ولد الكاتب الأرجنتيني سيرجيو بيزيو بمدينة بوينس آيريس عام 1956، وهو روائي وكاتب مسرحي وكاتب سيناريو. بدأ حياته الأدبية شاعرا ثم تحول إلى الكتابة السردية. صدر له عدد كبير من المؤلفات ويعتبر أحد المجدّدين في الأدب الأرجنتيني، وكثيرا ما أشيد به بوصفه واحدا من أفضل الكتاب المعاصرين في بلده. فازت جميع الأفلام التي اقتبست عن أعماله الأدبية بجوائز مرموقة في مهرجانات سينمائية.

فاز بيزيو بالجائزة الوطنية لعام 2022 في فئة القصص القصيرة/الحكايات التي تقدمها وزارة الثقافة الأرجنتينية عن مجموعته القصصية “الفتح والقزحية والبناء”، كما حصلت روايته “غضب” على الجائزة الدولية لرواية التنوع في إسبانيا. حول أعماله الأدبية وعلاقته بالقراءة والكتابة كان لـ “المجلة” معه هذا الحوار.

• في روايتك الأشهر “غضب” يتوازي السرد بين قصة بطل الرواية خوسيه وحياة العائلة الثرية التي يختبئ في قصرها ويعيش فيه كالشبح لسنوات. فهل كان سجنه اختياريا؟

خوسيه هو عامل بناء في موقع بناء قريب جدا من القصر الكبير حيث تعمل صديقته خادمة منزل. بعد مشاجرة عنيفة مع رئيسه، قتله خوسيه، واستغل الفرصة الأولى، ودخل القصر وبقي هناك مدى الحياة، يتحرك في جميع أنحاء المنزل مثل الشبح، يتجاهله الجميع، بما في ذلك الخادمة. ليس لديه خيار. إما أن يبقى مختبئا هناك، وإما أن ينتهي به الأمر في السجن. تلك هي بداية “غضب”. ثم تتوسع الحكاية إلى مجالات مختلفة: القصة البوليسية، والميلودراما، ورواية الأشباح الواقعية. أعتقد أنه يمكن قراءتها كقصة رمزية للعنف الاجتماعي الحضاري، الذي يتمحور حول الانتقام الطبقي وتتخلله سلسلة من الملاحظات عن الحياة اليومية للبرجوازية العليا في بوينس آيريس.

 

أحب طرح المواضيع الثانوية، أي عكس المواضيع العالمية الكبرى التي تفسح المجال للصرامة والخداع

هل كنت متحمسا لفكرة تحويل الرواية إلى فيلم من إخراج سيباستيان كورديرو؟
كما يعلم الجميع، فإن نقل العمل الأدبي إلى فيلم (أو مسرح، أو أي شيء آخر) هو أكثر من كونه تغييرا للمؤلف: في هذه الحالة ينتقل العمل من الكاتب إلى المخرج، الذي سيجعله ملكا له. لذلك، لا أتحدث عن الحماسة بل عن الفضول. لقد شاهدت فيلما لسيباستيان كورديرو وأعجبني. لذلك وقعت على عقد مع شركة الإنتاج بأن الفيلم سيكون بالكامل للمخرج وليس مجرد تصوير لروايتي. وهكذا كان الأمر، لحسن الحظ لكلينا.

العالم الجديد
• في روايتك “مفقودون”، تستكشف صراع الحضارات من خلال مجموعة تائهة من البحارة واللصوص والقتلة ورجال الشرطة. هل يمكنك توضيح رمزية الشخصيات في هذه الرواية؟

إنهم من أولئك الأشخاص الذين شاركوا في غزو القارة الأميركية. تروي الرواية مغامرات مجموعة من البحارة من مختلف الأنواع الذين تاهوا في غابة. كانوا يعانون من جميع أنواع الأمراض، ويقودهم الجوع إلى أكل أولئك الذين يموتون، ثم تحتجزهم عدة أشهر قبيلة منمقة للغاية تعتبرهم أكثر من مجرد حيوانات، ثم تختطفهم قبيلة ثانية، لكن هذه القبيلة وحشية للغاية. حتى يتمكنوا من الهروب والعودة إلى البحر، حيث يشهدون اتفاقا احتياليا بين شخصيتين تاريخيتين من القرن الخامس عشر، كريستوفر كولومبوس وأمريكو فيسبوتشي. باختصار، هي قصة كتبها بطل الرواية، وليست رواية شفهية بصيغة المضارع. إنها نوع من المذكرات التي يتعهد بها الراوي عندما يرفض الملك استقباله في أوروبا. لذا، فهو، المحتقر، يسمح لنفسه بأن يكون وقحا ومهرطقا وفاحشا. ومن هنا تأتي مفارقات الرواية ومنعطفاتها، التي تتخللها دائما الفكاهة، والمفارقات التاريخية المتعمدة والمتطرفة والعبثية. إنها صورة عن العالم الجديد.

• تتناول رواية “الواقع”، فكرة الوهم من خلال سرد قصة إرهابيين يقتحمون مبنى قناة تلفزيونية أثناء مسابقة تنقل على الهواء مباشرة. ما الذي ألهمك كتابة هذه الرواية؟

المصادفة وحدها هي التي ألمهتني هذه الرواية. ذات يوم كنت مستلقيا على كرسي منغمسا في قراءة رواية “صحراء التتار” لدينو بوزاتي، وهي رواية أحبها، وفي الوقت نفسه كان هناك شخص ما في غرفة المعيشة يشاهد البث الأول لبرنامج الواقع “الأخ الأكبر” وفي لحظة معينة خطرت في ذهني جملة “إذا كان ما يلي سيُقرأ على أنه رواية، فيجب أن يقال على الفور إن الإرهابيين دخلوا القناة بشي اعتيادي: بالدم والنار، فنهضت وشرعت في الكتابة.

مواضيع ثانوية
• هل هناك شخصيات من أعمالك ما زال صداها يتردد في داخلك، وكيف تتناول كتبك موضوعات الحب والهوية والحالة الإنسانية بطرق غير تقليدية؟

أحب طرح المواضيع الثانوية، أي عكس المواضيع العالمية الكبرى التي تفسح المجال للصرامة والخداع. في مواجهة التظاهر بعدم الارتياح والطموح إلى أن أكون موضوعيا ومشاكسا وقاسيا، باستخدام هذا الموضوع أو ذاك، وكما قال بيوي كاساريس: “الفكرة الرئيسية تكمن في الشجاعة”، فإنني أفضل الكتابة عن الكائنات الفضائية، الذين أسميهم دائما المريخيين، كما يفعل الأطفال. وهذا يمنحني حرية هائلة (وهذه الحرية هي الشيء الوحيد المهم) للحديث عن الحب والهوية والحالة الإنسانية، مثلما يتحدث الأطفال عن حلزون انتحاري يبحث عن الماء على ضفة نهر أو عن طاقم مركبة فضائية غامضة فائق الذكاء. عندما يقتربون من الأرض يدخنون ويمارسون المقالب بعضهم ضد بعض. انا اعرفهم. سكان المريخ هم أصدقائي في طفولتي ومراهقتي في المدينة الريفية التي ولدت فيها، حتى لو كانوا يأتون من كوكب آخر.

• تجمع في كتاباتك بين الكوميديا السوداء والسريالية والتعليقات الاجتماعية. كيف يمكنك تحقيق التوازن بين هذه العناصر بشكل فعال؟

إنها تحضر معا عفو الخاطر. أنا لا أضع الخطط ولا أحسب أي شيء. أبدأ بجملة أو مشهد ثم أتقدم جملة أخرى، مشهدا آخر، حتى “يظهر شيء ما”، مثلما قال رولان بارت. بهذا المعنى أنا كاتب هيبيّ: أكتب دون خطة مسبقة وأترك نفسي حرّة خلال الكتابة.

لن نعرف أبدا من سيقرأنا أو كيف أو لماذا، ولهذا السبب فليس من المنطقي أن تكتب وأنت تفكر في القارئ

غالبا ما تأخذ رواياتك منعطفات غير متوقعة. كيف تساهم الحبكة في إبقاء القراء منخرطين في قراءة النص؟ هل يمكنك مشاركتنا لمحات حول عملية الكتابة الإبداعية وتطوير الشخصيات والسرد؟
مثلما أسلفت فإنني أنجرف مع الكتابة حتى أخرج بشيء أجده مثيرا للفضول أو للاهتمام، فأمضي في إثره. والشيء نفسه يحدث مع المواضيع، إن وجدت. لا أكتب لأنني كنت مهتما سابقا بموضوع ما، بل على العكس: فما هو مثير للاهتمام يظهر خلال الكتابة. ومن ثم تتشكل الشخصيات. قيل لي مرات عدة إن بدايات رواياتي قوية، لكن تلك هي بدايات الرواية المنشورة. أميل إلى كتابة العديد من الصفحات أولا. ولا أحد يعلم كم من تلك الصفحات حذفت قبل أن أصل إلى تلك البداية القوية. هذه طريقتي في العمل بصورة عامة.

• كان الشعر أول خطواتك في عالم الأدب. ماذا بقي منك كشاعر في عصر هيمنة الرواية؟

توقفت عن كتابة القصائد تدريجيا، ربما لأنني أدركت أنه من الأسهل كتابتها نثرا في القصة. أما عن إتقان الرواية، فذلك يشير إلى السوق، وهو ما لا يناسبني: ما زلت قارئا دؤوبا للشعر.

• نشرت أول أعمالك في بداية ثمانينات القرن الماضي، كيف ترى تأثير الانفتاح العالمي على علاقتك مع القراء؟

علاقتي بالقارئ لم تتغير منذ ذلك الوقت وحتى وقتنا الراهن. القارئ شخص مجرد. أعني أننا لن نعرف أبدا من سيقرأنا أو كيف أو لماذا، ولهذا السبب فليس من المنطقي أن تكتب وأنت تفكر في القارئ. كتبت دائما لنفسي فقط. وكان خورخي لويس بورخيس لديه نطاق أوسع قليلا عندما قال: “أكتب لنفسي، ولأصدقائي ولتخفيف وطأة مرور الزمن”.

• حدثنا عن المؤلفين والكتب التي أثرت فيك فكريا وعاطفيا…

قائمتي لا نهاية لها. وهي من دون ترتيب “الجمل” للكاتب الإنكليزي لورد بيرنرز، “الشرطي الثالث” للكاتب الأيرلندي فلان أوبراين، “حياة وآراء تريسترام شاندي” للكاتب الأيرلندي لورانس ستيرن، “البوق السمعي” للكاتبة الإنكليزية لونورا كارينغتون، “معبد الجناح الذهبي” للكاتب الياباني يوكو ميشيما، كل أعمال كافكا، سيزار آيرا، أوزفالدو لامبورغيني، هنري ميشو، سيزار فاييغو… لو كنت أملك عمرا آخر، لأمضيته في قراءة هؤلاء المؤلفين.