وصل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى إقليم كردستان، فيما يتوقع مراقبون أن تُتخذ خطوات عملية بشأن عمليات القصف التي تطال القواعد العسكرية والمطارات التابعة للتحالف الدولي، والتي تتبناها جهات مقربة من الحشد الشعبي.
السوداني وصل مطار أربيل الدولي ليلة الخميس، من دون إعلان مسبق، إذ إن مكتبه أعلن عن زيارته للإقليم بعد وصوله، في مؤشر إلى الحسابات الأمنية المتعلقة بذلك، وخصوصاً أن مراكز عسكرية ولوجستية للتحالف الدولي موجودة بالقرب من مطار أربيل، وإن كان ديوان مجلس وزراء الإقليم أعلن قبل أيام عن زيارة مرتقبة للسوداني.
تنسيق كردي لتجنيب العراق الدخول في الصراع
وكان رئيس الإقليم نيجرفان بارزاني قد وصف الهجمات على مواقع التحالف الدولي ضمن الإقليم بـ”التطور الخطير”، وذلك بعد اجتماع مطول بين قيادتي الحزبين الرئيسيين في الإقليم، الاتحاد الوطني الكردستاني والديموقراطي الكردستاني، داعياً رئيس الوزراء العراقي إلى “عدم السماح وفسح المجال أمام القوى الخارجة عن القانون لخلق المشكلات للعراق وإقليم كردستان، منتظراً تلبية هذا الطلب بأسرع وقت”، باعتباره القائد العام للجيش والقوات المسلحة، ومشدداً على عدم وجود أي مصلحة للعراق بالانخراط في مثل هذه الصراعات.
تأتي هذه التطورات عقب الهجمات شبه اليومية التي تُشن على “قاعدة حرير العسكرية” التابعة للتحالف الدولي شمال مدينة أربيل والمراكز اللوجستية للتحالف في الإقليم، والتي عادة ما تتبناها أطراف تسمي نفسها “المقاومة الإسلامية في العراق”.
وكانت الممثلة الرسمية لوزارة الدفاع الأميركية صابرينا سينغ قد أعلنت أنه منذ 17 تشرين الأول (أكتوبر) الفائت تعرضت القواعد العسكرية الأميركية في العراق وسوريا لـ40 هجمة على الأقل بالصواريخ والطائرات المسيرة، نصفها على الأقل تمّ على مقار في الإقليم.
مخاوف من التداعيات
مسألة الهجمات على الإقليم تحولت إلى حديث في الأوساط السياسية والاجتماعية والاقتصادية خلال الأسبوعين الماضيين، بعد سحب السفارة الأميركية عائلات موظفي قنصليتها في الإقليم، وتحذيرها مواطنيها من السفر إلى مختلف أنحاء العراق، بما في ذلك إقليم كردستان، والأمر نفسه اتخذته دول أخرى، مثل كندا وهولندا، وصارت الأوساط تتساءل عن التأثيرات الأمنية والاقتصادية لهذه الهجمات، والآليات التي يمكن للإقليم أن يرد عليها، لحماية سلامته وأمنه الداخلي.
مصدر سياسي في إقليم كردستان شرح في حديث إلى “النهار العربي” أن الإقليم لا يزال يعتبر المسألة قابلة للحل في المجال السياسي، من دون اللجوء إلى أي مواجهات وتصعيد عسكري. فالإقليم، بحسب المصدر، يعرف تماماً الجهات التي تنفذ هذه الأعمال، أياً كانت تسميتها لنفسها، أو الشعارات التي ترفعها. وفي السياق نفسه، فهي تعتقد بحزم أن رئيس الوزراء، بما يمثله من ثقل سياسي وعسكري وشرعي، على اطلاع تام بحقيقة هذه المجريات، وأنه قادر عبر سلطاته الدستورية والتنفيذية على وضع حد لها، التزاماً بواجباته.
الباحث والكاتب بلند هماوندي شرح في حديث إلى “النهار العربي” الأسباب التي تدفع بعض الجهات العسكرية إلى التصعيد ضد الإقليم، و”هي بوضوح، القوى السياسية والفصائل المقربة من إيران التي لا تخفي ذلك قط، وتالياً فإنها فعلياً قوى الحشد الشعبي. هذه الأخيرة محملة بعقدة تأسيسية تجاه إقليم كردستان، باعتبارها الجهة العراقية الوحيدة غير الخاضعة لسلطتها وإرادتها السياسية، وذلك استناداً إلى دعم أميركي واضح للإقليم، وبسبب الاستقرار الداخلي الذي يتمتع به، بعيداً من المركز”. ويضيف: “بذا تعتقد أن هذه النوعية من الهجمات قد تُنجز كل ذلك، وتخفف الوجود الأميركي الداعم لكردستان، وتخلخل الاستقرار في الإقليم، وتجبره على الدخول في صراع غير متكافئ”.
يضيف هماوندي أن “القادة السياسيين في الإقليم يعتقدون أن رئيس الوزراء يشغل منطقة وسطى في التشكيلة السياسية في البلاد، وهو قادر على ضبط الملف، قبل لجوئهم إلى أي آليات أخرى، مثل قصف مواقع الحشد بالأسلوب نفسه، أو حتى شن هجمات على المنصات التي تُطلق منها الصواريخ”.
وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قد وصل إلى العاصمة العراقية بغداد في زيارة مفاجئة قبل أيام، قالت مصادر أميركية إنها خُصصت لمناقشة الهجمات على القواعد الأميركية في العراق. لكن المُلاحظ أن السوداني زار إيران في اليوم التالي لزيارة بلينكن، ما دفع المتابعين للاعتقاد أنه قد نقل رسالة أميركية بشأن هذه الهجمات ضمن العراق.
عقب اللقاءات التي عقدها السوداني في الإقليم، مع كل من رئيس الإقليم ورئيس الوزراء وزعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني، صرح مستشاره فادي الشمري إلى وسائل إعلام محلية كردية قائلاً: “حكومة بغداد كانت واضحة من خلال الخطاب الذي أكدته مراراً في مختلف المنصات على أنها هي المعنية برسم الصياغات والسياقات وطريقة إدارة الملفات في القضايا الداخلية والخارجية، وهناك حراك وإعادة انتشار أمني في الأيام الأخيرة، وهذه الهجمات مدانة، والحكومة مُلزَمة بحماية البعثات الدبلوماسية والقواعد الأمنية، كما أن ثمة مجموعة من القرارات التي ستتخذ قريباً لمعالجة هذه المسألة”.