام 2011، كانت نخب البلاد متردّدة حيال الاعتراف بدور تونس الجديد كوجهة إقليمية للمهاجرين، وأغفلت عن تحديث الإطار القانوني الخاص بالهجرة. فقد امتنعت تونس عن إقرار قانون يضمن الحقّ في طلب اللجوء، وفق ما ينصّ عليه دستورها للعام 2014، ومختلف الاتفاقيات التي صادقت عليها، على غرار اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية حول اللاجئين واتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين.56 كانت تونس تفتقر إلى إصلاحات قانونية لتنظيم الهجرة، وازداد الوضع سوءًا بعد استيلاء سعيّد على السلطة في تموز/يوليو 2021، إذ اعتمد بشكل متزايد على الأجهزة الأمنية لإدارة ملفّ الهجرة، مفضّلًا اتّخاذ ترتيبات غير رسمية وفرض تدابير قمعية.57
بموازاة ذلك، بدأت الدول الأوروبية تميل نحو تطبيق حلول أمنية الطابع للتعامل مع مشكلة الهجرة. خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تبلورت خطة أوروبية قائمة على إلقاء الدول الأوروبية مسؤولية التوصّل إلى حلول للهجرة غير الشرعية على عاتق الجهات الخارجية، عبر تحويل الدول الواقعة جنوب المتوسط إلى منطقة عازلة. وتسارعت وتيرة هذه الخطة خلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين وسط تنامي أزمة المهاجرين واللاجئين التي بلغت ذروتها في العام 2015 حين وصل إلى أوروبا 1.3 مليون طالب لجوء، وهو أعلى رقم مسجّل خلال عام واحد منذ الحرب العالمية الثانية.58 شملت هذه الجهود إبرام اتفاقيات حول الهجرة بين الاتحاد الأوروبي ودول الجوار الجنوبي الشريكة من أجل تعزيز قدرة هذه البلدان على إدارة الحدود واعتراض المهاجرين. علاوةً على ذلك، تم تفعيل شبكة معقّدة من آليات التمويل لتقييد حركة المهاجرين وإنشاء مراكز احتجاز في دول مثل تركيا وليبيا. بشكل عام، اعتمدت هذه الاستراتيجية الأوروبية اعتمادًا كبيرًا على التدابير الأمنية المشدّدة.59 والمفارقة أن هذه الجهود منحت أنظمة دول الجوار الجنوبي ورقة قوية يمكن أن تستخدمها للضغط على الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من هذه التدابير المكثّفة، أتت النتائج صادمة. فمنذ العام 2020، ارتفع باطّراد عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى إيطاليا، ليبلغ مستويات مشابهة لتلك المسجّلة خلال سنوات الأزمة بين 2014 و2016.60 ويشير ذلك إلى أن هذه المساعي قد تكون لها نتيجة عكسية. فالتأثير الأبرز للسياسات الأمنية المشدّدة لم يكن الحدّ من الهجرة أو تعطيل عمل المهرّبين، بل زيادة قيمة الخدمات التي يقدّمها المهرّبون والمخاطر المُحدقة بمن يستخدمها.
في إطار جهود الاتحاد الأوروبي الرامية إلى إلقاء مسؤولية التوصّل إلى حلول للهجرة غير الشرعية على عاتق الجهات الخارجية، تبنّى أحيانًا مقاربة مستوحاة من الحكومة الإيطالية اليمينية، ما خفّف من حدّة انتقاداته للتحوّل السلطوي في تونس. فقد سعى الاتحاد الأوروبي إلى ربط المساعدات المالية الممنوحة لتونس بتعاونها في الحدّ من تدفّق المهاجرين. ويجادل المنتقدون بأن تقديم مثل هذا الدعم السياسي والاقتصادي لسعيّد يقوّض محاولات إرغامه على تغيير مساره غير الديمقراطي، من دون أي ضمانة على أن ذلك قد يعزّز الاستقرار في تونس. وبحسب هذا الرأي، قد تؤدّي هذه المقاربة حتى، على المدى الأبعد، إلى ارتفاع وتيرة الهجرة التونسية، لأن عزوف سعيّد عن إجراء إصلاحات قد يفضي إلى انهيار اقتصاد البلاد. وجهة النظر هذه تتبنّاها ألمانيا وبعض الدول الأعضاء في البرلمان الأوروبي التي انتقدت التعاون الوثيق مع نظام سعيّد واتّهمت المفوضية الأوروبية بتقديم “الدعم المالي لحكّام استبداديين”.61 لكنّ دولًا أخرى، مثل فرنسا وإيطاليا، تعتبر أن كبح جماح الهجرة من أفريقيا جنوب الصحراء إلى أوروبا أمرٌ ضروري في المدى القريب، وبالتالي يمكن أن يحظى هذا الهدف بالأولوية على حساب الإصلاحات الديمقراطية والاقتصادية المحتملة في تونس.
الأمنَنة: مقاربة تونسية مُنيت بالفشل
في صيف العام 2023، واجهت قوات الأمن التونسية تحدّيات متنامية بسبب التوترات بين المجتمعات المحلية في صفاقس، والإقبال المتزايد لكلٍّ من التونسيين والأفارقة من جنوب الصحراء على الهجرة، وشبكات التهريب المتنفّذة وذات العلاقات الواسعة. وأدّت عوامل عدّة إلى تقييد هامش المناورة المتاح أمام قوات الأمن بشكل كبير، بدءًا بمطالب الشركاء الأوروبيين الحدّ من حركة المغادرة غير النظامية، ومرورًا بمشاعر الإحباط لدى سكان صفاقس، ووصولًا إلى الخطاب الشعبوي الذي يحوّل المهاجرين إلى كبش فداء. ودفعها العجز عن استنباط سياسات واضحة وفعّالة إلى تبنّي مقاربة أمنية بالدرجة الأولى.
تبنّت قوات الأمن ثلاثة تكتيكات أساسية. شمل التكتيك الأول طرد أفارقة جنوب الصحراء من صفاقس إلى الصحراء والمناطق الحدودية.62 ففي تموز/يوليو 2023، عَقِب المواجهات الدموية التي دارت بين مجموعات من التونسيين والأفارقة من جنوب الصحراء، نفّذت قوات الأمن مداهمات اعتقلت خلالها بشكل تعسّفي آلاف الأجانب، الذين زاد عددهم وفق بعض التقديرات عن 4 آلاف شخص، وتمّ طردهم بعدئذٍ إلى الحدود الليبية والجزائرية.63 كان الهدف من هذه الخطوات إخراج مهاجري دول جنوب الصحراء من صفاقس، وتهدئة التوترات داخل المجتمع المحلّي، وتوجيه أصابع الاتّهام نحو الدول المجاورة – ولا سيما الجزائر وليبيا – لتسهيلها عبور المهاجرين إلى تونس. ووثّق عددٌ من الصحافيين ومنظمات حقوق الإنسان والوكالات الدولية أن الكثير من المهاجرين الذين طُردوا إلى المناطق الحدودية لاقوا حتفهم، ومن ضمنهم الأطفال. وتحدّثت هذه التقارير أيضًا بشكلٍ مفصّل عن انتشار أعمال العنف والاعتداءات ضدّ المهاجرين على أيدي عناصر قوات الأمن التونسية.64
انطوى التكتيك الثاني على دفع المهاجرين إلى النزوح داخليًا من المناطق المكتظّة بالسكان إلى مناطق زراعية غير مأهولة في الغالب، حيث الخدمات الأساسية شبه معدومة وفرص الحصول على القوت نادرة.65 مع ذلك، أدرك المسؤولون بحلول أيلول/سبتمبر 2023 أن المهاجرين الذين عجزوا عن تأمين مغادرتهم بحرًا، قد يعودون على الأرجح إلى المراكز الحضرية حيث تتوافر فرصٌ أفضل للصمود وإعادة بناء الروابط.66 لذا، بدأت السلطات فجأةً بنقلهم إلى أماكن معروفة بكونها مراكز لعمليات الهجرة غير المنظّمة، على غرار العامرة.67 نُظِر إلى هذه الخطوة على نطاق واسع بأنها رسالة من صنّاع القرار التونسيين إلى نظرائهم الأوروبيين، مفادها أن قضية الهجرة لا تخصّ تونس حصرًا، ولا بدّ من معالجتها بصورة جماعية. واعتُبرت أيضًا بمثابة تحذير من أن عدم التوصل إلى حلّ سيدفع هؤلاء المهاجرين حكمًا إلى البحث عن طريق للوصول إلى أوروبا.68
أما التكتيك الثالث فتمّ تنفيذه خلال أواخر أيلول/سبتمبر وأوائل تشرين الأول/أكتوبر، وتمثّل في زيادة مفاجئة في عمليات اعتقال مهربّين محدّدين. فعندما كثّفت الوحدات الأمنية المُرسلة من تونس العاصمة عملياتها في المناطق المعروفة بأنها بؤرٌ للتهريب، بيّنت تقارير صادرة عن وكالة دولية تراجعًا في عدد المغادرين من تونس. لكن التعزيز المؤقّت لوحدات الأمن من خارج صفاقس، ولا سيما من العاصمة، لا يمكن أن يدوم سوى لفترات قصيرة. قد تفسّر الأرباح الضخمة التي يدرّها اقتصاد التهريب وضعف قبضة الدولة على المناطق الساحلية بين صفاقس والشابة التواطؤَ القائم من حين إلى آخر بين عناصر الأجهزة الأمنية وشبكات التهريب. ويكشف هذا الواقع عن قلقٍ من تقويض سلطة الدولة المركزية في بعض المناطق، ولا سيما في ما يتعلق بالتنقّل عبر الحدود.69
لم يكن دور قوات الأمن في إدارة الهجرة غير النظامية واضح المعالم، وعُزي ذلك بشكلٍ كبير إلى غياب قيادة سياسية مسؤولة قادرة على بلورة رؤية تُعالج أزمة الهجرة. كانت التوجيهات التي أُعطيت لهذه القوات محدودة. وأظهرت الأزمة الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها عناصر من هذه القوات أن إصلاح قطاع الأمن حاجة ملحّة كان يجب أن تشملها عملية التحوّل الديمقراطي.70 على مدى عقدٍ من التحوّل الديمقراطي، واجهت تونس تحديّات في إدارة وزارة الداخلية والسيطرة عليها بشكلٍ فعّال. فقد واجه قطاع الأمن صعوبات جرّاء سوء الإدارة، والاعتباطية في صنع القرارات، وعملية عُرفت باسم “التحوّل الديمقراطي للرتب”، وانطوت على التجنيد بدوافع سياسية لحوالى 25 ألف مجنّد جديد لم يتلقوا تدريبات كافية، إلى جانب خطة فوضوية للترقية.71 أدّت هذه الظروف إلى تراجع مهنية وأداء العاملين في قطاع الأمن، ما زاد استخدام القوة غير الشرعية وانتشار الفساد الصغير.
وعلى الرغم من محاولات الرئيس تعزيز موقعه بعد استيلائه على السلطة في تموز/يوليو 2021، لم يستطع إحكام قبضته على قطاع الأمن. وضع عجز سعيّد عن معالجة مشاكل مزمنة على غرار البطالة، والهجرة، والأزمة الاجتماعية الاقتصادية، قوات الأمن النافذة في موقف حرج، إذ جعلها تعتمد في الدرجة الأولى على التكتيكات والمناورات القصيرة الأمد.72 يفاقم هذا الوضع احتمالات تفشّي الفساد، والتواطؤ بين الأجهزة الأمنية والعصابات الإجرامية، وارتكاب الإساءات. ونظرًا إلى أوجه القصور هذه، يتعيّن على المركز اللجوء بصورة منتظمة إلى التدخل المباشر من خلال نقل وحدات من العاصمة لإنفاذ القرارات الاستراتيجية.
خلف مظهر الاستقرار المزعوم هذا، يعمل نظام سعيّد على ما يبدو بوصفه “نظام استقرار سلطوي”.73 ويشير هذا المفهوم إلى دولة تستخدم الاستقرار الزائف بمثابة ورقة مساومة للحصول على الشرعية الخارجية وتحقيق الأهداف الاستراتيجية، على الرغم من شوائبه على صعيدَي الديمقراطية وحقوق الإنسان. لقد استخدمت دول في جوار الاتحاد الأوروبي، مثل المغرب ومقدونيا الشمالية وتركيا وصربيا، ورقة الاستقرار للحصول على المعونات الاقتصادية والدعم السياسي، مقابل توفير المساعدة في تسوية المشاكل الإقليمية، مثل ضبط موجات اللجوء والهجرة. لكن التأثير الأبرز الناجم عن سياسات الأمنَنة والمساومات بين تونس والدول الأوروبية المجاورة لم يكن الحدّ من الهجرة أو تعطيل عمل المهرّبين، بل زيادة قيمة الخدمات التي يقدّمها المهرّبون والمخاطر المُحدِقة بمن يستخدمها.
الهجرة غير الشرعية:ورقة ضغط سياسية بين تونس وأوروبا
منذ العام 2015، ينصبّ تركيز دول الاتحاد الأوروبي بصورة أساسية على التعامل مع الأزمات من خلال إغلاق طرق التهريب وإبرام الصفقات مع الدول الواقعة في جنوب البحر المتوسط. وبعد إبرام الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في العام 2016، الذي وافقت أنقرة بموجبه على ضبط حركة ملايين اللاجئين السوريين لقاء الحصول على مساعدات مالية ومزايا جمركية، سعى الاتحاد الأوروبي إلى استنساخ هذه الاستراتيجية عبر تنفيذها في أماكن أخرى. هذا الإجراء يُلقي إذًا مسؤولية التوصّل إلى حلول للهجرة غير الشرعية على عاتق الجهات الخارجية، عبر دفع حكومات دول العبور إلى إرغام المهاجرين وطالبي اللجوء على ملازمة أماكنهم. لقد وقّع الاتحاد الأوروبي اتفاقات مشابهة مع أثيوبيا ونيجيريا والسنغال. وهذا ما حدث أيضًا على طريق وسط البحر المتوسط. ففي أعقاب موجة الهجرة غير الشرعية من ليبيا بين العامَين 2014 و2016، وافقت إيطاليا على تمويل مراكز احتجاز تديرها الميليشيات داخل ليبيا، حيث قبع آلاف المهاجرين الأفارقة الذين كانوا يحاولون العبور إلى أوروبا. يُشار إلى أن هذه الترتيبات لا تكون فعّالة إلّا عند التقاء المصالح بين الاتحاد الأوروبي وهذه البلدان الشريكة، لكن تونس شكّلت عائقًا في وجه هذا المسعى. فقد تكون الهجرة عبئًا يثقل كاهل تونس، لكن دور البلاد كدولة عبور أصبح أداةً جيوسياسية يستخدمها نظام سعيّد للضغط على جيرانه الأوروبيين.
في ظل ارتفاع وتيرة هجرة أفارقة جنوب الصحراء من تونس خلال العام 2023، تولّت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني رئاسة “فريق أوروبا” للتفاوض على اتفاق شراكة شاملة مع سعيّد تشكّل فيه الهجرة ركيزة أساسية.74 وفي تموز/يوليو 2023، وقّع الاتحاد الأوروبي مذكّرة تفاهم مع تونس، يقدّم بمقتضاها مساعدات مالية للاقتصاد الكلّي التونسي بقيمة 900 مليون يورو (980 مليون دولار) على شكل قرض، شرط أن تتوصّل البلاد إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي. وتضمّن ذلك مساعدة مالية بقيمة 150 مليون يورو (160 مليون دولار) يتم ضخّها في ميزانية العام 2023، بهدف توطيد العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري، ودعم الطاقة النظيفة والمتجدّدة، وتعزيز التعاون بين الشعوب من خلال مشاريع عدّة، إضافةً إلى حزمة مالية (115 مليون دولار من قيمة 160 مليونًا) لمكافحة الهجرة غير النظامية.75 وسعى الاتفاق إلى وضع نموذج جديد للشراكات المتعلقة بالهجرة. فبدلًا من اعتماد النهج التقليدي المُستنِد إلى الأمن، أدرج المساعدة الأوروبية لتونس حيال الهجرة ضمن إطارٍ أوسع قائم على التنمية المستدامة، ووضع هدف الحدّ من الهجرة على الأمدَين المتوسط والطويل. الجدير بالذكر أن ركيزةً واحدة فقط من ركائز الاتفاق الخمس تطرّقت إلى مسألة الهجرة بصورة مباشرة. وأشادت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بالاتفاق، معتبرةً أنه يمكن أن يكون نموذجًا أوليًا من أجل عقد شراكات مستقبلية مع دول أخرى في حوض البحر الأبيض المتوسط.76
بعد أن بات سعيّد معزولًا وتعرّض إلى انتقادات كثيرة منذ استيلائه على السلطة في تموز/يوليو 2021، إلى الاستفادة من هذه الشرعية التي أضفتها على حكمه زيارات قادةٍ أوروبيين رفيعي المستوى.77 كشف سعيّد عن الاتفاق في العاصمة التونسية برفقة كلٍّ من رئيسة الوزراء الإيطالية، ورئيس الوزراء الهولندي، وفون دير لاين.78 أظهر هذا الأمر اصطفاف الاتحاد الأوروبي إلى جانب قائد سلطوي قوّض ديمقراطيةً روّج لها الأوروبيون على مدى العقد الماضي. أثار ذلك قلق المدافعين عن الديمقراطية في مختلف أنحاء شمال أفريقيا، إلّا أنه شكّل انتصارًا لسعيّد، الذي استخدم ورقة الهجرة لنيل اعتراف جيرانه الأوروبيين. اعتبر صنّاع السياسة الإيطاليون وفون دير لاين أن الاتفاق يرمز إلى إضفاء الطابع الرسمي على المواقف الجماعية طويلة الأمد المتعلقة بالهجرة: كان التمويل المخصّص لعناصر الاتفاق المرتبطة بالهجرة منفصلًا، ولا يعتمد بالتالي على قبول سعيّد بطرح صندوق النقد الدولي. مع ذلك، كانت المساعدات المالية للاقتصاد الكلّي (980 مليون دولار) مشروطةً بتطبيق البلاد برنامج صندوق النقد. هذا النهج القائم على النظر إلى الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتونس تارةً على أنه اتفاق شامل وطورًا على أنه مجموعة من البنود المنفصلة، مربكٌ للغاية، ناهيك عن أنه أثار توتّرات بين الدول الأوروبية الأعضاء ومؤسسات الاتحاد الأوروبي. وأدّى ذلك إلى إبقاء الاتفاق مجرّد حبر على ورق، من دون أن يتمّ لا تعليقه رسميًا ولا تنفيذه بالكامل.
لم يدم الوفاق بين سعيّد وشركائه الأوروبيين طويلًا. فالخلافات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي دفعت مجلس أوروبا إلى تأخير تنفيذ الاتفاق. وأعرب صنّاع السياسة الألمان وغيرهم عن خيبة أملهم من الاتفاق، إذ شعروا أنه أُبرم تحت راية أوروبية، إنما من دون حصوله على إجماع مسبق في الاتحاد الأوروبي.79 واحتدمت هذه الخلافات خلف الكواليس لدرجة أن وزيرة الخارجية الألمانية وجّهت رسالةً إلى المفوضية الأوروبية قالت فيها إن اتفاق الهجرة الجديد بين الاتحاد الأوروبي وتونس لا يصلح ليشكّل نموذجًا لمزيدٍ من الاتفاقات، نظرًا إلى أن المشاورات التي أُجريت مع الدول الأعضاء لم تكن كافية، ناهيك عن أن الاتفاق تجاهل قضايا حقوق الإنسان، وشابه عددٌ من العيوب الإجرائية. وتردّد صدى هذه المخاوف على لسان مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الذي حذّر بصفة خاصة من أن الاتحاد الأوروبي قد يواجه تحديات قانونية إذا تمّت مقاضاته بسبب الاتفاق. وقد فاقمت هذه التوترات حدّة الخلافات بين البرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية.80
أعلن سعيّد في تشرين الأول/أكتوبر 2023 أيضًا عن رفضه المساعدة المالية بقيمة 60 مليون يورو (70 مليون دولار) التي قرّر الاتحاد الأوروبي منحها لبلاده، في محاولةٍ لفصل اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي عن الصفقة مع صندوق النقد الدولي، الأمر الذي كان ولا يزال يشكّل ركيزةً أساسية من استراتيجيته. لكن هذا المسعى قوبِل بالرفض في أوساط دول الاتحاد الأوروبي التي تعتبر أن زيادة التمويل يجب أن تكون مرتبطة بتطبيق الإصلاحات، وأن الفصل بين المسألتَين قد يشجّع تونس أكثر على استخدام تدفّقات المهاجرين كورقة ضغط. والمُلفت أن التأخير في تطبيق الاتفاق تزامن مع زيادة حادّة في وتيرة الهجرة غير الشرعية من السواحل التونسية، ما مارس المزيد من الضغط على الاتحاد الأوروبي لإبداء مرونة أكبر وتسهيل شروطه. وفي أيلول/سبتمبر 2023، وصل 7 آلاف مهاجر إلى جزيرة لامبيدوزا خلال يومَين.81
تسلّط هذه التوتّرات بين تونس وجيرانها الأوروبيين الضوء على الطبيعة الاستراتيجية للهجرة، وتكشف عن أوجه القصور التي تعتري جهود الاتحاد الأوروبي لإلقاء مسؤولية التوصّل إلى حلول للهجرة غير الشرعية على عاتق الجهات الخارجية، بهدف تحويل الدول المتاخمة لأوروبا إلى مناطق عازلة. وبينما سعى الاتحاد الأوروبي إلى استنساخ استراتيجيته الناجحة التي اعتمدها مع تركيا وتنفيذها في تونس، رفض سعيّد ذلك، مؤكّدًا على استقلالية تونس وعدم رضوخها للضغوط الناجمة عن المخاوف الأوروبية المتعلقة بالهجرة. أماطت خطوات سعيّد اللثام عن رغبة في إعادة ضخّ الأموال إلى خزينة وزارة الداخلية – وهي العمود الفقري لنظامه – واستغلال الهواجس الأوروبية حيال الهجرة لضمان شرعية استيلائه على السلطة. ومن خلال رفض المساعدة المالية الأوروبية الأولية، أرغم سعيّد الأوروبيين على العودة إلى طاولة المفاوضات، ما بيّن ديناميات القوة الكامنة في الاتفاقات المُبرَمة مع الجهات الخارجية لتكليفها بالتوصل إلى حلول للهجرة غير الشرعية إلى بلدان الاتحاد الأوروبي.
خاتمة
يسلّط تحوّل تونس إلى دولة عبور للمهاجرين الضوء على ضرورة التعامل مع الهجرة بوصفها ظاهرة هيكلية طويلة الأمد، وليس كمسألة أمنية فحسب. يشير تصاعد حدّة النزاعات في منطقة الساحل وأفريقيا الغربية، إلى جانب ضعف ليبيا، والحدود التونسية القابلة للاختراق، إلى أن تدفّق الناس سيستمر وستبقى تونس مركز عبور. وعلى نحو مماثل، يمكن لأوروبا توقُّع أن ينجح عددٌ كبير من المهاجرين في الوصول إلى شواطئها، باعتبارها الوجهة النهائية لمعظم المهاجرين من أفريقيا. لكن العامل المجهول هو ما إذا سيغيّر كلٌّ من تونس والاتحاد الأوروبي مقاربتهما في التعامل مع هذه الظاهرة، وما السياسات التي قد ينتهجانها.
النهج الأمثل هو أن تتعاون تونس مع الاتحاد الأوروبي من أجل استنباط حلول من شأنها تحقيق المنفعة للطرفَين وأن تُرسي توازنًا بين الاستراتيجيات السياسية لإدارة تدفّق المهاجرين على الأمدَين القصير والبعيد. ونظرًا إلى ارتباط الهجرة الوثيق بالقضايا الأمنية، والعلاقات الدولية، والهوية الوطنية، والظروف الاقتصادية، قد يكون من الأجدى تبنّي مقاربة شاملة. فالنهج المُجتزَأ الذي يتجاهل العوامل البنيوية والمتجذّرة التي تدفع السكان إلى الهجرة لن يكون مناسبًا لحلّ الأزمة.
يُعدّ إرساء الاستقرار في منطقة الساحل أولوية ملحّة، وكذلك تسهيل وتعزيز عمل المنظمات الإنسانية في إيصال المساعدات الطارئة إلى المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى الهاربين من دولهم الغارقة على نحو متزايد في لُجج اللااستقرار. إن الضغط على نظام سعيّد ضروريٌ لتتمكّن تونس من تطبيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي تشتدّ حاجتها إليها، بما في ذلك التشريعات التي تضمن الحقوق الأساسية للمهاجرين وتوفّر الحماية لهم، ما قد يثنيهم عندئذٍ عن محاولة الوصول إلى أوروبا بطرق غير شرعية. ولا بدّ أيضًا من معالجة نقص اليد العاملة في أوروبا وشمال أفريقيا من خلال إبرام اتفاقات تسمح بالهجرة الشرعية والدائرية، بحيث يكون المهاجرون قادرين على التحرّك ذهابًا وإيابًا. وفي نهاية المطاف، يُعدّ تعزيز التعاون الإقليمي من أجل تنظيم تدفّق المهاجرين من ليبيا والجزائر أمرًا أساسيًا لمنع تحوّل تونس إلى مركز عبور أكبر حتى، تستغل في إطاره شبكات التهريب المنافسات الإقليمية. إن لم تتبلور مثل هذه المقاربة الشاملة، فسيواصل سعيّد على الأرجح استخدام ورقة الهجرة للضغط على أوروبا، ما سيُبقي مشكلة الهجرة على حالها من دون معالجة، ويُنبئ باستمرار انتهاكات حقوق الإنسان وباحتمال اندلاع أعمال عنفٍ متفرّقة.
هوامش
1Ricard González, “Tunisia Overtakes Libya as the Top Migrant Launch Point for Europe,” El Pais, August 11, 2023, https://english.elpais.com/international/2023-08-11/tunisia-overtakes-libya-as-the-top-migrant-launch-point-for-europe.html.
2حمزة المؤدّب وإسحاق ديوان وهاشمي علية، “تراكم العوامل المؤدّية إلى الأزمة: تونس بين المشاكل الحالية والمسارات المستقبلية”، مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، 23 كانون الثاني/يناير 2024،
https://carnegie-mec.org/2024/02/26/ar-pub-91671
3Lorena Stella Martini and Tarek Megerisi, “Road to Nowhere: Why Europe’s Border Externalisation Is a Dead End,” European Council on Foreign Relations, December 14, 2023, https://ecfr.eu/publication/road-to-nowhere-why-europes-border-externalisation-is-a-dead-end.
4سُمح للمواطنين من الدول التالية بالبقاء فترة لا تزيد عن تسعين يومًا: أنغولا، وبوركينا فاسو، والرأس الأخضر، وجزر القمر، وساحل العاج، وغينيا الاستوائية، والغابون، وغامبيا، وغينيا، وغينيا بيساو، ومالي، ونامبيا، والنيجر، والسنغال، وجزر السيشل، وجنوب أفريقيا. انظر:
Adnen El Ghali and Ahlem Chamlali, “Ne rien faire et ne rien laisser faire. Les enjeux de la non politique migratoire tunisienne” [Do Nothing and Let Nothing Happen. The Challenges of Tunisian Non-Migratory Policy], Revue Tunisienne de Science Politique, no. 7 2022, https://vbn.aau.dk/ws/portalfiles/portal/468232034/Adnen_El_Ghali_and_Ahlam_Chemlali.pdf.
.
5International Crisis Group, Managing Trafficking in Northern Niger, Africa Report no. 285, January 6, 2020, https://www.crisisgroup.org/africa/sahel/niger/285-managing-trafficking-northern-niger.
6مجموعة الأزمات الدولية، “التحدي الذي تواجهه تونس: تفادي التخلف عن سداد الديون والمحافظة على السلم الأهلي”، تقرير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا رقم 243، 22 كانون الأول/ديسمبر 2023،
https://www.crisisgroup.org/sites/default/files/2024-01/243-tunisia-challenge-arabic.pdf
7منظمة العفو الدولية، “تونس: “الخطاب العنصري للرئيس يُحرّض على موجة عنف ضد الأفارقة السود””، 10 آذار/مارس 2023،
تونس: الخطاب العنصري للرئيس يُحرّض على موجة عنف ضد الأفارقة السود
8Rihab Boukhayatia, “Droit D’asile En Tunisie : Gravé Dans La Constitution, Méprisé Par Les Lois” [Right of Asylum in Tunisia: Enshrined in the Constitution, Despised by the Laws], Nawaat, February 19, 2021, https://nawaat.org/2021/02/19/droit-dasile-en-tunisie-grave-dans-la-constitution-meprise-par-les-lois.
9Tasnim Abderrahim, “Walking a Tightrope in Tunisia. The Aspirations and Limitations of Migration Policy Reform,” German Council on Foreign Relations, no. 12, June 2021, https://dgap.org/sites/default/files/article_pdfs/Report-Tunisia_EN_2021_korr_1.pdf.
10FTDES and Migreurop, Politiques du Non-Accueil en Tunisie [Non-Reception Policies in Tunisia], June 2020, https://ftdes.net/rapports/ftdes.migreu.pdf.
11المنظمة الدولية للاجئين، “الإساءة والفساد والمساءلة: حان الوقت لإعادة تقييم التعاون بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في مجال الهجرة مع تونس”، 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2023،
https://d3jwam0i5codb7.cloudfront.net/wp-content/uploads/2023/11/الحظر-الانتهاكات-والفساد-والمساءلة-حان-الوقت-لإعادة-تقييم-التعاون-بين-الاتحاد-الأوروبي-والولايات-المتحدة-في-مجال-الهجرة-مع-تونس.pdf
12استهدف هذا القانون المهاجرين غير النظاميين، إلى جانب العاملين في تهريب البشر، إذ فرض غرامات مرتفعة جدًّا، تتراوح بين 8 آلاف و100 ألف دينار (2500- 30 ألف دولار) وعقوبة سجن لمدّة تتراوح بين ثلاث سنوات وعشرين سنة. وحرم أيضًا المهاجرين من إمكانية استئناف القرارات، من دون أن تشملهم الحماية من عمليات طرد المجموعات الضعيفة مثل القُصّر. انظر:
Katharina Natter, “Ad-Hocratic Immigration Governance: How States Secure Their Power Over Immigration Through Intentional Ambiguity,” Territory, Politics, Governance 11, no. 4 (2023): 677–694, https://www.tandfonline.com/doi/full/10.1080/21622671.2021.1877189.
13Adnen El Ghali and Ahlem Chamlali, “Ne rien faire et ne rien laisser faire. Les enjeux de la non politique migratoire tunisienne.”
14المنظمة الدولية للاجئين، “الإساءة والفساد والمساءلة”.
15المنظمة الدولية للاجئين، “الإساءة والفساد والمساءلة”.
16International Rescue Committee, “The Central Sahel: How Conflict and Climate Change Drive Crisis,” September 26, 2023, https://www.rescue.org/eu/article/central-sahel-how-conflict-and-climate-change-drive-crisis.
17“Why Are Migrants to Europe Fleeing From and Through Tunisia?,” Economist, May 3, 2023, https://www.economist.com/the-economist-explains/2023/05/03/why-are-migrants-to-europe-fleeing-from-and-through-tunisia.
18هيومن رايتس ووتش، “تونس: اعتراض مهاجرين أفارقة في البحر وطردهم”، 10 تشرين الأول/أكتوبر 2023،
https://www.hrw.org/ar/news/2023/10/10/tunisia-african-migrants-intercepted-sea-expelled
19هيومن رايتس ووتش، “الجزائر: طرد مهاجرين وطالبي لجوء”، 9 تشرين الأول/أكتوبر 2020،
https://www.hrw.org/ar/news/2020/10/09/376645
20Wesley Dockery, “Hundreds of Migrants Found Abandoned on Algeria-Niger Border,” Info Migrants, July 16, 2018, https://www.infomigrants.net/fr/post/10646/hundreds-of-migrants-found-abandoned-on-algerianiger-border.
21منظمة العفو الدولية، “تونس: “الخطاب العنصري للرئيس يُحرّض على موجة عنف ضد الأفارقة السود””.
22Nesrine Malik, “As the Disturbing Scenes in Tunisia Show, Anti-migrant Sentiments Have Gone Global,” Guardian, March 13, 2023, https://www.theguardian.com/commentisfree/2023/mar/13/tunisia-anti-migrant-sentiments-president-saied.
23France 24, “Tunisian Mobs Target African Migrants in Sfax to ‘Avenge’ Deadly Stabbing,” July 5, 2023, https://www.france24.com/en/africa/20230705-tunisians-target-african-migrants-after-deadly-stabbing.
24United Nations High Commissioner for Refugees, “Italy Sea Arrivals Dashboard,” UNHCR Operational Data Portal, https://data.unhcr.org/en/search?country=&situation%5B%5D=11&text=Italy+sea+arrivals+dashboard+December+2023&type%5B%5D=link&type%5B%5D=news&type%5B%5D=highlight&type%5B%5D=document&type%5B%5D=needs_assessment&type%5B%5D=dataviz&partner=&working_group=§or=&date_from=&date_to=&uploader=&country_json=%7B%220%22%3A%22%22%7D§or_json=%7B%220%22%3A%22%22%7D&apply=.
25UNHCR, “Italy Sea Arrivals Dashboard.”
26بيانات نشرتها وزارة الداخلية الإيطالية، 31 كانون الأول/ديسمبر 2023،
http://www.libertaciviliimmigrazione.dlci.interno.gov.it/sites/default/files/allegati/cruscotto_statistico_giornaliero_31-12-2023.pdf.
27بيانات نشرتها وزارة الداخلية الإيطالية، 31 كانون الأول/ديسمبر 2022،
http://www.libertaciviliimmigrazione.dlci.interno.gov.it/sites/default/files/allegati/cruscotto_statistico_giornaliero_31-12-2022-rev.pdf.
28UNHCR, “Italy Sea Arrivals Dashboard.”
29Charlotte Boitiaux, “Tunis annonce 70 000 interceptions en mer, et reste accusée de renvois vers la Libye” [Tunis Announces 70,000 Interceptions at Sea, and Remains Accused of Referrals to Libya], InfoMigrants, December 11, 2023, https://www.infomigrants.net/fr/post/53791/tunis-annonce-70-000-interceptions-en-mer-et-reste-accusee-de-renvois-vers-la-libye.
30Boitiaux, “Tunis annonce 70 000 interceptions en mer, et reste accusée de renvois vers la Libye.”
31Simon Speakman Cordall, “Africans Attacked, Flee Sfax, as Tunisia Racial Tensions Explode,” Al Jazeera, July 5, 2023, https://www.aljazeera.com/news/2023/7/5/african-migrants-in-tunisia-face-discrimination-little-sympathy.
32Africanews, “Tunisia: 1 Beninese Stabbed to Death in Attack Targeting Sub-Saharan Migrants,” May 29, 2023, https://www.africanews.com/2023/05/29/tunisia-1-beninese-stabbed-to-death-in-attack-targeting-sub-saharan-migrants.
33Africanews, “Tunisia: Migrants Arrested After Fatal Stabbing of Local Man,” July 4, 2023, https://www.africanews.com/2023/07/04/tunisia-migrants-arrested-after-fatal-stabbing-of-local-man.
34Emma Wallis, “Tunisia Deaths at the Border,” InfoMigrants, July 12, 2023, https://www.infomigrants.net/en/post/50320/tunisia-deaths-at-the-border.
35Julia Dumont, “‘Ils nous ont dit de traverser la frontière, sinon ils nous tireraient dessus’: en Tunisie, une nouvelle vague d’expulsions de migrants vers l’Algérie” [‘They Told Us to Cross the Border, Otherwise They Would Shoot Us’: In Tunisia, a New Wave of Expulsions of Migrants to Algeria], InfoMigrants, October 5, 2023, https://www.infomigrants.net/fr/post/52358/ils-nous-ont-dit-de-traverser-la-frontiere-sinon-ils-nous-tireraient-dessus–en-tunisie-une-nouvelle-vague-dexpulsions-de-migrants-vers-lalgerie.
36Boitiaux, “Tunis annonce 70 000 interceptions en mer, et reste accusée de renvois vers la Libye.”
37InfoMigrants, “Discours anti-Noirs du président Saïed : un nouveau vol de 290 Ivoiriens a quitté la Tunisie” [Anti-Black Speech by President Saïed: A New Flight of 290 Ivorians Left Tunisia], March 24, 2023, https://www.infomigrants.net/fr/post/47730/discours-antinoirs-du-president-saied–un-nouveau-vol-de-290-ivoiriens-a-quitte-la-tunisie.
38Hajar Cherni, “Tunisie / Migration : retour de 135 Maliens à Bamako” [Tunisia / Migration: Return of 135 Malians to Bamako], Anadolu Agency, March 6, 2023, https://www.aa.com.tr/fr/afrique/tunisie-migration-retour-de-135-maliens-à-bamako/2838474.
39Hélène Frade, “Arrivées de migrants à Lampedusa : ‘La honte de l’Europe’” [Arrivals of Migrants in Lampedusa: ‘The Shame of Europe’], France 24, September 14, 2023, https://www.france24.com/fr/émissions/dans-la-presse/20230914-arrivées-de-migrants-à-lampedusa-la-honte-de-l-europe.
40بيانات نشرتها وزارة الداخلية الإيطالية، 31 كانون الأول/ديسمبر 2023.
41بيانات نشرتها وزارة الداخلية الإيطالية، 31 كانون الأول/ديسمبر 2023.
42Theodore Murphy, “Middle Powers, Big Impact: Africa’s ‘Coup Belt,’ Russia, and the Waning Global Order,” European Council on Foreign Relations, September 6, 2023, https://ecfr.eu/article/middle-powers-big-impact-africas-coup-belt-russia-and-the-waning-global-order.
43Murphy, “Middle Powers, Big Impact.”
44UNHCR, “Sudan Situation, External Update #25,” September 4–11, 2023, https://reporting.unhcr.org/sudan-situation-update-26.
45RFI, “Tunisia: In Sfax, Traders and Entrepreneurs Resilient in the Face of the Economic Crisis,” https://www.rfi.fr/fr/podcasts/afrique-économie/20230418-tunisie-à-sfax-commerçants-et-entrepreneurs-résilients-face-à-la-crise-économique-2-3.
46Tasnim Abderrahim, “Tunisia: Increased Fragility Fuels Migration Surge,” Global Initiative Against Transnational Organized Crime, July 2023, https://globalinitiative.net/wp-content/uploads/2023/06/Tasnim-Abderrahim-Tunisia-Increased-frafility-fuels-migration-surge-GI-TOC-July-2023.pdf.
47ملاحظات ومقابلات شخصية في صفاقس وجبنيانة والعامرة، 4-5 و18 و19 تشرين الثاني/نوفمبر 2023.
48آمنة المرناڤي وشادن غنام، “منظومة الألبان: لوبيات تصنيع الأعلاف تعمّق هشاشة صغار الفلاحين·ات”، انكفاضة، 20 أيار/مايو 2022،
منظومة الألبان: لوبيات تصنيع الأعلاف تعمّق هشاشة صغار الفلاحين·ات
49المرناڤي وغنام، “منظومة الألبان”.
50مقابلات شخصية أجراها المؤلّفان مع مهاجرين عبروا الحدود الجزائرية التونسية، 1 كانون الأول/ديسمبر 2023.
51لو باس، “9 قتلى في حادث شاحنة تنقل مهاجرين من بلدان جنوب الصحراء بشكل غير قانوني”، انكفاضة، 5 تشرين الأول/أكتوبر 2023،
9 قتلى في حادث شاحنة تنقل مهاجرين من بلدان جنوب الصحراء بشكل غير قانوني
52مقابلات شخصية أجراها المؤلّفان مع مهاجرين في صفاقس، 18-19 تشرين الثاني/نوفمبر 2023.
53المنظمة الدولية للاجئين، “الإساءة والفساد والمساءلة”.
54Missing Migrants Project, “Migration Within the Mediterranean,” International Organization for Migration, March 15, 2024, https://missingmigrants.iom.int/region/mediterranean?region_incident=All&route=3861&year%5B%5D=2500&month=All&incident_date%5Bmin%5D=&incident_date%5Bmax%5D=.
55مقابلات شخصية أجراها المؤلّفان مع ناشطين في المجتمع المدني، تونس العاصمة، 23 كانون الأول/ديسمبر 2023.
56Boukhayatia, “Droit D’asile En Tunisie : Gravé Dans La Constitution, Méprisé Par Les Lois.”
57المنظمة الدولية للاجئين، “الإساءة والفساد والمساءلة”.
58Phillip Connor, “Number of Refugees to Europe Surges to Record 1.3 Million in 2015,” Pew Research Center, August 2, 2016, https://www.pewresearch.org/global/2016/08/02/number-of-refugees-to-europe-surges-to-record-1-3-million-in-2015.
59Tasnim Abderrahim, “The Securitisation of the EU’s Migration Policies: What Consequences for Southern Mediterranean Countries and Their Relations With the EU?,” EuroMed Survey, IEMed, 2018, https://www.iemed.org/wp-content/uploads/2020/12/08.The-Securitisation-of-the-EUs-Migration-Policies-What-Consequences-for-Southern.pdf.
60Martini and Megerisi, “Road to Nowhere: Why Europe’s Border Externalisation Is a Dead End.”
61Lisa O’Carroll and Helena Smith, “European Commission Accused of ‘Bankrolling Dictators’ by MEPs After Tunisia Deal,” Guardian, March 13, 2024, https://www.theguardian.com/world/2024/mar/13/european-commission-accused-of-bankrolling-dictators-by-meps-after-tunisia-deal.
62هيفاء مزلوط وماتيو طرابلسي وريهام النيفر، “ملاحقة المهاجرين وتعنيفهم ونفيهم إلى الصحراء: “إنه الأبارتهايد” في صفاقس”، انكفاضة، 12 تموز/يوليو 2023،
ملاحقة المهاجرين وتعنيفهم ونفيهم إلى الصحراء: « إنه الأبارتهايد » في صفاقس
63North Africa Post, “Tunisia Under Scrutiny for Expelling Thousands of Migrants to Libya, Algeria,” December 12, 2023, https://northafricapost.com/73684-tunisia-under-scrutiny-for-expelling-thousands-of-migrants-to-libya-algeria.html.
64Ahmed Elumami, “Sudanese Woman Tells of ‘Horrible’ Desert Journey After Expulsion From Tunisia,” Reuters, August 9, 2023, https://www.reuters.com/world/africa/sudanese-woman-tells-horrible-desert-journey-after-expulsion-tunisia-2023-08-08.
65نجلاء بن صالح، “معتقلات حقول الزيتون في العامرة: هناك تنفذ الجرائم خلسة ضد المهاجرين”، موقع نواة، 15 شباط/فبراير 2024،
معتقلات حقول الزيتون في العامرة: هناك تنفذ الجرائم خلسة ضد المهاجرين
66المنظمة الدولية للاجئين، “الإساءة والفساد والمساءلة”.
67Driss Rejichi, “À El-Amra, un désastre annoncé pour les migrant·es” [In El-Amra, a Disaster Predicted for Migrants], Inkyfada, December 18, 2023, https://inkyfada.com/fr/2023/12/18/elamra-sfax-migrants-garde-nationale-tunisie.
68مقابلات شخصية أجراها المؤلّفان مع ناشطين من المجتمع المدني، صفاقس، 18-19 تشرين الثاني/نوفمبر 2023.
69المنظمة الدولية للاجئين، “الإساءة والفساد والمساءلة”.
70يزيد صايغ، “الفرصة الضائعة: السياسة وإصلاح الشرطة في مصر وتونس”، مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، 16 آذار/مارس 2015،
https://carnegie-mec.org/2015/03/16/ar-pub-59375
71International Crisis Group, Reform and Security Strategy in Tunisia, Middle East and North Africa Report no. 161, July 23, 2015, https://www.crisisgroup.org/middle-east-north-africa/north-africa/tunisia/reform-and-security-strategy-tunisia.
72Sarah Yerkes et al., “Global Lessons for Tunisia’s Stalled Transition,” Carnegie Endowment for International Peace, July 21, 2022, https://carnegieendowment.org/2022/07/21/global-lessons-for-tunisia-s-stalled-transition-pub-87541.
73Srda Pavlovic, “Montenegro’s ‘Stabilitocracy’: The West’s Support of Đukanović Is Damaging the Prospects of Democratic Change,” EUROPP (blog), London School of Economics and Political Science, December 23, 2016, https://blogs.lse.ac.uk/europpblog/2016/12/23/montenegros-stabilitocracy-how-the-wests-support-of-dukanovic-is-damaging-the-prospects-of-democratic-change.
74Eleonora Milazzo and Maria Gargano, “Meloni and the EU Align on the Mediterranean Pivot,” EGMONT, October 4, 2023, https://www.egmontinstitute.be/meloni-and-the-eu-align-on-the-mediterranean-pivot.
75Andreina De Leo, “The EU-Tunisia Memorandum of Understanding: A Blueprint for Cooperation on Migration?,” Tahrir Institute for Middle East Policy, October 19, 2023, https://timep.org/2023/10/19/the-eu-tunisia-memorandum-of-understanding-a-blueprint-for-cooperation-on-migration.
76Lisa O’Carroll, “EU States Expressed ‘Incomprehension’ at Tunisia Migration Pact, Says Borrell,” Guardian, https://www.theguardian.com/world/2023/sep/18/eu-states-expressed-incomprehension-at-tunisia-migration-pact-says-borrell.
77Thomas Hill and Sarah Yerkes, “Tunisian Foreign Policy Under Kais Saied,” Carnegie Endowment for International Peace, January 11, 2023, https://carnegieendowment.org/2023/01/11/tunisian-foreign-policy-under-kais-saied-pub-88770.
78تم الإعلان عن الاتفاق في مؤتمر صحافي من دون وسائل إعلام، ما يُظهر حساسية الأطراف تجاه مسائل أساسية، وعلى رأسها الحاجة إلى ربط المساعدات المالية للاقتصاد الكلّي التونسي (980 مليون دولار) ببرنامج الإصلاح مع صندوق النقد الدولي الذي رفضه سعيّد. كذلك، إن فكرة إقامة مراكز احتجاز في تونس لم تكن واضحة. لفت طرفا الاتفاق إلى أن تفاصيل تنفيذ الاتفاق ستُحدَّد في ملحق في وقت لاحق. انظر:
Lisa O’Carroll, “EU States Expressed ‘Incomprehension’ at Tunisia Migration Pact, Says Borrell.”
79Gabriela Baczynska, “Germany’s Baerbock Joins Chorus Criticizing EU Migration Deal With Tunisia,” Reuters, September 22, 2023, https://www.reuters.com/world/germanys-baerbock-joins-chorus-criticizing-eu-migration-deal-with-tunisia-2023-09-22.
80Lisa O’Carroll, “What Is the Controversy Over the EU Migration Deal With Tunisia?,” Guardian, September 18, 2023, https://www.theguardian.com/world/2023/sep/18/what-is-the-controversy-over-the-eu-migration-deal-with-tunisia.
81المنظمة الدولية للاجئين، “الإساءة والفساد والمساءلة”.
المؤلفون
حمزة المؤدّب
باحث غير مقيم, مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط
فخر الدین اللواتي
خبير دولي في القضايا التنموية ومتخصّص في الشؤون التونسية، تشمل خبرته البحث الميداني، والتحليل السياسي، وإدماج الفئات السكانية الأكثر احتياجًا، وإدماج الشباب، ومكافحة التطرّف العنيف.
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.