سميح صعب
أياً تكن نتائج الحل العسكري الذي تسعى إسرائيل إلى فرضه على قطاع غزة، فإنه لن يشكل حلاً للقضية الفلسطينية التي صار عمرها أكثر من 75 عاماً. الحرب الجديدة سشكل رقماً في عدد الحروب التي خاضتها إسرائيل على مدى هذه العقود.
إسرائيل قبلت على مضض بمؤتمر مدريد للسلام عام 1991، بعد أربعة أعوام من الانتفاضة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبعد ضغوط نادرة مارسها الرئيس الأميركي جورج بوش الأب عامذاك على رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق شامير كي يقبل بانعقاد المؤتمر الذي كانت واشنطن قد وعدت الدول العربية بعقده إذا شاركت إلى جانب القوات الأميركية في عملية “عاصفة الصحراء” لطرد القوات العراقية التي غزت الكويت في آب (أغسطس) 1990.
حاول شامير التملص من الذهاب إلى المؤتمر، لكن بوش هدد بوقف ائتمانات القروض لإسرائيل، ما أجبر الحكومة الإسرائيلية على الإذعان والذهاب مكرهة إلى المؤتمر. ثم بعد سقوط حكومة شامير ومجيء إسحق رابين، تم التوصل إلى اتفاقات أوسلو عام 1993.
لكن تنفيذ الالتزامات الإسرائيلية في الاتفاق شهد تسويفاً وتأجيلاً، إلى أن جاء بنيامين نتنياهو إلى السلطة عام 1996 عقب اغتيال رابين في 1995، فانصبّ كل همه على تقويض فكرة التفاوض من أساسها. وبدأت المفاوضات تراوح مكانها مع إيهود باراك في كمب ديفيد وطابا، ومن ثم توقفت مع وصول آرييل شارون إلى السلطة، واندلاع الانتفاضة الثانية، وصولاً إلى “خطة الفصل” التي نفذها شارون عام 2005 من جانب واحد من قطاع غزة. وبعد وفاة شارون وصل إيهود أولمرت إلى السلطة، لتبدأ مفاوضات متقطعة مع السلطة الفلسطينية، إلى أن عاد نتنياهو إلى الحكم عام 2009.
شكل عام 2009 بداية انحراف إسرائيل إلى اليمين المتطرف، وغذى نتنياهو هذه النزعة وجعل من توسيع الاستيطان البند الأول لسياساته ليستقطب الأحزاب القومية والدينية المتطرفة ليتمكن من الاحتفاظ بالسلطة.
وتحت ضغط هائل من الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، الذي وصل إلى البيت الأبيض عام 2009 متعهداً إنهاء الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وافق نتنياهو على استئناف التفاوض مع السلطة الفلسطينية.
ومع ذلك، التف نتنياهو على أوباما بواسطة الكونغرس ونجح عام 2014 في وقف التفاوض مع الفلسطينيين نهائياً، ومضى في توسيع المشاريع الاستيطانية في القدس والضفة الغربية، مقوضاً بذلك أي احتمال لقيام دولة فلسطينية. وشكل وصول دونالد ترامب المدعوم من الإنجيليين المولودين ثانية نقطة تحول في مسار القضية الفلسطينية. إذ رغبة منه في استمالة هذه القاعدة الإنجيلية المؤيدة بالمطلق لإسرائيل، نسف ترامب حل الدولتين واعترف بسيادة إسرائيل على القدس ونقل السفارة الأميركية إليها واعترف بها “عاصمة أبدية” لإسرائيل، وكان في سبيله إلى الاعتراف بسيادة إسرائيل على التجمعات الاستيطانية في الضفة الغربية التي تلتهم أكثر من 40 في المئة أراضي الضفة.
ولم يغير بايدن كثيراً مما اتخذه ترامب من قرارات على رغم تكرار تأييده حل الدولتين. كان بايدن يخشى التصادم مع نتنياهو، فضلاً عن نشوب الحرب الروسية – الأوكرانية في 2022، والتي استقطبت جل اهتمام واشنطن.
وبعد فترة لا تتجاوز العام التي أقصي فيها نتنياهو عن السلطة بواسطة ائتلاف من اليمين القومي والديني، تناوب خلالها نفتالي بينيت ويائير لابيد على رئاسة الوزراء، وكلاهما مناهض لمبدأ قيام دولة فلسطينية، عاد نتنياهو إلى الحكم أواخر 2022 على رأس حكومة هي الأكثر تطرفاً، قومياً ودينياً، في تاريخ إسرائيل، وعلى جدول أعمالها توسيع الاستيطان وضم الضفة الغربية.
الممارسات التي انتهجتها حكومة نتنياهو تسببت في غليان الضفة الغربية التي كانت على وشك انتفاضة ثالثة. ممارسات الجيش الإسرائيلي والمستوطنين كانت الدافع الأكبر لانفجار غزة.
واليوم، لا يرى نتنياهو سوى الحل العسكري وسيلة للتعامل مع الفلسطينيين. ولذلك، لن تعدو الحرب الإسرائيلية على غزة سوى حلقة أخرى في سلسلة من الصراعات التي لا تنتهي منذ 75 عاماً.