سواء أطلق عليهم “مواليد الحرب” أو “أطفال الصراع” يبقى السؤال الشائك: هل قرار الإنجاب في تلك الظروف حرية شخصية للأبوين؟ (أ ف ب)
ملخص
الغالبية المطلقة من جهود وخدمات ومناشدات المنظمات الأممية والحقوقية والخيرية لا تخرج عن إطار العمل والمطالبة بقدر أوفر من الإمكانات التي تتيح لـ”مواليد الحرب” حياة أفضل، أما الحديث عن مدى أخلاقية إنجابهم في تلك الظروف فلا يجرؤ أحد على الاقتراب منه، ولو فعل لوصف بالوحشية.
بين عامي 2018 و2023 ولد نحو 339 ألف طفل في حياة اللاجئين داخل مخيم أو في مكان إقامة مخصص للنازحين، أو في موقع انتقلت إليه العائلات قسراً بسبب الحرب والتهجير، أو طوعاً خوفاً من الموت والاعتداء. كل يوم يولد أطفال سواء لأمهات نزحن أو لجأن أثناء الحمل أو حملن بينما هن في وضع اللاجئين.
في الحروب والصراعات، سواء بقيت الأسر في قبضة الحرب أو في مخيمات أو أماكن نزوح، يستمر بعض الأسر في الإنجاب، ومنهم من ينجب بمعدلات تفوق معدلات العيش في ظروف ما قبل الحرب.
أطفال الصراع
وسواء أطلق عليهم اسم “مواليد الحرب” أو “أطفال الصراع” أو “أرواح تقاوم الموت” أو “مواليد غريزة البقاء” أو أي من التسميات العاطفية، يبقى سؤال يخشى أو يتحرج أو يمتنع البعض عن طرحه: هل قرار الإنجاب في ظروف الحرب والصراع واللجوء حرية شخصية للأبوين، وهل طرح سؤال حول مصير مواليد غريزة البقاء واحتمالات موتهم أو حرمانهم من الحد الأدنى للحياة الطبيعية وتقلص فرص حصولهم على تعليم جيد أو إلحاقهم بمدارس من الأصل، ناهيك بالرعاية الصحية والنفسية، وهل الإبقاء على السؤال حبيس الصدور أو أسير المجموعات المغلقة يفي بقواعد الصوابية ويناسب شروط الحقوقية، طالما ظل غير منطوق علانية؟
هل طرح سؤال حول مصير مواليد “غريزة البقاء” واحتمالات موتهم (أ ف ب)
الممثل السوري باسم ياخور كسر قاعدة الصوابية، وخرق قاعدة السرية قبل أيام وجاهر برأي يعده البعض جديراً بالتفكير، ويراه البعض الآخر خرقاً للحقوق وعصفاً بالإنسانية وحرماناً للضعفاء من غريزة حب البقاء.
قال ياخور في حوار تلفزيوني، إن الأوضاع الاقتصادية لا تسمح للأسر اللاجئة بإنجاب مزيد من الأطفال، ووجه نقداً لبعض السوريين المقيمين في مخيمات اللاجئين، الذين بحسب قوله “لا يجدون ما يأكلونه أو يشربونه، وعلى رغم ذلك ينجبون 15 ولداً. ومنهم من لجأ وكان معه ولدان، فأصبح لديه 16″. ووصف ياخور ذلك بـ”المخالف للمنطق”.
منطق الإنجاب
ومنطق الإنجاب يختلف من شخص لآخر ومن ثقافة لأخرى ومن ظروف إلى غيرها عربياً وإسلامياً. فما إن تكتب كلمة الإنجاب مصحوبة بكلمة قرار على محركات البحث، حتى تباغتك مواقع ومقالات وفتاوى تدور غالبيتها المطلقة حول حكم “القرار” في الإنجاب. بمعنى آخر يتركز بعض الاتجاهات في التفسيرات الدينية، لا سيما الإسلامية حول تحريك فكرة القرار في الإنجاب. جانب غير قليل من هذه الفتاوى والآراء ينص على تحريم منع الإنجاب أو التوقف عنه بعد عدد معين من الأبناء، طالما المرأة قادرة على الحمل والولادة. البعض الآخر، الأكثر ميلاً للوسطية، يفيد بإمكانية التباعد بين المواليد، مع التأكيد دوماً على عدم اتخاذ قرار التوقف، لأن ذلك يعد تدخلاً في مشيئة الخالق. ويظل هناك هامش من الأكثر انفتاحاً ومواكبة للعصر الحديث ممن يفتون بإمكانية تنظيم الأسرة، وإن ظل الخبثاء يلوحون بارتباط هذا الانفتاح الديني الرسمي غالباً بالنظام السياسي في دولة ما في وقت ما.
الوصول دائما إلى نقطة البداية… معنى أن تكون لاجئا
كيف باتت مخيمات سوريا بعد 14 عاما على الحرب؟
“حقائب الحرب”… ماذا يحمل أهالي غزة أثناء النزوح؟
النزوح القسري غربة اليمنيين داخل وطنهم
أما أوقات الفوضى العارمة والحروب الممتدة والصراعات المستمرة والنزوح الذي قد يمتد أشهراً أو أعواماً، والإقامة في المخيمات ومنها ما تحول إلى إقامة دائمة، فلا مجال أو متسعاً أو رفاهية للحديث عن فتاوى دينية أو تعليمات رسمية.
بحسب تقرير لوكالة “رويترز” (2012)، فإن ثلاثة أجيال من الفلسطينيين ممن نزحوا إثر إقامة دولة إسرائيل عام 1948 لم تعرف الحياة إلا داخل مخيمات الأمم المتحدة للاجئين. هؤلاء يضعون نصب أعينهم “حق العودة”، ويذكرون أنفسهم وأبناءهم وأحفادهم دوماً بأن الإقامة في المخيمات، مهما طالت عشرات الأعوام، وولد الفرد فيها ومات، يجب أن ينظر إليها باعتبارها موقتة.
مخيمات دائمة
مخيمات اللاجئين الفلسطينيين المعترف بها من قبل “وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين” (أونروا) حتى عام 2015 كانت مقسمة بين الضفة الغربية (19 مخيماً) ولبنان (12 مخيماً) والأردن (10 مخيمات) وسوريا (تسعة) وقطاع غزة (ثمانية). وتشير إحصاءات عدة إلى أن معدل الخصوبة لدى الفلسطينيات من اللاجئات يظل أعلى نسبياً من غير اللاجئات.
ومن اللجوء القديم إلى موجات الهجرة والنزوح واللجوء الحديثة في ضوء الصراعات، ما تفجر منها قبل أشهر، وما تفجر قبل أكثر من عقد ونجم عنه مزيد من اللاجئين واللاجئات، ومواليد الحرب بصرف النظر عن التسمية، سواء كانوا “مواليد البقاء” كنوع من مقاومة الموت أو الصراع أو الاحتلال، أو كانوا ضحايا يسددون الفواتير مرتين، مرة فاتورة هلع الأهل وخوفهم من الفناء، ومرة فاتورة الحرب وتعرضهم على مدار الساعة للموت، أو في الأقل الحياة تحت خط الإنسانية.
ظروف الحمل والولادة في عدد من دول المنطقة بالغة القسوة والسوء (أ ف ب)
مخيم الزعتري الذي افتتح في الأردن في 28 يوليو (تموز) 2012، مثال حي على مواليد الحرب واللجوء. فبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، استقبل المخيم 450 سورياً فارين من الحرب بعد اندلاع الصراع بأشهر معدودة. في العام التالي كان المخيم يأوي 120 ألف سوري.
حتى عام 2022، كان 20 ألف مولود قد خرجوا إلى الحياة في المخيم، بمعدل 40 مولوداً كل أسبوع. وتقول المفوضية إن الأطفال يشكلون نصف سكان المخيم، وكثير منهم لم يخرج أبداً منه. وتقدر الأمم المتحدة أن مليون طفل سوري ولدوا في مخيمات لاجئين بعد خروج ذويهم من سوريا وحتى عام 2022. الغالبية ولدت في مخيمات تعاني التكدس الشديد.
مواليد المخيمات
تقارير صحافية عدة على مدار أعوام الصراع في سوريا تطرقت إلى مواليد المخيمات، والقصص كثيرة، ومعظمها متطابق. حنين (20 سنة) جاءت مع أسرتها إلى مخيم وهي في سن الـ11 سنة. تزوجت ابن عمها. تقول إنها وزوجها كانا مترددين في البداية في إنجاب أطفال داخل مخيم، “ولكن ما العمل؟”.
العمل الذي أنجزاه كان إنجاب ثلاثة أطفال والرابع في الطريق. تقول في حوار صحافي، “الأطفال نعمة. أتمنى أن يكون الرابع هو آخر أبنائنا، ولكن زوجي يحب الأطفال كثيراً، ويقول إنهم نعمة من السماء”.
تقدر الأمم المتحدة أن مليون طفل سوري ولدوا في مخيمات (أ ف ب)
وفي تقرير آخر، تتحدث رنا التي تعرفت إلى زوجها اللاجئ أيضاً من سوريا في المخيم. تزوجا وأنجبا طفلين في السادسة والسابعة من العمر، والثالث كان في الطريق.
“منتدى البحوث الاقتصادية” (شبكة بحثية عربية مقرها مصر) تطرق إلى التركيبات والتغيرات الديموغرافية التي ينتج بعضها من موجات اللجوء. فمثلاً التركيبة الديموغرافية للأسرة في الأردن تشير إلى أن معدل الخصوبة للمرأة الأردنية بلغ 3.4 طفل، في حين تبلغ خصوبة المرأة السورية اللاجئة في الأردن نحو 4.4 طفل. وفي تركيا أشارت تقارير إلى أن معدل خصوبة المرأة السورية بلغ 5.3 طفل في وقت يبلغ معدل خصوبة المرأة التركية 2.08 طفل، وذلك خلال عام 2019.
وبحسب مفوضية اللاجئين، فإن ما يزيد على 47 في المئة من اللاجئين السوريين بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقل أعمارهم عن 18 سنة، وهو ما يعني أن عديداً من هؤلاء ولدوا أثناء النزوح وبعد الإقامة في المخيمات أو في الأماكن التي استقروا فيها في المنطقة.
تنظيم الأسرة اللاجئة
ضمن الرعاية الصحية المقدمة في عديد من مخيمات اللاجئين، لا سيما تلك التابعة لجهات ومؤسسات، تقدم خدمات تنظيم الأسرة، لكن الجانب الأكبر من هذه الخدمات لا يلقى إقبالاً أو شعبية.
قبح أو فجاجة، وربما صراحة، القول إن اللاجئين، أي لاجئين، ينجبون أطفالاً أكثر مما ينبغي، ومطالبتهم بالتوقف عن هذا الضخ غير المطلوب أو غير المرحب به أو غير المدروس أو ترشيده، تجعل كثيرين غير قادرين على طرح الفكرة. وهي بالمناسبة لا تتعلق فقط بقدرات الدول المستضيفة أو المنظمات الراعية والداعمة المحدودة على استيعاب أعداد كبيرة من القادمين الجدد، ولكن عن حق القادمين الجدد في حياة شبه لائقة.
“إذا حددنا النسل، فإننا نعطي إسرائيل فرصة الانتصار علينا ديموغرافياً” (أ ف ب)
يشار إلى أن الغالبية العظمى من المنظمات والجمعيات التي تعمل في مجال رعاية اللاجئين لا تتطرق إلا إلى حق الأمهات والمواليد والأطفال في رعاية طبية ونفسية، وحد أدنى من متطلبات الحياة كثيراً ما يكون توافرها تحدياً بالغ الصعوبة.
منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) تشير في تقرير لها، إلى أن عام 2018 وحده شهد ولادة أكثر من 29 مليون طفل في مناطق متأثرة بالنزاعات. وجاء في التقرير أن العنف المسلح الذي اجتاح دولاً مختلفة مثل الصومال والسودان وسوريا واليمن أدى إلى أن يقضي أكثر من طفل بين كل خمسة أطفال اللحظات الأولى من حياته على الأرض تحت وطأة فوضى النزاع والعنف وآثارهما، وهي بيئة غير آمنة على الإطلاق ومرهقة للغاية للأم والأب والأطفال.
وأشار تقرير صادر عن منظمة “أنقذوا الطفولة” في يونيو (حزيران) عام 2023، أي قبل أحداث غزة، أن 468 مليون طفل في العالم يعيشون في مناطق متأثرة بالصراعات المسلحة. وكان العدد يقدر بـ455 مليون طفل فقط عام 2021.
الفكر الإقصائي مرفوض
اللافت، والمتوقع أن الغالبية المطلقة من جهود وخدمات ومناشدات المنظمات الأممية والحقوقية والخيرية لا تخرج عن إطار العمل والمطالبة بقدر أوفر من الإمكانات التي تتيح لـ”مواليد الحرب” حياة أفضل. أما الحديث عن مدى أخلاقية إنجابهم في تلك الظروف من الأصل، فلا يجرؤ أحد على الاقتراب منه ولو فعل وصف بالوحشية، ونعت بالديكتاتورية.
شتان بين الأصوات المطالبة بعدم إنجاب الأطفال في عالم تعصف به الحروب ويؤثر عليه تغير المناخ ومعرض لحرائق الغابات وربما فيضانات وزلازل ويواجه بالفعل أزمة غذاء ومرشح لعدد من حروب المياه، وهي أصوات في العالم الأول غالباً حيث التأثيرات السلبية على الصغار في حدودها الدنيا، وبين الأصوات التي لا تجرؤ على مناقشة قرار إنجاب الأطفال في الحروب والصراعات وأوضاع اللجوء والنزوح، سواء بالتأييد أو الرفض.
قبح أو فجاجة، وربما صراحة، القول إن اللاجئين ينجبون أطفالاً أكثر مما ينبغي (أ ف ب)
قبل حرب القطاع بعامين تقريباً، حذرت دراسة صادرة عن “مؤسسة الدراسات الفلسطينية” للباحث فادي جمال عنوانها “معدلات الإنجاب في غزة: انفجار سكاني قريب”، من أن “معدل سبعة مواليد كل ساعة في غزة ينذر بانفجار سكاني قريب في ظل محدودية المساحة الجغرافية للقطاع، إضافة إلى انسداد الأفق السياسي وتردي الواقع الاقتصادي”.
وأشار الباحث إلى أن هذا الخطر الذي كان يلوح في الأفق لا يلقى اهتماماً لدى السكان، مستشهداً بما قاله أحد سكان شمال القطاع من أنه ليس مضطراً للتوقف عن الإنجاب بسبب محدودية مساحة مسكنه الذي يضم 14 شخصاً، واصفاً إياهم بـ”عزوتي”، إضافة إلى أنه “إذا حددنا النسل، فمعنى ذلك أننا نعطي إسرائيل فرصة الانتصار علينا ديموغرافياً”.
انتصار أو هزيمة
الانتصار أو الهزيمة الديموغرافية لا يؤثران كثيراً في العناوين اليومية القادمة من غزة منذ صبيحة السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، التي لا تخلو من كلمتي “أطفال” و”مأساة” ومفردات الأخيرة.
“أطفال الحرب في غزة نسوا اللهو”، “الأطفال الأكثر معاناة من وطأة العنف في غزة”، “رحلة رضع غزة المستحيلة للحصول على الطعام”، “حياة أطفال غزة مهددة بسبب سوء التغذية”، “أطفال غزة أسرى الجوع واليتم”، “عمالة الأطفال في غزة وجه آخر لصراع البقاء”، ومئات من العناوين لا تدل إلا على علاقة وطيدة بين الأطفال والمآسي.
مقاطع الفيديو وشهادات السكان وحكايات النازحين وتقارير المنظمات ومناشدات الجمعيات جميعها يبحث عن ولادة آمنة للحامل، ورعاية صحية لما بعد الولادة، وقدر أدنى من الغذاء يضمن بقاء الأم والمولود في صحة جيدة قدر الإمكان. وهذا ينطبق على نساء غزة في الداخل، ومن نزحن إلى مناطق أخرى في القطاع، ومن نجحن في عبور الحدود إلى دولة مجاورة، وكذلك السوريات المقيمات في مخيمات اللاجئين، سواء النازحات في داخل سوريا أو من عبرن الحدود إلى دولة من دول الجوار، وغيرهن من النساء في وضعية الحرب واللجوء.
AFP__20240724__364Q8HG__v3__Preview__TopshotPalestinianIsraelConflict.jpg
شهد عام 2018 وحده ولادة 29 مليون طفل في مناطق متأثرة بالنزاعات (أ ف ب)
مجلة “ذو كت” الأميركية نشرت عام 2018 حواراً مع سيدة سورية في الـ24 من عمرها. حكت السيدة عن محاولات الهرب المتكررة من سوريا بسبب الأحداث الدامية. تقول إنها حملت في ابنها الأول في لبنان وأنجبته في سوريا. والثاني حملت فيه ووضعته في سوريا. والثالث حملت فيه في تركيا ثم قررت وزوجها خوض تجربة الهجرة عبر مركب مطاطي. ونجحت المحاولة على رغم صعوبتها، إذ كان صغيراها في حال ذعر طوال الرحلة، وشعرت بتعب شديد بسبب الحمل، لكنها وضعت بسلام في معسكر للاجئين في اليونان.
غالبية التعليقات على الحوار اتسمت بالتعاطف، وكذلك الإعجاب بشجاعة السيدة وزوجها. لكن البعض حاد عن الخط وطرح أسئلة تراوحت ما بين ضرورة الكشف عن القوى العقلية للأب والأم، والتي جعلتهما يتخذان قرار تكرار الإنجاب في ظروف كتلك، أو نعتهما بالأنانية أو عدم المسؤولية.
بعيداً من الاتهامات وسجالات مسؤولية ومنطقية قرار الإنجاب، تبقى حقيقة واقعة وهي أن ظروف الحمل والولادة في عدد من دول المنطقة بالغ القسوة والسوء لدرجة وصفها من قبل الطواقم الطبية المتبقية، حال وجودها، بـ”أسوا من جهنم”.
أسوأ من الكوابيس
وصف تقرير لوكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا) في مارس (آذار) الماضي ظروف الحمل والولادة في القطاع بـ”أسوأ من جهنم”. ووصفت ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان في الأراضي الفلسطينية دومينيك آلن الوضع بأنه “كارثي بالنسبة إلى النساء الحوامل”، و”بسبب الكثافة السكانية في غزة وغياب أماكن آمنة، فإن الوضع أسوأ من كل كوابيسنا”.
تقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان عن حالات الحمل في الحروب والصراعات (2022) أشار إلى أن كثيراً من حالات الحمل في الحروب والصراعات تكون غير مقصودة. كما أشار إلى أن أكثر من ربع النساء المتزوجات أو في علاقة مع شركاء لا يمكنهن رفض العلاقة الحميمية.
وأشار التقرير إلى أن الأزمات والصراعات تسلب النساء حريتهن في الاختيار على كل المستويات، وهو ما يزيد احتمالات حدوث الحمل غير المقصود بصورة كبيرة. وتتفاقم هذه الاحتمالات في ظل صعوبة وأحياناً استحالة الحصول على وسائل منع الحمل في ظروف الصراعات الصعبة.
AFP__20240724__364Q8HJ__v1__Preview__PalestinianIsraelConflict.jpg
الحديث عن مدى أخلاقية إنجابهم لا يجرؤ أحد على الاقتراب منه (أ ف ب)
لكن التقرير يتجاهل أو لا يتطرق إلى الحمل المقصود بل والمتزايد في الحروب والصراعات، كون الإنجاب ترجمة لغريزة التمسك بالحياة والبقاء حتى لو كانت فرص القادم الجديد وذويه وأقاربه 50/ 50 في البقاء على قيد الحياة، أو قيام العزوة العددية بدور المهدئ النفسي من هلع الحرب وقسوة الصراع وضبابية المستقبل أو غياب مفهوم تنظيم الأسرة أو تحديد النسل من الأصل واعتبار الإنجاب المتواتر تصرفاً طبيعياً واعتيادياً أو ارتباط المساعدات بعدد الأطفال فكلما زاد عددهم زادت المساعدات أو حاجة الزوج أو الزوجين للشعور بالاطمئنان أو الأمان، وهو شعور لا يتوافر إلا بالتقارب الجسدي من دون حماية، أو غيرها من الأسباب التي تجعل بعض بالنساء في غزة مستمرات في الحمل على رغم حرب القطاع الضارية، وبعض النساء السوريات اللاتي لا يزلن يقمن في مخيمات لاجئين أو أماكن نزوح ينجبن بمعدلات مرتفعة، وبعض النساء السودانيات يحملن مع دخول الحرب عامها الثاني وارتفاع معدلات الخصوبة للمرأة السودانية في زمن السلم إلى 4.46 طفل، ونساء اليمن أيضاً مستمرات في الحمل على رغم أن واحدة منهن تموت كل ساعتين أثناء الحمل والولادة بسبب عدم الحصول على خدمات الصحة الإنجابية، وأمثلة الحمل في زمن الحرب في المنطقة كثيرة.
في تلك الأثناء، تجري جهات عدة دراسات وبحوثاً عن صحة الأطفال النفسية والعقلية في الحروب والصراعات، أو في مخيمات اللاجئين، أو أماكن النزوح، لكنها تبقى حقائق نظرية مرفوعة من الخدمة حيث الحروب مستمرة، ومن الأهل من يمضي قدماً في الإنجاب، ومن يبقى على قيد الحياة من القادمين الجدد يجد نفسه على الرغم منه ترساً في ماكينة الحرب وتفاصيلها اليومية.