بين مضايقات لعائلات الضحايا وغياب محاسبة المسؤولين وتزايد عمليات الإعدام، يجد مناهضو السلطات في إيران أنفسهم أمام واقع قاتم بعد عامين على اندلاع الاحتجاجات التي أعقبت وفاة مهسا أميني، وكانوا يأملون في أن تشكّل نقطة تحوّل بعد أكثر من أربعة عقود على قيام الجمهورية الإسلامية.
في 16 أيلول (سبتمبر) 2022، توفّيت الشابة الكردية الإيرانية عن 22 عاماً بعد أيام من توقيفها لدى شرطة الأخلاق في طهران على خلفية عدم التزامها بقواعد اللباس الصارمة.
وشكّلت وفاة أميني شرارة احتجاجات كانت من الأكبر منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979. وعلى رغم تراجعها الملحوظ بعد أشهر على اندلاعها، يتمسّك الناشطون والمعارضون في الخارج بفكرة أن هذه التحرّكات تركت بصمة دامغة في المجتمع الإيراني.
كانت النساء محور الاحتجاجات، وانتفضن خلالها بوجه إحدى الركائز الأساسية التي يقوم عليها النظام الإسلامي، وهي إلزامية الحجاب. قامت العديد منهنّ بخلعه وإحراقه في مشاهد لم تعهدها شوارع طهران ومدن كبرى. ورأى محلّلون أن الاحتجاجات كانت من أكبر التحديات التي واجهتها الجمهورية الإسلامية منذ نشأتها.
واعتبرت السلطات أن معظم التحرّكات “أعمال شغب” تغذّيها أطراف غربية أو معادية للثورة، وقمعتها بشدّة. وبحسب منظّمة العفو الدولية، استخدمت قوات الأمن الإيرانية الأسلحة النارية لمواجهة المحتجين.
وتقول منظّمات حقوقية إن 551 شخصاً قتلوا خلال الاحتجاجات، في حين تؤكد السلطات أن عشرات من عناصر قوات الأمن لقوا حتفهم كذلك. وتمّ توقيف آلاف الأشخاص، بحسب الأمم المتحدة.
بعد مرور عامين، تؤكد منظّمات حقوقية أن السلطات تواصل قمع أي تحرك.
وأعلن القضاء الإيراني في آب (أغسطس) تنفيذ حكم الإعدام بحق غلام رضا رسائي بعد إدانته بقتل ضابط في الحرس الثوري طعناً “خلال التظاهرات غير المشروعة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022”.
وارتفع بذلك الى عشرة عدد الذين تمّ إعدامهم بتهم متصلة بالاحتجاجات.
وتحذّر منظّمات حقوقية من أن طهران تستخدم العقوبة القصوى كأداة ترهيب.
وبحسب منظمة “حقوق الانسان في إيران” ومقرّها النروج، نفّذت سلطات الجمهورية الإسلامية 402 حكماً بالإعدام خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري، منها 100 على الأقل في آب (أغسطس).
وقالت نائبة مدير منظمة العفو للشرق الأوسط وشمال أفريقيا ديانا الطحاوي إن “عدداً لا يحصى من الأشخاص في إيران ما زالوا يعانون من عواقب القمع الوحشي الذي مارسته السلطات”.
“تعنيف الناس مرّتين”
وبحسب منظّمة “هيومن رايتس ووتش”، تعرّض أفراد عائلات عشرات من الذين قتلوا أو أعدموا أو سجنوا على هامش الاحتجاجات، للتهديد أو المضايقة أو حتى التوقيف بناء على اتهامات باطلة.
وقالت الباحثة في “هيومن رايتس ووتش” ناهيد نقشبندي “تعنّف السلطات الإيرانية الناس مرتين، مرّة بإعدام أو قتل أحد أفراد أسرتهم، ومرّة باعتقال أحبائهم بسبب مطالبتهم بالمساءلة”.
ومن بين الموقوفين، ما شاء الله كرمي، والد محمد مهدي كرمي الذي أعدم في كانون الثاني (يناير) 2023، وكان في الثانية والعشرين من العمر. وحكم على الوالد بالسجن ستة أعوام في أيار (مايو)، وتسعة أعوام في حكم ثانٍ في آب.
وأسّست الاحتجاجات لتغيير بدا جليّاً في بعض أنحاء طهران والمدن الكبرى، وهو تخلّي العديد من النساء عن الحجاب أو تغطية شعرهن في الأماكن العامة.
فشدّدت السلطات القيود لضبط الالتزام بوضع الحجاب، مثل استخدام كاميرات مراقبة في الشوارع.
وأفادت منظمة العفو بأن السلطات أطلقت في نيسان (أبريل) 2024 حملة “خطة نور”، زادت على إثرها “بشكل ملحوظ” الدوريات الأمنية بمختلف أشكالها “لفرض الحجاب الإلزامي”. وأوضحت أن “القمع شمل مطاردات خطرة بالسيارات لتوقيف السائقات على الطريق، والمصادرة الجماعية لمركباتهن”.
واتّهم خبراء في الأمم المتحدة السلطات هذا الأسبوع بـ”تكثيف” قمعها للنساء، مشيرين الى أن “قوات الأمن صعّدت أكثر أنماط العنف الجسدي القائمة أساساً، بما في ذلك الضرب والركل وصفع النساء والفتيات اللواتي يُعتبر أنهن فشلن في الامتثال إلى قوانين وقواعد الحجاب الإلزامي”.
ولفتت منظّمة العفو الى تقارير عن مطاردة عناصر الشرطة في شمال إيران في تموز (يوليو)، سيارة كانت بداخلها أريزو بدري (31 عاماً) بغية مصادرتها تنفيذاً لعقوبة سابقة مرتبطة بالحجاب. وأشارت الى أنهم أطلقوا النار على السيارة، ما أدى لإصابة بدري بالشلل.
وعلى رغم أن مهمة تقصّي حقائق تابعة للأمم المتحدة خلصت في آذار (مارس) إلى أن العديد من الانتهاكات خلال حملة القمع ترقى الى مستوى جرائم ضد الانسانية، لم تتمّ محاسبة أي مسؤول.
“تحوّلات جوهرية” مقبلة؟
ويرى محلّلون أنه على رغم تمكّن السلطات بقيادة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي من تجاوز التهديد الذي مثّلته قضية مهسا أميني، إلا أن الاحتجاجات أدّت لتغيير جذري في المجتمع الإيراني.
وقالت رويا برومند “العديد من الشابات ما زلن يرفعن لواء التحدي”.
وأضافت المؤسِسة المشاركة لمركز عبد الرحمن بورومند المعني بحقوق الإنسان في إيران، ومقرّه واشنطن، أن “قيادة الجمهورية الإسلامية لم تتمكّن بعد عامين من الاحتجاجات، من إعادة الوضع القائم إلى سابق عهده أو استعادة مشروعيتها المفقودة”.
ورأت مجموعات حقوقية أن إعدام رسائي في آب بعد أيام من تولي الإصلاحي مسعود بزشكيان منصب رئيس الجمهورية، يؤشّر إلى أن السلطات لا تعتزم تغيير نهجها المتعلّق بتطبيق عقوبة الإعدام.
من جهّة أخرى، كشفت الاحتجاجات اختلافات كبيرة في صفوف المعارضة في المنفى، في ظل غياب مجموعة موحّدة قادرة على استثمار هذه التحرّكات سياسياً في الداخل أو الخارج.
وباءت بالفشل كل المحاولات لإيجاد صيغة قابلة للحياة بين مجموعات متباعدة من الملكيين والقوميين والليبراليين.
وقال الأستاذ الزائر في جامعة بوسطن الأميركية آرش عزيزي إن التحركات الاحتجاجية “هزّت النظام الإيراني حتى العظم وأكّدت خيبة الأمل الكبيرة للإيرانيين من الواقع الراهن”.
وأشار مؤلف كتاب “ما يريده الإيرانيون” إلى أن التحركات “أظهرت كذلك الإفلاس المطلق لبدائل المعارضة”.
وأضاف “ما زلت أعتقد بأن إيران لن تعود إلى ما قبل 2022. وخلال السنوات القليلة المقبلة، ستشهد الجمهورية الإسلامية على الأرجح تحولات جوهرية”.