لافتة تشير إلى مدينة ديمونا في جنوب إسرائيل حيث يوجد مفاعل نووي في صحراء النقب (أ ف ب)

التهديد الذي أطلقه وزير التراث الإسرائيلي اليميني المتطرف،الياهو ، حول قصف غزة بصاروخ نووي، لم يلحق الضرر بصورة إسرائيل وحكومتها في العالم فحسب، بل ألحق الضرر بأكبر مشروع ترفض تل أبيب الاعتراف به وهو امتلاكها السلاح النووي، مما أثار عديداً من التساؤلات حول مدى التسلح النووي الإسرائيلي، ليمنح الوزير مادة رسمية للمنظمات التي سعت على مدى سنوات طويلة إلى اعتراف إسرائيلي بما تملكه من سلاح نووي.

ومنذ أن أبرمت إسرائيل اتفاقاً سرياً مع فرنسا في عام 1954، ووقع عليه الرئيس شمعون بيريز مع رئيس الحكومة الفرنسي آنذاك موريس بورغيس مونوري للتعاون في إنتاج قنبلة نووية، ترفض إسرائيل رسمياً الاعتراف بحيازتها السلاح النووي على رغم مما كشفه كتاب للمؤرخ الإسرائيلي، ميخائيل بار زوهر، عن السيرة الذاتية لشمعون بيريز وتطرق فيه بشكل واضح إلى الاتفاق مع فرنسا، مشيراً إلى أنه حصل على المعلومات من وثائق أزالت عنها فرنسا السرية. وفي سياق رفض الاعتراف بحيازة سلاح نووي لم تنضم إسرائيل إلى معاهدة حظر الانتشار النووي.

في أعقاب هذا الاتفاق، الذي منح بيريز لقب “مهندس برنامج التسلح النووي الإسرائيلي”، أسهمت فرنسا بشكل فعال في تقديم مساعدات كبيرة لبناء مفاعل ديمونا في النقب ، تلك المنطقة التي تشكل اليوم مصدر قلق للإسرائيليين، بسبب خطورة سقوط صاروخ في المنطقة والأخطار التي قد تلحقها بسبب الأضرار التي قد تنجم عن مجرد إصابتها بشظايا صاروخ، إذ تشير التوقعات إلى أنها قد تؤدي إلى تصدع في المفاعل، الذي يعتبر قديماً وخطيراً وأي تصدع فيه سيبعث إشعاعات خطرة. وكان هذا الجانب مركز نقاش وخلافات داخل إسرائيل بعد حرب لبنان الثانية وخلال السنوات الماضية التي استعدت فيها إسرائيل لحرب قد تشارك فيها إيران.

فعنونو أزال الستار

بقيت إسرائيل متكتمة عما تملكه من أسلحة نووية إلى أن كشف عن أسرارها النووية الفني النووي الذي كان يعمل هناك، مردخاي فعنونو، في تصريحات صحافية تم اعتقاله على إثرها، في عملية سرية شارك فيها “الموساد” خارج البلاد وحكم عليه السجن لمدة 18 عاماً وأطلق سراحه عام 2004.

ومنذ تصريحاته قبل اعتقاله جرت نقاشات داخلية وخارجية حول ما إذا كانت إسرائيل دولة نووية أم لا، فيما قدر خبراء أن حديث فعنونو يشير إلى أن إسرائيل تمتلك نحو 200 قنبلة نووية.

وفي أعقاب كشف تسلح إسرائيل بالنووي ارتفعت الأصوات المحذرة، حتى داخل تل أبيب من خطر تسريبات نووية من ديمونا أو تعرض المفاعل لهزات أرضية أو حتى ارتفاع في حرارة الأرض مما قد يلحق الدمار ليس بإسرائيل فحسب إنما في الدول العربية المجاورة أيضاً.

وتظهر خطورة ما تمتلكه إسرائيل من قنابل نووية في ملاحقة السلطات الإسرائيلية لفعنونو حتى بعد إطلاق سراحه عام 2004، لاستمرار نضاله من أجل منع تل أبيب من استمرار امتلاكها النووي لأخطاره الكبيرة.

خطر التكتم

نقاش الملف النووي الإسرائيلي آنذاك تركز على التحذير من خطر التكتم على مفاعل ديمونا. وهناك من رأى في إسرائيل أن البحث في الوكالة الدولية للطاقة الذرية من شأنه ليس فقط أن يلغي سياسة الغموض بل يؤثر بشكل سلبي جداً في قدرة إسرائيل على التصدي لإيران في الساحة الدبلوماسية. وتحدثت أصوات أخرى عن ضرورة ملحة للتخلي عن السياسة الضبابية تجاه النووي وأن هذه هي مصلحة إسرائيل.

وعلى رغم مرور السنوات على هذه النقاشات فإن الدولة العبرية بقيت مستمرة في تكتمها على تسلحها النووي وأخرجت مفاعل ديمونا من أي نقاش خلال السنوات الأخيرة.

إلا أنه قبل اندلاع حرب غزة، وعلى مدى السنتين الأخيرتين، والتوقعات بخطر حرب تجاه لبنان أو حرب إقليمية، أعيد خطر مفاعل ديمونا وما في داخله من أسلحة نووية إلى النقاش من جهة كمية القنابل الكبيرة وأخطارها والمدة الزمنية الطويلة للمفاعل التي تجاوزت الفترة المسموح بها.

“دمار إقليمي”

بعد خروجه من السجن، طرح مردخاي فعنونو من جديد أخطار التسلح النووي الإسرائيلي. وبحسب فعنونو، وهو المصدر الوحيد الذي تحدث عما تملكه إسرائيل من سلاح نووي، “تملك إسرائيل ما بين 100 و200 قنبلة نووية بينها قنابل هيدروجينية. واحدة من هذه القنابل هي أقوى بعشر مرات من أي سلاح نووي آخر. فإن كانت القنبلة النووية تقضي على 100 ألف إنسان فإن القنبلة الهيدروجينية تقضي على مليون وأبسط الأضرار التي تسببها الأسلحة محرقة للآخرين، خصوصاً البلدان العربية المجاورة لإسرائيل”.

وما زال فعنونو على قناعة بأن إسرائيل طورت أسلحتها النووية خلال سنوات وجوده داخل السجن وبرأيه فإن “السكوت على إسرائيل في هذا المجال يندرج ضمن الصراع الدولي بهدف جعل إسرائيل تسيطر على الشرق الأوسط”.

وكواحد من العالمين بخبايا مفاعل ديمونا والأسلحة النووية الإسرائيلية، يرى أن “مجرد فكرة استمرار وجود السلاح النووي الإسرائيلي هو خطر كبير. فنحن لا نعرف أي رئيس حكومة إسرائيلي أهوج سيصل إلى الحكم ويقرر اللجوء إلى السلاح النووي في صراعه مع دول أخرى. فما ذكرته من حيازتها الأسلحة قادر على تدمير المنطقة وقتل الملايين. ولكن لنقل إن جميع الرؤساء سيكونون من الحكماء ولا يقدمون على خطوة كهذه، إلا أن مجرد مواصلة العمل في المفاعل النووي في ديمونا حتى هو أمر خطر بحد ذاته”.

في عام 2004 عندما أطلق سراح فعنونو كان عمر مفاعل ديمونا 40 عاماً، يعني أن وضعه اليوم يشكل خطورة أكبر. وبحسب فعنونو حينها فإن “مرور أكثر من 40 عاماً على أي مفاعل نووي يصبح ممنوعاً لأن الفترة الزمنية التي تمنع أي تسرب منه تنتهي بعد 40 عاماً على بنائه. وهذا ما تفعله دول أخرى تملك مفاعلات نووية، إذ تقوم ببناء مفاعل جديد مع انتهاء الفترة، أما في إسرائيل فإن الأمر في غاية الخطورة، لأن أي تصدع للمفاعل يعني تسريب المواد المشعة التي تسبب التلوث وتشكل خطراً على المنطقة المحيطة”.

إلى جانب هذا الخطر، وفق فعنونو، “هناك خطر جدي من القنابل النووية خصوصاً من نوع النيتروجين والهيدروجين التي تحتفظ بها إسرائيل. والمعروف أن هناك ثلاثة أنواع من الإشعاعات النووية، العالية والوسطى والمنخفضة، ولا توجد وسائل تضمن التخلص منها بشكل يحول دون خطر تسربها. وهنا تكمن المشكلة الإسرائيلية في كيفية التخلص من نفايات هذه الإشعاعات. فهي تحتفظ بحاويات لا تمنع بعد وقت معين تسرب هذه النفايات الخطرة تحت الأرض ومن ثم وصولها إلى المياه والمزروعات وتلويثها. وفي إسرائيل يدركون أخطار هذا الأمر”.

خطر على دول الجوار

من خبرة واطلاع فعنونو عما يحتويه مفاعل ديمونا كان قد حذر أيضاً من أن “الوضع بالنسبة إلى سكان الدول المجاورة يشكل خطورة أكبر عليهم من الإسرائيليين القريبين من الإشعاعات. فإسرائيل حرصت على سكانها ووزعت عليهم الحبوب (ضد الإشعاعات). وهي تحرص منذ بناء المفاعل على صحتهم، ولو بجزء بسيط، وتسعى إلى تخفيف أكثر ما يمكن من الأضرار، لكن هذا كله يتم على حساب سكان البلدان المجاورة لها. لنأخذ مثلاً المداخن الموجودة في ديمونا. فدوام العمل يكون عندما تكون الرياح موجهة نحو الأردن وهذا يعني أن أضرار الإشعاعات تصل إلى الأردن، وهكذا بالنسبة إلى بقية الدول”.

وإذا كان فعنونو تحدث عما يشكله السلاح النووي الإسرائيلي من خطورة بالغة على المنطقة برمتها منذ أكثر من 20 عاماً، وحذر من رئيس حكومة “أهوج” يستخدمها، فما صرح به الوزير عميحاي إلياهو حول إطلاق قنبلة على غزة جاء من معرفة كاملة له ولوزراء حكومته والمطلعين على أسرار الدولة وأخطار القنبلة النووية في حال وقعت في منطقة سكنية. “نبيد غزة في قنبلة نووية”… هذا ما قاله إلياهو وهذا ما يمكن لإسرائيل أن تفعله إذا ما قررت استخدام سلاحها النووي.